التاريخ الحديث لأريتريا

بقلم الأستاذ: عزت اندراوس المصدر: تاريخ أقباط

تقع إريتريا عل الشاطئ الغربي للبحر الأحمر على مقربة من مضيق باب المندب وتبلغ مساحتها حوالي (120) كم2 تتنوع فيها

التضاريس والمناخ، وتمتلك شاطئًا يمتد ألف كيلومتر على البحر الأحمر، يمتد من "رأس قصار" على الحدود السودانية شمالا إلى باب المندب في "رأس أرجيتا" في جيبوتي جنوبًا، ولها مينائين على البحر الأحمر هما: "عصب" و"مصوع".

وتتبع إريتريا (126) جزيرة، أهمها أرخبيل (مجموعة جزر) دُهلك وبه نحو (25) جزيرة، أهمها جزيرتا "فاطمة" و"حالب". ويزيد عدد السكان عن أربعة ملايين نسمة. 78% منهم مسلمون، والباقي مسيحيون ويذكر مؤرخوا التاريخ أن الرومان أطلقوا أسم "سينوس أريتريوس" على البحر الأحمر وشواطئه والمناطق التي أستولوا عليها ومنها "عدوليس" على الشاطئ الإريتري ويعتقد المسلمين أن مسجد رأس مدر (الصورة المقابلة) هو مسجد بناه الصحابة في هجرتهم للحبشة ولكن لم يثبت تاريخيا إدعاؤهم لأن مؤرخوا التاريخ يذكرون أن خلفاء المسلمين في عهد الدولة الأموية والعباسية كانوا يجبرون أمبراطور الحبشة على إنشاء مساجد فى الحبشة حتى ولو لم يكن هناك مسلمين ويلزمون الأحباش بإنارة هذا المسجد وتنظيفه, وسرعان ما وجد المسلمين التجار طريقهم إلى هذه البلاد وأنشأوا مراكز تجارية وأستوطن بعضهم هذه المناطق وأستغلوا وجود هذه المساجد فى التجمع والنوم كمساكن فى البداية ثم أشتروا العبيد النساء وأنتشر الإسلام نتيجة للتناسل والنكاح ثم نشأت بعض الممالك الإسلامية في جزر دهلك، بالإضافة إلى نشأة سبع ممالك داخلية عرفت باسم "بلاد الطراز الإسلامي".

وفي بداية القرن السادس عشر الميلادي سيطر البرتغاليون على شواطئ إريتريا، فقام العثمانيون بالاستيلاء على "سواكن" و"مصوع" وجعلوا البحر الأحمر بحيرة عثمانية مغلقة. ثم أصدر السلطان العثمانى فرمان فى سنة (1281هـ = 1865م) بجعل سواحل إريتريا تحت الحكم المصري بناء على فرمان أصدره السلطان العثماني؛ وفي نهاية القرن التاسع عشر الميلادي أحتل الإيطاليين هذه الشواطئ فأطلقوا اسم "إريتريا" عليها إحياء للتسمية الرومانية، وذلك بمرسوم أصدره الملك الإيطالي "همبرت الأول" في (جمادي الأولى 1307هـ= يناير 1890م).

وفى نهاية القرن التاسع عشر فى عهد الخديوى إسماعيل , إنتشرت الإرساليات التبشيرية فى جميع أفريقيا والحبشة وقد حاولوا إقتطاع الكنيسة الأرثوذكسية فيها وفصلها عن الكنيسة القبطية وضمها إلى الكاثوليك ولكنهم فشلوا , أما فى أيرتريا فقد قام المبشر "سابيتو" بشراء قطعة أرض في ميناء عصب سنة (1286هـ= 1869م)، ثم أصدر مجلس النواب الإيطالي في (1299هـ= 1882م) قانونا بتحويل عصب إلى مستعمرة إيطالية وفى المقابل اعترف أيضاً الإمبراطور الحبشي "منليك الثاني" بحق إيطاليا في إريتريا حتى يستطيع مقاومة النفوذ الفرنسي والبريطاني.

واستمر الايطاليين متواجدين هناك لمدة (60) عاما حتى تمكنت بريطانيا وحلفاؤها من هزيمة إيطاليا ودول المحور في الحرب العالمية الثانية، ثم أقامت بريطانيا بها إدارة عسكرية.

