سجن ”حليبت“ سجن للتعذيب والإذلال

بقلم الأستاذ: برهان تسفا ترجمة: مكتب الإعلام والثقافة بجبهة الإنقاذ الوطني الإرترية

يقع سجن بدهو (التحدي) في أسمرة في ارض مرتفعة ضواحي مستشفي حليبت، وأمامه توجد المدرسة الثانوية بدهو (التحدي).

أخذ هذا السجن اسم التحدي من هذه المدرسة. ومن عجائب الأمور أن يحملا هذان الموقعان المتناقضان، مسمى واحدًا، أحدهما يعمل من اجل تربية المواطنين والأخر لتعذيبهم. في هذا الموقع لا توجد مباني منظمة أو أسوار، وهو موقع منعزل شبه خالي من السكان. لا توجد أية علامة أو حاجز واضح يشير إلى مدخل هذا السجن. ويمين موقع الدخول توجد حاوية، وهي عبارة عن مكتب وبجوارها بعض الأكواخ الصغيرة يسكن فيها الحراس.

افتتح هذا الموقع قبل أربعة سنوات ليكون مركزًا للمتابعة والانضباط التابع لهيئة أركان الجبهة الشمالية وحرس الحدود. ولم يكن فيها إلا بعض الأكواخ القليلة التي بنيت على عجل، وحاوية واحدة. فهو موقع غير معروف لا ينتبه إليه الكثيرون. وقيادة الجبهة الشمالية وحرس الحدود لم يستفيدوا من هذا الموقع كثيرا كما كان متوقعا. وانكشف سر هذا السجن وصار معلوما للجميع عندما لقي تخلي منجوس تأييدًا من الطاغية وتم ترقيته ومنحه مسؤولية تأسيس جيش آخر بديلا عن قوات الدفاع الارترية وقائدًا له.

وعندما أصدر اللواء تخلي منجوس أوامره الصارمة للسجون المتواجدة في قرى ومناطق: عدي أبيتو، ماي سروا، عدي نفاس، عالا الخ. لكي لا يستقبلوا أي سجين من المقبوض عليهم بواسطة حملات المليشيات المسلحة لتخلي منجوس أو من يأتون بهم بغرض الانتظار، تحرك تخلي منجوس للبحث عن مكان يسجن فيه ضحاياه. وهكذا وفي نهاية عام 2012 تم توسيع وإضافة سجون تحت الأرض ليسجن فيه من يختلف معه من الأفراد، وموقعا لتعذيب الشعب.

توجد فيه ثلاثة زنزانات للرجال وزنزانة واحدة للنساء تحت الأرض، وأرضيتها من التراب. أما الغرف مبنية بالحجارة ومغطاة بجذوع من شجر الصنوبر والتراب. وتعرف السجون الأرضية التابعة للرجال بالغرف اليمنى، والوسطى، واليسار أما سجن النساء يسمى غرفة النساء. غرف الرجال مساحتها 15x4 متر ومحفورة بعمق 2 متر تحت الأرض. أما التابع للنساء فهو 7x4 متر. ولكل غرفة أرضية لها شباك مساحته من 20 إلي 30 سنتمتر.

غرف الرجال يحشر فيها عدد 100 شخص. وفي نهاية شهر يوليو الماضي 2014 عندما أطلق اللواء فليبوس سراح بعض السجناء تقلص عددهم ليكون العدد في الغرفة اليمنى 60 والوسطى 90 وفي الغرفة اليسارية 68. وعدد النساء 26.

كل الغرف الأرضية مظلمة. وغرف الرجال أبوابها دائما مغلقة ومحرومة من الضوء والهواء. الأنوار بقوة 20 واط وهي معلقة فقط في المدخل، بالإضافة إلى انطفائها المستمر مثلها مثل حال مدينة أسمرة. ولذلك فإن قوة الإضاءة لا تمكنها بالطبع من إضاءة كل الغرف الأرضية. والشبابيك الصغيرة تغلق من الخارج ولا توجد فرصة لدخول الهواء عبرها. والرائحة التي تنبعث من عرق النزلاء والتنفس، مع وجود رائحة أدوات مطاطيةالتي تجمع فيها البول، كريهة جدا، ولا تتمناه حتى للسجانين أنفسهم ناهيك عن المواطنين الأبرياء، وهو أمر يصعب على المرء وصفه.

