كلمة وفاء لروح فقيد الوطن الزعيم عمر محمد البرج

بقلم المناضل الأستاذ: أحمد محمد ناصر

ببالغ الحزن والأسـى تلقيت نبـأ وفاة المغفور لـه بإذن الله الزعيم الوطني الشـيخ/ عمر محمد البرج،

وكان ذلك بحق فاجعة كبيرة ووقع عظيم الأثر في نفسي لما أكن لهذا الرجل العظيم من تقدير واحترام لمواقفه الوطنية الخالصة وخصاله الحميدة وسماحة الخلق التي كان يتمتع بها وعفة اليد واللسان، وشجاعته النادرة في قضايا تهم الوطن والمواطن.

وفاءً لهذه المعاني السامية التي عرفتها عنه رأيت أن الأمانة تقتضي أن أذكر غيض من فيض تلك المعاني للأجيال التي لم تتح لها التعرف بهذا الرجل الشامخ عن قرب.

عرفت الشيخ عمر البرج في فترة النضال التحرري من أجل الاستقلال. وفي الفترة الوجيزة التي جمعتني به علاقة عمل عرفت محاسنه، حيث كان يتعامل بانفتاح مع كل إرتري بغض النظر عن انتمائه الديني والسياسي والاجتماعي والجهوي.

عاش الفقيد منذ منتصف الستينات في ليبيا ممثلاً لتنظيم جبهة التحرير الإرترية ولاحقاً ممثلاً لقوات التحرير الشعبية، بعد الانشقاق الذي ألم بالجبهة. كانت الخلافات الإرترية السياسية بعد الانشقاق في أوجها، واتسمت في بعض الأحيان بالصراعات الدموية. وعلى الرغم من أنه كان ينتمي إلى إحدى أطراف الصراع إلا أنه كان يقدم المساعدات والتسهيلات الضرورية للإرتريين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والتنظيمية.

فكثير من العمال ساعدهم الفقيد في الحصول على إقامات عمل وكذلك سهل للطلاب الإرتريين بصفة عامة ولأبناء اللاجئين بصفة خاصة الحصول على منح دراسية في كل مستويات التعليم. وكان دائمًا يترفع على الخلافات الثانوية إدراكًا منه بحقيقة أن الشعب الإرتري شعبٌ واحد سيتسامى على كل الصغائر والخلافات يوماً ما ليبني معًا بلاده في المستقبل. وانطلاقًا من هذا الفهم كان يدعو الإرتريين دائماً التسلح إما بسلاح العلم أو بالإمكانات المالية ليقوموا بمساعدة إخوتهم الإرتريين حاضرًا ومستقبلاً. ولهذا كان بحق أبًا لأبناء إرتريا.

وهناك وجهٌ من خصال هذا الزعيم الوطني ألا وهو عدم الاستعداد في التفريط في الحقوق الوطنية والسيادة الوطنية الإرترية. وقد صادف أن شاركت في وفد يمثل فصائل الثورة الإرترية للقاء مع مسؤولين على مستوى عال في إحدى الدول الصديقة. وكان مسؤولو هذه الدولة يفكرون للتوسط بين الثورة الإرترية ونظام الدرق لإيجاد حل وسط للصراع الإرتري - الإثيوبي.

وكان الوفد الإرتري على علمٍ مسبق بالمتوخى من الدعوة للقاء. وأثناء اللقاء بادر المسؤول في الدولة المعنية بطرح فكرته وبمجرد أن سمع المرحوم عمر البرج تعبير ”حل وسط“ لم ينتظر، كما هو متعارف عليه في العرف الدبلوماسي، حتى يكمل المسؤول فكرته، بل قاطعه وظل يققاطعه مرات عدة مؤكدًا على أن الشعب الإرتري بعد التضحيات الجسام التي قدمها غير مستعد للتنازل عن مطالبه الوطنية المشروعة في الاستقلال والسيادة الوطنية.

واكتفى الوفد الإرتري بالرأي الذي أدلى به المرحوم الشيخ البرج، وأكاد أجزم أن المسؤول لم يتمكن من تقديم رؤية متكاملة حول مشروعه، حيث انتهى اللقاء دون أن نكون فكرة متكاملة عما كان يود المسؤول طرحه، رغم أن اللقاء استغرق قرابة ساعتين من الزمن.

هكذا كان عمر البرج رحمه الله في مواقفه الوطنية. وأن ما يحز في نفسي أن يوافيه الأجل ويدفن خارج أرض الوطن دون أن يتمتع بحقوقه السياسية ويمارس نشاطه في وطنه الذي ناضل من أجل تحريره بإخلاص بفكره وماله لأكثر من نصف عمره.

ألا رحم الله الشيخ عمر البرج بقدر ما قدم لوطنه ولشعبه وأسكنه فسيح جناته وألهم آله وذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Top
X

Right Click

No Right Click