ارتريا، اريتريا، إرترا، ارترا ثالسا، ﺳﻨﻴﻮﺱ ﺍﺭﺗﺮﻳﻮﺱ - الجزء الرابع والأخير
بقلم الأستاذ: حامد ود عد - كاتب وناشط سياسي إرتري
الثقافة: الشعب الإرتري في غالبيته ينتمى في أصوله إلى العنصر السامي فهو عربي الهوية والثقافة والانتماء بالرغم مما يظهره
المنتمون إلى الثقافة التجرينية من رفض للثقافة العربية فهم في أصولهم ليسوا من العنصر الزنجي سكان أفريقيا، ولا العنصر النيلي سكان البلاد الأصليين، ولا العنصر الحامي أو الكوشي وعلى رأسهم البجا والدناكل أقدم سكان الساحل الغربي للبحر الأحمر والهضاب المطلة عليه، بل هم ساميون نزحوا إلى هذه البلاد من جنوب شبه الجزيرة العربية، وأن وجود إرث لغوى آخر لا يتعارض مع هذهالهوية فاللغات المحلية الإرترية الأكثر انتشاراً هي في أصولها وافدة من جنوب الجزيرة العربية فهي تشترك مع العربية في مفرداتها ودلالاتها.
اللغة: إن اللغة محور أساسي لتبادل الأدوات الثقافية وانسياب المعلومة العلمية أو التثقيفية وهذا يحتم على الطرف الإرتري تقريب الطريق بتفعيله استخدام اللغة المشتركة بين الشاطئين وهي العربية وهذا لا يتطلب جهداً كبيراً من الحكومة الإرترية بل إرخاء القبضة الحديدية المفروضة على اللغة العربية ورفع الحصار عن مؤسساتها وإفراد المساحة الطبيعية لها في التعليم والإعلام والتعاملات بدلا من محاصرتها والتضييق عليها، وهذا كفيل بأن تعود إرتريا لسابق عهدها، كما أن ذلك لا يتطلب من الحكومة الإرترية صياغة مشاريع دستورية أو قرارات جديدة فكما هو معروف أن اللغة العربية لغة رسمية على حسب الدستور الإرتري الذي صادق عليه برلمان الشعب الإرتري المنتخب عام 1952م.
لعل التجربة التاريخية الإرترية في التعامل باللغة العربية تغنينا عن الخوض في تفاصيل أهمية اللغة العربية في رفد الثراء التراثي الإرتري خصوصا تراث الكنيسة الإرترية التي كانت جزءاً من الكنيسة الحبشية، ويعود الفضل في جمع التراث المسيحي الحبشي إلى اللغة العربية التي ترجمت منها كتب الكنيسة الحبشية، والفضل في جمعها وترجمتها يعود إلى علماء الكنيسة القبطية وغيرهم من الرهبان العرب الذين قصدوا الحبشة في فترات مختلفة ولأسباب مختلفة.
أيضا تجربة الصحافة في فترة تقرير المصير والكفاح المسلح تبين لنا بما لا يضع مجالا للشك أهمية اللغة العربية في التواصل الداخلي والخارجي حيث كانت أدبيات تلك الفترة في غالبها تصدر باللغة العربية كما أن أكثر أدبيات فصائل الثورة الإرترية كانت باللغة العربية وقد حققت تلك الأدبيات دورها في التعبة وتأطير الجماهير خلف المشروع الوطني والوصول بالبلاد إلى الاستقلال التام.
لعل العودة وقراءة التاريخ الإرتري تساعد صانع القرار الإرتري في التعامل بواقعية مع قضية اللغة العربية في إرتريا بعيداً عن التعصب الطائفي دينيا وثقافيا، وهنا تجدر الإشارة إلى التواصل الثقافي التعليمي بين الكنيسة المصرية واللبنانية والإرترية حيث يتلقى العديد من طلاب الكنيسة الإرترية تعليمهم الديني العالي في معاهد الكنيسة في كل من لبنان ومصر، إذاً لماذا يتم حرمان المواطن العادي من تعلم لغة تساعده في تثقيف نفسه وكسب لقمة عيشه باختلاق هواجس لا يسندها التاريخ ولا الواقع ؟
أما الصف الإرتري المسلم مع كل اختلافاته الفكرية واللغوية ظل متمسكا باللغة العربية لغة للتعليم والتعامل الإداري والمكاتبات التجارية والمراسلات وإليه يعود الفضل في الحفاظ على حيوية اللغة العربية في إرتريا كما رأينا سابقا في تناولنا لواقع اللغة العربية في إرتريا على المستوى الشعبي، وهو بحاجة إلى تفهم العنصر غير المسلم لتعزيز موقفه للتصدي للسياسات التي سادت إرتريا في العقدين الماضيين وحرمت المواطن الإرتري من المنافع التي ضاعت نتيجة محاولة إقصاء اللغة العربية.
