جهود الصحابة رضى الله عنهم في نشر الإسلام في الحبشة
بقلم الأستاذ: عمر بخيت محمد المصدر: قراءات افريقية
التعريف بالحبشة والأحباش وبعض ما كتب عنهم:
جاء في لسان العرب (1): أن الحبش جنس من السودان، وهم الأحبش والحبشان مثل حمل وحملان والحبيش.
وقيل: هم الجماعة أياً كانوا، لأنهم إذا تجمعوا اسودوا ! وفي حديث خاتم النبي صلى الله عليه وسلم فيه فص حبشي (2). قال ابن الأثير: يحتمل انه أراد من الجزع أو العقيق؛ لأن معدنهما اليمن والحبشة، أو نوعاً آخر ينسب إليها.
والأحابيش أحياء من القارة، انضموا إلى بني ليث، في الحرب التي وقعت بينهم وبين قريش قبل الإسلام، فلما سميت تلك الأحياء بالأحابيش - من قبل تجمعها - صار التحبيش في الكلام كالتجمع !
وحُبشّي: جبل بأسفل مكة يقال منه سمي أحابيش قريش؛ وذلك أن بني المصطلق وبني الهون بن خزيمة اجتمعوا عنده فحالفوا قريشاً، وتحالفوا بالله: إنا ليد على غيرنا؛ ما سجا ليل، ووضح نهار، وما أرسى حبشي مكانه، فسموا أحابيش قريش؛ باسم الجبل.وروضة حبشية: خضراء تضرب إلى السواد، قال امرؤ القيس:
ويأكلن بهمي جعدةً حبشيةً ** وَيَشرَبنَ برْدَ الماءِ في السَّبَرَاتِ (3)
والتحبيش: التجمع - والتحبيش مثله - وحبش الشئ يحبشه حبشاً، وحبشه وتحبشه واحتبشه جمعه (4).
وبالنظر إلى هذا التعريف أنه نلحظ أن يعود إما إلى اللون الأسمر أو الأخضر أو إلى الحال وهو الاجتماع والترابط.
وقد كتب عن الحبشة (الناس والأرض) وتاريخ الإسلام فيها كثيرون في القديم والحديث:
فتناولتهم كتب التاريخ الكبرى كالبداية والنهاية لابن كثير، والكامل لابن الأثير وتاريخ الطبري وتاريخ الإسلام للذهبي وغيرها...
وتناولتهم كتب الرجال كالوافي بالوفيات وأسد الغابة، وعشرات غيرها...
وتناولتهم كتب السيرة المعروفة كابن كثير وابن اسحق وابن هشام ومغازي الواقدي وعشرات غيرها...
وكتب التفسير - كلها تقريباً - في الحديث عن الآيات في المائدة، وسورة الفيل..
كما كتب عنهم مؤرخون مسلون كثيرون:
فمما كتب عنهم في القديم ما أشار له شمس الدين الكيلاني في دراسته عن السودان والزنج في الثقافة العربية (المعايير والأحكام):
• تنوير الغبش في فضل السودان والحبش "لابن الجوزي".
• رفع شأن الحبشان للإمام السيوطي، اقتبسه من ابن الجوزي، وأعقبه برسالته الأخرى:
• أزهار العروش في أخبار الحبوش، ثم برسالة ثالثة بعنوان:
• نزعة العمر في التفضيل بين البيض والسود والسمر !
كما وضع محمد عبدالباقي البخاري (ت 991هـ - 1587م) رسالة باسم (الطراز المنقوش في محاسن الحبوش...)
• وكتب الجاحظ قبل ذلك - جامعاً بين الجغرافية والتاريخ والفلسفة والعلوم الأخرى - رسالة باسم فخر السودان على البيضان، ابرز فيها فضائل السود ومحاسنهم وصفاتهم الإيجابية، وجمع فيها بين دور السود الروحي الإسلامي، وإعزاز النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لهم، وبين فضائلهم الحضارية الأخرى، وتبه ابن المرزبان في الحقبة نفسها برسالة: فضل السودان على البيضان.
ومما كتب أو طبع في الحديث عنها:
• الإلمام بمن بالحبشة من ملوك الإسلام لأحمد بن علي المقريزي، طبع سنة 1895م.
• الحسن بن أحمد الحيمي (سيرة الحبشة) بتحقيق: أ. مراد كامل.
• المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام للدكتور جواد علي.
• الإسلام في الحبشة للخطاط الباحث يوسف أحمد - 1935 وعنوانها الفرعي: وثائق صحيحة قيمة عن أحوال المسلمين في مملكة إثيوبيا من شروق الإسلام الى هذه الأيام.
• المسلمون في الحبشة للدكتور إبراهيم محمد حسن.
• مع الهجرة الولى إلى الحبشة، للأستاذ محمود شاكر.
• بين الحبشة والعرب للأستاذ عبدالمجيد عابدين.
• الملك النجاشي بين المسيحية والإسلام للأستاذ جمال صلاح الدين.
• الحبشة والأحباش في التاريخ العربي الإسلامي بقلم د/ جلال اليدن محمد صالح.
