محمد عمر محمود مخبر أم دبلوماسي؟

بقلم الأستاذ: جمال عبدالعليم - كاتب وناشط سياسي ارتري

من يعرف طبيعة النظام الديكتاتوري القائم في إرتريا، لا يحتاج إلى عصر دماغ وبذل جهود مضنية

محمد عمر محمود

لمعرفة عناصر هذا النظام، فالجميع، إلا من رحم ربي، لا هم له سوى إرضاء رأس النظام الديكتاتور إسياس أفورقي. وبطبيعة الحال أن هذه العناصر تتساقط كتساقط أوراق الخريف كل ما رأى أحد منها أن عمر النظام الافتراضي قد شارف على الانتهاء. ولكن ثمة عناصر ربطت مصيرها بهذا النظام، وتستميت من أجل منحه "إكسير الحياة"، لأنها تعتقد جازمة بأن زواله سيجر عليها الويلات جراء ما راتكبته من جرائم بحق هذا الشعب الصبور.

ويأتي في مقدمة هذه العناصر تلك التي تعمل في السفارات، ومهمتها أقرب لمهمة المخبرين أكثر منها لمهمة العمل الدبلوماسي المتعارف عليه على مستوى العالم. ويتصدر قائمة المخبرين في نظام إسياس أفورقي المدعو محمد عمر محمود، سفيره في المملكة العربية السعودية منذ تسع سنوان، فضلا عن ذلك فهو سفير غير مقيم لدى دولة الكويت. الحديث عن هذا الشخص، حديث ذو شجون...

محمد عمر محمود، شخص ولد وتربى في السودان، وعلاقته بإرتريا جد ضعيفة... ارتبط مبكرًا بقوات التحرير الشعبية وبعد قيام الجبهة الشعبية في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي ارتبط بالحركة الطلابية التابعة للجبهة الشعبية. ويحكي عنه زملاؤه الذي رافقوه، بأنه "يعرف من أين يؤكل الكتف"، فسرعان ما نسج علاقات قوية بقيادات الجبهة الشعبية، وخاصة الأمين محمد سعيد، وحاول منذ التحاقه بالجبهة الشعبية أن ينقل أخبار أقرانه لقياداته، الأمر الذي كان يعرضهم دائما لتساؤلات عديدة. وباعتبار أن قيادات الجبهة الشعبية كان تبحث عن "مساحي جوخ"، فقد وجدوا ضالتهم عند محمد عمر محمود، فصعد سريعا إلى المقدمة... فأصبح مخبرا مقربا من إسياس... وقبل انتقاله إلى الشرق الأوسط تم إعطاؤه دورة في الاستخبارات لثلاثة أشهر في منطقة الساحل في إرتريا، بعدها نال شرف الانتماء إلى جهاز أمن الجبهة الشعبية المعروف بـ "حلوا ثورة"، (حماة الثورة) سيئ الصيت. وكان مكلفا بمتابعة الحراك الطلابي، وخاصة الطلاب المنتمين إلى جبهة التحرير الإرترية وقوات التحرير الشعبية. وكان إسياس أفورقي يحيط محمد عمر محمود وزملائه حامد حمد ويوسف صايغ ومحي الدين شنقب ومحمود حامد (حسني) وعبد الله جابر برعاية خاصة.

