أريتريا.. على خطى عصر "عبدالناصر" في قمع المعارضين ومطالبات بإنقاذ الشعب

المصدر: نافذة مصر - وكالات

ناشد ناشطون إريتريون في الخارج الجهات الحقوقية والإعلامية والأحرار في العالم الاهتمام بالشعب الإرتري المسلم الذي يعاني حالة

اضطهاد غير مسبوقة.

أسياس أفورقي

ولفتت الحملة الشعبية لمناصرة المعتقلين إلى أن ملف حقوق الإنسان في إريتيريا يعتبر "الأسوأ في العالم"، حيث "بلغ الحال بأهالي الضحايا ان تتحول أمنياتهم لمجرد سماع خبر عن ذويهم ما إذا كانت الأحكام ضدهم مؤبد أو إعدام".

وقال الكاتب الإرتري المقيم في بريطانيا، محمد جمعة ابوالرشيد في رسالة مفتوحة وجهها للمدافعين عن حقوق الإنسان اليوم: "ارتريا اليوم دولة معزولة تماما عن العالم الذي يجهل ما يدور فيها، إذ يسيطر عليها حزب واحد يمتلك صحيفة واحدة، وقناة واحدة وراديو واحد، ويتحكم في إرادتها رجل واحد أسمه (اسياس افورقي) كل مشكلة ينتهي حلها إلى مكتبه، وكل قرش في البلد يدار عبر مكتبه، والعلاقات الخارجية والإعلام والجيش والأمن يدار عبر مكتبه". (في وضع يشبه إلى حد كبير ما كان يحدث في عهد جمال عبدالناصر في مصر).

وتابع موضحا حجم الاستبداد في بلده بالقول: "لا يوجد في ارتريا انترنت إلا في أماكن محدودة، ولا يسمح امتلاك شريحة تلفون إلا بعد إجراءات معقدة!، أما للزائر فهو ممنوعة نهائيا، والجامعة الوحيدة قسمت إلى كليات ضعيفة، والتعليم الأساسي يتم با للهجات المحلية، ولا يستطع مواطن في هذا البلد أن يفتح فمه وإلا أصبح بعد دقائق فقط مصيره مصير كبقية الآلاف الذين تم خطفهم منذ سنوات عديدة من غير إن يعرف أحد مكانهم".

شعب مسلم يتحدث العربية:

ودولة إرتريا، هي دولة أفريقية عاصمتها أسمرة. يتحدث الكثير من سكانها العربية، وتصل مساحتها إلى 118,000 كم² وعدد سكانها 4 مليون نسمة، وتتصف اريتريا بأجوائها وأراضيها الخلابة.

وتشكل إرتريا عمقا استراتيجيا مهما لكل الدول المطلة على البحر الأحمر باعتبارها البوابة الجنوبية المشرفة على مضيق باب المندب. فبشق قناة السويس عام 1869م جعل من البحر الأحمر أحد أهم الطرقات البحرية في العالم، بعد أن كان معزولا وبعيدا لفترة طويلة من الزمن، وتحولت الزاوية الشمالية الشرقية من ملجأ معزول إلى سوق كبيرة تشكل مصدر ثروة وقوة.

وتشكل إرتريا منذ قديم الزمان حلقة اتصال تجاري وحضاري بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، ولا شك أن هذا الموقع الاستراتيجي الهام قد جعل إرتريا منطقة صراع ونفوذ، وموضع اهتمام وأطماع المستعمرين عبر التاريخ حيث تعرضت لعدة حقب استعمارية.

وبحسب ويكيبيديا، تتميز إرتريا كغيرها من الدول الأفريقية و الدول الأخرى بتعدد الأديان، لكن يقدر بأن ما نسبته 75% من السكان هم من المسلمين السنة و 10% من المسيحيين الأرثوذكس و 10% مسيحيين كاثوليك و3% مسيحيين بروتستانت وآخرون، 2% الباقية ديانات تقليدية محلية.

