برمنغهام تحتفي بالذكرى السادسة والخمسين لانطلاقة الثورة الإرترية
بقلم المناضل الأستاذ:حامد ضرار - الرئيس السابق لحزب الشعب الديمقراطى - برمنغهام المملكة المتحدة
احتفل اليوم الأحد العاشر من سبتمبر 2017 الإرتريون المقيمون في منطقة برمنغهام وضواحيها وبمشاركة مميزة لأخوة من مدينة
لندن كان على رأسهم الدبلوماسي السابق علي محمد صالح ومدير مركز سويرا لحقوق الإنسان المناضل ياسين محمد عبدالله والأخ عثمان وللو وآخرون. كما شارك في الاحتفال السيد حامد الحاج مدير مؤسسة كافل.
في مستهل الاحتفال رحب السيد المناضل نوري محمد عبدالله باسم اللجنة المنظمة بالضيوف والمحتفلين وشكر كل الجهات السياسية والمدنية والمستقلين الذين تكاتفوا لانجاح فعالية الذكرى السادسة والخمسين لانطلاقة شرارة الكفاح الإرتري, وأكد أن الهدف المباشر الذي أعلنته الثورة بقيادة حامد إدريس عواتى لحظة إعلانها والمتمثل في تحقيق حلم الإرتريين في الحرية والانعتاق قد تم، فالبلاد قد اضحت دولة ذات سيادة منذ عام 1991م. ونوَّه إلى أن ما تعانيه إرتريا وشعبها من بطش النظام الجاثم في أسمرا، سيتم إزالته وإعادة عجلة الوطن إلى المسار الصحيح، بفضل نضالات الشعب الإرتري والتفافه حول المشروع الوطني الذي يحفظ وحدة إرتريا أرضاً وشعباً. وشدد السيد نوري محمد عبدالله قائلاً أن ما نسمعه هذه الأيام من أصوات شاذة وغير مألوفة، لهي مجرد زوبعة في فنجان، وبمجرد زوال مسببات الاحباط واليأس ستخفو وتندثر منهزمة أمام إرادة شعب دفع ويدفع الغالي والنفيس للمحافظة على البلاد لكونها أمانة تركها شهداء الوطن كل الوطن بما يحمله من تنوع طائفي وإثني وثقافي.
في ختام كلمته الافتتاحية، توجه السيد نوري محمد عبدالله بالتهنئة للشعب الإرتري في داخل الوطن وعبر عن تفاؤله باقتراب فجر السلام والتغيير بمساهمة كل الغيورين وإلتفافهم وتمسكهم بمبدأ إحداث التغيير الديمقراطي في البلاد والتشبث في ذات الوقت بوحدة البلاد وسيادتها والتصدي بصلابة لأي تحدٍ يستهدف النيل منها تحت أي شعارات أو ذرائع واهية.
بعد ذلك استلم المايكروفون السيد أحمد صائغ، الذي أدار جلسة الاحتفال بكفاءة واقتدار، فدعا السيد ياسين محمد عبدالله إلى المنصة الأمامية بعد أن شكر السيد نوري محمد عبدالله على كلمته المعبرة والعميقة القراءة.
ياسين محمد عبدالله، بدوره بعد أن شكرا الحضور، وأثنى على دور برمنغهام وضواحيها في تعضيد النضال المخاض من أجل الإتيان بالتغيير الديمقراطي قدم ورقة تحت عنوان:
”مغزى الاحتفال بسبتمبر الانطلاقة والمهددات الماثلة أمام البلاد“.
وفيما يلي مقتطفات مما جاء في صلب الورقة:
”عندما نحتفل بالذكرى السادسة والخمسين لانطلاقة الكفاح الإرتري المسلح، يكون من المفيد ربطه بواقع اليوم لنتلمس المسيرة الطويلة التي اعقبت تلك الانطلاقة، لاعتقادي أن ما نشاهده اليوم ومايعانيه شعبنا لم يأت من عدم أو فراغ، فهو نتاج ولادة طبيعية لسياسات انتهجتها فصائل الثورة الإرترية طوال مسيرتها“.
