الدولة الإرترية في يوبيلها الفضي.. الحساب ولد
بقلم الأستاذ: محمد علي صالح هنتولاي
يستعد الشعب الإرتري اليوم لاستقبال الذكرى الخامسة والعشرون لاستقلاله المجيد عندما طرد المستعمر الإثيوبي من آخر شبر
في الأرض الإرترية في ضحى يوم 24 مايو 1991م، بعد ثلاثين عاماً عجاف كابد فيها كل صنوف العذاب ودفع فيها عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والملايين من اللاجئين والمشردين من النساء الثكالى والأطفال الأيتام والشيوخ. خسائر لاتعد ولا تحصى في الأرواح والممتلكات.
لا يمكن إجمال تضحيات الشعب الإرتري عبر تاريخه النضالي الطويل في فقرة أو فقرتين، فالقصة طويلة ومؤلمة ومليئة بالكثير من الدماء والأشلاء والدموع، تحتاج إلى مجلدات وأسفار. ولكن كان لزاماً على كل من يحاول تقييم مسيرة الشعب الإرتري عبر نضاله الطويل الذي توجه بانتصاره الذي أذهل به العالم أجمع.. ثم دولته العجيبة التي أذهلت العالم هي الأخرى بفشلها الذريع.. عندما أصبحت الدولة الأغرب بين دول العالم في كل شيء.. في الحريات.. وفي الأوضاع الاقتصادية وفي مجال الأعمال.. وقد بلغت اليوم عامها الخامس والعشرين..
وبالرغم من هذا الفشل الذريع في كل شيء.. وبالرغم من هذه الظروف القاسية التي لم تمر على الشعب الإرتري حتى في أيام الاستعمار الإثيوبي نفسه.. بالرغم من هذه المحصلة الصفرية القاحلة لحصاد الدولة الإرترية على مدى ربع قرن من الزمان.. يصر الدكتاتور وزبانيته الذين من حوله أن يحتفلوا هذا العام باليوبيل الفضي لاستقلال إرتريا!!
ليحتفل الدكتاتور بهذه السنين العجاف على طريقته الخاصة.. وسيحتفل الشعب الإرتري أيضاً بطريقته.. وشتان بين الطريقتين.. لكن بأي حال سيحتفل الدكتاتور؟.. مع من يريد أن يحتفل؟.. وقد فتك بجميع أبطال هذا اليوم وصناعه.. حتى لم يبقى منهم غير الرجرجة والدهماء.. كيف سيحتفل وقد تفرق الشعب.. بين معتقل بلا محاكمة وإلى أجل غير مسمى في غياهب السجون التي تعج بها إرتريا.. وبين لاجئين ونازحين ومهاجرين في الأوطان البديلة.. ومعسكرات اللجوء في دول الجوار.. ومن تتخطفهم عصابات الاتجار بالبشر.. وتنهش أشلاؤهم الحيتان في المحيطات..؟!!
وبمن سيحتفل ؟!!.. فالمحتفى بها ترقد اليوم في غرفة الانعاش.. لن تمد له كفاً للحناء.. وليس في رأسها اليوم ثمة شعر تسهر فيه الماشطات.. بعد أن أنهكتها سنين الهم والغم حتى شاخت وهرمت وهي لا تزال في عمر الزهور بحساب السنين.. لكن يوماً واحداً من أيام التنكيل والذل والهوان.. يعدل قرناً أو يزيد... ليحتفل إسياس بما يحكمه اليوم.. بقية شعب.. وبقايا دولةٍ فاشلة.. ظل يوردها المهالك منذ يوم ميلادها.. وكلما حاول أن يضع المساحيق في وجهها غسلته عنها دموعها التي تسيل صباح مساء.. على معتقلين لا يعلم بمصيرهم أحد.. وعلى المستجيرين من الرمضاء بالنار.. من الذين اختاروا الموت في المحيطات بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت... أصبحوا مستعبدين في الوطن الذين مهروه.. ومهره آباؤهم بالدماء والأشلاء.. فقرروا شراء حريتهم مقابل إقامة أبدية في أعماق المحيطات.. يا لها من قصة مؤلمة!!
