سيدي هل لي أن أختلف قليلا؟ اللغة أداة لممارسة السلطة وليست مجرد وسيلة للتفاهم - الجزء الخامس
بقلم المناضل الأستاذ: إدريس سعيد أباعري - كاتب وقاص إرتري | سماديت كوم Samadit.com
فما الذي ستضيفه لغة الأم!!! المفروضة سلطويا على وطنية الطفل الإرتري الذي ناضل أباه وجده
ضد المستعمرين المتعاقبين، برغم من أن ما قد تيسر له من العلم في في ذلك الزمن تلقاه بلغة المستعمر وليس بلغة أمه. أما إذا كان المقصود من الهوية هو لغته القومية أو هويته الإثنية، فإن ذلك ربما ربما يكون صحيحا، لأن المسألة فلسفية أكثر منها إدارية وعلمية وقد يكون هذا مجالا خصبا لاختصاصي التربية وعلم الاجتماع والسؤال هنا من الذي ينبغي عليه أن ينهض بهذه المسؤوليات، الدولة أم الجماعة الإثنية ذاتها؟
هنا وبرغم من احتمال سلامة المنطلق فإن هناك ضعف منطق وتشوش في المهام وتداخل فيما ينبغي أن يقوم بهذه المهمة أو تلك، وقد يكون مرد ذلك نابعا من كوننا دولة ناشئة تفتقر إلى منظمات المجتمع المدني.
إذ أن المهام الثقافية للجماعات هي:-
أولا: مسؤولية تلك الجماعة.
ثانيا: مسؤولية النوادي والجمعيات الثقافية، وليست مسؤولية سياسية تتحمل أعبائها الدولة أما الدولة وإدارتها وتنظيماتها السياسية فمن مهامها أن تعمل على توفير مناخ من تكافؤ الفرص السياسية لكل مواطنيها على اختلاف إثنياتهم وفئاتهم الاجتماعية، وأن تضمن ذلك بقوانين تحدد حقوق وواجبات، ودون أن تكابر!!
على ما تعتقد بأنها بأنها عواطف ”متخلفة“، وحتى لا يكون هناك ظلم أو شعور بظلم. ثم هناك سؤال أساسي وهو لماذا الإصرار على الحفاظ على الحواجز ”القومية“؟ بل والعمل على تمتين هذا الحصن.
فالتداخل الجغرافي كان طبيعيا وقديما، والتزاوج بين الجماعات ثم التمازج العرقي واللغوي وحتى الديني كان موجودا منذ زمن بعيد في هذه المنطقة عموما وفي إرتريا على وجه التحديد. فالعامل اللغوي لم يكن أبرز عوامل التباين بين الإرتريين على الإطلاق، ولهذا فإن هذا الإصرار هو انعكاس لفهم ميكانيكي للمجتمع. إن تقسيم المجتمع على أساس اللغات يعني إدخال نظام من شأنه أن يضع سور بين هذا الترابط، بل ويضع قوانين للحد من هذا المسار المجتمعي الطبيعي.
في اعتقادي إن الخطر لا يأتي من ذوبان هذه الجماعات على بعضها، أو من وجود تباين ثقافي فيما بينها، بقدر ما يأتي من فرض معايير محددة لمسار الثقافة والهوية واطلاق أحكام سياسية عليها والخطر أيضا يأتي عندما تتحصن السياسة بشعارات الوحدة الوطنية والمصالح العامة، والتطور الاقتصادي، لفرض معايير ثقافية وسياسية.
ويرى المجتهدون والمنظرون في هذا الشأن بأنها فكرة مثالية لتصميم مجتمع جديد ومن ثم تنتشر حالة من عدم الرضى وازدياد القلق، ثم تستغل جماعات غير مسؤولة لمثل هذه الوضعية وتتخندق بمتاريس إثنية وطائفية، وربما تحت شعارات وطنية.
ويكون الخطر الأكبر عندما ينتشر في أوساط النخبة السياسية، بأن أفكارا سياسية وأيديولوجية بعينها بشأن المجتمع والثقافات هي بمثابة مسلمات لا تقبل الطعن في صلاحيتها أو إعادة النظر فيها.
أما التأرجح بين الاعتراف بالتعددية في الخطاب السياسي، بل الحديث عنه بنوع من القداسة، والانزعاج عند محاولة ربط ذلك بالحقوق والواجبات، فأمر فأمر لا يتمنى المرء إلا أن يقي الله هذا الشعب الطيب المتسامح والمتسامي شره هناك أيضا أحكام تعسفية ومقارنات غير صحيحة ترى في تفضيل بعض الإرتريين اللغة العربية على لغتهم الأصلية في المعاملات العامة لسبب ديني على أنها عقدة هوية.
ويقارن أصحاب هذا الرأي بين المسلم الإرتري الذي يرى في اللغة العربية لغته، وبين مسلمين في بقاع أخرى من العالم متمسكون بلغاتهم ودينهم معا. وهذه الأحكام والمقارنات ليست علمية ربما ناتجة عن صعوبة فهم الواقع الإرتري أو عسر هضمه، علاوة على أنها غير منصفة، والأسوا أنها تخلق وتعزز صورة سيئة لجماعة تجاه الأخرى.
فالاعتقاد بأن العربية لغتهم لم يمنع أصحابه من النضال والتضحية من أجل تحرير أرضهم واثبات إرتريتهم على مدى ستة عقود من الزمان، كما أن المقارنات تتجاهل الخصوصيات التاريخية والثقافية للشعوب موضع المقارنة، وهو أمر لجد خطير!! يقود الإرتريين إلى جهل الواحد بالآخر.
والأهم هنا لصاحب السياسة، ليس تكرار الاستغراب والاستنكار لحالة ثقافية واجتماعية وسياسية قائمة لأسباب خارجة عن إرادة الإنسان ثم التصميم على تغييرها مهما كلف الأمر من ثمن وزمن بقدر ما هو التعامل معها طالما أنها لا تؤذي نفسها ولاتضر بأحد.
نواصل بإذن المولى... في الجزء القادم
* تم رفض نشره في وسائل الاعلام داخل ارتريا فأرسله الكاتب الي مواقع خارج البلاد وأنه أحد أسباب سجنه - بجانب تأييده لمجموعة الخمسة عشر (G15) - منذ عام 2001 كونه يعكس عن رأي مغاير لما دأبت عليه السلطة القهرية بخداعها للشعب ببرنامج تطوير "لغات الأم".