”ولاشك، (يستطرد ياسين) إن انطلاقة الثورة الإرترية وإعلانها، كان فيها قدرٌ هائلٌ من الجرأة ووضوح الرؤيا، لدى الذين ساهموا في إطلاق تلك الشرارة، إذ كان ديدنهم وهاديهم اشباع رغبات وتطلعات الشعب في أن يكون للإرتريين كل الإرتريين دون استثناء وطنٌ أسوة ببقية شعوب القارة السمراء والعالم، وطنٌ يحفظ للجميع حقوقهم وكرامتهم وبالتالي توفير شروط العيش بكرامة ضمن سيادة كاملة وغير منقوصة، على عكس الإلحاق والضم إلى إثيوبيا“.
يواصل المحاضر كلامه ليقول: ”أرى، ولو بعجالة ضرورة الحديث عن بدايات تشكل إرتريا بإعتبارها كياناً تم صياغته في لحظة تاريخية محددة تلت اندحار الحكم المصري-التركي وانتقال السلطة في إثيوبيا إلى التغراي بعد حوالي ألف سنة من جهة وبروز الثورة المهدية في السودان. فهذه العوامل المتداخلة، في اعتقادي مع غيرها، ساعدت ومكنت الإيطاليين من يسعوا في سبيل خلق هذا الوطن بشكله المعروف باسم إرتريا. وبطبيعة الحال، تَشَكُلُ إرتريا بهذه الكيفية لم يكن استثناءاً وحكراً علينا، بل الكثير من دول العالم كانت قد تشكلت وتحددت ملامح حدودها بواسطة القوى الاستعمارية الغربية“.
لكن المهم الإشارة إليه هنا: (يمضي ياسين عبدالله في سياق محاضرته)، ”إننا نحن الإرتريين لم نكن متفقين في أن يكون لنا وطنٌ وكيانٌ واحدٌ مستقلاً، فكان لكل طرف خياره المختلف. مع ذلك فإن تَبَني خيارات متباينة لم لن يعني أن من اختار الاستقلال وطنيٌ والآخر غير وطني، لأنه بالأساس لم يكن حينذاك وطن واحد يحتضن الجميع في بوتقته وتحت سلطة مركزية واحدة يحس الجميع بالانتماء إليه. فكل مجموعة كانت تنظر إلى مصالحها الخاصة من منظورها هي ووفق رؤيتها، بمعزل عن الآخرين. وليوضح الأمر للحضور، قال المحاضر:”فمثلاً غالبية المسيحيين الإرتريين كانوا يرون أن مصلحتهم كانت تكمن مع إثيوبيا لوجود روابط دينية ولغوية وامتدادات بشرية. بينما المسلمون، بالمقابل كانوا يتوجسون من إثيوبيا لخشيتهم من ملاقاة ذات المصير الذي لقيه مسلمو إثيوبيا من حيث التهميش والإهمال. ودون الخوض في تفاصيل كثيرة، فإن الثورة الإرترية لحظة انبثاقها جاءت في ظل هكذا أجواء، وبالضرورة كان لذلك الواقع أن يترك انعكاساته المؤثرة في تلك الثورة وهي في بدايتها. فقد لاحظنا حدوث بعض الصراعات هنا وهناك إلى أن وصلنا إلى مرحلة هزيمة الجبهة وخروجها من الساحة وبروز الجبهة الشعبية في الساحة كقوة لا يستهان بها“.
وبالانتقال للمرحلة الحالية، يقول ياسين محمد عبدالله: ”اليوم نحن نعيش في ظل ديكتاتورية فردية غير عادية على الإطلاق، فردية بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث شخصٌ واحدٌ مسيطر على الأوضاع وبصورة غير مألوفة حتى في أسوأ وأعتى الأنظمة السياسية الديكتاتورية في العالم“.
