الإسياسية: من حلم إقامة دولة أكسوم وحكم الدولتين إلي انهيار الخيال وحكم الفرد - الحلقة الرابعة

بقلم الأستاذ: الحسين علي كرار

كيف أقصت الاسياسية جبهة التحرير الارترية: إذا رجعنا إلي تاريخ ارتريا والصراع الداخلي الذي كان محتدما في أربعينات القرن

الماضي سنجد هناك مدرستين مدرسة الرابطة الإسلامية المتسامحة ومدرسة حزب الإندنت المتعصبة فجبهة التحرير الارترية

دولة أكسوم

كانت الامتداد الطبيعي لمدرسة الرابطة الإسلامية والجبهة الشعبية كانت الامتداد الطبيعي لحزب الإندنت من حيث العقيدة والفكر والمنهج والأسلوب، فجبهة التحرير منذ انطلاقتها كان عمقها عربيا إسلاميا ففي القاهرة تأسست وإذاعة مكة المكرمة الذي كان يتحدث منها الشيخ إدريس محمد أدم كان صوتها الأول المسموع وبعد مجئ أمين حافظ رئيسا لسوريا 1964م كان صوت ارتريا الإذاعي الآخر في دمشق كانا هذين الصوتين يتسابق الشعب الارتري لسماعهما لمتابعة أخبار قضيته في بدايتها، ثم قامت سوريا بالتدريب والتسليح وتتابع اعتراف العرب بالقضية الارترية و فتحت الجبهة المكاتب التمثيلية ونالت العضوية في كل الاتحادات والمنظمات المهنية العربية ووجدت الدعم المادي والمعنوي من هذه الدول حتى كسبت عضوية مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي التي شطبتها الاسياسية بعد الاستقلال، كانت جبهة التحرير الارترية ومن تفرع عنها ماعدا الجبهة الشعبية ينصّ دساتيرها بأنها جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والذي لم تقره الجبهة الشعبية، وهكذا نجد التناقض والتنافر في ساحة الثورة هو نفس التناقض والتنافر بين الرابطة الإسلامية وحزب الاندنت نلاحظ في كلا الزمنين التباين وعدم الثقة بين الطرفين أو بالأحرى بين الطائفتين هو السائد والمسيطر، فالمسيحيون يرون أن المسلمين يجرونهم إلي الدول العربية والإسلامية، والمسلمون يرون أن المسيحيين يجرونهم إلي أثيوبيا والعالم المسيحي وكل طرف يسوده الخوف من الآخر، هذه الثقة هي المفقودة حتي بعد تحرير ارتريا وممارسات الإسياسية خير دليل علي ذلك، ولكن الحقيقة أن جبهة التحرير الارترية وقوات التحرير الشعبية كانتا تعترفان بحقوق المسيحيين الثقافية واللغوية حسب اتفاق بيت قرقيس بين الرابطة والإندنت في وقت لم يكن فيه وجود للمسيحيين في الثورة الارترية وكانت دساتيرهما تنصّ علي أن اللغة العربية والتجرنية هما اللغتان الرسميتان في ارتريا وذلك عكس الجبهة الشعبية التي رفضت اللغة العربية مع وجود المسلمين داخلها كما رفضها الوحدويّون مع أثيوبيا وهذه هي المعضلة الحقيقة فالشعبية عادت بالقضية الوفاقية بين الطائفتين إلي ما قبل اتفاق بيت قرقيس وفرضت عنوة ثقافتها ولغاتها علي المسلمين وأعطتهم من حقوق ثقافية ولغوية حتى الاقتصادية ما تجود به حسب رؤيتها وكرمها، ويصطف حولها معظم المسيحيون حتي المعارضون لها لا يختلفون معها ومن خالفها رؤيته ضبابية، وأصحاب الرؤيا الواضحة قلة، فالشعبية في رفضها للغة العربية كانت واضحة ومتماسكة مع طائفتها بينما كانت جبهة التحرير الارترية كذلك رؤيتها واضحة باعترافها باللغتين العربية والتجرنية ومعها المسلمون وكانت ولا زالت اللغة العربية هي محور الصراع في ارتريا، و الفارق أن الإسياسية كانت ولا زالت تضحي من أجل ثقافتها وفرضها علي المسلمين عنوة بينما الجبهة لم تضح من أجل فرض الثقافة العربية والإسلامية علي المسيحيين فهنا نجد هذا الهدف عند الجبهة كان معدوما.