المسؤول عن هذا السجن هو اللواء تخلي منجوس ويقوم بإدارته نيابة عنه مسؤول أركان الجبهة الشمالية المقدم ودي مسقنا. ومنذ تأسيسه حتى السنة الجارية كان المسؤول المباشر لهذا السجن الرائد إيوب أرأيا. بالإضافة إلى ذلك كان المناضل القديم بابا عثمان، وسمرت عضو الخدمة الوطنية، عضوان في الإدارة مع خمسة آخرين مسؤولين عن الإعاشة والحصر.

وابتداءً من ودي مسقنا جميع من شاركوا في إدارة هذا السجن بمن فيهم المذكورين أعلاه اعتقلهم اللواء فليبوس عندما حاز على السلطة الجديدة. وعين قائد الكتيبة سابقا عندوم مسؤولا مؤقتا عن السجن المذكور. وينوه المسؤول الجديد عندوم بأن اللواء فليبوس ينوي هدم هذا السجن تدريجيا لمجرد كونه مؤسس من قبل تخلي منجوس.

المسئؤولون من التحقيقات واللذين تم تعيينهم من قبل تخلي منجوس في هذا السجن كانوا من هيئة أركان هذه الفرقة ومسؤولين من حرس الحدود وهم: إدريس، ويوهنس (جون) وولدو، وتسفالدت. وإدريس هذا شخص معروف ومشهور بقسوته وغطرسته في أسمرة، بالإضافة إلى أنه يقوم بأعمال تتناقض مع خلفيته الاجتماعية. علما بأن إدريس كان من الرياضيين ولاعب كرة قدم مع فريق السلام ومن المجندين في الخدمة الوطنية في دورتها التاسعة. وعندما ترك كرة القدم بدء يعمل في سمسرة البيوت، والعربات، والذهب. وتم القبض عليه لأسباب مرتبطة بتسويق الذهب. وتم تجنيد إدريس كعميل للاستخبارات والأمن التابع لتخلي منجوس أثناء تواجده في السجن. وقد وصل أخيرا إلى موقع عضوية هيئة الأركان في استخبارات الجيش الشعبي.وكان يتعاون مع تخلى منجوس في اضطهاد و تعذيب المواطنين في أسمرة. وبنى له تخلى منجوس بيتا في حي بلاجو في أسمرة، كما أهداه سيارة خاصة مقابل خدماته له ونشاطه السيئ.

لذلك فإن استيلاء فليبوس على مقاليد الأمور الأمنية لم يكن في مصلحة إدريس، وانقلبت عليه الأمور. وقد تنفس المواطنون في أسمرة الصعداء جراء ما جرى لإدريس، وهو الآن يقبع داخل سجون فليبوس مع بقية زملائه المحسوبين على تخلي منجوس.

ومن يدخل هذا السجن هم من يقبض عليهم وهم يحاولون الهروب أو اجتياز الحدود، أو من من اتهموا بترك وحداتهم العسكرية، وكذلك من يتهمون بعدم المشاركة في أعمال التنمية والحراسات أوالهروب من الخدمة في الجيش الشعبي، وفضلا عن ذلك فهناك أيضا من اتهموا بالقيام بالتعبئة الدينية أو من الشباب الذين وجدوا يتحركون بدون وثائق رسمية ومن لم يلتحقوا بساوا لحمل السلاح من كبار السن.

كما يقبع في هذا الجسن الإثيوبيون المقيمون في ارتريا واللذين تتجاوز أعمارهم 17 عاما، سواء كانوا أفراد أم مع أسرهم. علما بأن هؤلاء يجبرون على دفع مبلغ 700 نقفة سنويا. ويحرمون من العودة إلى بلدهم. ومن القوانين الجائرة منع تحرك الإثيوبيين بعد الساعة الثامنة ليلا، ومن يتحرك يقبض عليه ويوضعون في سجن بدهو، هكذا مع إخوانهم المضطهدين من الارتريين.