وهنا يتبادر إلى الذهن، يقول المحاضر: ”سؤالٌ بحاجة ماسة للإجابة: كيف تسنى لشخص واحد أن يهيمن هيمنة مطلقة على السلطة، رغم كوننا نحن الإرتريين أصحاب تجربة نضالية ثرة وطويلة شارك فيها مئات الآلاف وقدمنا فيها حوالي مائة ألف شهيد وبالتالي من الضرورة بمكان أن نكرر السؤال القائل: كيف تمكن شخص واحد من احتكار كل شيء في البلاد؟“
يحاول السيد ياسين محمد عبدالله تلمس الإجابة عن سؤاله المطروحة قائلاً: ”في اعتقادي أن الديكتاتورية الفردية الموجودة حالياً في إرتريا الآن لها جذورٌ مغروسة هناك في تجربة فصائل الثورة الإرترية وفي تاريخنا، وبالتالي لم يضح إسياس أفورقي ديكتاتوراً بين عشية وضحاها مهيمناً على كل مقدرات البلاد والعباد فجأة ودون مقدمات“.
ففيما أقوله هنا، يقول ياسين: ”استند إلى شهادات قيادات الجبهة الشعبية نفسها فيما يتعلق بهيمنة هذا الإسياس على السلطة. وأنا رغم اختلاف تجاربنا ومواقعنا من حيث الالتزام أبان الثورة، إلا أنني أنظر إلى الثورة الإرترية بإعتبارها مساراً نضالياً واحداً قد تخللته صراعات سياسية ومشكلات طرأت في محطات شتى من تلك المسيرة الطويلة. وعندما أقول شهادات من قيادات الجبهة الشعبية، اقصد تحديداً إفادات السيد بطروس سلمون وهيلي ولدى تنسائي (دُرُعْ) وغيرهما من أسماء. فبقراءة الحوارات التي أجراها دان كولن، وهو صديق الجبهة الشعبية منذ سنوات طويلة ، تبدو لنا أن مسائل الهيمنة ورفض الرأي الآخر قديمة فقد بدأت بتصفية مجموعة المنكع عام 1973 وهي مجموعة من المناضلين، وكما تبين لاحقاً، نعم مجموعة من أفضل المناضلين المثقفين وكل ما تقدموا به من مطالب تمثلت في ضرورة تبني نظام ديمقراطي شفاف لإدارة دفة التنظيم، إلا أنه وبدلاً من الاستماع إليهم، تم تصفيتهم وكان عددهم حوالي السبعة مناضلين“.
وانطلاقاً من ذات الشهادات يقول ياسين عبدالله في محاضرته ”هناك تجربة أخرى مماثلة تكررت عام 1976 تم بموجبها إعدام أشخاصٍ آخرين كان من بينهم خريجون من الاتحاد السوفيتي كانوا قد التحقوا بالثورة للمساهمة في عملية التحرير، وكانت تهمة هؤلاء كونهم يمينيين على عكس المنكع الذين وصموا باليسار المتطرف“.
وبالرجوع إلى شهادات مماثلة، يقول ياسين هنا أيضاً: ”يتأكد لنا فيما يتعلق بالهيمنة المالية، إن إرتريا هي الدولة الوحيدة في العالم التي ليست لها موازنة مالية معلنة. فعندما سئل شخص كبطرس سلمون عن الموازنة: رد قائلاً: في الحقيقة، لم يتم مناقشة موضوع الميزانية العامة في البرلمان وأضاف موضحاً، أن القضية تعود إلى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، فقبل ذلك كنا على الأقل في المكتب السياسي يتم إبلاغُنا على جوانب الصرف والإيرادات“.