عدد السكان: لا يوجد حتى الآن تعداد سكاني رسمي منشور في إرتريا يقوم على الأسس الإحصائية العلمية الحديثة يمكن الاعتماد عليه، لكن تقديرات الأمم المتحدة للعام 2015م تقدر عدد السكان 5,228.000 نسمة وتبلغ نسبة الزيادة السنوية 3%) حسب تقديرات البنك الدولي للعام 2015م وهي من المعدلات المرتفعة.
التركيبية السكانية: الشعب الإرتري ينتمي إلى ثلاثة مجموعات متقاربة في أصولها هي المجموعة النيلية وهي أقدم سكان إرتريا، والمجموعة الحامية وهم سكان دنكاليا، والبجة، ويستوطنون السهول الشرقية، والغربية، والهضاب الشمالية والجزء الشمالي والشرقي من الهضبة الوسطى وتوجد داخل هذ المجموعة مجاميع سامية، واخيرا المجموعة السامية وهم سكان الهضبة الجنوبية والوسطى وهم امتداد لأشقائهم في الهضبة الأثيوبية في إقليم تجراي.
تتفرع من هذه المجموعات قبائل متداخلة يصعب الفصل بين مجموعة وأخرى فمجموعة البجة ليست حامية صرفه بل اختلطت بمجاميع سامية، كذلك المجموعة العفرية التي غلب عليها العنصر السامي ولم يبق لها من جذورها إلا اللغة. أيضا ذات الشيء ينطبق على المجموعتين النيلية والسامية. تشكلت من هذه القبائل تسع مجموعات لغوية وتدين بديانتين سماويتين وأقلية تتمسك بديانتها الروحية وهي من المجموعة النيلية.
تعتبر الشعوب الحامية من الهجرات القديمة التي كانت لها صولات وجولات في المنطقة وهي المجموعات الكوشية التي كانت تسكن هذه المنطقة ويمثلها الحدارب وهي التسمية المحلية للبجة الذين كانوا يسيطرون على مناطق واسعة في المناطق الواقعة اليوم بين السودان وإرتريا واثيوبيا، لكن وجودهم الفعلي اليوم بين دولتي إرتريا والسودان. وكذلك الدناكل الذين يتوزعون بين إرتريا واثيوبيا وجيبوتي، وكذلك القبائل التي تتحدث لغة الساهو وبعض القبائل التي تتحدث لغة البلين.
تلي الهجرات الحامية الأولى، هجرات سامية بأعداد كبيرة وخاصة في الألف سنة الأولى قبل الميلاد من جنوب شبه الجزيرة العربية واستطاع هؤلاء المهاجرون من معين وسبأ وحمير إقامة إمارة لهم في السهول الشرقية والمرتفعات الحبشية. يقول جلاسر في كتابه (Die Abessinier in Arabien Und Afrika) إن الحبشة (حبشة) كانوا في الاصل جماعات يمنية تعيش في الساحل الجنوبي للجزيرة العربية شرقي حضرموت ثم هاجرت غربا وعبرت مضيق باب المندب.
وصلت إلى المنطقة من جهة الشرق هجرات أخرى عن طريق عدن وباب المندب وهكذا عبرت هذه الجحافل المهاجرة عبر خليج عدن وباب المندب في العصور القديمة إلى الشاطئ الإفريقي وأسست حضارة اكسوم على اختلاف في تاريخ تأسيسها بين القرن الرابع والأول قبل الميلاد والتي كانت في شمال إثيوبيا الحالية بالقرب من الحدود الإرترية.
ربما تلي ما تقدم هجرات اخرى من جنوب مصر وشرق السودان وتعتبر قبائل الرشايدة (ويعرفون في إرتريا بالزبيدي) آخر الهجرات إلى إرتريا حيث يتواجدون حتى الآن في سواحل البحر الأحمر.
بناءً على ما سبق يتكون المجتمع الإرتري اليوم في معظمه من المجموعة التي تتحدث اللغات السامية التي تشكل أغلبية السكان وهي المجموعات التي تتحدث التقري، والتجرينية، والعربية، بينما بقية السكان تتشكل من العناصر التي تتحدث اللغات الحامية وعلى رأسها لغة البجة، والعفر، ولغة البلين، واليوروب، والمجموعة النيلية.
الديانة: تتميز إرتريا كغيرها من الدول الأفريقية و الدول الأخرى بتعدد الأديان وكثرة المعتقدات ولعل ذلك ناتج من تأثرها ببيئة الدول المحيطة بها واضعين في الاعتبار موقعها المتميز والذي يساعد في سهولة التأثر عبر الهجرات والغزو المستمر عبر تاريخها الطويل ونجد أن التأثير الأبرز يتضح من انتقال الأديان كما هي في الجزيرة العربية إلى هذه المنطقة فاليهودية والمسيحية والإسلام كلها نزحت مباشرة إلى هذه المنطقة من الجزيرة العربية وقبل هذه الديانات أيضاً الوثنية مثلاً كانت لدى سبا وحمير والحجاز.