الإرتريون مصممون على نيل كرمتهم:

دشن نشطاء قبل أربع سنوات حملة شعبية في مجال حقوق الإنسان، أطلقوا عليها اسم (لن ننساكم يا أحرار) وحدد لتلك الحملة تاريخ 14من إبريل في كل عام.

وعن سبب اختيار هذا التاريخ يقول أبو الرشيد إن الاعتقالات من قبل النظام الإرتري "بدأت في هذا اليوم من عام 1992م ثم تبعتها حملات أخرى أضخم في عام 1994م، وقد شملت تلك الاعتقالات علماء، ودعاة، ومدراء معاهد إسلامية، مما تسبب في شلل المرافق الإسلامية، وتعطيل رسالة المعاهد، بل تم إغلاق اغلب المعاهد الدينية، وبدء مسلسل السخرية من المتدينين،واتهامهم بالإرهاب، والتضييق عليهم عموما حتى أصبح وجودهم في مؤسسات الدولة اقل من 5% مع أنهم غالبية السكان".

ويستطرد الناشط الإريتيري بالقول: "تعدي الأمر إلى أن تمس تلك النار فيما بعد شركاء الوطن من المسيحيين، حيث أصبح اليوم الجميع ضحية للاستبداد الأعمى الذي لا يهمه إلا مصالحه الذاتية!"

وبحسب أبو الرشيد، فقد انتقلت الحملة هذا العام لمستوى اكبر من مساحة دائرة وسائل التواصل الاجتماعي إلى مخاطبة المنظمات الحقوقية، وإقامة ندوات خاصة، ومخاطبة الإعلام الفاعل، وقد وجدت الحملة تجاوبا من كثير من هذه الجهات المهتمة، وهي في حاجة اكبر إلى تسليط الأضواء الإعلامية في هذه المعاناة التي طالت حتى امتدت لأكثر من عشرين عاما.

وفي تقرير صدر من لجنة التقصي لحالة حقوق الإنسان في إريتريا والتابعة لمفوضية الأمم المتحدة والذي وقع في 484 صفحة "خلصت اللجنة فيه إلى أن انتهاكات ممنهجة وجسيمة ارتكبت ومازالت ترتكب في إريتريا تحت سلطة الحكومة".

واتهم المحققون في جنيف النظام الإريتري بارتكاب إعدامات تعسفية وتعذيب ممنهج، تضمن الاغتصاب أيضا، مشيرين إلى توفر أدلة ترتقي إلى "أركان الجرائم ضد الإنسانية"، وجاء في تقرير اللجنة أن معظم الإريتريين يرون أنفسهم في مواجهة مع أزمة مميتة .

يقول أبو الرشيد في رسالته: "يخاطر الإريتريون بأرواحهم بدافع اليأس عن طريق الفرار عبر طرق مميتة في الصحراء، وفى مناطق تنتشر فيها عصابات الاتجار بالبشر، وذكر التقرير ان الرئيس افورقي يعتمد على جهاز استخبارات غاية في العنف والشدة".

وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد عين مقررا خاصا لإريتريا في دورته العشرين في المجلس، والتي انتهت يوم 6 يوليو/تموز 2012م، وقدم مشروع القرار كل من الصومال، وجبوتي، ونيجيريا، ودعمته عدد من الدول الإفريقية ودول أخرى، وتبنى مجلس (حقوق الإنسان) ذلك القرار بالإجماع في دورته العشرين.

وقد قام المجلس منذ ذلك الوقت بمتابعة ملف حقوق الإنسان في ارتريا، ولما رفضت الحكومة الإرترية التجاوب مع اللجنة الخاصة بهذا الملف، قامت اللجنة بجولة وسط الإرتريين في المهجر وقابلت مئات الضحايا الذين غادروا ارتريا فرارا من الاضطهاد الذي تعرضوا له.

يعقب أبو الرشيد بالقول: "انزعج النظام الإرتري من الإدانات المتتالية حتى أنه قام في الأشهر الأخيرة بحملة مضادة حيث بدء بإجبار المواطنين الذي يحتاجون إلى خدمته بالتوقيع في ورقة (منح شهادة براءة) للحكومة الإرترية من كل جرائمها، وقد قوبل هذا الطلب من قبل الجاليات الإرترية في الخارج بالرفض، والتهرب، والمماطلة".