عليه والكلام مازال لياسين عبدالله” إن مسألة عدم وجود ميزانية ليست جديدة، بل لها جذورٌ بعيدة كما تبين، فالمسائل المالية كانت تدار بشكل سري لدرجة أن أعضاء في المكتب السياسي لم يكونوا يدرون مصادر الموارد المالية للتنظيم ومجالات صرفها. وهنا وفي جانب متصل حاورتُ واحداً من قيادات الجبهة الشعبية، دون ذكر اسمه هنا، وهو شخص كان قائداً لكتيبة في منتصف الثمانينيات، قال لي إن الأمور كانت قبل منتصف الثمانينيات تسير وفق أسس تنظيمية وتراتبية معروفة، ولكن فجأة اصبحت مختلفة، إذ كان علي وعلى مسؤولي الألوية وغيرها من أجهزة أن نطلب ما نحتاجه من إمدادات لوجستية مباشرة مكتب الأمين العام إسياس أفورقي، بالتالي هذا يؤكد أن الهيمنة الحالية التي نحن بصددها ليست وليدة اللحظة.” وحتى رفاق إسياس من الذين أفنوا كل عمرهم في الثورة، عندما حاولوا التصدي لتلك الهيمنة عام 2001 تم الزج بهم في المعتقلات ليفقدوا حريتهم على نحو مشابه لما حدث لمجموعة المنكع.”
فإرتريا، يواصل ياسين عبدالله الحديث: “إرتريا اليوم أسوأ من كوريا الشمالية حيث انتهاكات حقوق الانسان تفوق الوصف وليس هناك بلد في المعمورة له معتقلون دون محاكمة لمدة عشرين عاماً كما هو الحال في إرتريا. فحتى كوريا الشمالية والتي توصف بالأكثر قمعاً، شهد العالم محاكمة أحد أقرباء الرئيس هناك واظهاره في التلفزيون والمحكمة تصدر حكماً بإعدامه، لتكون إرتريا الأسوأ من أي بلد آخر، لكونها تحكم من غير دستور ودون مؤسسات.”
هذا الأمر يقودنا إلى القول (يواصل المحاضر كلامه) ”إن بلداً بهذه المواصفات حيث السلطة بيد رجل واحد، يقودنا للتساؤل عن المستقبل القاتم الذي ينتظرنا لو اختفى هذا الفرد عن المشهد لأي سبب، فالآخرون من زملائه لا حول لهم، فهم مجرد موظفين لا أكثر ولا أقل وليس بيدهم ما يفعلونه لانقاذ البلاد من أي مصير مجهول رغم ما لهم من رصيد نضالي كبير. فنحن إذن وبعد تلك السنوات من النضال نجد انفسنا بلا حقوق وبلادنا تواجه كما قلنا مستقبلاً مظلماً، وللأسف قد يكون أوضاع المواطنين وقتها أكثر سوءاً من معاناتنا اليوم كنتيجة للمسار المظلم الذي أشرت إليه“.
يستطرد السيد ياسين ليقول ”هناك مسألة أخرى ينبغي الإشارة إليها وهي التحولات الكبرى الإقليمية والدولية التي جرت وما زالت تجري سواء على صعيد إقليمنا أو على المستوى العالمي وما تتركه من آثار على وضعنا“. ففي خضم تلك التطورات، كما نذكر، كانت هناك ضغوطات على النظام من المجتمع الدولي حيال الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان وتم تشكيل لجنة تتقصى في انتهاكات حقوق الانسان، حيث تم حينها اتهام النظام بارتكاب جرائم ضد حقوق الانسان، وقتها بدا النظام الحديث عن أنه سيشكل لجنة لإعداد دستور دونما الإشارة إلى الدستور المجمد منذ عام 1997. بمعنى أن النظام تظاهر وكأنه على استعداد للاستماع إلى مطالب العالم الخارجي، رغم معرفتنا (يقول ياسين) إن النظام لا يستجيب حتى على نحو شكلي لتلك الضغوط، كما تفعل الكثير من الديكتاتوريات في العالم والتي دأبت على إجراء انتخابات صورية تقوم بتزوير نتائجها. فمشكلة النظام في أسمرا في تصوري أنه لا يقر بحق الشعب باختيار قياداته بشكل ديمقراطي.
