المناضل الأريترى ضمير شعب وذاكــرة أمــة

بقلم الأستاذ: حسن إدريس  المصدر: الاهرام العربى

ولد الزعيم عثمان سبي من رحم مأسأة الشعب الإريترى فى عام 1931 فى مدينة حرقيقو، وقد تعلم القرآن فى الخامسة من عمره

ودخل مدرسة حرقيقو فى عام 1944، التى أسسها الباشا صالح كيكيا وانتقل إلى أديس أبابا لمواصلة تعليمه من كلية المعلمين. وبعد عودته إلى إريتريا أسس مدرسة لتعليم الفتيات. وكذلك تشجيع المواطنين على الدفع بأبنائهم لتلقى التعليم، وأسس جمعية العروة الوثقى التى استلهم اسمها من اسم مجلة جمال الدين الأفغانى لمساعدة التلاميذ، تميز سبي بقوة الذاكرة واستقلال الفكر، وعلو النفس والصراحة وكذلك كان نشطا فى دفع الوعى التحررى، وفى هذا الإطار قام بأول زيارة للسودان عام 1957، والتقى بالقيادات السياسية وناشدهم لدعم الطلبة الإريتريين القادمين للعلم.

واعتقل سبي من قبل المحتل الإثيوبى فى مدينة مصوع، وتم نقله إلى أسمرا وتعرض للتعذيب، وذلك على خلفية نشاطاته السياسية ضد المستعمر الإثيوبي آنذاك.

وبعد إطلاق سراحه سافر إلى اليمن عبر ميناء عصب عام 1960، بقارب صيد إلى ميناء مخا اليمنى، وسلك طريق البر إلى مدينة جدة فى السعودية، والتقى بعدد كبير من المهاجرين الإرتريين، وقد تحمسوا لفكرته التى نادت بالكفاح المسلح ضد المحتل الإثيوبي، ثم انتقل إلى القاهرة وأسس المجلس الأعلى لجبهة التحرير الإريترية برئاسة القائد إدريس محمد على، وسكرتارية عثمان سبي. كما اعتقل القائد سبي من قبل السلطات الأمن السودانية بعد ثورة أكتوبر على خلفية ضبط بعد الأسلحة المقدمة من الحكومة السورية للثوار الإريتريين، بالرغم من أن السلطات السودانية كان لديها علم بذلك وبدعم من الوزيرين الرشيد الطاهر، ومحمد جبارة، هما اللذين أقنعا رئيس الوزراء سر الختم الخليفة بتمرير الأسلحة القادمة من سوريا عبر ميناء جدة، ونتيجة لبلاغ من حزب الأمة السودانى، تم اعتقال الشهيد سبي مع كثير من المقاتلين المكلفين بحراسة المخازن، ونتيجة لذلك تم إبعاد سبي من السودان، ولكن القضية شغلت الرأى العام السودانى وتعاطف الأغلبية من السودانيين مع عدالة القضية الإريترية وسبي، وعاد سبي مرة أخرى إلى السودان.

وقد قام بشراء أول دفعة سلاح للثوار وهى عدد (5 بنادق - 7 مسدسات - 500 رصاصة) بالإضافة إلى عدد من القنابل اليدوية، من خلال جمع المال من العمال الإريتريين فى المملكة العربية السعودية.

وقد تبنى سبي إستراتيجية حشد الرأى العام العربى والدولى لدعم القضية الإريترية ونقلها للمحافل الدولية.

ويعتبر الشهيد سبي الأب الشرعى للإعلام الإريترى، وذلك لأنه أصدر مجلة دورية باللغتين العربية والإنجليزية وقام بترجمة كل الكتب المتعلقة بالشأن الإريترى، فضلا عن دعوته للصحفيين من أصدقاء الثورة للزيارات الميدانية للثوار، فضلاً عن أنه كان الناطق الرسمى للثورة الإريترية، وله خمسة مؤلفات وهى:-

• تاريخ إريتريا
جغرافية إريتريا
• علاقة السودان بإثيوبيا عبر التاريخ
• الصراع فى حوض البحر الأحمر
• جذور الخلافات الإريترية وطرق معالجتها

كان سبي يدرك أهمية التعليم بالنسبة لمعركة إريتريا من أجل الاستقلال، ومن أجل المستقبل لذلك فقد أهتم بالتعليم كسلاح تحررى، وفى هذا الإطار أسس عدداً من المدارس، فضلا عن أنه لجأ لطرق المنح والبعثات التعليمية للطلاب الإريتريين فى الخارج خصوصا الدول العربية، على سبيل الذكر وليس الحصر السودان، مصر، سوريا، العراق، ليبيا، وأيضا تمكن سبي من الاتصال بالدول الداعمة للثورة الإريترية من أجل استيعاب كوادر إريترية فى مجال التدريب العسكرى ومن أهم البلدان كل من سوريا، العراق، كوبا، الصين.
إلى جوار ذلك أسس سبي جهاز التعليم فى معسكرات اللجوء، وذلك إيمانا منه بضرورة العلم والمهارات فى هذا العصر، ويعتبر التعليم مهمة أساسية للتسلح بالوعى التحررى، وفى ظل انشغاله بالثورة تبنى شقيقه المربى محمود صالح سبي جهاز التعليم الإريترى.