والسبب بطبيعة الحال معروف، فهؤلاء، بسبب اسمائهم الإسلامية، كان من المهم على إسياس أن يهتم بهم، وخاصة أنه كان في صراع مع المرحوم القائد عثمان صالح سبي، فضلاً على أن القاعد الخلفية العسكرية للجبهة الشعبية كانت مركزها الساحل الشمالي، وأهل الساحل من المسلمين... على الرغم من الأسماء التي ذكرت أعلاه كانت مخلصة "لزعيم الجبهة الشعبية"، إلا أن محمد عمر محمود قد تفوق على أقرانه بمراحل كثيرة، وبسبب إخلاصه المتناهي أصبح دون منافس الأذن التي يسمع بها إسياس والعين التي يرى بها. ووصل به "الإخلاص" أنه كان ينقل لإسياس حتى تحركات الأمين محمد سعيد، ورمضان محمد نور... وفي هذا السياق يحكي مقربون من رمضان محمد نور، بأنه تحدث يوما بسخرية وسوء عن إسياس ومسيحيي مرتفعات إرتريا في لحظة "سكر"، وكان تضم تلك "القعدة" الجلسة، بالإضافة إلى رمضان محمد نور كل من الأمين محمد سعيد ومحمد سعيد باره ومحمد عمر محمود... وفي صبيحة اليوم الثاني عاتب إسياس رمضان بشدة على ما تفوه به من كلام بحقه وبحق أهله، ويقال بأن محمد سعيد باره... لام رمضان أن يتحدث عن إسياس في حضرة المخبر محمد عمر محمود.

وثمة محطات في مسيرة هذا المخبر يمكنها تناولها على عجالة لننقل للقارئ الكريم طبيعة بعض البشر عندما ينحطون وتصل بهم الأمور لأن يمارسوا التجسس والتخابر بمناسبة وغير مناسبة إرضاءً لأسيادهم.

في العام 1999 قدم محمد عمر محمود وشاية لدى أجهزة المخابرات المصرية ضد الشهيد عبدالله إدريس والمناضل علي محمد سعيد برحتو. وعندما وصل الشهيد عبدالله إدريس إلى مطار القاهرة جرت محاولة لاختطافه من قبل السلطات المصرية وتسليمه إلى النظام الإرتري، لولا تدخل السفير الإثيوبي في القاهرة آنذاك، حيث كان الشهيد يحمل جواز دبلوماسيا إثيوبيا باسم سلطان محمد. وعبرت إثيوبيا عن استيائها من هذا التصرف حيث استدعت السفير المصري في أديس أبابا مرواون بدر وبلغته بهذا الاستياء. وبفضل هذا التدخل الإثيوبي تم إبعاد المناضل الشهيد عبد الله إدريس إلى أديس أبابا. وكذلك تم منع المناضل علي برحتو (أطال الله في عمره)، من دخول مصر.

• كما وشى محمد عمر محمود بالدكتور محمد عثمان أبوبكر، الأمر الذي تسبب في منعه من دخول مصر والمشاركة في مراسم دفن والده رحمه الله.

• قام محمد عمر محمود بالاستيلاء على الوثائق والمستندات التاريخية للاتحاد العام لطبة إرتريا في شارع شريف... لأن النظام في إرتريا أراد الاستيلاء على تلك الوثائق لدفن حقائق تاريخية عن النضال الذي خاضه الوطنيون الإرتريون منذ بداية الخمسينات حتى تحرير إرتريا في مصر والعالم العربي، تنفيذا لرغبته الدفينة في تزييف التاريخ وطمس حقائقه أمام الأجيال القادمة.

• أثناء توليه مسؤولية سفارة النظام في أبوظبي، حيث كان أول ممثل لإرتريا في الإمارات العربية المتحدة في عام 1992، فتح المجال واسعا أمام تجار الشنطة من الإرتريين والسودانيين. وكان الهدف الرئيسي من ذلك، جمع الأموال لشخصه بالإضافة إلى تنفيذ سياسة نظام إسياس الهادفة إلى تخريب اقتصاد السودان... تجار الشنطة هؤلاء كانوا ينقلون البضائع من الخليج إلى إرتريا ثم يتم نقلها إلى كسلا أو بورتسودان ليتم توزيعها بعد ذلك في جميع أنحاء السودان.