وعندما عاد إمبراطور الحبشي هيلاسلاسي إلى الحكم في بلاده بمساعدة الإنجليز حدث أن قامت فى أيرتريا ما يشبه حرب أهلية وكان الأغلبية يفضلون الإتحاد مع أثيوبيا (1366هـ= 1946م) أنشأوا حزب اسمه حزب الاتحاد مع إثيوبيا وقام المسلمون بإنشاء حزب مضاد لهذا الحزب أسمه حزب الرابطة الإسلامية الإريترية ضد الإتحاد مع أثيوبيا لأنها دولة مسيحية وأنشأ ميليشيا إرهابية عرفت باسم "الشفتا" وكثرت الانشقاقات بها.

وعُرضت القضية الإريترية على الأمم المتحدة التي أرسلت لجنة لاستطلاع آراء الأهالي حول تقرير المصير وبناء على هذا الإستطلاع أقرت ضم إريتريا إلى إثيوبيا ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في (صفر 1370هـ= ديسمبر 1950م) على أن تكون إريتريا تحت سيادة التاج الإثيوبي في اتحاد فيدرالي مع تمتعها بالحكم الذاتي، وقررت الأمم المتحدة تعيين مندوب لها يكفل تنفيذ قرارها لأول مرة في تاريخ المنظمة الدولية، وبذلك حصلت إثيوبيا على منفذ لها على البحر الأحمر.

وفي ذي القعدة 1371 هـ= أغسطس 1952م صادق الإمبراطور هيلاسلاسي على الدستور الإريتري الجديد، ثم صادق على القانون الفيدرالي، وتم تشكيل جمعية تشريعية منتخبة في إريتريا أقرت الدستور الجديد للبلاد، وعلما خاصا بها، وسلطات قضائية وتشريعية خاصة بها، واعتمدت اللغتين العربية والتجيرينية لغتين رسميتين لإريتريا.

بريطانيا التي انسحبت من إريتريا في (25 من ذي الحجة 1371هـ= 15 من سبتمبر 1952) وكانت أول حكومة إريترية برئاسة "تدلا بايرو" السكرتير العام لحزب الاتحاد مع إثيوبيا ووقّع معاهدة مع الولايات المتحدة في (شعبان 1372هـ= مايو 1953م) مُنحت بموجبها واشنطن الحق في إقامة قواعد ومنشآت عسكرية على أراضي إريتريا.

وحدث أن قامت إثيوبيا بتأليف حزبًا سياسيًا من رجال الدين المسيحي تحت رئاسة القس ديمطروس كما فرضته نائبا لرئيس البرلمان؛ فأثار ذلك غضب البرلمان الإريتري ذى الأغلبية المسلمه، فوجه إنذارا لإثيوبيا بوجوب إعطاء الضمانات لسيادة الدستور الإريتري، وإلا طالب البرلمان بتدخل الأمم المتحدة.

استبد الغضب بهيلاسلاسي فعزل حكومة تدلا بايرو، وعين مكانه إسفهاولد ميكائيل الذي استخدم أساليب إرهابية ضد الشعب، ومنع جميع الأحزاب من العمل، واصبح النظام ديكتاتورى.

وفي عام 1375هـ= 1956م تم تعديل الدستور بناء على اقتراح من الحكومة وألغيت اللغتان الرسميتان العربية والتجيرينية، وحلت مكانهما اللغة الأمهرية (الحبشية)، وألغي العلم الإريتري، ونص التعديل الجديد أن يعين رئيس الوزراء الإريتري من قِبل الإمبراطور مباشرة، فقوبلت هذه الإجراءات بغضب شديد من الأغلبية المسلمة.

وتمكن العمال المهاجرون (1378هـ=1958م) من تأسيس حركة أسموها تحرير إريتريا يقودها محمد سعيد نادو (الصورة المقابلة)، وأنشأوا تنظيما سريا بداخله يتكون من خلايا تتكون من سبعة أفراد، وبنت فكرها على أن العنف الثوري هو الطريق الوحيد للاستقلال. وبدأت الحركة بتنظيم الخارج من المهاجرين ثم انتقلت إلى الداخل. وحدث صراع وتنافس قوي بين تنظيم الخارج والداخل.