وإذا انتقلنا إلي بداية جبهة التحرير الارترية نجدها كانت متطورة في نشأتها رغم صعوبة تلك المرحلة وقلة الكفاءات وسيطرة الحياة الإقليمية والقبلية داخلها حسب واقع المجتمع الارتري وقتها نجدها أكثر ديناميكية مما حصل عليها لاحقا من الجمود والركود، فبدأت بتنظيم واحد ثم انتقلت إلي مرحلة المناطق الخمسة المستوحى من التجربة الجزائرية وفعلا أعطت مفعول الانتشار ولكنها ثبت فشلها فتكونت مجالس اللجان المتعددة بين الارتريين الذين كانوا يعيشون في السودان وانعقدت اجتماعات ومؤتمرات الإصلاح في داخل الميدان حتى تطور الموقف إلي الوحدة الثلاثية ثم بعد ذلك إلي مؤتمر أدوبحا وقيام القيادة العامة كل هذه التطورات والنقلات كانت خلال تسع سنوات من عمر الثورة وفي ظل الحراك الحر والديمقراطي المرتبط بالإقليمية والقبلية المتفاهمة، ولكن بعد القيادة العامة بدأت الانشقاقات الفكرية وبدأت معها القيادات التي لا تقبل التنازل فرؤساء المناطق الخمسة ومن سبقهم قبل إنشاء المناطق، تنازلوا عن مواقعهم، وقيادة الوحدة الثلاثية تنازلت، ورئيس القيادة العامة تنازل، ولكن وبعد عقد المؤتمر الأول 1971حصل الاصطفاف الفكري الذي كان بداية الجمود ولم تعقد الجبهة بعد هذا التاريخ إلا مؤتمرا واحد في عام1975 بصعوبة ومشقة انهارت بعده 1981 فالتنظيم مثله مثل الإنسان أو أيّ كائن حيّ فهو شخصية اعتبارية نامية له عمر افتراضي ولهذا نجد كل الأحزاب في الدول المتقدمة تجدد ذاتها وأفكارها وأشخاصها عبر المواكبة ومتطلبات المراحل ولكن للأسف نجد كل فصائلنا شاخت بشيخوخة قياداتها الجسدية والذهنية وجبهة التحرير الارترية في تلك الفترة ترهلت كان من المفترض أن تواكب تطورات الساحة المحلية والدولية ولكن قيادتها كانت مصابة بالعمى والجمود فباتت تتآكل من الداخل وقادتها لم يكن لهم إحساس الشعور بهذا التآكل الداخلي والعزلة الدولية التي فرضتها علي نفسها، وهذا ما هو حاصل للنظام الارتري المتحجر، وهنا سوف أورد ثلاثة أمثلة بسيطة فقط للاستدلال نستنبط منها كيف كانت الجبهة ملهمة للشعب وكيف فقدت الكثير وكيف كانت تتخذ فيها إستراتيجية الهجوم والدفاع وكيف ابتعدت عن الصواب في اتخاذ القرارات في إستراتيجيتها الدفاعية.