ومن الأسباب الأخرى لدخول هذا السجن هي مسالة بناء المباني. كما هو معلوم أن بناء المباني متوقف منذ عدة سنين، ولكن هناك من يضطر لمواصلة البناء خوفا من تلف الاسمنت التي بحوزته أو لإتمام ما تبقى من المبنى. وعندما يحاول المواطن إتمام البناء من حر ماله وجهده يقبض عليه ويدخل هذا السجن. وهناك أسباب أخرى للذين يتم وضعهم في هذا السجن، مثل الاتهام بأعمال السرقة والسطو علي ممتلكات الآخرين، والمشاجرة، وتحويلات النقود، والتهريب، عند بيع أو شراء مواد مختلفة وأيضا الاتهام بقبض عمولات عن تهريب البشر في سيناء. وباختصار سجن بدهو هو موقع يسجن فيه اللواء تخلى منجوس مع زمرته كثيرا من الأبرياء كما يشاء ودون محاكمة أو مساءلة قانونية.

نزلاء هذا السجن يجبرون على شراء أواني الأكل، وكاسات الشاي والجالون، برش للنوم وحتى الأدوية التي تقرر لهم عند المرض، من أموالهم الخاصة، وكأنهم دخلوا هذا السجن بمحض إرادتهم. ولا يسمح لهم من مقابلة أسرهم، فضلا عن أنهم لا يقدمون إلى المحاكم.

أما غذائهم عند الفطور فتعطى لكل سجين رغيف من الذرة مع كاس شاي. أما في الغداء والعشاء فيحصل كل فرد على رغيفين مع طبيخ العدس المليء بالماء. أما الاستحمام فيتم تقسيم السجناء إلى مجموعتين، حيث يسمح لكل مجموعة أن تغتسل مرة كل أسبوعين، وأحيانا قد لا يتم ذلك، في حالة انعدام أو ندرة المياه، الأمر الذي يسبب لبعضهم حالات إغماء بسبب العطش الشديد. علما بأن المياه تنقل لهم عبر عربة مخصصة لذلك.

يستلقي السجناء أثناء النوم بطريقة تسمى كورتيلو. وبسبب ضيق المكان هناك من يتضايق ويختار الوقوف إذا تمكن من الاتكاء على الحائط أملآ أن يغمض عينيه ولو للحظات قليلة. ولا يسمح لهم التمتع بنور الشمس ولا استنشاق الهواء الطبيعي، مثل كل البشر. والفرصة الوحيدة التي يتمكنون فيها من مشاهدة شعاع الشمس أو استنشاق الهواء الطلق هي فترة لا تتجاوز عشرة دقائق، وهي أثناء خروجهم لقضاء الحاجة وتتم هذه أيضا تحت حراسة مشددة.

وجدير بالإشارة أنه من السهل أن يخرج السجين الذي يملك المال من هذا السجن، وذلك من خلال دفعه مبلغ عشرة الفن نقفة لأحد المسئولين عن هذا السجن الذي يطلق سراحه من هذا السجن سيء الصيت. إن الاستطاعة على دفع هذه الرشوة تعتبر فرصة كبيرة للنجاة للمقتدرين ماديا، بدل العيش داخل هذا السجن ليس فقط لأعوام أو الشهور بل حتى وان كانت يوما واحدًا.أما الفقراء فلا حظ لهم من الإفلات من هذا السجن بل عليهم أن يظلوا في هذا السجن الرهيب.

سجن بدهو في أسمرة يعتبر واحدًا من السجون التي أقامها رأس النظام المستبد، والتي يعاني فيها شعبنا صنوفًا من العذاب والذل والمهانة، وتمتهن فيه حقوقه وحرياته الأساسية ويتم عبرها تخريب حياته ومصيره.

Top
X

Right Click

No Right Click