وبينما يتظاهر النظام بالتماهي مع المجتمع الدولي وضغوطه، (يقول ياسين محمد عبدالله) برزت قضية الهجرة التي أرقت مضاجع الغرب وأرهقت موازناته، فإذا بالجهات التي كانت تمارس ضغوطها على النظام في أسمرا وأنظمة أخرى في المنطقة، اتجهت إلى تبني السكوت على تلك الانتهاكات وغض النظر عنها، وبالذات تجاه إرتريا وانتهاكات الخدمة الوطنية التي تستمر لآماد غير محددة. لم تتوقف المسألة على السكوت بل، انبرت الكثير من الأصوات للتشكيك في كونها انتهاكاً. والغاية من كل ذلك هي كسب تعاون النظام في العمل للحد من الهجرة. وقد لاحظنا بجلاء كيف سارت الأمور في مجلس حقوق الإنسان والتي لم تتواصل بذات العنفوان الضاغط على النظام، لأنه لا يعقل أن يُطلب من النظام في إرتريا التعاون لإيقاف قضية الهجرة الغير مشروعة والعمل على إدانته في آن معاً.”
ينتقل السيد ياسين في كلامه ليتناول الحرب التي اندلعت في اليمن…
”التطور الكبير الذي حدث في منطقتنا هو الحرب في اليمن، فقبلها كان النظام يعيش في عزلة إقليمية، وبمجرد اندلاعها، اختار إسياس أفورقي الانحياز إلى جانب التحالف العربي وبالتالي تمكن من تخفيف وطأة الضائقة المالية التي كان يعاني منها. فكما هو معروف في العلاقات الدولية، إن لهكذا مواقف ثمنها ومقابلها من حيث الدفوعات المالية. ولكن الأهم من الدعم المالي، وكنتيجة للموقف المنحاز للتحالف، أضحى النظام غير معزول حيث تتواصل الجولات المكوكية من وإلى أسمرا. وبطبيعة الحال، لا يتوقف الأمر إلى الدعم المادي وتبادل الزيارات، بل وسيرتقي إلى الدعم السياسي بمختلف الأوجه والأشكال على نحو يخفف من وطأة الضغوط التي كانت تمارس ضد النظام“.
وبالنتيجة (يسترسل ياسين عبدالله في حديثه)، إن الصوت الذي كان حاداً تجاه ممارسات النظام، وهو صوت الولايات المتحدة، قد بدأ يخفت بل ووجدت السلطة في إرتريا جماعات ضغط (lobby) تعمل لصالحه، حيث رأينا أساتذة جامعات قد بدأوا يزورون إرتريا ويكتبون تقارير يبررون للنظام ويدعون أن الانتهاكات التي ترتكب هناك لاترقى في أن تكون سببا مقنعاً حتى تمتنع الدول في التعامل معه والقول أن الانتهاكات هي السمة المميزة للإقليم برمته، وليست حصراً على إرتريا، مع ذلك فأمريكا تتعامل مع تلك الدول وبالتالي (إيش معنى) ممارسة الضغوط على هذه الدولة. ولا يكتفي المنادون بفك الطوق عن إرتريا بذلك، بل يقولون إن الأوضاع المضطربة في إثيوبيا والقرن الإفريقي وتخلي إرتريا عن إيران وتعاونها مع حلفائنا (حلفاء أمريكا) في المنطقة يستدعي أن تُحَسِّن أمريكا من مستوى تعاملاتها مع النظام في إرتريا. عليه وجود هذه الأصوات الداعمة له والتوجهات الملحوظة في العلاقات بين الدول، تجعل سلطة أسمرا غير آبهة بتقديم أي تنازلات أو الاستجابة للمطالب الحقوقية، بل على العكس تفضل التمادي في انتهاكاتها.