1. في بداية الجبهة حصل في إحدى القرى في أعالي بركة هجاء بين الشباب والفتيات سببه إن القوات الأثيوبية اعتقلت بعض الشباب بشبهة الانتماء إلي الجبهة وبعدم ثبوت الأدلة تم إطلاق سراحهم، فقمن بعض الفتيات بالهجاء لأولئك الشباب بأنهم خوفا من التعذيب افشوا أسرار الجبهة، وقام الشباب برد فعل ضد الفتيات ولكنهم ركزوا علي إحداهنّ قد تكون سليطة وقد تكون ضعيفة العائلة، فاشتكت إلي شاعر القرية (مسمر) فحلف لها وقال لها إنني سأجعلك تتغني بك كل الساحة الارترية وأنشد الأغنية المشهورة بالتجري (أرهيت طعادا) فيها وصف جمالها وخصالها ثم ربط ذلك بعظمة الجبهة وشدتها وقتالها وقائدها عبد الكريم وجنوده برشاشاتهم وبريناتهم وهم الذين لا يعرفون السواتر ومخابئه وأعداد لا تحصى من القتلى والجرحى يصيبون بها الأعداء في وقفتهم...الخ.. انتشرت هذه الأغنية انتشارا كبيرا لما كان للجبهة من مكانة في قلوب الناس فكانت بمثابة الإعلام المجاني للانتشار في زمن لم يكن فيه لا الكاسيت ولا الفيديو ولا التلفزيون، ولكن بسبب الانشقاقات والحروب الأهلية والمطاردات سلم بعض أفراد القرية إلي أثيوبيا، فقامت الجبهة بعقاب جماعي أنزلته عليهم وصادرت المواشي التي لهم بها صلة وفيها أنسبة الأسر والعائلات وهذا ما فعلته أيضا بقطعان الإبل التي كان يملكها الشيخ حامد فرج وفيها أنصبت الأسر والعائلات صادرتها كاملة وباعتها في أسواق الحرّاج بأبخص الأثمان وبهذا التصرف الانتقامي البعيد عن العدالة حولت (أرهيت طعادا إلي أرهيت طلام) في تلك المنطقة وتحول معظم المحيط من المحبة إلي العداء والكراهية وتحول الإعلام المجاني إلي إعلام مضاد لأن المواشي في البوادي تقدم علي أرواح البشر.

2. كانت قرية أخري في منخفضات بركا كان فيها الشيخ (ح. أ.) وكان شيخ لكل القرى في المنطقة وكان يتعامل بالسفلي - وبغض النظر عن صحة عمله و تنبؤاته واعتقادنا به - كان هذا الشيخ في مرض الموت طلب أن تجتمع كل القرى حوله وفي الاجتماع قال لهم إنه سيموت ووصيته أن يدفن في القرية الفلانية ولا يتحمل جسمه أن يحملوه فوق الجمل لهذا طلب منهم أن يحملوه في سرير علي الأكتاف إلي تلك القرية، الوصية الأخرى قال لهم أنه رأي في المنام تحدق بهم ثلاثة مصائب:-

• مجاعة بسبب الجفاف،
• ونزول الغيث ومجيئ الجراد الذي يأكل الزرع،
• وجبهة التحرير الارترية المتسلطة.

وقال أنه ستدفن معه في القبر مصيبة واحدة من الثلاثة فلكم أن تختاروا من بينهن فقالوا بالإجماع جبهة التحرير الارترية والقصة معروفة في المنطقة، كانت تعتبر هذه المناطق معاقل الجبهة ولكن قيادتها لم تكن تهتم إلا بمجدها وعظمتها وغطرستها وأهملت ذلك البدوي الذي كان يمد لها بيده الواحد ة دولار الاشتراك وباليد الأخرى قدح الغذاء ولكنها استغنت عنه بتموين الإغاثة وأصبح هو المحتاج بعد أن أفقرته تبعات الحرب فأصبحت تتعامل معه بمستجداتها الجديدة فانفك الالتحام الذي كان قائما بينهما دون أن تشعر.

