وقفة مع القائد التاريخي عثمان صالح سبي

بقلم الدكتور: محمد عثمان أبوبكر

فى صباح يوم من عام 1931م وبينما كانت إرتريا ترزح تحت إحتلال إيطاليا، أطل فجر ولادة جديده

فى مدينة حرقيقو، وحال المدن الإرترية قاطبة كان بإنتظار اللحظات التاريخية التى يولد فيها قائد من أبناء الوطن لعله يتصدي لحمل مشعل الخلاص والحرية، ففي ذلك التاريخ ولد القائد والشهيد عثمان صالح سبي، ليكون شاهد ناطق على عصره الذي واكبه بفكر متأمل ونفس تواقه الى تنسم عبق الحرية، وقد صاحبته على الدوام روح الثائر الذي لم يكن يقبل بالعيش تحت نير الإحتلال والإستلاب وهو فى ريعان الصبي، وعندما كان طالباً فى مدرسة حرقيقو الإبتدائية كان يتطلع دائماً الى لعب دور القائد والموجه، ولذلك كانت تراوده على الدوام شخصية المعلم التى شغف وبها وكان يؤثرها على كثير من المهن، وشاءت له مسيرة التعليم أن يقف على أعتاب مشروع حلمه من خلال إنضمامه لكلية المعلمين فى أديس أببا، وفى تلك المرحلة تفتحت ذهنيته وهو يقف على أرض الدولة التى تحتل بلاده، فسيطرة على وجدانة روح الثائر والمتمرد على وضع شعبه، وكانت أيام دراسته المحطات الأولي التى حاول فيها أن يستقطب الآراء من حوله الى فكرة الثورة والتمرد، والمطالبة بالحقوق المشروعة لآي شعب، وفى هذا الأطار فأن القائد سبي كان يري عن قرب وواقع سمات الحكم الذي إستلب حرية شعبه، ويتحرك فى مدنه وبين شعبه ويتلمس باليد إبعاد مشاريعة وأطماعة فى أرضه، فإنبرت إرادته وصقلت صوب هدف واحد والأجابة على سؤال واحد: ماهو السبيل للإنعتاق وخلق فجر جديد لشعب إرتريا؟.

عاد القائد الى شعبه، وجعل من فصل الدراسة عبر إتنمائه الى سلك المعلمين، ساحة للتنوير وتجربة أفكاره على أبناء جلدته وأهله، وكانت الأستجابة لأفكاره متصاعد وكبيرة، وبات يشكل مصدر جذب للكثير من رجالات حرقيقو، ومن موقعه كمدير لمدرسة حرقيقو أجري تغير فى المنهج الدراسي للمدرسة حيث ربطها بالمنهج المصري العربي وفى ذلك فإنه كان يعبر عن إعتزازه الكبير بإنتمائه التاريخي الى الأمة العربية، وإعتزازه بدينة الإسلامي، وكان هاجسة وتطلعه الدائم لأن يحظي أبناء إرتريا وهم الذين حرموا من التعليم العربي فى ديارهم بفرص للإلتحاق بالمدارس والجامعات فى الأقطار العربية، وفى هذا المضمار فأن أول فرصة واتته لطرح واقع معاناة أبناء وطنه قد كرسها لإيجاد منحة دراسية لعدد من طلاب حرقيقو، وتمكن من إيفاد أول فوج الى مصر ضم فى حينها: محمد على عمرو ورمضان محمد نور وحسين محمد موسي سعدو وعبد الأمين منسعاي ومحمود إدريس بشير وصالح إدريس جيواي ومحمد على أفعرورا وآخرين، وتوالت بعد ذلك البعثات من الطلاب الإرتريين الذين شكلوا فيما بعد اللبنة الأولي لتأسيس الثورة الإرترية. وتصاعد دور القائد سبي فى هذا المضمار ليؤسس ولأول مرة جمعية ضمت فى رواقها كبار رجال حرقيقو وطلاب المراحل النهائية فى المدرسة ليشكلوا نواة حقيقة لعمل سياسي ووطني يهدف الى تحرير إرتريا.

ورغم هذا الدور الكبير الذي إضطلع به الشهيد فى عملية التنوير والتثوير، إلا أنه شعر بأن القضية التى تؤرقه تحتاج الى توسيع نطاق الحركة والفعل، فخرج من حرقيقو صوب عصب وهناك عمل لمدة تقرب من العام مديراً لشركة سفن رايز وهي شركة أجنبة كانت تعمل فى مجال تصدير وإستيراد البضائع عبر ميناء عصب، ومن تلك المحطة غادر عبر البحر صوب اليمن التى أطلقت عنان وثبته الى جده ومنها إنتقل الى العاصمة الصومالية فى العام 1960 وهناك أسس جمعية الصداقة الصومالية الإرترية وهناك أيضاً تقوت علاقته بالشيخ الزعيم المرحوم إدريس محمد آدم وحصلا معاً على أول جوازات دبلوماسية تمنحها الصومال للإرتريين وفتحوا الباب للإرتريين لحمل الجوازات الصومالية، وإنطلاقاً من تلك المحطة بدأ الإعداد لتاسيس جبهة التحرير الإرترية التى وضعت الشعب الإرتري برمته أمام تاريخ جديد من البطولات والمآثر.

فى مرحلة النضال والكفاح المسلح مثل الشهيد عثمان صالح سبي، من خلال العديد من المواقع والمسؤليات التى تقلدها بؤرة إشعاع لفتت أنظار العالم كله الى صوت القضية الإرترية وتمكن بلباقته وفكره الثاقب من إختراق جدر التعتيم المفروضة على معاناة الشعب الإرتري وتمكن من دخول محافل إقليمية وعربية ودولية ليصدع بحق شعبه فى الإستقلال، ومع هذا الدور السياسي الكبير إضطلع الشهيد بالتوثيق التاريخي لتاريخ وثورة شعبنا حيث إهتم سبي بتأليف العديد من الكتب السياسية والتاريخية والجغرافية، فضلاً عن العدد الكبير من المقالات والمحاضرات الى عكست صورة النضال الأرتري فى مختلف ساحات الإعلام العربية والدولية، وبذلك فقد غدي سبي مدرسة سياسية وفكرية واضحة المعالم فى الساحة الإرترية.

وفى ظل ما تعانية بلادنا من نكبات حقيقية على يد سلطات الشعبية التى تنكرت لرجالات إرتريا المؤسسين لثورتنا وناصبتهم العداء وهم تحت الثري ولم تبادر لحد الآن بإستجلاب رفاتهم ليدفنوا على أرضهم، فأننا نقف علي ذكري وفاة القائد الشهيد عثمان صالح سبي الذي إنتقل الى جوار ربه فى يوم 1987/4/4م فى القاهرة بكل الإجلال والعرفان الكبير على جميل صنيعهم لشعبهم الإرتري وهو وحده الذي سيقدر حقهم ويضعهم فى المكانة اللائقة بهم فى التاريخ الأرتري.

Top
X

Right Click

No Right Click