وفي عام 1380هـ = 1960م جبهة التحرير الإريترية وقادها الشهيد حامد إدريس عواتي في ربيع أول 1382هـ= سبتمبر 1961م أعلن الثورة المسلحة للحصول على الاستقلال التام، وشيئاً فشيئاً اتسع نطاق الثورة حتى غطت معظم مساحات إريتريا، وفي 15 من جمادي الأولى 1382 هـ= 14 من نوفمبر 1962م أصدر الإمبراطور هيلاسلاسي قرارًا ألغى بموجبه الاتحاد الفيدرالي، وأعلن ضم إريتريا إلى إثيوبيا نهائيا، وجعلها الولاية الرابعة عشرة لإثيوبيا.

فى عام 1389هـ= 1969م تشكلت الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا بعد انشقاقها على الجبهة الأم، وكان من زعيمها من زعمائها أسياس أفورقي ( الصورة المقابلة ) وكانت أفكاره ماركسية. وسيطرت الجبهة الشعبية على الجبهات الأخرى، ثم انشق أفورقي عن القيادة العامة، وشارك في تأسيس "قوات التحرير الشعبية"، وحدثت حرب أهلية بين هؤلاء الثوار انتهت عام (1394هـ= 1974م) وبعد عام عقد مؤتمر الخرطوم بين هذه الفصائل المتناحرة، لكن هذه الاتفاقية كانت هشة وكانت سببا في انشقاقات أخرى، وأعلن أفورقي وأنصاره من المقاتلين رفضه لمشروع الوحدة الذى تم في اتفاق الخرطوم.

وفي (صفر 1397هـ= يناير 1977م) انشق أفورقي عن قوات التحرير الشعبية، وأعلن تشكيل "الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا"، وعكس هذا الانشقاق الجديد انقساما ثقافيا؛ فأفورقي ذو توجهات يسارية مع كونه من أبناء الطائفة النصرانية، واستطاعت هذه الجبهة تصفية الانشقاقات الأخرى، وانفردت بالساحة في إريتريا.

وفي عام 1394 هـ= 1974م بعد المجاعة فى أثيوبيا، حدث إنقلاب عسكرى ماركسى بزعامة "مانجستو هيلاماريام" مقاليد السلطة، وحاولت الجبهة الشعبية تحقيق وحدة حقيقية بين البلدين الماركسيين نظرا للتقارب الفكري بينهما، وتمت لقاء بين الجانبين تحت رعاية الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية ولكنه فشل وفى عام 1399هـ= 1979م قام الإريتريون بتوحيد جهودهم وصفوفهم وخاضوا حرب تحرير مريرة لتحقيق الاستقلال حققت خلالها انتصارات كبيرة وأرهقت نُظُم مانجستو.

وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لأسقاط نظام مانجستو الشيوعى فى أثيوبيا فدعت إلى مؤتمر تحت رعاية الإدارة الأمريكية في مؤتمر عقد بلندن نسق له وليام كوهين مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية فى ذلك الوقت، وتحالفت الجبهة الشعبية بزعامة أفروقي مع المعارضين الإثيوبيين بزعامة ميلس زيناوي , وانتهى المؤتمر باتفاق رعته واشنطن يقضي باعتراف إثيوبيا بحق تقرير المصير للشعب الإريتري على أن يختار بين الوحدة والانفصال، مقابل أن يلتزم أفورقي بدعم زيناوي في سعيه للتغلب على مناوئيه السياسيين وتولي السلطة، وأن تسمح إريتريا عندئذ باستخدام إثيوبيا ميناء عصب وكذا مصوع للأغراض التجارية.

وفي 1 من ذي القعدة 1411هـ= 25 من مايو 1991م، نجح الطرفان في إسقاط مانجستو، وتولى زيناوي حكم إثيوبيا، وأعلن استقلال إريتريا، وأنشأت حكومة مؤقتة أجرت استفتاء عاما على الاستقلال تحت إشراف الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، وجاءت نتيجته 99% للاستقلال؛ وفي 1 من ذي الحجة 1413هـ= 23 من مايو 1993م، أصبحت إريتريا دولة مستقلة ذات سيادة انتخب أسياس أفورقي رئيسا للبلاد.

Top
X

Right Click

No Right Click