3- كنا نحن الصغار نستمع ذلك الحديث الشيق الذي كان يحكيه ضيفنا العزيز(الشيخ م. ف.) وفي عتمة الليل وفوق الفانوس إلي هؤلاء الكبار الذين شغفهم بحديثه الشيق وبأسلوبه الحماسي وكيف لا وهو يصف معركة بين جبهة التحرير وقوات الباندا الارترية المدعومة من الجيش الأثيوبي هذه المعركة التي وقعت في بدايتها داخل وأطراف قرية (الضيف) وهو شاهد عيان لما كان يجري ويصفه بدقة - وأستطرد للتوضيح - قوات الباندا هذه المؤلفة من الارتريين كان مركزها مدينة تكمبيا كان يرأسها تخلي إنكئيل وهو ابن عم حاكم بارنتو قبرقال الذي أتي به الإمبراطور هيلي سلاسي وكان يده القوية، وقد قتل أثناء هروبه في طائرة هليكوبتر عند قيام منغستو بالانقلاب ضد الإمبراطور وهو الذي أمر بإحراق كل القرى في القاش عام 1967م، حاصر تخلي انكئيل بقواته مع الجيش الأثيوبي في إحدى القرى في منطقة داسي بالقاش مجموعة صغيرة من الجبهة كانت داخل القرية وقتلوهم وقتلوا معهم أفرادا من القرية كان بينهم العريس الذي كانوا في عرسه، كان قائد تلك المجموعة الشهيد ابراهيم داود وتم إحضار جثامينهم إلي مدينة أغردات وصلبوهم في الميدان، وأصر بعد ذلك أن يقتل القائد عبد الكريم الذي عجز الجيش الأثيوبي أن يقتله وكان عبد الكريم مسئولا عسكريا في بركة العال في ذلك الوقت قبل تقسيم المناطق، وقد دعمه ابن عمه قبر قال هذا بكل ما يحتاج من سلاح وعتاد ووصل بجيشه من القاش إلي بركة العال - يحكي الرجل الضيف بدأت المعركة في الصباح داخل القرية قبل أن تمرح المواشي قتل منها الكثير بسبب المعركة كما يقول وكانت المعركة شبه مفاجئة للطرفين في الزمن والمكان علي الرغم كانوا علي موعد في اللقاء يقول كان هناك وادي وتلال، تركت الجبهة مجموعة للمناوشة وأصبح البقية في سباق مع الباندا للسيطرة علي التلال والوادي وكان السبق لهم فتمركزوا وألحقوا هزيمة نكراء بقوات الباندة التي لم تكن لهم بعدها قائمة قتل منهم الكثيرون وقتل قائدهم تخلي انكئيل وهرب الباقون وجاءتهم النجدة من مدينة أغردات يقودها قائد الجيش الأثيوبي (أشبّر) وكان من أعتى القيادات الأثيوبية وألحقت بهم الجبهة الهزيمة المريرة واستشهد في هذه المعركة شباب كلهم من المشهود لهم في القتال كان بينهم القائد حامد جمع نائب القائد عبد الكريم، انتصرت الجبهة انتصارا كبيرا بالإدارة الجيدة وبتمكنها من السيطرة علي التلال والوادي لولا هذه التلال والوادي لألحق بها الهزيمة، ولقتل قادتها هذا ما كان يقوله ضيفنا الكريم، ولكن ننظر كيف أدارة قيادة الجبهة معركتها مع الشعبية التي كانت تعلم أنها واقعة وكان لها الوقت الكافي للتخطيط والتمركز في المواقع العسكرية الاستراتيجية وإدارة المعركة وهي تملك جيشا قويا بقياداته العسكرية المجربة وقوته وجبروته وجنوده البواسل كل ما وضعته من إستراتيجيتها الدفاعية والهجومية أنها أخلت كل المرتفعات والجبال من الجيش وسحبته بكامله وحشرته في منطقة ضيقة سهلية بين وادي بركا ووادي القاش وبنفس قتالية متدنية للجنود، ولهذا نجد أن الجيش كله وصل الحدود السودانية من بوابة قرمايكا وكركون دون بقية أطراف الحدود السودانية الارترية الواسعة ودون أن تكون هناك مجموعات أخري في الميدان، أعتقد أن جيش في مثل هذه الظروف أن يهزم من قبل سيارات الرشايدة رباعية الدفع المدربين في حرب الكر والفر في التهريب فما بالنا بقوات الجبهة الشعبية التي أعدت ودرست هذه المعركة جيدا لتخرج الجبهة من ساحة القتال، وقد وجدت فرصتها في الغنيمة الموضوعة في الدائرة الضيقة المكشوفة، كانت قيادة الجبهة تري الثلاثة مليون ارتري وقتها تقريبا كانت تراهم ثلاثون مليونا ومن هذه الملايين التي تخيلتها في أضغاث أحلامها كانت تريد أن تفرز الكادر العسكري العقائدي النوعي الذي ستقاتل به ولهذا كانت تريد وبكل بساطة هيكلة الجيش علي طريقتها الفكرية والمزاجية الساذجة وجمعته في مكان واحد ولكن أتتها الرياح بما لا تشتهي السفن جبهة التحرير الارترية بعد عشرون عاما من نضالها الشاق الذي وضعت به البنية التحتية الأساسية للثورة الارترية بأنهار الدماء وبقوة العزيمة والصمود والفداء والتضحيات البشرية والمادية وجزيل العطاء فقدت قيادتها الرؤية الواضحة وعصبت عيونها عن الأحداث التي تحيط بها، فعاشت في دوامة تطحن بها ذاتها، ومكاسبها، تسببت بالممارسة في الاستغناء عن جنودها القدماء المخلصين، وتوترت علاقتها مع شعبها بعنجهيتها وتصفياتها، هربت من المنطقة العربية بحجة الرجعية، ورفضت الغرب بحجة الإمبريالية، وسرق منها منجستو أصدقاء الاشتراكية، ركنت إلي أنظمة التقدمية العربية، فطعموها بالبعثية فقفزت، وفقدت أصدقائها الممولين، وجعلت جيشها الجرار بلا ذخيرة وبلا تموين، وضاعت في بيروت في متاهات المنظمات الفلسطينية مع نايف حواتمة تبحث عن تقدمية منغستو ومدي اشتراكيته و دكتاتوريته وشيفونيته كأن منغستو كان يقدم باقات الورود والياسمين لشعبها، ولم تشعر بذلك الجليد الذي كان يذوب تحت أقدام السوفيت وسفينتهم التي كانت توشك علي الإغراق، فتسلقت هي علي الألواح من أطراف ذلك الجليد المتساقط، وعندما أدركت الإسياسية ذلك وجاء وقت المحك فضلت هذه القيادة الالتحاق بمعسكرات كركون و قرمايكا علي معسكرات فورتو وعاليت رافضة التضحية والاستبسال ومواجهة الموت والإقدام والقتال في جبهة الأمام.

