التعليم في إريتريا.. قبل وبعد الاستقلال

بقلم الأستاذة: نورهان عبد الناصر المصدر: شفاف

في عام 1958 وعلى إثر تصاعد حملات القمع، أضطر عدد كبير من العمال الإريتريين للهجرة إلى الأقطار المجاورة،

وبادر عدد منهم إلى تأسيس حركة تحرير إريتري، حيث كان تنظيمًا سريًا، وكان أبرز قادتها محمد سعيد نادو، وشعارها العنف الثوري هو الطريق الوحيد للاستقلال.

ثم شهد عام 1960 أول تأليف لجبهة التحرير الإريترية بين العمال والطلبة الإريتريين في المشرق العربي، قادها حامد إدريس عواتي، الذي أعلن الثورة المسلحة للحصول على الاستقلال التام في 1961م، ومن هنا اتسع نطاق الثورة، وأصبحت حربًا قومية في كافة الأقاليم عن طريق الكفاح  المسلح المدعم بجهود سياسية من الخارج للحصول على الاستقلال الوطني.

وفي عام 1962م أصدر الإمبراطور"هيلاسلاسي" قرارًا بضم إريتريا إلى إثيوبيا نهائيًا، وجعلها الولاية الرابعة عشرة لإثيوبيا، ولكن على الرغم من المحاولات العديدة فشلت إثيوبيا في القضاء على الثورة الإريترية المسلحة، فأتجهت إلى الشعب

ومارست معه العنف حتى يبتعد عن مساندة الثوار، فازداد الشعب التصاقًا بالثورة واتسمت بالتأييد الشعبي المطلق.

تغير نظام الحكم في إثيوبيا عام 1974م، وتولى عسكريون ماركسيون بزعامة "مانجستو هيلاماريام" مقاليد السلطة، وراهنت الجبهة الشعبية على تحقيق تفاهم ما مع النظام الجديد نظرًا للتقارب الفكري بينهما، وتمت لقاءات بين الجانبين تحت رعاية الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية، لكنها لم تتوصل إلى شيء.

واستمرت مقاومة الاستعمار الأثيوبي وتحالفت الجبهة الشعبية بزعامة "أفروقي" مع المعارضين الإثيوبيين بزعامة "ميلس زيناوي" تحت رعاية الإدارة الأمريكية في مؤتمر عقد بلندن نسق له، وليام كوهين،مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية، وذلك لإسقاط نظام مانجستو، وبالفعل أُسقط النظام ومن بعدها تولى "زيناوي" حكم إثيوبيا.

وأعلن استقلال إريتريا في 25مايو 1991م، وتشكلت حكومة مؤقتة أجرت استفتاءًا عامًا على الاستقلال تحت إشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، وجاءت نتيجته 99% للاستقلال؛ فأصبحت إريتريا دولة مستقلة ذات سيادة في 23 من مايو 1993م، ثم انتخب "أسياس أفورقي رئيسا للبلاد،واعترفت بها دول كثيرة، وتحررت إريتريا بعد ٣٠ عامًا من الاحتلال.              

التعليم في دولة إريتريا قبل الاستقلال:

الاستعمار أينما حل يحاول فرض لغته وثقافته بأساليب عديدة، بإعتباره السيد الذي يمتلك السلطة السياسية ويهيمن على الاقتصاد و فرص العمل وكان من يتعلم لغته تتاح أمامه بعض الفرص في التوظيف واستلام مواقع في السلطات، ولذلك يحاول الكثيرون تعلم لغته للاستفادة من ذلك.

التعليم أثناء الاستعمار الإيطالي:

مع الاستعمار الإيطالي لإريتريا عام 1882م، بدأت المراحل التعليمية أن تظهر، فكانت اللغة الإيطالية هي لغة العمل والتعامل وذلك بتشجيع من السلطة الإيطالية، حيث كان نظام التعليم عن طريق إنشاء نظامين مختلفين، أحدهما خُصص لأبناء المستعمرين الإيطاليين، والآخر للسكان الأصليين، في حين كانت الدراسة في المدارس الإيطالية تنتهج أحدث وسائل التعليم، حرم الإرتريون من ذلك.

واقتصرت الدراسة في مدارسهم على السنوات الأربع الأولى، مع بعض الاستثناءات للمتفوقين في مناطق معينة، وعلى امتداد ستون عامًا من الاستعمار الإيطالي لم تتجاوز المدارس في إريتريا أربعة وعشرون مدرسة .

وعرف التعليم أثناء الاستعمار الإيطالي بأنه استثمار بشري، وأن الايطاليين قننوا تعليم الإرتري بما يناسب حوجتهم، وذلك بإختصار وظائف الإريترين على الترجمة وبعض التدريب المهني في الكهرباء والحدادة وغيرها، فالتعليم كان محصورًا ويرتكز على الدعاية للإستعمار وثقافته ودينه ولغته وكان يحارب الثقافة الوطنية ووسائلها بما فيها اللغة العربية والتجرينية.

التعليم أثناء الاستعمار البريطاني:

تم تقسيم إريتريا إلى مرتفعات ومنخفضات، فالتعليم في المنخفضات باللغة العربية والمرتفعات بالتجريتية بجانب اللغة الإنجليزية، والتعليم كان على أسس رباعية، أي أربعة أعوام في الإبتدائية وأربعة في الوسطى وأربعة في الثانوية، كما أن المدارس تُرحل مع القرى حسب الحياة المعيشية في إريتريا (رحلة الخريف والصيف) هذا بالنسب للابتدائية، أما الثانوية فكانت مدرسة واحدة في أسمرة وهى مدرسة "بيت قرقيس"، يتم القبول فيها عبر امتحان عام لكل إريتريا، ولضيق الأمر والمطالبات الكثيرة تم تجهيز مدرسة أخري في كرن وافتتحوا مدارس لتعليم الفتيات.