فيما يتعلق بمستقبل إرتريا:
استهل ياسين هذا العنوان بالتذكير بالتساؤل الذي طرحه مرات عديدة أثناء محاضرته هذه ”كنا قد تساءلنا عن ما الذي سيحدث في إرتريا لو غاب الرجل المهيمن على كل صغيرة وكبيرة، فهناك باحثون ومراكز استراتيجية تتوقع حدوث الفوضى في البلاد وحدوث اقتتالات أهلية لأسباب معروفة منها تفكك وحدة الشعب الإرتري ووجود كم هائل من المظالم المتراكمة في الداخل الأمر الذي قد يقود إلى حربٍ ضروس“.
وكنتيجة فرعية لهذا السيناريو المخيف من الاحتراب الداخلي، هناك سيناريو أكثر خطورة وهو حدوث تدخل إقليمي وخاصة من الدولتين الجارتين لإرتريا: السودان وإثيوبيا. فللدولتين مصالح حيوية في إرتريا ولديهما أيضا مخاوف غير عادية تجاهها. فإذا حدث أي طاريء حتماً سيتدخل السودان عسكرياً وكذا الحال مع إثيوبيا، سواء كان تدخلهما مباشرة أو عبر وكلاء، المهم أن الدولتين سوف لن يقفا مكتوفتي الأيدي.
وتناول ياسين في ختام هذه الجزئية، ليشير إلى انحياز النظام الإرتري إلى التحالف العربي في حرب اليمن، بكونه عاملاً ومهدداً سيزيد الوضع كارثية في حال حدوث انفلات أمني. فقد قال بهذا الصدد ”الموقف الأخير للنظام في أسمرا والسماح بتواجد الإمارات العربية في إرتريا واستفادة بقية دول التحالف العربي منها، جعل منطقة القرن الإفريقي جزءاً مكملاً للأمن القومي لدول الخليج، وهذا عاملٌ جديدٌ سيدفع الأمور إلى التعقيد في حالة حدوث أي اقتتال إرتري داخلي، لكونه سيدفع، حسب تقديرات ياسن عبدالله، بدول الخليج للتدخل من جانبها في الشأن الإرتري على نحو سيزيد الوضع سوادا وقتامة فيما يتعلق بمستقبل بلادنا“.
بعد ذلك انتقلت الورقة لتناول المعارضة الإرترية وذلك بعد أن مهدت لذلك بطرح سؤال مفاده: ”أين نحن المعارضين للنظام من هذه السيناريوهات؟ وهل كل التطورات ستمضي في مساراتها دون أن يكون لنا فيها أدوار؟“
وباشر ياسين في الإتيان بالجواب على التساؤل أعلاه بقوله ”ليس فقط لادور لنا وحسب، بل الأصح نحن غير مهتمين بما يدور في داخل البلاد وما حولها، إذ نحن منشغلون بأمور ذاتية وصراعات داخلية خاصة بنا كمعارضة ولا علاقة مباشرة لها بالاتيان بما يُسَرّع ويُعَجِلُ من سقوط النظام“.