كانت تصرفات القيادة أشبه بكريكاتير لمراهق كله فتوة وغرور يرتدي القبعة، ويلتحي بلحية أنيقة، ويتدلي المسدس محاذيا يده اليمني، هذا الشاب امتطى طائرة نفاثة بعد أن وضع فيها كل ما هو من بشر وعتاد ولم يترك شيئا خلفه وعندما حاصرته الغيوم بضبابها واقترب من الاصطدام بالصخور قفز منها في بر الأمان فاحترقت واحترق كل من كان فيها وما فيها ولم يبق شئ منها، فبدل أن يملك الشجاعة ويعتذر لأولي الضرر والضحايا قام هذا الشاب يبكي ويندب حظه لما فعله به الجيش السوداني الذي أجبره علي الاستسلام، لم يقل أحدا أن آلاف الجنود المدججين بالسلاح بعتادهم وعدتهم كانوا ذاهبين للحدود السودانية لتحرير مدن كسلا والقربة وحلفا ماذا كان سيفعل الجيش السوداني بمثل هذه الأسلحة المنفلتة وهذا العدد الهائل من الجنود التائهين، وقبل السودان ألم تكن هذه الأسلحة الوبال علي سكان الحدود من المنفلتين منهم في غابات القاش وسيتيت كما حصل مرارا.

فهذه الهزيمة لم تكن من الشعبية ولم تكن بمساعدة التقراي كما يحكي موّال السيمفونية صحيح إنهم كانوا يريدون القضاء علي الجبهة هزيمتها كذلك من الممكن أن يتآمر عليها الآخرون من الخارج ولكن في الواقع كانت الجبهة جاهزة للخروج فخرجت، لفقدان قادتها لإدارة الدفاع والهجوم، وضعف رؤيتهم في التحليل فيما كان يجري حولهم من الأحداث الدولية والمحلية المؤثرة، وعلي حرارة ذلك الانفجار الكبير تفرّخت فسيفساء الفصائل المتعددة الصغيرة.

و خلت الساحة للاسياسية وأصبحت فصائل الجبهة الضعيفة علي هامش المعارضة وحصل الندم ولكن ماذا ينفع الندم بعد الخسارة والانكسار ولكن جبهة التحرير الارترية تركت تراثا عظيما من النضال وكادرا قويا مقتدرا لا تهزه الأحداث وضبابيتها ولا تؤثر فيه النوائب وشدائدها كما تركت مبدءا راسخا في المرونة وقبول الآخر الذي هو السبيل الوحيد لإحقاق العدالة ووحدة الوطن.

Top
X

Right Click

No Right Click