مع أبو ياسر في التقسيم الثلاثي للمكون الإرتري - القسم الثاني من الحلقة الأولى
بقلم البروفيسور الدكتور: جلال الدين محمد صالح
إنه مجرد تقسيم حضاري، يستند إلى التاريخ، كما قرأته أنا وفهمته، جاء ضمن التقسيم الديني الثنائي (مسلمون) (مسيحيون) وهو
تقسيم طائفي، عند بعض النخب المتحاورة، في مجموعة (حوار لوعي مشترك) ولا تراه، بعض هذه النخب، صائبا، ولا تحبذه حلا في إشكالية تدافع السلطة والثروة، من واقع أنه خطر على الوحدة الوطنية، في نظرها، وَتَنْظِيرِهَا، وضمن التقسيم الجغرافي (منخفضات غربية)، (منخفضات جنوبية)، (مرتفعات) وهو أيضا محل نظر ورفض عند بعضنا، وضمن التقسيم القومي التساعي، المعمول به حاليا، وهو أيضا محل نظر ورفض عند بعضنا، من منطلق أنه لا يعبر عن الواقع، فلا ينطبق معنى مصطلح (القومية) على من أطلق عليهم وصف القومية، إذ القومية كيان كلي، يندرج تحته جزئياته، من قبائل، وفخوذ، وبطون، وعشائر، وأفراد، ومجموعات، يجمعها التاريخ المشترك، والمصير المشترك، والمصالح المشتركة، وبهذا الفهم لا يمكن أن تكون القبيلة، أو العشيرة، أو البطن منها، والفخذ، قومية، فيكون الجزء هو الكل، وليس العكس، وعليه ليس هناك قومية اسمها قومية (التجري) ولا قومية (البلين) ولكن توجد قبائل ناطقة بالتجري، وقبائل ناطقة بالبلين.
وإذا ما أخذنا مصطلح (القومية) فيمكننا أن نقول: توجد (قومية البجة) و(قومية الأكسوميين) و(قومية الإيفاتيين) بحكم أن هذه العناوين، هي الأجمع لجزئياتها، مع العلم أنها ليست غاية في ذاتها، ولا لازمة في ألفاظها، وإنما لمقصود هو خلق وإيجاد شعور مشترك بالمصلحة، بين بطون، وفخوذ، قبائل كل جماعة قومية، يؤدي إلى التوحد والتكتل، في مواجهة كل من يحاول المساس بهذه المصالح؛ الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى حل إشكالية تدافع السلطة والثروة، بصورة جادة، وعادلة، وفق عقد اجتماعي.
إذن ما من تقسيم إلا وهو بين مُتَحَفِّزٍ إليه، مُتَحَمِّسٍ له، ومتحفظ عليه، منقبض عنه، وهذا أمر طبيعي، في كل الأفكار، وفي اعتقادي، مهما كان المتحفظون، على هذا التقسيم الثلاثي الحضاري، وأيا كان المتحفزون إليه، والمتحمسون له، فإنه حسب إيماني، يسهم في حل إشكالية السلطة والثروة، في المجتمع الإرتيري، فيدراليا، بغض النظر عن موقفك السياسي، من الحل الفيدرالي، رفضا أو قبولا، ومن هذه الزاوية أنظر إليه، لا غير.
وكم كنت أتمنى أن تفصله نهائيا، عن المقاصد والتفسيرات السياسية، التي تحملها مسبقا، أو تنتزعها أنت، بغير قرينة محتملة، احتمالا راجحا، أو ظاهرة ظهورا بينا، يدل عليها المسطور، لا المظنون، بمعنى لا بمجرد الظن أو الشك والتوهم، وإنما بالدلائل، أو القرائن الواضحة، وتنقده نقدا تاريخيا مباشرا، كما حاولت أن تفعل لاحقا، ونقدا عمليا، بمعنى جدواه، من حيث التطبيق العملي، في حل إشكالية السلطة والثروة، فهذا هو ما يفيد، وفي النهاية هو اجتهاد بشري، كغيره من الاجتهادات، يحتاج إلى نقد وتقويم، حتى يسد من ثغراته، ويقوم من إعوجاجه.
وقولك (معلومات تاريخية مجتزأة، وغير مترابطة) حكم تنقصه الرَّوُيةُ، ويفتقر إلى التريث، في نظري؛ لكونه يحتاج منك إلى قدر من الإثبات العلمي، وددت لو أوضحت، ماذا تعني بقولك: (مجتزأة) (غير مترابطة) ؟ هل تعني أنها غير متطابقة مع ماضي المنطقة، وتاريخ شعوبها، بمعنى أنها لا تعكس حقيقة تاريخها ؟.
وفي هذه الحالة، ما هي حقيقة تاريخ هذه الشعوب، ومن أين أتى بها الطليان، عندما كونوا منها مستعمرتهم إرتريا ؟ هل وجدوهم جميعا في حيز جغرافي واحد، شعبا واحدا، وأرضا واحدا، وتاريخا واحدا، وثقافة واحدة، وقلبا واحد ؟ أم الأمر ليس كذلك ؟.
أم تعني أنها منقولة بقلم انتقائي، غير أمين في نقلها، ولا موضوعي في تحليلها، أخذ من التاريخ، ما يخدم غرضه، وأعرض عن غير ذلك ؟ ولكن كيف تثبت هذا ؟ إنها مجرد دعوى وظنون، تحتاج إلى إثبات، لا امنعك عنها، ولكن لا أحبذها لك، ولا تسوؤني أنا شخصيا، ولكن لا تعجبني منهجيا.