• فتحي غيث في كتابة الإسلام والحبشة عبر التاريخ..
• إزالة الغواشي عن أخبار النجاشي لسماحة مفتي أرتريا إبراهيم المختار أحمد عمر.
• بحث قيم بعنوان: (سيدنا النجاشي حامي الإسلام وأول مهتد من خرج جزيرة العرب) عبد السلام بسيوني. وكثيرون غير هؤلاء كتبوا ولكن أردت الإشارة فقط إلى أهم ما يقتضيه المقام ويرجع إليه الباحث.
الحبشة التي كانت إليها هجرة الصحابة الكرام:
الحبشة إن كانت معلومة من حيث الاتجاه الجغرافي الذي يقع غرب البحر الأحمر، قديما وحديثا كما يقول: الطبري يقول في تاريخه: وكانت أرض الحبشة متجرا لقريش، يتجرون فيها رفاغا ـ يعني توسعا ـ من الرزق، وأمنا، ومتجرا حسنا... (5)
لكن تتعدد المسارات الموانئ التي يمكن أن يسلكها من يقصد إلى الحبشة من جزيرة العرب كما أن الحبشة ذات المسمى القديم قد تقسمت اليوم وأصبحت دولا متعددة بعد ظهور الخاطرة الاستعمارية بحدودها الجغرافية الراهنة، مما ولد الاختلاف الباحثين في السيرة والتاريخ، فمن قائل بأن هجرة الصحابة رضوان الله عليهم كانت إلى أثيوبيا التي تمثل الحبشة الأمة التي تحتفظ بالاسم التاريخي وآخرون قال بل كانت إلى أرتريا التي تمثل الساحل البحري الأقرب إلى سواحل الحجاز واليمن، وقول ثالث بأن الهجرة إنما كانت إلى الشرق السوداني، ولكن يمكن أن تتنهي إلى قولين إذا ما اعتبرنا أن محصلة القول الأول والثاني لا تختلف كثيرا باعتبار أن ارتريا تمثل أصلا مدخلا بحريا لأثيوبيا قبل استقلالها عنها قريبا في العام 1991م هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن المناطق التي بها بعض الآثار التي تنسب إلى تلك الهجرة كضريح النجاشي وقبور للصحابة تتاخم ارتريا الحالية حدوديا.
للوقوف على حقيقة هذه الأقوال يمكن أن نستعرضها بإيجاز مع بيان أبرز القائلين وما استندوا عليه من أدلة مع الإشارة إلى ما أكثرها وجاهة وصحة.
القول الأول: أنها كانت إلى مملكة أكسوم التي هي أثيوبيا وارتريا.
يقول سماحة مفتي ارتريا الشيخ إبراهيم المختار أحمد (والمؤكد أن هجرة الصحابة كانت من جدة إلى باضع أي (مصوع). لما أخرجه محدث الشام الحافظ ابن عساكر المتوفى عام 571 هجرية ونقل عنه الحافظ السيوطي في جمع الجوامع وعنه نقل حسام الدين الهندي في كنز العمال، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت كنت أحمل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي وهما في الغار فجاء عثمان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله إني أسمع من المشركين من الأذى مالا صبر لي فيه فوجهني وجها أتوجه إليه.....، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أعزمت على ذلك، فقال نعم، قال فليكن وجهك إلى هذا الرجل بالحبشة يعنى النجاشي، فإنه ذو وفاء واحمل معك رقية... ومن رأى معك من المسلمين مثل رأيك فليتوجهوا إلى هناك وليحملوا معهم نسائهم.... فودع عثمان نبي الله صلى الله عليه وسلم وقبل يديه وبلغ المسلمين رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم إني خارج من ليلتي وسنقيم بجدة ليلة أو ليلتين فإن أبطأتم فوجهي إلى باضع). (6)
وممن الدكتور قال بذلك جلال الدين محمد صالح في دراسته المعمقة عن الأحباش في التاريخ الإسلامي فيقول: (إن باضع كانت الميناء التجاري لأهل الحبشة، يأتون إليها ببضائعهم لمقايضتها بما يحتاجون إليه، كما يقول صاحب معجم البلدان ياقوت الحموي، وهذه المكانة التجارية لباضع لدى الحبشة، إضافة إلى قربها لمقر النجاشي، لا بد أن تجعل منها على الأرجح في تقديري ميناء الوصول المفضل إلى النجاشي أكثر من غيرها. ويعزز نعوم شقير من وجاهة هذه الرؤية وقوتها، في كتابه (تاريخ السودان) ص 4. يقول عن مصوع، وهو يتحدث عن ميناء أدوليس: ويعرف الآن بميناء "زولا"، على عشرين ميلا إلى الجنوب من مصوع، وهي ميناء" أكسوم". وبعد أن أورد الدكتور محمد بن فارس الجميل في مؤلفه المذكور جملة من الآراء حول مكان نزول الصحابة، ناقش المسألة وخرج بالنتيجة التالية حيث قال:إن الروايات المتقدمة تكاد تميل إلى الرأي القائل: إن عدول، أو عدوليس، أو ما يعرف حديثا بـ(زلا) الواقعة على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر في إرتريا الحديثة هي المكان الأول الذي وطئته أقدام المهاجرين الأولين) (7)
أما القول الثاني: وهو أن تلك الهجرة كانت إلى السودان من ميناء سواكن.