وفي اعتقادي (يواصل المحاضر)، ”فنحن إذا لم نجرِ نقداً ذاتيا وموضوعياً لتجربتنا النضالية، لن يتسنى لنا تعلم الدروس والعبر من أخطائنا. فالعادة عندنا جرت على إعتبار أي نقد بناء من داخلنا وكأنه شيءٌ معيقٌ، لينظر إلى من يوجه النقد ويطالب بالتصحيح وكأنه مدمر ومعيق، بل وفي كثير من الأحيان يتم وضعه ضمن المعسكر المعادي للتغيير وعدو للمعارضة، وهذا شيءٌ، في اعتقادي يقلل من مصداقيتنا ويحول دون قيامنا بالدور المفترض لعبه. وفي هذا السياق، أقول أنا شخصيا كنت في عام 1999 أثناء تكوين التجمع المعارض، قد ارتكبت مع غيري الكثير من الأخطاء، فقد شرَّعْنَا لكم هائل من التنظيمات لتجد طريقا سالكا تنضم به إلى التجمع الديمقراطي، فقد اقترحتُ شخصياً في مسودة الدستور مادة في شرط العضوية تقول يتطلب من العضو الجديد الذي يسعى لاكتساب عضوية التحالف أو التجمع الوطني قبله، ضرورة عقد مؤتمر ودعوة التحالف لحضور جلسات المؤتمر. فقد رأينا الكثير من الأفراد يعقدون مؤتمرات حتى من خلال تجميع أفراد أو شلل لاعلاقة لهم بالسياسة، بالتالي اعتقد كما قلت ضرورة التعلم من الأخطاء تستدعي الإقرار بها وقبول النقد الذي يوجه إلينا لغاية التصحيح وإلا سندور ونلف في حلقة مفرغة، وهذا هو حالنا خلال ما مضى من زمن. فرغم مضي العقدين الأخيرين من عمر المعارضة من أجل التغيير، فما زلنا في مرحلة صياغة علاقاتنا البينية الداخلية كتنظيمات وقوى معارضة وبالتالي قعدنا عن ممارسة أي عمل فاعل ومؤثر لمواجهة النظام“.
ودون الغوص في الماضي البعيد كثيراً، قال ياسين وهو يواصل قراءة ورقة محاضرته ”حتى في السنوات الخمسة أو الستة الأخيرة الفائتة فقد استهلكنا كل الوقت في قضايا تتعلق بعقد سمنار لتصفية أمور تحول دون عقد مؤتمر وارهقنا الناس بجعلهم يتساءلون حول طبيعة خلافات المعارضة المنتظر منها حل مشكلة وطن وهي تبدو عاجزة دون تجاوز قضايا خلافية بينية بسيطة“. وأخذا في الحسبان عدم الفعالية التي صبغت عملنا المعارض في السنوات الماضية، اعتقد أن الأمر سيكون أكثر صعوبة إذا تطورت الأمور على بشكل سلبي في المستقبل، على نحو لايجدي معه نفعاً وحدة المعارضة من عدمها إذا وقع (الفاس في الراس). فالخسارة ستكون فقدان وطن وتشتت شعب على نحو خطير. فالوضع سيكون أكثر كارثية مما شهده الصومال، فعلى الرغم من أن تركيبة الصومال الدينية والبشرية واللغوية أكثر انسجاماً عند المقارنة بتنوعنا الإثني والطائفي والجغرافي، فمع ذلك كلنا يعرف ما آلت إليه أوضاع الصومال بعد سقوط نظام سياد بري. وما يزيد الطينة بلةً عندنا هو الموقع الحساس لإرتريا. فإذا كان للصومال حدود مع إثيوبيا، فهو لا يشكل تهديداً مباشراً لمراكز القوى في قلب إثيوبيا، على عكس إرتريا التي تقع على مرمى حجر من قلب السلطة في إقليم تغراي الإثيوبي أو حتى من العاصمة أديس أبابا، وبالتالي فإن أي تطور سلبي في بلادنا، سيُنْظَرُ إليه من قبل السلطة في إثيوبيا بإعتباره خطراً داهما. وكذا الأمر بالسودان، إذ نحن نقع في خاصرته، لدرجة سيكون لأي تطور سلبي عندنا قد يؤدي إلى خلق إرباك للخط الحيوي لشريان السودان والممتد من موانيء البلاد في الشرق ووصولاً إلى مركز السودان في الوسط والعاصمة“.