• بعد تحرير إرتريا واستيلاء إسياس وزمرته على السلطة في أسمرا، تم توجيه محمد عمر محمود لمتابعة أوضاع التنظيمات الإرترية، وخاصة التنظيم الموحد. وتفيد معلومات مؤكدة بأن التنظيم الموحد كانت لديه حسابات مصرفية في كل من "بنك الشرق" في الدوحة، حيث كان مبلغ الوديعة ثلاثة ملايين دولار تقريبا، و"البنك العربي" في أبو ظبي بمبلغ مليون وخمسمائة ألف دولار. ومحمد عمر محمود باتصالاته بالمسؤولين عن هذه الودائع كان الوحيد الذي يعرف هذا السر. وكان هذا المبلغ مجمدًا، إلا أن بعض عناصر الجبهة الشعبية ومن بينهم يوسف صايغ (مدير إدارة الشؤون العربية في خارجية نظام إسياس)، وبعض عناصر التنظيم الموحد السابق تؤكد بأن محمد عمر محمود بالتواطؤ مع عناصر في تلك البلدان وبمعرفة إسياس أفورقي شخصيا استولى على المبالغ التي كانت مودعة في المصرفين. علمًا بأن محمد عمر محمود من القلائل الذين بنو فيلا فخمة في العاصمة أسمرا.

• كما ذكرنا آنفا بأن محمد عمر محمود هو سفير غير مقيم في الكويت. وأن نظام إسياس كان ينوي إغلاق سفارته في دولة الكويت. وعندما سأل أمير الكويت الشيخ صباح عن سبب إغلاق السفارة قيل له بأن الظروف المالية هي الدافع لإغلاق السفارة، فما كان منه إلا أن أصدر أوامره لتغطية نفقات السفارة بما فيها مرتبات الموظفين والسفير نفسه. وحري بالإشارة هنا بأن الشيخ صباح الأحمد الصباح يُكنُّ تقديرا خاصا لإرتريا منذ أيام الثورة المسلحة.

إلا أن محمد عمر محمود، وبدلا من أن يستفيد من هذا العطاء السخي، لتقوية علاقة إرتريا الدبلوماسية والسياسية بدولة الكويت (حكومة وشعبا ومؤسسات مدنية) والسلك الدبلوماسي المعتمد لديها، فإن هذا الشخص الذي تربى على التآمر وحبك الدسائس وكتابة التقارير الاستخباراتية، قام منذ أول وهلة من استلامه لمهام عمله في الكويت على تمزيق النسيج الاجتماعي والعلاقات الأخوية وسط الجالية الإرترية المقيمة في الكويت. وأول خطوة في هذا الاتجاه كان التدخل في اختيار إدارة الجالية الإرترية، حيث فرض على الجالية أن تقاد من قبل أعضاء "هقدف" المرتبطة معه بشكل مباشر. وعلى الرغم من الاحتجاجات التي أظهرها أفراد الجالية إلا أنه أعطى تلك الاحتجاجات أذنا صماء ونفذ رغبة سيده في أسمرا. كما استولى على مقر الجالية الإرترية الذي افتتح بفضل الله ثم بفضل الشهيد القائد عثمان صالح سبي الذي سعى لدى المتعاطفين مع قضية الشعب الإرتري الذين تبرعوا بالمقر لصالح الإرتريين.

• محمد عمر محمود لمن لا يعلم عنصر استخباراتي له ارتباطات عديدة مع جهات أجنبية عديدة. فهذا الشخص تلقى دورة تدريبية في إسرائيل 1994. وتفيد مصادر مطلعة بأن اسمه ورد في التحقيقات التي جرت مع السيد عبد الله جابر، إلا أن ارتباطه المباشر بإسياس جعل الأجهزة الأمنية للنظام تتغاضى عنه ولو مؤقتا. ولكن مصير مثل هؤلاء المخبرين دائما ما يكون رميهم بعد استنفاد الغرض من استخدامهم. وهناك مؤشرات قوية تؤكد بأن أيام محمد عمر محمود أصبحت معدودة، ونرجو أن تتخلص إرتريا للأبد من أمثاله ومن سيدهم الجاثم على صدر شعبنا... إن من ترعرع وعاش حياته على الخسة والتآمر على أهله لا يمكن لديكتاتور أن يثق به إلى النهاية... فمن لا خير له في أهله لا يمكن أن يكون له خير في إسياس الذي ابتعد عنه حتى أهله المقربون.

Top
X

Right Click

No Right Click