يقول البروفسور أحمد علي الإمام رحمه الله مستشار الرئيس لشؤون الأصيل بجمهورية السودان (لقد سبق بالشرف مكانا وزمانا وقوما من كانت هذه الهجرة إليهم فيما كان يسمى بالحبشة بلدا والنجاشي حكما. ثم يستطرد قائلا: ومع أنها اليوم أثيوبيا ولكنه غير بعيد أن يكون هؤلاء المهاجرون وصلوا عن طريق السودان المعروف بهذا الاسم اليوم.) مستدلاً بحديث أم سلمة رضي الله عنها في المسند حكاية عن الذي كان بين النجاشي وبين بعض من ناوأه من الحبشة، ومل كان من الزبير وكيف (أنهم نفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم..) إلى أن يقول فالوصف أشد انطباقا على النيل للمعروف لدينا في السودان) (8)
ثم ساق عددا من الأدلة منها: وصف أرض الهجرة بأنها ذات نخل. (9)
وإمام القائلين بهذا القول هو العلامة البروفسور/ عبد الله الطيب وقدم فيه بحثا منشورا بعنوان (هجرة الحبشة وما وراءها من نبأ) (10)
كذلك يرى ضرار صالح ضرار أنهم ركبوا السفينة من "ميناء شعيبة السعودي قرب جدة، واتجهت جنوبا نحو مصوع، وفي الطريق توقفت في جزيرة عيري السودانية التي يطلق عليها أيضا اسم جزيرة الريح، وذلك بغرض التزود بالماء والراحة، والتفريغ والتحميل، ثم من هناك أبحرت إلى باضع". (11)
وهذا القول مع أن لم يستند إلى دليل ظاهر إلا أن يمثل نقطة التقاء الأقوال كلها فهم مروا على تلك الجزيرة السودانية ثم عبروا إلى الميناء الإرتري ومن ثم خرجوا إلى عمق منطقة التجراي.
ويعلق أخوه الأستاذ سليمان صالح ضرار في مخطوطته البجة ص74 بقوله:
"هذه الجزيرة هي عاصمة مملكة بني عامر، التي تسمى جارين، واستقبل أفراد قبيلة بني عامر هؤلاء المهاجرين، ورحبوا بهم، وأعطوهم الأمان للنزول في أرض مملكتهم، وبذا تكون هذه القبيلة البجاوية هي أول شعب يعطي الأمان للمسلمين، ولأول مهاجريهم خارج الجزيرة العربية..." (12)
وهناك باحثون آخرون ذهبوا إلى القول بأن الهجرة كانت إلى السودان أمثال البروفسور حسن قريب الله ـ وغيره ولكن يضيق المقام من أستعراض أقوالهم، وقد أوردت نماذج ممن قال بكل من القولين وشيئا من مما استدلوا به.
وعلى جلالة قدر القائلين بالقول الثاني من علمائنا الفضلاء إلا أن الذي أراه هو أن هجرة الصحابة كانت إلى الحبشة التي انقسمت فيما بعد إلى أثيوبيا وإرتريا وليست إلى السودان الحالي لقوة ووجاهة ذلك القول ولذلك للآتي:
أولا: السودان الحالي أقرب إلى مسمى أرض النوبة وِأن سواحله الشرقية عرفت بأرض البجة أكثر من أنها أرض الحبشة بل إن أهل السودان لا يقبلون أن يدعى أحدهم بالحبشي بل ولا أهل غرب وشمال ارتريا المتاخمين للسودان والساحل الشمالي منها.
ثانيا: أن بعض العبارات التي كانت مستخدمة عند أهل الحبشة في تلك الفترة لا تعرف عند السودان الحالي وهي كما هي عند أولئك مثل كلمة: (شيوم)، تعني آمنين وسادة وكلمة (دبر) التي تعني الجبل، وكلمة (سني) التي الجيد.
ثالثا: أيضا ما تشهد به الآثار المادية الملموسة من وجود مساجد ومقابر مرتبطة بالنجاشي وبالصحابة الكرام موجودة في أثيوبيا على ما طال تلك المعالم من إهمال وربما طمس متعمد من قبل الملوك الصيلبيين. (13)
تعريف الصحابي وبيان الصحبة في الحبشة:
الصحابي لغة مشتق من الصحبة، وهي المعاشرة، جاء في لسان العرب: صحبه يصحبه صُحبة بالضم وصحابة بالفتح، وصاحَبَه عاشَرَه... والصاحب المُعاشر (14).
وقال صاحب المصباح المنير: والأصل في هذا الإطلاق -أي إطلاق اسم الصحبة من حيث اللغة- لمن حصل له رؤية ومجالسة. ووراء ذلك شروط للأصوليين. ويطلق مجازاً على من تمذهب بمذهب من مذاهب الأئمة، فيقال: أصحاب الشافعي، وأصحاب أبي حنيفة (15)، وكل شيءٍ لائم شيئاً فقد استصحبه (16).