التعليم أثناء الاستعمار الأثيوبي:

حارب الاستعمار الأثيوبي اللغتين الوطنيتين في إريتريا وهما العربية والتجرينية”التغرنية”، وفرض مكانهما اللغة الأمهرية كلغة تعليم ومعاملات وتوظيف.

اللغة العربية في إريتريا:

رحل الاستعمار الذي حاول فرض لغته، وحتى الجيل الإرتري الذي تعلمهما قد رحل معظمه، وبقى الشعب يتحدث بلغاته إلا أن الأمر مع اللغة العربية كان مختلفًا، فاللغة العربية لم تأت مع الاستعمار لأن العرب لم يستعمروا إريتريا، بل إن اللغة العربية جاءت عبر الهجرات العربية الموغلة في كل من السودان، مصر، شمال أفريقيا، ونتج عن هذه الهجرات انتشار اللغة العربية.

التعليم في دولة إريتريا بعد الاستقلال:

إن جيل الثورة كان مهمومًا بتحرير بلاده، وبالتالي لم تتح له فرصة التعليم لأن كل جهده كان منحصراًا في قضية تحرير الوطن، وبعد أن تحقق هذا الهدف، فإن جيل مابعد الثورة أصبح مطالبًا في أن يشرع في البحث والتنقيب عن كل أوجه الحياة في إريتريا تراثًا وتاريخًا ولغة وثقافة.

ومع انطلاق الكفاح الإرتري المسلح 1961م، لم تغفل التنظيمات كافة أهمية التعليم، فأنشأت كل من جبهة التحرير الإرترية وقوات التحرير الشعبية والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، مدارس ألحقتها بميادين القتال، قبل أن تستقر في المناطق المحررة وفي معسكرات اللاجئين في السودان، يُضاف إلى ذلك حرص التنظيمات على ابتعاث أعداد كبيرة من الطلاب الإرتريين إلى الدراسة في الخارج وخصوصًا لدى الدول العربية.

بعد نيل البلاد استقلالها عام 1991، كانت العملية التعليمية تُمثّل أحد أهم التحديات التي تواجه الدولة الوليدة، وقد انتهجتْ الحكومة من أجل ذلك سياسات عدة أبرزها اعتماد التدريس في المرحلة الابتدائية باللغة الأم؛ في إريتريا تسع لغات لتسع قوميات، وهو القرار الذي أثبت فشله بعد عشر سنوات من تطبيقه، ما جعل الحكومة تعدل عنه أخيرًا.

أما كادر التدريس فلم يكن أقلّ سوءًا، فقد شكّلته الحكومة من منتسبي الخدمة العسكرية، الذين يلجأون إلى التدريس هربًا من التجنيد، بينما تشكّل الكادر الإداري في المدارس من قدامى المحاربين الذين لاعلاقة لهم بشيء خارج ميادين القتال.

و بالنسبة للجامعات، كانت في إريتريا جامعة واحدة تقبل المتفوقين وبعد ذلك تأسست  جامعة أسمرة عام 1972 أي قبل نحو ٥٠ عامًا وكانت الجامعة الوحيدة في البلاد، وكانت حينها تسمى "جامعة الأسرة المقدسة"، قبل أن تُغيّر اسمها إلى جامعة أسمرة.

ولكن استمرارية جامعة أسمرة بالشكل الذي كانت عليه أصبح خطرًا على توجهات إريتريا السياسية، ولهذا قررت إيقاف نشاط الجامعة، وهو القرار الذي تم تنفيذه تدريجيًا، حيث تم تقديم مرحلة التدريب العسكري على المرحلة الجامعية، وأصبح الطلاب يدرسون السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية في معسكرات الخدمة الإلزامية، قبل أن يتم إيقاف قبول الطلاب في الجامعة نهائيّاً في عام 2003-2004.

كانت نتيجة هذه القرارات إيقاف العمل بالجامعة، وهروب المئات من طلابها وأساتذتها بما فيهم مدير الجامعة، ليتوقف عمل الجامعة نهائيًا عام 2005.

ولجأت الحكومة الإرترية إلى إنشاء ثماني كليات جديدة وزعتها على أربعة أقاليم، حيث توجد ثلاث كليات أساسية في الإقليم الأوسط، وثلاث أخريات في إقليم شمال البحر الأحمر، وكلية واحدة في كل من إقليم عنسبا والإقليم الجنوبي، وكان الغرض من إنشاء هذه الكليات عوض جامعة أسمرة وتوزيعها في مدن مختلفة، ضمان عدم التفاف الطلاب مجددًا على فكرة معارضة سياسات الحكومة.

ولكن إلى الآن ليس معلومًا ما إذا كان بمقدور التعليم في إريتريا أن ينهض مجددًا، مع ازدياد الأوضاع سوءًا، وهروب الشباب المضطرد تفاديّاً للتجنيد الإلزامي دون أمد، ومع استمرار النظام في فرض سلطة القمع والقهر والاعتقالات والاغتيالات ضد كل من يعبر عن فكرة مختلفة، ناهيك أن يكون معارضاً بشكل صريح.

Top
X

Right Click

No Right Click