الإريتريون يدفعون ثمن الجغرافيا:

وعن الموقع الجغرافي يقول أبو الرشيد: "تقع ارتريا دولة في شرق افريقيا، وتطل على أطول ساحل في البحر الأحمر، وتتحكم على منفذ باب المندب،وتطل بمرتفعاتها الشاهقة على الجزيرة العربية جنوبا، وتجاور احد اكبر البلدان الإفريقية (إثيوبيا) وكان فقدان إثيوبيا لأي منفذ بحرى سبب رئيس في تدخلها في شأن هذا البلد، حيث قامت في الخمسينات باحتلاله، وكانت قبل هذا تدبر وتدير جلُ القلاقل التي تعصف بهذا البلد الصغير سواء كان يوم استدعت البرتقاليين الذين احتلوا سواحل ارتريا، أو تواطئها لاحقا مع الاستعمار الإيطالي ثم البريطاني".

إثيوبيا غسلت قميصها من دم الإرتريين:

وتوضح رسالة المناشدة بأنه و"منذُ أن احتلت إثيوبيا دولة ارتريا في أواخر الخمسينات سفكت الدم الإرتري أحيانا بأيدي عصابات كانت تديرها، وكثيرا بأيدي جنودها ومخابراتها، حيث قامت بإحراق قرى، ومدن، وتجفيف وتسميم آبار، وتصفية النشطاء، واللجان الشعبية، والقادة السياسين، وأبادت مناطق بأكملها، وهجرت أهلها إلى خارج ارتريا، ونهبت كل أموال وممتلكات الشعب الإرتري، وكان الإمبراطور الإثيوبى (هيلي سلاسي) يكرر ويقول { أريد ارض بلاشعب) وفعلا تمكنت إثيوبيا أن تبيد وتقتل وتهجر عددا كبيرا من الشعب الإرتري".

وتابعت الرسالة: "ظلت الثورة الإرترية تنادي، وتصرخ بالإبادة التي يتعرض لها الشعب الإرتري، ولكن كانت المنظمة الدولية، والمنظمات الإقليمية تتجاهل هذه الصرخة، وقد قتل وجرح الآلاف من الشعب الإرتري، ولكن لعوامل عديدة نظفت إثيوبيا قميصها من تلك الدماء، وبما أنها متأكدة لن يستطيع أحد محاسبتها خاضت حرب أخرى بعد استقلال ارتريا، ولكن هذه المرة وجدت حيلة أخرى وهي أن تمسح دم الإرتريين على قميص الرئيس الإرتري (اسياس افورقي)، لأنها تعلم انه فرد مكشوف الظهر حيث تخلى هو عن شعبه وتخلى شعبه عنه.

تنظيم الجبهة الشعبية وانتهاكات حقوق الإنسان:

يوضح الناشط أبو الرشيد بالقول: "عندما تأسس تنظيم (الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا) في سبتمبر عام 1975م نهج نهجا تنظيميا محكما حيث اتخذت قيادته نظم إدارية غاية في الشدة والانضباط سواء كان وسط الجنود او الأجهزة الأمنية، أو حتى مع الشعب العادي ولجانه ومؤسساته الاجتماعية ونظمه القبلية، وكان شعار هذا التنظيم عند طلب تنفيذ الأوامر عبارة غريبة تعبر عن مدى استخفافهم بعقول ومشاعر الناس وهي (نفذ ثم ناقش)"

ويتابع: "كان كل من يرغب في مناقشة إي أوامر يؤمر بها يتعرض إلى السجن، والأشغال الشاقة، والى التصفية الجسدة أحيانا!، ولكن تغاضى الشعب الإرتري عن كل هذا العنف والاستبداد، وسكت عن تلك التصفيات حتى لا يقعدهُ الخلاف عن مهمته الكبرى وهي: استقلال ارتريا، ونيل الحرية، وتحقيق الكرامة، والتمتع في وطن تصان فيه حقوق الإنسان الإرتري وتحقق فيه كرامته".

