بعد 24 عاما من استقلالها… العرب وإريتريا والعمل الإستراتيجي المفقود
بقلم الأستاذ: شوقي محمد أحمد - كاتب إريتري المصدر: جريدة القدس العربي
تتمتع إريتريا بموقع استراتيجي في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر وباب المندب، ذلك الممر العالمي المهم، ما جعلها هدفا
لأطماع المستعمرين القدامى والجدد، كان آخرهم الاستعمار الإثيوبي الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود.
الشعب الإريتري الذي في غالبه يدين بالإسلام وله روابط قوية مع الأصول العربية، خاض حرب التحرير وحقق استقلاله بجدارة في 24 مايو 1991. وكان للمحيط العربي الداعم للثورة الاريترية أثره الكبير في هزيمة الاستعمار الإثيوبي.
الدعم العربي للشعب الإريتري مثل الحاضنة الأولى للثورة الإريترية وانطلاقتها، حيث بدأ أول عمل سياسي تأسيسي للثورة الإريترية في القاهرة عام 1960، ثم انطلاق الكفاح المسلح في الفاتح من سبتمبر 1961 بقيادة الشهيد حامد إدريس عواتي. وكان السودان يمثل المعبر الرئيسي للمقاتلين والسلاح والمؤن، ويمثل مأوى اللاجئين الذين تدفقوا إليه منذ عام 1967 ومركزا مهما لقادة الثورة الإريترية. قام العرب بتعليم أبناء اللاجئين الاريتريين في المدارس والجامعات وتوفير فرص العمل لهم في كل من السودان ودول الخليج العربي والدول العربية الاخرى.
وجاء استقلال إريتريا ليمثل انتصارا لإرادة الشعب الإريتري الذي كان يتوق للحرية والعدالة والسلام، إلا أن النظام عمل على إذاقة الشعب كل صنوف العذاب، كما عمل على تشريده، خاصة الشباب منه إلى خارح الوطن، وبذلك فقد الاستقلال طعمه ومعناه. كما قام النظام بمحاربة كل من السودان واليمن وجيبوتي بالإضافة إلى إثيوبيا، وقد أظهر عداءه لدول المنطقة، خاصة العربية منها بتوجهاته الاستبدادية والمعادية للعرب وارتباطاته المشبوهة مع إسرائيل، وقد تمثل ذلك في أول زيارة قام بها إسياس أفورقي إلى إسرائيل، البلد الذي وقف ضد الشعب الإريتري وعدالة قضيته، حيث قامت إسرائيل بتدريب وتسليح قوات الكوماندوز في عهد الامبراطور هيلا سيلاسي، وذلك لإخماد الثورة الإريترية. وبهذه الزيارة أثبت إسياس بأنه لا يريد إقامة أي علاقة مع الدول العربية وشعوبها، خوفا من ربط إريتريا بمحيطها العربي والإسلامي وخوفا من اللغة العربية وثقافتها. وحفاظا على ثقافة ولغة التقرينية التي ينتمي اليها النظام الحاكم.
وفي فترة النظام الحالي سدت كل الأبواب أمام اللغة العربية وثقافتها، وهمشت كل المكونات التي تمثل الثقافة العربية والإسلامية، وسادت اللغة والثقافة التقرينية التي ينتمي اليها حكام اريتريا، رغم أن الشعب الإريتري في فترة تقرير المصير في الخمسينيات من القرن الماضي، أقر اللغتين العربية والتقرينية لغتين رسميتين لإريتريا، إلا أن عداء رئيس النظام للغة العربية وثقافتها دفعه لمحاربتها بكل الوسائل المتاحة، حتى المنح الدراسية التي كانت تقدمها بعض الدول العربية تم رفضها لكي لا يستفيد منها أبناء المسلمين في اريتريا، خوفا من تفوق اللغة العربية والثقافة الإسلامية.