ولا يشترط في إطلاق اسم الصحبة لغة، أن تكون الملازمة بين الشيئين طويلة الأمد، أو الملابسة بينهما عميقة، لأنها اسم مشتق من فعل، والأسماء المشتقة من الأفعال يصح أن تطلق بمجرد صدور الفعل، ولا علاقة لها بمقدار تحقق ذلك الفعل في الشخص.
أما تعريف الصحابي من حيث الاصطلاح فقد اختلف العلماء في حدّه على أقوال (فالمعروف عند المحدثين أنه كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم) (17) وقال ابن حجر: (هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ـــ مؤمناً به ومات على الإسلام ولو تخللت ردة على الأصح) (18).
غير أن (منهم من بالغ فكان لا يعد من الصحابة إلا من صحب الصحبة العرفية كما جاء عن عاصم الأحول حيث قال: رأى عبد الله بن سرجس رسول الله غير انه لم يكن له صحبة، هذا مع كون عاصم قد روى عن عبد الله بن سرجس هذا عدة أحاديث وهي عند مسلم وأصحاب السنن وأكثرها من رواية عاصم عنه، ومنها قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له. فهذا يوضح رأي عاصم في الصحابي بأنه من صحب الصحبة العرفية (19)
(وكذا روى عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد من الصحابة إلا من أقام مع النبي صلى الله عليه وسلم سنة فصاعداً أو غزا معه غزوة فصاعداً) (20).
ومنهم من اشترط أن يكون حين اجتماعه به بالغاً، وهو مردود أيضاً لأنه يخرج أمثال الحسين بن علي ونحوه من أحداث الصحابة (21) وروي عن بعض أصحاب الأصول في تعريفهم للصحابي (أنه من طالت مجالسته عن طريق التتبع) (22)
قال ابن حجر: (والعمل على خلاف هذا القول وأنهم اتفقوا على عدّ جمع من الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا في حجة الوداع) (23).
ولعل أرجح التعاريف وأجمعها ما اختاره ابن حجر إذ قال: (وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت ومن روى عنه أو لم يرو عنه ومن غزا معه أو لم يغز معه ومن رآه ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى) (24).
إن الصحبة تكريم من الله لجماعة من البشر اختارهم سبحانه ليكونوا معية رسول الله والنقلة لكل أحداث عصر النبوة.
وفي سبيل ذلك فقد تعرض الجيل الأول من المسلمين إلى محن قاسية وتحملوا أعباء كبيرة من أجل التمكين لهذا الدين القيّم في الأرض، فخرجوا من قلب الجزيرة العربية إلى العالم أجمع يحملون لهم الدواء الناجع لما كانت تعانيه الإنسانية من ضياع وتمزق. يحملون السلام العالمي الذي طالما حلم به الفلاسفة والحكماء، وقدموه للدنيا بأسرها وعلى وجوههم علامات الرضا، غير عابئين بما ضحوا في سبيل ذلك من دمائهم وأموالهم واغترابهم. فنالوا بهذه التضحيات الجسام الثواب الجزيل من الله تعالى والحب العظيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصبحوا نبراس الأمة الإسلامية ومثالها الفذ مَن أجبهم أحب الله ورسوله ومن أبغضهم أبغض الله ورسوله.
غير أن كثيرين ممن استحوذ عليهم الشيطان، وممن نذروا أنفسهم للنيل من هذا الدين العظيم لم يرق لهم هذا التكريم لصحابة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وكانوا يعلمون أنهم يمثلون سور الدين، وأن الطعن فيهم هو السبيل الموصلة إلى هدمه دون ضوضاء، فأخذوا يشوهون صورتهم في أعين الناس، ويبثون آراءهم المنحرفة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لهذا كله حق على كل مسلم غيور أن في كل زمان ومكان أن يدافع عن تلك النخبة الطاهرة الذين لولا جهادهم وإخلاصهم وأمانتهم لما نعمنا بنعمة الإسلام، وأن يساهم ولو بشيء يسير في إبراز دورهم الهام في حفظ الشريعة وتعاليم الدين، لأننا مدينون لهم بكل شيء، فحبهم قربى إلى الله، والذود عنهم ذود عن حياض الدين، ولاشيء أوجب على المسلم في حياته من ذلك.
الصحابة من الحبشة والتابعون منهم:
لقد التف حول رسول الله خليط من البشر من مختلف الأعراق والأجناس والألوان والبلدان، يجمعهم إيمانهم بالله ورسوله وتربطهم أخوة الدين ويؤلف بينهم الإسلام، الذي أيده فيه بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم وكان فيمن معه من المؤمنين رجال ونساء من أمة الحبشة، وهم من حيث الإجمال فقد كان منهم أولئك الوفد الذين أرسلهم النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم نحوا من عشرين رجلا وقد أسلموا جميعا على ما ذكره ابن إسحاق عن الآيات في سورة المائدة وهي قوله تعالى: (﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدٰوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوْا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوْا الَّذِينَ قَالُوْا إِنَّا نَصٰرَىٰ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَآ أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوْا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّـٰهِدِينَ * وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصّـٰلِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوْا جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَـٰرُخَـٰلِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَجَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ (25).