ومن أجل فك الحصار عن الثورة الإريترية فقد أسس منظمة العقاب، وعمل على لفت أنظار الرأى العام العالمى عبر ضرب اهداف منتقاة للعدو الإثيوبي بإقل الخسائر وكون المجموعة الفدائية من عناصر مختارة، وتم تدريبها من قبل الثوار الفلسطينيين لتنفيذ أعمال وضربات موجعة، ومنها المجموعة التى نفذت عملية مطار فرانكورت فى ألمانيا بتفجير الطائرة الإثيوبية، وعودة منفذيها بسلام، وكذلك عملية مطار كراتشى فى باكستان الذين قاموا بتسليم أنفسهم بعد تنفيذ العملية.

وقد أدت منظمة العقاب دورها على أكمل وجه، وفى مقابل ذلك قدمت الثورة مجموعة من الشهداء، جراء هذا النشاط الدؤوب للشهيد سبي، وقد حاولت المخابرات الإثيوبية اغتياله بالسم لكنها فشلت، وأيضا محاولة اختطاف طائرته خطوط الشرق الأوسط الذى كان يستخدمها، ولكنها أيضا فشلت.

فقد قام سبي بدعم الجبهة الشعبية لتحريرا إريتريا إبان الحملة السادسة "النجم الأحمر" وذلك بتحويل فرقتين كانتا قادمتين للتنظيم الموحد تحملان «عتاد وتموين»، وذلك دعما لمقاتلى جيش التحرير ايمانا منه بالقضية الإريترية، وسعى سبي للوحدة بين الفصائل الإريترية المختلفة بتكوين التنظيم الموحد، وهم من نفس القادة الذين انشقوا منه فى السابق، وأيضا عمل على لقاء مع الجبهة الشعبية فى مقديشو لتوحيد الفصيلين فى التنظيم الموحد والجبهة الشعبية.

وقد تميز سبي بالتواضع، وإجادته للاستماع، فضلا عن أنه متحدث لبق، كريم جواد وذو ذاكرة قوية، تجعله يرصد الأحداث والتفاصيل والأشخاص، لا يحب التكبر والغرور.

ويقول سبي عن نفسه والثورة: (ديمقراطى ليبرالى أؤمن بضرورة تعدد الآراء والأحزاب لضرورة التطور الطبيعى للمجتمع، ويتطلب ذلك الحوار الديمقراطى ليس التحاور بالبندقية، وأغلب خصومى من يؤمنون بالقمع والديكتاتورية).

(الثورة الإريترية قامت بإرادة الإريتريين من غير تدخل أحد، وليست سلعة تنتج فى مصنع، بل هى محصلة جملة عناصر متكاملة تنبت من الأرض وعاشت ثورتنا نتاج أرضنا ودمائنا).

وبعد تاريخ كبير من النضال والعمل رحل الزعيم سبي إثر نزيف حاد ودخل على إثره فى غيبوبة فى مدينة القاهرة، وذلك بعد إجرائه عملية جراحية للجيوب الأنفية فى الرابع من إبريل عام 1987، ثم وورى جثمانه الثرى فى السادس من إبريل فى مدينة الخرطوم، وبرحيله فقدت الثورة ركنا صلبا وقويا.. أرهب المحتل الإثيوبي، وأسهم فى استقلال إريتريا وبناء دولتها الجديدة.

ويشهد لسبي الكثير من عرفوه فى رحلة نضاله من أمثال عبدالله حسن - الأمين العام لجبهة تحرير الصومال الغربي (كان يدرك بحاسته الوطنية ومقدرته الخارقة إلى ما يريد).

كما قال عنه فليب ديكرين كبير محررى صحيفة اللموند الفرنسية:

(إنه شخصية ذات ثقافة مميزة ويفرض عليك احترامه) - لمعرفتى الشخصية به فقد كانت من خلال التنظيم الموحد كنا مجموعة معدة للأبحاث والتدريب أوكلت إلينا مهام حراسة مقر إقامته وقد كان سبي مهتما بكل التفاصيل الصغيرة لحياتنا، وبل يستمع إلينا ويسأل عن من غاب عنا، نعم سيظل سبي زعيما وطنيا ومناضلا جسورا.

Top
X

Right Click

No Right Click