السودان وأرتريا والغرب الدم على الحدود ١-٢

بقلم الأستاذ: محمد عثمان إبراهيم المصدر: السودانى

قبل سنوات كانت القوى السياسية المعارضة تتهافت على تحريض المجتمع الدولي ومحكمة الجنايات الدولية من أجل إصدار مذكرة

توقيف بحق الرئيس وأركان حكومته. لقد كانت المعارضة بسذاجتها البينة وكسلها المعهود تهدف إلى استخدام طاقة المجتمع الدولي للقيام بالمهمة التي عجزت عنها وهي إسقاط النظام والحلول مكانه.

على شط الرشاد كانت هناك جماعة محدودة من خارج أنصار الحزب الحاكم تقف ضد مثل هذا التدخل وكاتب هذه السطور من بينها بكل اعتزاز. كنا نرى أن أكثر ما يعيق نمو الحكم الراشد في بلادنا (صرت لا أحبذ استخدام كلمة ديمقراطية) هو أن يضطر أحد الأطراف إلى التمسك بالسلطة كخيار وحيد، وهذا بالضبط ما حدث لحزب المؤتمر الوطني الذي أدرك، دون كثير اجتهاد، أن تخلي قادته عن السلطة وآلة الدولة هو صافرة البداية لسحلهم في الشارع السياسي.

ماذا جنى مؤيدو التدخل الدولي وأنصار أوكامبو الذين تكأكأوا على لاهاي ونيويورك لالتقاط الصور مع الحقوقي الأرجنتيني المهووس بالإعلام؟ لا شيء سوى أنهم أغلقوا على أنفسهم الباب في غرفة المعارضة وأضاعوا المفتاح.

ما تتخذه الحكومة الآن بقيادة الرئيس عمر البشير من خطوات للانفتاح على القوى المعارضة، وتلك التي يعجزها صندوق الانتخاب عن الحضور في مشهد الحكم، إنما ينطلق من موقف منتصر.

لقد حققت حكومة البشير انتصارها السياسي التاريخي في أعقاب مذكرة أوكامبو بمجموعة من الإجراءات القاسية والقرارات الصعبة، وهي الآن تمتلك المصدات الكافية لحماية جوهر السلطة من أي محاولة للتآكل لذلك فإنها تمد يدها، بثقة، لاستيعاب الخصوم الراشدين. إذا أقبلت القوى السياسية فستتاح لها الفرصة للمساهمة في الصالح والخير العام وفق استراتيجية الإنقاذ، وإن امتنعت فإنما هي تزيد من تعزيز بقاء الإنقاذ حيث هي.

ما حدث في السودان من محاولة للاستعانة بالظروف الخارجية لإحداث انتصارات داخلية حدث بشكل أكثر بشاعة وألماً في الجارة أريتريا، وبينما ساهمت عوامل الإرث السياسي منذ الاستقلال، وصلات التاريخ والجغرافيا والدين والاقتصاد بالخليج والعالم العربي في إنقاذ السودان فإن جارتنا العزيزة أريتريا لم تستطع، للأسف، النجاة حتى الآن.

لقد كنت شاهداً على تداعيات الحرب الأريترية الإثيوبية المدمرة، ورأيت مشاهد الدمار والخراب التي ضربت العمود الفقري للدولة الناشئة الفتية ورأينا مع المواطنين المشفقين والمذهولين كيف كاد حلم الدولة المستقلة أن يجهض في أسابيع محدودة.

في ذلك المناخ انتعشت معارضة سياسية شرسة ضد الرئيس أسياس أفورقي وحكومته ورأى خصوم الجبهة الشعبية في الجيش الإثيوبي الذي كان يدك المنشآت الصغيرة يداً مُعينة قد تسهم في توفير فرصة مواتية لهم للوصول إلى الحكم.

في ذات الوقت ساعد الحراك المعارض المتوقد بفعل الحريق المدمر بعض القوى المدنية على التعبير عن رفض الحرب والشكوى من آثارها فيما حاول رفاق الرئيس في الحزب الحاكم العمل على إعادة ترتيب البيت الداخلي بما يحقق لهم بعض الأهداف.

لست في موقف لأقول من كان منهم على حق ومن كان على خطأ لكن كان موقف الرئيس أفورقي رافضاً لما ظنه استثمار غير شريف لظرف كان ينبغي فيه تنحية الاحتقانات والخلافات والتفرغ للمعركة الوطنية وقد كتب بشكل مباشر إلى رفاقه الذين كان يعقدون الاجتماعات ويدعونه إليها كأي عضو عادي "أنكم ترتكبون خطأ كبيراً".

بعدها سارت الأمور على غير ما يشتهي الجميع، ودخلت مجموعة الـ١٥ السجن واضطرت الحكومة للتشبث أكثر بالسلطة، ووأد الدستور الجديد والانتخابات التي كانت في الطريق، وانطفأ أمل المستقبل الزاهر الذي كان طلاب المدارس حينئذ يحلمون به وكالعادة كان المجتمع الدولي في الموعد تماماً فأضاف على نار الحرب وبشاعة آثارها مزيداً من زيت العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية والعزلة الدبلوماسية على جارتنا الأقرب إلينا رحماً ووجداناً.

فى الحلقة القادمة نقرأ كيف يدفع الشَّعبَان على الحدود الثمن.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click