قال ابن إسحاق: ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة، عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه وكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة؛ فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن.
فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله، وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره. فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش، فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده، حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال، ما نعلم ركبا أحمق منكم.
أو كما قالوا. فقالوا لهم: سلام عليكم، لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خير، قال ابن إسحاق سألت ابن شهاب الزهري عن هؤلاء الآيات فيمن أنزلن؟.. فقال لي: ما زلت أسمع من علمائنا أنهنّ أنزلن في النجاشي وأصحابه. (26)
وعن سعيد بن جبير قال: « بعث النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفدا من أصحابه، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فأقروا وأسلموا، وفيهم نزلت هذه الآية: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) إلى قوله الشاهدين ثم رجعوا إلى النجاشي، فأسلم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغته وفاته، فصلوا عليه، كما يصلى على الميت) (27)
وهناك ثلة أخرى كانت حول رسول الله من أصحابه الكرام من الحبشة الذين اجتذبهم نور الإسلام من داخل الجزيرة العربية وتشرفوا بالصحبة وترقوا بخدمته ونصرة دينه عن قرب ولازموه ملازمة الظل لصاحبه، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال(اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة) (28) فهم محل دعوة وأهل عهد وأمان وجوار،
بل إنه أسند إليهم أشرف الأعمال فقال: (الملك في قريش والقضاء في الأنصار والآذان في الحبشة والأمانة في الأزد) (29)
وكان من هؤلاء على سبيل الإشارة على الحصر:
1. الصحابي الجليل أبو بكرة بن نفيع بن مسروح (صاحب الحديث الشهير: زاد الله حرصا ولا تعد) وعن الحسن قال: (لما حضرت أبا بكرة الوفاة قال: اكتبوا وصيتي: فكتب الكاتب: هذا ما أوصى به نفيع الحبشي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يشهد أن الله ربه، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم نبيه، وأن الإسلام دينه، وأن الكعبة قبلته، وأنه يرجو من الله ما يرجوه المعترفون بتوحيده، المقرون بربوبيته، الموقنون بوعده ووعيده، الخائفون لعذابه، المشفقون من عقابه، المؤملون لرحمته، إنه أرحم الراحمين.) (30)
2. الصحابي الجليل يسار أو أسلم الحبشي الشهيد الأمين رضي الله عنه أسلم يوم خيبر واستشهد بها.
عن ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار: أن راعياً أسود أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر، ومعه غنم له كان فيها أجيراً لرجل من يهود، فقال: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام. فعرضه عليه. فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً يدعوه إلى الإسلام - فقال الأسود: كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم، وهي أمانة عندي، فكيف أصنع بها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اضرب وجوهها، فإنها سترجع إلى ربها. فقام الأسود فأخذ حفنة من التراب، فرمى بها في وجوهها، وقال: ارجعي إلى صاحبك، فو الله لا أصحبك. فرجعت مجتمعة كأن سائقاً يسوقها، حتى دخلت الحصن. ثم تقدم الأسود إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين، فأصابه حجر فقتله، وما صلى صلاة قط، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع خلفه، وسجي بشملة كانت عليه، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه، ثم أعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم إعراضاً سريعاً فقالوا: يا رسول الله، أعرضت عنه ؟! فقال: إن معه لزوجتين من الحور العين. (31)
3. الصحابية الجليلة أم أيمن بركة الحبشية حاضنة رسول الله وخادمته. زوجة الصحابي الجليل زيد بن حارثة والدة الصحابي الجليل أسامة ابن زيد رضي الله عن الجميع.
4. الصحابي الجليل أنجشه الحادي رضي الله عنه صاحب الحديث الشهير(رفقا بالقوارير)(32)
5. الصحابي الجليل أنسة بن مسرح رضي الله عنه شهد بدرا وأحدا كان يأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في خلافة أبوبكر الصديق ولم تعرف له رواية. (33)
6. الصحابي الجليل أيمن بن نابل أبو عمران مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، راوي إحدى أحاديث التشهد الشهير.
7. الصحابي الجليل بلال بن أبي رباح مؤذن رسول الله السابق إلى الجنة رضي الله عنه، وهو غني التعريف شهرته علم.
8. الصحابي الجليل ذو مخمر الحبشي رضي الله عنه ابن أخي النجاشي.
9. رباح بن زيد الحبشي رضي الله عته كان يأذن على رسول الله صلى الله
10. الصحابي الجليل سفينة أبو عبد الرحمن رضي الله عنه مولى رسول الله الذي عرف بحمل الأثقال خدمة لرسول الله آله وهو صاحبة القصة الشهيرة في مخاطبة الأسد. (34)
11. الصحابي الجليل شقران الحبشي رضي الله عنه واسمه، شهد بدر وتولى حراسة الأسرى وهو مولى له رواية في المسند وتشرف بوضع القطيفة تحت رسول الله في قبره. صلوات الله وسلامه عليه.
