سيدي هل لي أن أختلف قليلا؟ اللغة أداة لممارسة السلطة وليست مجرد وسيلة للتفاهم - الجزء الاول

بقلم المناضل الأستاذ: إدريس سعيد أباعري - أديب وقاص إرتري | سماديت كوم Samadit.com

لم يكن لقلمي شهية للعودة إلى هذا الموضوع الذي أشبع ضجيجا ثم صمتا وهمسا قبل أن يحظى مؤخرا بفتاوى

إدريس سعيد ابعري 7

قبل أن يحظى مؤخرا بفتاوى أخابت آمال وظنون الذين اعتقدوا بأن سفينة اللغة التي تتموج منذ عقود، حيث تتجاذبها حالات المد والجزر في بحر مليء بالشعاب قد ترسوا وقد يفكرون ربانها الأشاوس بالارتياح على بر هادىء يستنشقون فيه عبير الرضى وروائح السلام.

ولكنهم وللأسف لم يفعلوا ذلك، إذ واجهت وزارة التعليم دعوة ضرورة إعادة التقييم بمزيد من حملات التوعية الـ ”أممية..“ وخرجت تصريحات لمسؤولين كبار في التنظيم والدولة داعمة ذلك، معتبرة بأن انتقاد إلزام التدريس بلغة الأم وأسلوب التعامل الحالي مع اللغة أو اللغات وراءه أغراض سياسية، وأن من يدعون إلى إعادة تقييم الأمر يطالبون من الدولة ”إرغام الناس على التعرب“ وهو أمر يدل على سؤ فهم شديد كما تصدرت في هذا السياق إحدى افتتاحية أعداد جريدة إرتريا الحديثة مقالا خجولا، وعظيا يشيد بفوائد التعليم بلغة الأم، وعلى النحو الذي استمعنا إليه من وزارة التعليم لعدة سنوات مضت، وبشكل يبعث على الملل ازداد الحديث عن قداسة اللغات وأهمية مساواتها في التعليم.

وفي الأحاديث الخاصة بات المرء يستمع إلى تدبيج اتهامات لمجهولين يستهدفون الوحدة الوطنية بإثارة مثل هذه القضايا كل هذا عوضا عن مواجهة المسألة باجراء تقييم لا ينكر على الاطلاق حفظ ماء الوجه على أصحاب فلسفة حق القوميات، الذي استورد في اعتقادي من تجارب مجتمعات الجاليات المهاجرة، وليس مصمما لشعب يعد لوجوده بآلاف السنين.

وبهذه الردود الغير موضوعية أصبح أمر اللغة معقدا على بساطته، الأمر الذي يحتاج إلى إضافة بعض العقاقير التي تعين على تسهيل الهضم. ومثل هذا الهضم المريح لا يمكن أن يتم إلا بإزالة كل عوامل سوء الفهم وهو من أهم مشكلات المجتمعات التعددية، وإن كان هذا لا ينطبق في اعتقادي كثيرا على إرتريا نظرا لعوامل تاريخية وثقافية.

عدة وإذا كان هذا يمثل الرأي الرسمي المنشور، فإن خروج موضوع اللغة بكل أبعاده من إطار حكر المعلمين واجتهاداتهم الميكانيكية أدى إلى تفهم إيجابي لعدد كبير من المسؤولين، الذين رأوا فيها أي قضية اللغة بأنها قضية مطروحة، ولابد من مواجهتها بشكل موضوعي يضع المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبار.

كل هذا حفزني إلى الموضوع برغم شهيتي التعيسة في تناوله، زادتها تعاسة تمنع جريدة إرتريا الحديثة نشر مقالي هذا الذي لم أكن أتمنى له الهجرة إلى ألمانيا، وهو قد يواجه مصيرا مجهولا. وفي اعتقادي فإنه ورغم الانزعاج الشديد للبعض، والشماتة الكثيرة للبعض الآخر، فإن سفينة اللغة هذه سوف ترسوا لا محالة في مرساها الصحيح أجلا كان أو عاجلا لأنها قضية وطنية شعبية وليس مجرد أهواء أفراد يريدون هذا الشكل الثقافي أو ذاك.

المناقشات التي بادرت بها الصحافة الخاصة والإعلام الحكومي منذ نهاية العام الماضي أثارت ردود فعل أعلى مسؤولي التنظيم والدو والدولة. حيث تراوحت بين إنكار وجود مشكلة لغة سواء في التعليم أو غيره من مناحي الحياة واتهام من يثيرونها بكل النعوت، وبين من يرون بحساسية الموضوع وأهميته وضرورة مناقشته على أوسع نطاق، من أجل إيجاد حلول تخدم الوحدة الوطنية مع الإشارة إلى أهمية لغة الأم من أجل الحفاظ على الهوية، وضمان التطور الاقتصادي.

ما أثار انتباهي في هذا الأمر (وهو جدير بالإشارة) إن عددا كبيرا جدا من أعضاء قيادة التنظيم، بما فيهم أعضاء بارزين في المكتب التنفيذي وشخصيات قيادية تاريخية أسهمت في تشكيل ملامح مراحل هامة من تاريخ الثورة الإرترية عامة والجبهة الشعبية على وجه الخصوص، أشادت بمقالي وبالمقالات التي كتبت في هذا الموضوع، وكذا المناقشات التي دارت حوله في المنتدى الثقافي.

وقد ذهبت ملاحظات بعضهم إلى انتقادي لحصر الموضوع في التعليم، وعدم التطرق إلى الأبعاد الأخرى لمسألة اللغة، كعلاقة اللغة بالتوظيف، وعدم تكافؤ الفرص بين أبناء مختلف الجماعات اللغوية الإرترية، وعن تجاهلي ”المتعمد“ الإشارة إلى ”الجانب السياسي لمسالة اللغة“ وكذلك إلى الصعوبات العملية التي قد تعترض بالتأكيد مسألة تطبيق مساواة اللغات عند بدء العمل بالدستور الذي أقر مساواتها كأسنان المشط ولدهشتي فإن هؤلاء إما كانوا أصحاب قرار أو تبوؤا موقع صناعته مؤخرا، الأمر الذي أشعرني بأن بعضهم يحتفظون في مفكراتهم بالموضوع ليحملونه إلى حيث ما يصنع القرار في أول اجتماع للهيئات التنظيمية والحكومية التي يشغلونها. وسواء فعلوا ذلك أو لم لم يفعلوا فهو رد فعل إيجابي تجاه القضية، باعتبارها قضية وطنية وسياسية وليست مسألة خلافات فنية حول فرضيات أكاديمية.

نواصل بإذن المولى... في الجزء القادم

 

* تم رفض نشره في وسائل الاعلام داخل ارتريا فأرسله الكاتب الي مواقع خارج البلاد وأنه أحد أسباب سجنه - بجانب تأييده لمجموعة الخمسة عشر (G15) - منذ عام 2001 كونه يعكس عن رأي مغاير لما دأبت عليه السلطة القهرية بخداعها للشعب ببرنامج تطوير "لغات الأم".

Top
X

Right Click

No Right Click