وقد تبنى النظام الإريتري سياسة التلاعب على تناقضات المنطقة، فدخل في تحالفات مع كل من اسرائيل وإيران، لاستفزاز العرب. وعمل على دعم الحوثيين بكل الوسائل التي تمكنهم من السيطرة على اليمن، تدريبا وتسليحا بالتنسيق مع إيران، إلا أن العرب لم يقوموا بالمعاملة بالمثل في دعم المعارضة الإريـــترية التي تسعى لإســـــقاط النظــــام الإريتري بكل الوسائل المتاحة، بل عكس ذلك تم التضيــــيق عليها وطردها وإغلاق مكاتبها، كما حدث في السودان.
وحين استشعر العرب، خاصة دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية خطورة ما يجري في اليمن، جاء دور «عاصفة الحزم»، فإذا بالنظام الإريتري ينحني للعاصفة وينفي دعمه الحوثيين وتحالفه مع إيران، بل أعلن وقوفه مع الشرعية في اليمن وقام رئيس النظام إسياس أفورقي بزيارة الرياض لنفي التهمة عنه، وإبداء استعداده التعاون مع التحالف العربي في حربه ضد الحوثيين وحلفائهم، ثم وقع اتفاقا عسكريا وأمنيا، كما أوردته بعض وسائل الإعلام العالمية، هذا الاتفاق يعزل النظام الإريتري عن إيران والحوثيين ويدخله، ولو مؤقتا، في محور التحالف العربي، حتى لا يتم استخدام الأراضي الإريترية لوجستيا من قبل ايران والحوثيين أثناء الحرب أو بعدها.
هذا الاتفاق طوق نجاة للنظام الإريتري، وإنهاء للعزلة، التي يعاني منها دوليا وإقليميا، وانفراج للوضع الاقتصادي المتردي. أما بالنسبة للشعب الإريتري فإن الدعم الذي سيحصل عليه النظام الحاكم في إريتريا هو بمثابة إطالة لعمر النظام وفي الوقت ذاته إطالة لمعاناته.
وإذا تجاوزنا المخاطر اﻹستراتيجية التي تهدد اﻷمن العربي في منطقة شرق أفريقيا والشواطئ اﻹريترية ومنابع النيل، فعلى صانع القرار العربي أن يقرأ المشهد السياسي الإريتري قراءة صحيحة.
فالنظام الحاكم في إريتريا لا يمثل الشعب الإريتري الذي في غالبه يعارضه تماما، فقد أصبحت إريتريا دولة فاشلة، حيث لا مؤسسات دولة ولا دستور ولا برلمان فيها. وبهذا المعنى فإن التحالف العربي يتعامل مع شخص واحد يمثل كل شيء.
وهناك الكثير من العوامل تغيرت داخل النظام، فعدد كبير من القيادات العسكرية والسياسية والدبلوماسية للنظام الحاكم، إما في السجون أو تمت تصفيتهم، أو هم في المنافي، والانشقاقات متواصلة وآخرها، انشقاق محمد إدريس جاوج الدبلوماسي والسكرتير الأول في بعثة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا عن النظام.
من مصلحة التحالف العربي أن تكون خياراته مع الشعب اﻹريتري، ودعم معسكر المعارضة وفق رؤية استراتيجية بعيدة المدى حتى تعود إريتريا لشعبها الذي لم يذق طعم الاستقلال منذ 24 عاماً، وحتى تلعب اريتريا دورا اقتصاديا وأمنيا واستراتيجيا وتكون حلقة وصل في منطقة القرن الأفريقي، لما يتمتع به شعبها من صلات تربطه بالمنطقة العربية من جهة ودول القرن الأفريقي من جهة أخرى، خاصة مع السودان وإثيــوبيا وجيبوتي والصــــومال، ما يرشح هذه المنطقة لأن تكون كنفدرالية اقتصادية قوية، فتعداد سكانها يفوق الـ150 مليون نسمة، وفيها موارد طبيعية ومائية وموانئ بحرية استراتيجية.
كل هذه العوامل ينبغي أن تدفع الدول العربية إلى العمل على استقرار منطقة القرن اﻷفريقي التي تعتبر إريتريا حجر الزاوية فيها، والتاريخ يقول ذلك، فما من قوة دولية أو إقليمية في كل العصور إلا وحطت رحالها على الشواطئ اﻹريترية.