12. سعيرة الأسدية رضي الله عنها،ويقال سُعَيرة، بالتصغير، ضبطها المستغفري؛ وأخرج من طريق عطاء الخراساني، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس أنه قال له: ألا أُريك امرأةً من أهل الجنة، فأراني حَبشية صفراء عظيمة قال: هذه سعيرة الأسدية) (35)
13. الصحابية الجليلة نبعة الحبشية جارية أم هاني بعثتها خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإسراء لتسمع يقول له الناس بعد أن يخبرهم بخبر الإسراء والمعراج. (36)
14. الصحابي الجليل وحشي الحبشي رضي الله عنه، قاتل حمزة رضي الله عنه ومسيلمة الكذاب. أسلم بع فتح الطائف وشهد اليمامة وكان يقول قتلت بحربتي هذه خير الناس وشر الناس. توفي بحمص. (37)
والذي نلحظه من خلال هذه الوقفات مع شيء من أخبار وقصص وطرائف هذه الثلة الخيرة من صحابة الحبشة:
أولا: حبهم الشديد وقربهم اللصيق برسول الله الكريم صلوات الله وسلامه عليه وبأهل بيته الطيبين الطاهرين والتفاني في خدمته وقضاء حوائجه بأنفسهم.
ثانيا: تميزهم بالقدرات والإمكانات والمهارات المتفردة والتي من خلالها كانوا يؤدون أدوار عظيمة في حياة المسلمين عبادة وخدمة وترفيها، فمنهم الراوي الحفيظ، والمؤذن الصيت، والعامل الماهر والمنشد الممتع.
ثالثا: اشتهارهم بحسن أخلاقهم وكريم عشرتهم وجميل صبرهم فمن لنا بصبر بلال وأمانة أسلم شهيد خيبر ومبتدر الحوريات.
جهود الصحابة رضوان الله عليهم في نشر الإسلام بالحبشة:
يذهب الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى: إلى أن هدف الهجرة إلى الحبشة لم يكن مجرد النجاة بالنفس، إذ لو كان الأمر كذلك لهاجر إذن أقل الناس وجاهة وقوة ومنعة من المسلمين، غير أن الأمر كان على الضد من هذا، فالموالي المستضعفون الذين كان ينصب عليهم معظم الاضطهاد والتعذيب والفتنة لم يهاجروا، إنما هاجر رجال ذوو عصبيات، لهم من عصبيتهم في بيئة قبلية ما يعصمهم من الأذى، ويحميهم من الفتنة، وكان عدد القرشيين يؤلف غالبية المهاجرين...) (38).
ويوافق الأستاذ الغضبان فيقول معلقا على ما ذهب إليه سيد: (وهذه اللفتة العظيمة من (سيد) رحمه الله لها في السيرة ما يعضدها ويساندها، وأهم ما يؤكدها في رأيي هو الوضع العام الذي انتهى إليه أمر مهاجرة الحبشة، فلم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث في طلب مهاجرة الحبشة حتى مضت هجرة يثرب، وبدر وأحد والخندق والحديبية، لقد بقيت يثرب معرضة لاجتياح كاسح من قريش خمس سنوات، وكان آخرها هذا الهجوم والاجتياح في الخندق، وحين اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن المدينة قد أصبحت قاعدة أمينة للمسلمين، وانتهى خطر اجتياحها من المشركين، عندئذ بعث في طلب المهاجرين من الحبشة)(39)
ويميل الأستاذ دروزة إلى أن فتح مجال للدعوة في الحبشة كان سببًا من أسباب هجرة الحبشة حيث يقول:(بل إنه ليخطر بالبال أن يكون من أسباب اختيار الحبشة النصرانية أمل وجود مجال للدعوة فيها، وأن يكون هدف انتداب جعفر متصلاً بهذا الأمل) (40)
وقد عادوا بعد أن أمضوا خمسة عشرة سنة من الدعوة إلى الله بالقول والفعل والجوار والحوار والمشاركة.
فالصحابة الذي قدموا الحبشة ووطأت أقدامهم ثراها وهم يحملون العلم والإيمان متزودين بأوفر وأكرم الزاد من كتاب الله وكتاب رسوله صلوات الله وسلامه عليه.