الحكومة الإرترية وسجلها في قضايا حقوق الإنسان:

وعن سجل الحكومة الإرترية تقول الرسالة: "تم تحرير كامل التراب الإرتري في يوم 24 مايو 1991م، أعقبه في عام 1993م تنظيم استفتاء شعبي أشرفت عليه الأمم المتحدة وراقبته منظمات دولية وإقليمية أفضى إلى نيل ارتريا استقلالها وحريتها وذلك بعد حقب طويلة من الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان، وكانت لحظة رفع علم ارتريا بجانب أعلام العالم (لحظة عاطفية عاصفة) امتزجت فيها دموع الفرحة، والذكريات الأليمة معا، وخاصة لكل ارتري قد تعرض لقتل أهله، وإحراق بيته، ومصادرة ممتلكاته، وتهجيره خارج ارتريا ! حيث أصبح لاجئا مشردا ذليلا".

وتتابع: "الكثير من الإرتريين الذين كان ذووهم قد تم إخفائهم في مرحلة النضال على يد الثوار من تنظيم الجبهة الشعبية ينتظرون الإفراج عن ذويهم ولكن كانت المفاجئة أن هؤلاء الرجالات الذين كان أغلبهم من المناضلين واللجان التابعة لتنظيم الجبهة الشعبية نفسه، او ممن كانوا منتمين لتنظيمات أخرى مثل (جبهة التحرير او حركة الجهاد الإسلامي الإرتري أو تنظيمات أخرى) لم يظهر احد منهم، ولم يستطع ذووهم حتى من الحصول على إي إجابة ما إذا كانوا على قيد الأحياء أم تمت محاكمتهم بالسجن المؤبد او القتل، او التصفية ! وطرقت هذه الأسر كل أبواب الحكومة المؤقتة ولكن لم يستطيع أحد ان يعترف بوجود هؤلاء المعتقلين أصلا دعك من معرفة مكانهم ! وهذه كانت أول صدمة تلقاها الشعب الإرتري، ولا يعرف عدد هؤلاء ولكنه يقدر بالمئات ومن مختلف الفئات ".

الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة:

بعد الاستقلال عقد تنظيم (الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا) مؤتمره الثالث في محاولة منه الانتقال من مرحلة الثورة بكل عنفوانها إلى مرحلة الدولة المرنة، واتساقا مع هذا المعطى تم تغيير التنظيم الثوري إلى حزب سياسي حمل اسم (الجبهة الشعبية للعدالة والديمقراطية).

يعقب الناشط أبو الرشيد بالقول: "لكن للأسف كانت الفرحة التي لم تتم حيث تحولت بين عشية وضحاها العدالة إلى المظالم، والديمقراطية إلى الاستبداد، ففي يوم 1991/07/17م قامت قوات الأمن الإرتري بخطف القاضي الإرتري/ محمد مرانت نصور... وهو رجل عرف بمقاومته المستعمر الإثيوبي في جميع مراحل حياته، وكان قد خرج من سجن المستعمر الإثيوبي قبل أيام قليلة من الاستقلال، وكان اعتقاله صدمة كبيرة في أوساط الشعب الإرتري ... ثم تواصلت الاعتقالات منذُ ذلك التاريخ حتى شملت الاعتقالات في عام 1994م جميع المدن الإرترية، وكانت أغلبها ضد العلماء، والمشايخ، ووجهاء المجتمع، ثم طالت بعد ذلك جميع شرائح المجتمع مسلمين ومسيحيين، وجنود، وعمال، وفلاحين، وحتى وزراء في وزارات سيادية، وضباط في مواقع حساسة، وفنانين، وعمداء، وطلاب جامعات".

ويختم أبو الرشيد مناشدا الجهات الحقوقية والإعلامية وجميع الأحرار بالاهتمام بالشعب الإرتري المنسي، بحسب قوله.

Top
X

Right Click

No Right Click