السودان وأرتريا والغرب الدم على الحدود ٢-٢

بقلم الأستاذ: محمد عثمان إبراهيم المصدر: السودانى

يعيش اليوم في أرتريا ما يقل عن الستة ملايين نسمة (حسب معلومات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية) يقتسمون ناتجاً قومياً

إجمالياً محدوداً ويعيشون ظروفاً اقتصادية غير مواتية على الإطلاق.

وفيما يبقى السكان عرضة في أي لحظة للمخاطرة بفقدان استقلال البلاد ذاتها بسبب التوتر المستمر والدائم على الحدود مع الجارة الكبرى إثيوبيا يوثق مجلس الأمن يدي أرتريا في حالة نشوب أي معركة ـ لا سمح الله ـ مع الجارة القوية بسبب حظر استيراد الأسلحة المفروض على البلاد منذ ثمانية أعوام.

على الحدود مع إثيوبيا ينتشر عشرات الآلاف من الجند وعناصر الاستخبارات والرصد وعلى الحدود الغربية مع السودان يقيم نصف الأهل، ونصف القبيلة، ونصف العائلة، ونصف الأحباء الأعزاء.

الظروف ضاغطة في أرتريا ولا ملاذ إلا السودان وهذا عين ما يفعله الشباب الحالمون بغد أفضل، وفرص حياة أكثر رحابة! الصبية الصغار والصبايا القويات الشكيمة يحاولون بالعشرات عبور الحدود من هنا أو هناك، وهنا بالضبط تبدأ المشكلة.

السودان الذي يغادره الآلاف، هو الآخر، في كل شهر، يمثل الحلم والمنطلق للبعض وهذا ما يوقفهم مكشوفي الصدور أمام عصابات تهريب البشر على جانبي الحدود. من أرتريا يخرج الشباب بالمخالفة للقوانين المرعية ودون الحصول على الوثائق اللازمة، لكنهم يقدمون المال لرجال العصابات حيث يعدونهم بتوصيلهم إلى حيث الخط الوهمي الفاصل بين البلدين.

إن تم القبض على الهاربين داخل أرتريا فالعقاب ينتظرهم بسبب مخالفة النظم المرعية، وإن دخلوا السودان فقد تحقق الحلم الأول لكن الأمر يمر بمخاطرة شديدة نتواطأ جميعاً كمجتمع ودولة ورجال عصابات (كلنا في حزمة واحدة للأسف) نتواطأ في جعلها التجربة الأكثر قسوة في حياة هؤلاء.

لنتحدث بصوت مسموع: نحن في السودان أقل تقديراً واحتراماً للأرتريين وعموم من نسميهم (الأحباش) ولذلك فإن حساسية المجتمع لما يتعرض له هؤلاء الناس من مآسٍ ضعيفة بل هي منعدمة بلغة أدق هذا مؤسف وغير أخلاقي تماماً!

هب أن عصابة اختطفت عشرة من الضيوف العرب في السودان، واحتفظت بهم كرهائن في سجن خاص بها، ثم قامت بتجويعهم وحرمانهم من الماء والحقوق الطبيعية ليومين أو ثلاثة لتقدم لهم هواتف نقالة أو أجهزة ثريا للاتصال بأهلهم لتقديم فدية مقابل إطلاق سراحهم؟ لو حدث ذلك لوقعت السماء على حكومة وأهل السودان ولتسابق أركان حكومتنا لحل المشكلة ومعاقبة الجناة على فعلتهم الشنيعة ولكانت للحادثة تداعيات على السياسة، والاقتصاد، والاستثمار، والعلاقات الدولية لكن هذا يحدث بشكل شبه يومي مع الأرتريين في السودان دون أن يتعرض الناموس للاهتزاز.

كل بضعة أيام تقوم قوات الشرطة بتحرير نسبة من هؤلاء الرهائن البؤساء وتقبض على بعض الجناة، ووفق قوانيننا العجيبة تتم محاكمة الجناة والضحايا على نحو متقارب إذ تتحصل المحاكم على غرامات من الرهائن المحررين بحجة اختراق سيادة الأرض دون الحصول على الأختام اللازمة على وثائق لا يملكونها، فيما يتم تغريم الخاطفين بتهم عجيبة ويطلق سراحهم ليعودوا إلى سياراتهم وامتشاق أسلحتهم بحثاً عن ضحايا جدد. في هذا الوقت تصاب أرواح أولئك الضحايا بشروخ تبقى إلى الأبد لأننا لا نقدر إنسانيتهم كما ينبغي.

إنني أتعامل مع الكتابة في هذه الزاوية بمسؤولية كبيرة لذلك لا أريد ذكر الحكايات المأساوية التي تردني حفاظاً على الصورة العامة لبلادي، وأملاً في أن تكون تلك الحوادث استثناء.

إن مطلب هذا العمود بسيط للغاية وهو تجريد أولئك الضحايا المغرر بهم من (وصمة حبشيتهم) والنظر إليهم كبشر أسوياء مثلنا ومثل العرب لنعاقب مهربي البشر ومختطفيهم المسلحين بالعقوبة اللائقة. إن من يتم تحريرهم بواسطة الشرطة وقواتنا النظامية المحترمة على الحدود نقطة من بحر من الضحايا الذين يتم امتهان إنسانيتهم تحت سمع السلطة وبصر رجال القبائل العاجزين. يا حكومة السودان ويا أهل السودان الكرام هذا لا يليق بنا أبداً.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click