ونحوا بضع وثمانون مؤمنا ومؤمنة فيهم ذو النورين عثمان صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة المسلمين الراشد وفيهم رقية الراقية بنت سيد الخلق وسابقته إلى جنان الخلد وفيهم أميرهم وقائد ركبهم الشهيد المقدام والعالم الهمام جعفر الطيار وهكذا فجميعهم من الطراز الفريد، وقد كان همم الوحيد هو دينهم الذي ما خرجوا إلا من أجله وما تركوا الديار ولا عبروا البحار إلا لنصرته، وقد فتح الله لهم قلب ذلك الرجل الصالح أصحمة النجاشي، فرحب بمقدمهم وأحسن منزلتهم ومنحهم حريتهم في العمل بدينهم والدعوة إليه، حتى بلاط الملك الحبشي وخير شاهد على جهودهم المباركة قصة الستين الذين أرسلهم النجاشي بقيادة ابن لكنهم غرقت بهم السفينة، قال ابن إسحاق: وكتب النجاشي إلى رسول الله: بسم الله الرحمن الرحيم. إلى محمد رسول الله. من النجاشي الأصحم بن أبجر. سلام عليك يا نبي الله ورحمته وبركاته من الله الذي لا اله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام. أما بعد، فقد بلغني كتابك - يا رسول الله - فيما ذكرت من أمر عيسى. فورب السماء والارض إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه كما قلت. وقد عرفت ما بعثت به إلينا، وقد قرينا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا، وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يده لله رب العالمين. وقد بعثت إليك بابني أرها بن الأصحم بن ابجر، فإني لا املك الا نفسي وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق. والسلام عليك يا رسول الله. وكان قد بعث ابنه أرها مع ستين من الحبشة في سفينة، ولكنهم غرقت بهم سفينتهم في وسط البحر (41)
فإسلام النجاشي بذاته إسلام العشرين في الوفد الأول وهؤلاء الستين الذين أصيبت سفينتهم، كل ذلك ما هو بعض ما بدا صلاحه من ثمار جهود الصحابة الكرام في نشر الإسلام في الحبشة، بالإضافة إلى ما تركوا وراءهم من تابعين ورثوهم العلم وأسلموا إليهم راية الدعوة وحملوهم مشاعل نور الهداية دعاة إلى الله في أرضه ورسل الرسول إلى نهجه.
علاوة على ما خلفوه من حسن سيرة وكريم سمعة وأواصر إخوة في أهل الحبشة الذين تتابعوا على الإسلام طوعا بعد ذلك ودخلوا في دين الله أفواجا إلى يوم ربنا هذا وأن نسبة المسلمين في بلاد الحبشة وبرغم كل المؤامرات فإنها تبلغ أكثر من ستين في المائة، وقد كانت في النسبة أعلى من ذلك عهد قريب، كما تشير الدراسات والقارير، بالإضافة إلى ما كان إشعاع نور الإسلام إلى أعماق وأنحاء أفريقيا. (42)
وهناك عوامل أدت إلى انتشار الإسلام في الحبشة من أهمها:
أولا: أن الإسلامي ﺩﻴﻥ الفطرة الذي يقوم على أساس الوحدانية المطلقة بخلاف عقائد التثليث المعقدة ذات الطابع الفلسفي والتأليف التلفيق الباطل التي لا يسهل هضمها ولا تستسيغها الفطرة الإنسانية السوية.
ثانيا: ما يتميز به الإسلام من عدم ﺍلفصل بين الدين والدنيا وما يتميز به الإسلام من تحقيق التوازن في أحكامه بين الروح والمادة في وسطية موضوعية توافق الفطرة الإنسانية وما فيه من سماحة الأحكام ويسرها وتحقيقها لسعادة المكلفين
ثالثا: ماجاء به الإسلام من مبدأ تكريم الإنسان والتسوية بين جميع الأجناس البشرية بلا عنصرية ولا عصبية، ولا تفريق بين ما هو أبيض وما أسود ولا بين ابن أمة ولا ابن حرة كما تقول به الديانات الأخرى.
رابعا:ما تضمنه الإسلام قد تضمن فيما تضمن عبادات جوانب حضارية وصحية غاية في الرقي وقمة في الذوق السليم، الذي يجعل المسلم شامة بين الناس حتى يعجب الناس به لبسه وطهارته ونظافته الذي هو جزء من عقيدته وعبادته لا ينفك عنه أبدا.
خامسا:الصدق ومكارم الأخلاق: فقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم بالصدق والعدالة عندما قال عن الحبشة(إنها أرض صدق وأن فيها ملك عادل لا يظلم عنده أحد) (43) وهذه الأرضية الأخلاقية مهدت الطريق لدعوة الحق والعدل والصدق القلوب وتتقبلها النفوس بلا عنا ولا رهق.
التوصيات:
(1) ضرورة الاهتمام بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة هداية للحق ونصحا للحق وأنها تأتي أكلها أكثر من كل أسلوب أو أي نهج آخر.
(2) ضرورة القدوة الحسنة والتحلي بمكارم الأخلاق وجميل الصفات حتى يصير المسلم داعية بأفعاله وأخلاقه قيل قوله.
(3) الاهتمام بدور التجار الأخيار والعناية بدعوتهم وتوجهيهم بأدوارهم المؤثر في الدعوة إلى الله تعالى ونشر الإسلام وإحياء سيرة التجار الأخيار وبيانهم سيرتهم ليكونوا قدوة لتجار المسلمين اليوم.
(4) التعرف على جهاد الصحابة وجهدهم في نشر دينهم بأحسن الطرائق وأفضل المناهج دون إثارة حساسيات تلك المجتمعات.