لكنه الدكتاتور كما عرفناه.. سيحتفل كما عودنا.. فمن غيره يتلذذ بآلام الآخرين وعذاباتهم.. فإن لم يحتفل اليوم.. فليس هو بإسياس.. لأن ما يحتفل به اليوم هو يوبيله الخاص.. وليس يوبيلاً.. ولا فضياً.. للدولة الإرترية!! لأن اليوبيل الفضي لا يقاس بعدد السنين وحدها!!
نعم.. ليحتفل كما يشاء.. لكن الحساب ولد..
فقبل أن نبارك لطاغيتنا في "يوبيله الدموي" عليه أن يجيبنا على الأسئلة التالية:
ما الذي جنته الأمة الإرترية من استقلالها حتى هذه الساعة؟
بل ما الذي جناه المناضلون والمقاتلون الذين منحو زهرة شبابهم وربيع أعمارهم للقضية الإرترية حتى تحررت الأرض الإرترية كلها، ناهيك عن بقية الشعب؟
أين ذهبوا؟.. في أي سجين يقيمون؟ وفي أي محكمة تمت محاكمتهم؟ وبأي قانون.. من قوانين الأراضين والسماوات؟ وهل هم اليوم أحياء؟.. أم في عداد الأموات؟
أين مثقفي المجتمع ومشائخه وعلمائه وقساوسته وأعيانه ووجهائه..؟ بل أين ذهبت إرتريا كلها؟
كيف يعيش الشعب الإرتري في وطنه؟.. في حرياته وفي اقتصاده وأمنه؟ هل من وظائف تؤمن دخلا شهريا أو حتى يوميا يسد الرمق؟ أم هو الفتات الذي يرمي به الدكتاتور في مشاريع السخرة التي أكلت الأخضر واليابس؟
أين تذهب ثروات البلاد؟ إن كانت هناك ثروات، أين تذهب عائدان مناجم الذهب؟ وأين ذهبت إيجارات الموانئ؟ أين صرفت ومن الذي استفاد منها؟
ما هي حال الاقتصاد الآن؟.. وكيف يمكن وصف الحالة الاقتصادية بالإحصائيات والأرقام؟
أعلم أيها الدكتاتور أنك لا تهتم لكل هذا.. لكن فقط أريد أن تتعرف على موقع البلد الذي تدعي أنك تحتفل اليوم بيوبيله الفضي.. احصائية البنك الدولي لقائمة الدول الأسوأ في ممارسة الأعمال التجارية.. حيث تحتل إرتريا ذيل القائمة.. يعني بالعربي الفصيح الدولة الأسوأ على مستوى العالم في مجال ممارسة الأعمال التجارية!!
لعل هذه هي الاحصائية الرسمية الوحيدة التي وقفت عليها عندما قررت أن أكتب هذا المقال في عجالة.. لكن لدينا مثلها الكثير.. في حقوق الإنسان وحرية الصحافة وغيرها.. وغياب القانون.. ذيلية القوائم كلها تقريباً باتت محجوزة لإرتريا في عهدكم أيها الدكتاتور.. فكم كلفك هذا الإنجاز؟.. وكم بذلت من جهود جبارة حتى توصل إرتريا إلى هذا الدرك الأسفل..؟ لعلك تريد أن تحتفل بهذه الانجازات!!
احتفل أيها الدكتاتور كما يحلو لك... لأنك لن تحتفل بغير ما صنعته من مسخ مشوه.. وليحتفل الشعب الإرتري بالمقابل بمراجعة مسيرته.. وليجدد العهد مرة أخرى مع وحدته الوطنية وهويته الإرترية.. وأن يجدد نشاطه للعمل دون كلل أو ملل حتى يستعيد وطنه الذي يرقص اليوم مذبوحاً من الألم..
وكل عام والشعب الإرتري.. حراً أبيا كريما لا يتنازل عن حقوقه.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.