للوصول بورقة محاضرته إلى نهاياتها، بدأ السيد ياسين محمد عبدالله يمهد لذلك بقوله ”القصد من كل ما تقدم هو التذكير من أن حدوث انفجار في إرتريا ستكون له مآلات سالبة علينا وعلى جيراننا على نحو أخطر وأسوء من الحال الذي نعاني منه الآن. وعلى الرغم من أنني لا امتلك تصور واضح عن المآلات المحتملة وآلية تلافي السقوط في الهاوية التي حاولت التحذير منها، مع ذلك كل ما بوسعي قوله هو إننا نحن الإرتريين بحاجة ماسة لمناقشة القضايا وفق أولويات وضرورة تسليط الضوء نحو الاتجاهات المعتمة لنتمكن من تفهم واستيعاب تلك المخاطر باكراً وإلتقاء الجميع حول أسس واضحة المعالم والتنبيه من أننا جميعاً كإرتريين ودون استثناء سندفع ثمناً باهظاً لوحدث أي تطور سلبي بما يحمله من مخاطر جمة علينا وعلى المنطقة“.
ولأهمية المسألة يقول ياسين محمد عبدالله ”اعتقد بقوة إننا نحن الإرتريين بمختلف انتماءاتنا وخلفياتنا لا خيار آخر أمامنا سوى خيار الأربعينيات، خيار الآباء والأجداد، وهو العيش والتعايش معاً في إرتريا وكل الخيارات الأخرى لا تلبي طموحاتنا وأماني أبنائنا، ولايمكن بأي حال التصور، مجرد تصور إن دولة قائمة وذات سيادة أن تنهار أو تنقسم على نفسها دون أن تحدث فيها حروب داخلية عبثية لعشرات السنين وتُزْهَقُ فيها الآلاف من أرواح الناس وتشريد الآلاف ونزوحهم عن مناطقهم ووطنهم. بالتالي: فإن وجود إرتريا واستقرارها ووحدتها، يعبر بحق عن مصالحنا العليا نحن جميعاً، كما قلت بمختلف انتماءاتنا العرقية والسياسية والدينية“.
”ختاماً آمل كل الأمل أن نوجه نقاشاتنا بمناسبة سبتمبر العظيم، صوب الاتجاه الصحيح لغاية تلافي تلك المخاطر التي أشرت إليها مراراً في صلب ما جاء في ورقة محاضرتي اليوم، فضلاً عن ذلك علينا البحث عن ما يمكن عمله من الجميع، ولا مجال هنا لابتزاز بعضنا للبعض الآخر، وعلينا أن ندرك بأننا جميعاً في ذات المركب وعندنا مصلحة مشتركة لتصل بنا إلى مرسى الأمان دون مشاكل ليستمر الوطن موحداً في ظل نظام ديمقراطي عادل“.
عقب ورقة السيد ياسين محمد عبدالله أعطى السيد رئيس الجلسة عدداً من الفرص للحضور وكان على رأسهم السيد علي محمد صالح وعثمان وللو وحامد الحاج وآخرون، أثرى كل منهم ما ورد في المحاضرة وسلط مزيداً من الإضاءات. وتفرد السيد حامد الحاج للحديث عن أهمية الاهتمام بالانسان الإرتري في المعسكرات وفي مخيمات اللجوء وضرورة العمل من أجل تخفيف المعاناة عن اللاجئين في السودان، وعرَّفَ الحضور برسالة مؤسسة كافل وماتقوم به من جهود كبيرة بهدف مساعدة اللاجئين الإرتريين في غير مكان.
كما تم إلقاء قصائد شعرية بالعربية والتغرنية قرأها كل من سعد أبوبكر وحسن لقسي وعبدالبديع سليمان مجدت جميعها المناسبة وعكست عظمت سبتمبر ومكانتها لدى الإرتريين.
تنويه: ماورد في صلب هذا الإيجاز هو ما استطعت أن اتابعه واسجله وربما هناك لضرورة السياقات والربط مفردات ليس بالضرورة مطابقة لما ورد من المتحدث الرئيس، فالورقة الأساسية هي المرجع وهي بحوزة المحاضر يمكن الرجوع إليها لمزيد من التفاصيل (كاتب المقال).