(5) وضع أولية وأهمية لدعوة القيادات والوصول إلى أهل التأثير من الزعامات السياسية والاجتماعية والقبلية وأن في صلاحهم صلاح رعيتهم و؟أتباعهم.
(6) إنشاء مراكز بحثية ودراسية للحقيق والنقيب عن الآثار الإسلامية لا سيما الحبشة على غرار بالإخوة الأتراك.
(7) تعميق التعاون والتكامل المؤسسات الدعوية وبين الواجهات المجتمعية كالطرق الصوفية والقيادات السياسية وزعامات العشائر ونحوهم ولنا في منهج رسول الله خيرة قدوة وأسوة.
الإحالات والهوامش:
(*) أصل هذه الدراسة نشر ضمن أعمال مؤتمر جهود الصحابة رضي الله عنهم في نشر الإسلام في إفريقيا، الخرطوم.
(**) جامعة الخرطوم، قسم الثقافة الاسلامية.
(1) لسان العرب ج1 / 167.
(2) جامع الأصول 4 / 2819.
(3) ديوان امرؤ القيس ج1 / ص 26.
(4) السان ج 1/ 167.
(5) تاريخ الرسل والملوك 2/328
(6) جريدة الوحدة السبت 7 محرم 1385هجرية الموافق 8 مايو 1965م والحديث أخرجه أخرجه ابن عساكر (3/15.).
(7) نقلا عن بحث قيم بعنوان: (سيدنا النجاشي حامي الإسلام وأول مهتد من خرج جزيرة العرب) عبد السلام بسيوني. ص
(8) من حديث الهجرة أنفاس طاهرة للبروف أحمد على الإمام ص 46.
(9) سبيل الهدى والرشاد 2/ 4.9.
(10) مجلة دراسات أفريقية جامعة أفريقيا العدد الثامن عشر، يناير 1998 م.
(11) هجرة القبائل العربية إلى وادي النيل مصر والسودان/24. ـ 241
(12) الحبشة والأحباش في التاريخ العربي الإسلامي بقلم /د.جلال الدين محمد صالح ـ دراسة منشورة على الشبكة.
(13) تعتزم الوكالة التركية للتنمية والتنسيق"TIKA" إعادة ترميم قبر "النجاشي" وقبور 15 صحابيًا يرقدون في ولاية "تيغرا" بإثيوبيا.
وتأتي أعمال الترميم في إطار التعاون المشترك بين الوكالة التركية للتنمية والتنسيق "TIKA" ومديرية الثقافة والسياحة الإثيوبية، الذي وقعه "هارون تونجير" حسب ما أكده مسئولون في الوكالة لمراسل الأناضول.
وسيتم الانتهاء من أعمال الترميم خلال فترة قصيرة، سيتمكن بعدها الزوار من جميع الأنحاء زيارة قبر النجاشي ملك الحبشة وقبور خمسة عشر صحابيًا ماتوا هناك بعد الهجرة الأولى، حيث ستشكل أعمال الترميم قيمة سياحية كبيرة لإثيوبيا.
(14) لسان العرب، ابن منظور مادة صحب519:1، القاموس المحيط للفيروزابادي 37:1.
(15) المصباح المنير، المقريزي، مادة (صحبة) 5.9:1.
(16) مختار الصحاح، أبو بكر الرازي، مادة صحب 356.
(17) تدريب الراوي، السيوطي 21.:2
(18) نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، ابن حجر العسقلاني 4: 23..
(19) فتح الباري، ابن حجر 3:8.
(20) فتح الباري: 3/8، تدريب الراوي: 11:/2.
(21) فتح الباري: 4/8.
(22) تدريب الراوي: 21./2، الرياض المستطابة: 12.
(23) فتح الباري: 8/3.
(24) الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر: 1/7.
(25) سورة المائدة – الآيات: 82-85
(26) بن هشام: السيرة النبوية 2 / 32.
(27) المطالب العالية ج17 / ص5.6. ابن حجر العسقلاني
(28) الجامع الصغير 9 / 9..
(29) رواه الترمذي وصححه الألباني السلسة الصحيحة (1.83)
(30) مختصر تاريخ دمشق محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري ج 8 / 32.
(31) أسد الغابة ج3 / ص 129
(32) معجم الصحابة ج3. /18.
(33) مختصر تاريخ دمشق.ج1 / 251.
(34) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/685.
(35) متفق عليه، رواه البخاري (484 ح5652) و مسلمٌ (1129 ح2576).
(36) الإصابة في تمييز الصحابة ج8 / ص 137.1
(37) الإستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص 496.
(38) في ظلال القرآن (1/29).
(39) المنهاج الحركي للسيرة (1/67، 68).
(40) سيرة الرسول (1/265) عن الشامي، ص111.
(41) الطبري 2 / 661.
(42) جمال عبد الهادي، علي لبن: المجتمع الإسلامي المعاصر (ب) إفريقيا ص12.-126 بتصرف.
(43) السلسلة الصحيحة 12 /23.