الزعيم الوطني الرمز القائد البطل حامد إدريس عواتي
بقلم الأستاذ: ود عد - كاتب وناشط سياسي إرتري
حامد أدريس عواتي (10 أبريل 1910–28 أبريل 1962)، هو زعيم الاستقلال الارتري.
أطلق حامد الرصاص على قوات الاحتلال الإثيوپي في 1 سبتمبر 1961 في جبل أدال، أسس جيش التحرير الإرتري، الجناح المسلح لجبهة التحرير الإرترية.
الحياة المبكرة:
وُلد عواتي في 10 أبريل 1910 في قرية قرست، والتي تقع بين تسني وأم حجر، جنوب غرب إرتريا الإيطالية. كان والده فلاح ويمتلك بندقية، فتدرب عواتي منذ الصغر على استخدام السلاح.
حياته العسكرية:
في عام 1935 تم تجنيده بواسطة الإيطاليين ليعمل في الجيش الإيطالي وكان يجيد اللغة العربية، التگرينية، لغة التقراي،التقراي، النارا، الحدارب، والكوناما وتعلم الإيطالية في فترة وجيزة حيث تم ابتعاثه إلى روما في دورة للمخابرات العسكرية. بعد عودته من روما تم تعيينه مديراً للأمن في المنطقة الغربية. وبعد فترة وجيزة تم تعيينه نائباً لمحافظ مدينة كسلا عندما خضعت للاحتلال الإيطالي لقرابة العام.
مقاومة الاستعمار البريطاني:
بعد الحرب العالمية الثانية وبعد هزيمة الجيش الإيطالي واحتلال بريطانيا للبلاد، عاد عواتي إلى قريته ليمارس حياته المدنية، حيث قام بممارسة الزراعة وامتلاك الماشية وتربيتها. ألا انه سرعان ما دخل في صراع ضد قطاع الطرق والجيش البريطاني في المنطقة الذي قام الجنود البريطانيون حينها بحملة عسكرية لنزع صلاح المواطنين من الرعاة والمزارعين في المنطقة الغربية الذين كانوا يستخدموها في حمايته ماشيتهم ومزارعهم من عصابات قطاع الطرق المعرفين باسم "ألشفتا" الذين كانوا ينهبون الماشية والمحاصيل من أهالي المنطقة، وصادروا خلالها ممتلكات عدد من سكان منطقة بركه والقاش وقاموابقتل ماشيتهم مما جعل عواتي يتصدى لهم ويقتل جندياً بريطانياً واستطاع عواتي ورفاقه التصدي لهم وطردهم من المنطقة خائبين من حيث أتوا، وأصبحت منطقته والقرى المجاورة أمنه بفضل شجاعته مما أثار إعجاب وحب المواطنين له بل أن قرى بعيده نسبيا عن قريته كانت تستنجد به عندما تغير عليها تلك العصابات مما أثار حفيظة سلطات الاحتلال البريطاني الذي وجدت عمل الشهيد عواتي تحدى لسلطاتها وأصبح سلطة بديلة لها في المنطقة في نظرها يلجا إليه المواطنين في ظل عجز سلطات الاحتلال البريطاني في فرض الأمن والأمان، كانت مسألة نزع سلاح المواطنين يعني عمليا الوقع تحت رحمة عصابات الشفتا التي عجزت سلطات الاحتلال البريطاني الحد من خطرها، مما دفع عواتي إلى تشكيل وتجهيز 40 مسلحاً نشطوا عسكرياً ضد الجيش الريطاني الاستعماري وكبدوه خسائر فادحة مما أضطره إلى التفاوض معهم والتخلي عن استهدافه لمنطقتهم تفادياً للإضطرابات وتهدئة للتوتر وقد كان لعواتي ما أراد وعاد للعيش في قريته في أمن واستقرار وعين عواتي شيخ الخط رسميا (أي المسئول الأول عن أمن المنطقة)، ورجع عواتي ورفاقه إلى القرية مكللين بالنصر وسرعان انتشر صيت عواتي في كل المنطقة الغربية بل وصل إلى العاصمة أسمرة.
نظمت السلطات البريطانية العديد من الحملات دون أن تستطيع القبض على عواتي وجميعها فشلت. ولم تصرف مقاومة الإنجليز حامدا عن النهوض بمهمة الدفاع عن الشعب أيضا، فقد كان في ذات الوقت الذي يدافع فيه عن نفسه من حملات الإنگليز يقوم بتتبع قطاع الطرق والاقتصاص منهم. على الرغم من أن حامد عواتي كان قد رفض بيانات عفو عديدة أصدرها الإنگليز إلا أنه قبل العودة بموجب بيان العفو الذي أصدروه في يونيو 1951 بعد أن وافق الإنگليز على شرطين:-
• طي صفحة الماضي.
• منحه أربع قطع سلاح يحمي بها نفسه والمنطقة التي يسكن بها، وهي حسب ما ورد في الاتفاق المنطقة الممتدة بين قرست وفانكو بالقاش.
حاولت السلطات البريطانية إعتقاله والنيل منه وأجبر على التخفي من منطقته حتى لا يطاله سوء. كان يقاوم عمليات النهب التي كان يقوم بها الجيش البريطاني وقطاع الطرق وعصابات الشفته الذين اعتادوا نهب ممتلكات سكان المنطقة الغربية.
قام عواتي بتجهيز 40 مسلحاً نشطوا عسكرياً ضد الجيش البريطاني الاستعماري وكبدوه خسائر فادحة مما أضطره إلى التفاوض معهم والتخلي عن استهدافه لمنطقتهم تفادياً للإضطرابات وتهدئة للتوتر وقد كان لعواتي ما أراد وعاد للعيش في قريته في أمن واستقرار.
كان عواتي رمزاً للشجاعة والإقدام والجرأة، وقد أسهمت المواقع الإدارية التي تقلدها في تعزيز قدراته القيادية بالإضافة لانشغاله الدائم بهموم وتطلعات شعبه.
مقاومة الإحتلال الإثيوپي:
عندما قامت إثيوپيا بخرق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالاتحاد الفدرالي بين إرتريا وإثيوپيا وذلك باحتلال إرتريا عسكرياً وإنزال العالم الإرتري وحل الحكومة الإرترية والبرلمان وكل مظاهر الاتحاد الفدرالي، كما قامت بقمع المواطنين الإرتريين الذين خرجوا للاحتجاج والتظاهر سلميا منددين بما فعلته إثيوپيا ليسمعوا صوتهم للعالم ونكلوا بالوطنين الذين تصدوا لها ومارسوا أبشع أنواع التعذيب بالمعتقلين من الوطنين والإرهاب والقتل لإسكات صوت الشعب الارتري وإجهاض مقاومته الباسلة ضد محاولات إثيوبيا ضم بلادنا قسرا إلى إمبراطوريتهم المتخلفة وكان عواتي حاضرا حينها بالعاصمة يشاهد كل تفاصيل الجريمة الإثيوبية، وعندها قرر التصدي للمحتل الجديد وإعلان الثورة، الا انه أثر الانتظار للوقت المناسب عندما تتوفر كل العناصر المطلوبة.
ويقول المناضل شلال محمد علي، من رفاق عواتي،لقد عرفت حامد إدريس عواتى منذ 1944 وكنا في "المقاومة الأهلية التي تدافع عن نفسها وشرفها وديارها" سويا أنا وحامد إدريس عواتى ومجموعة أخرى من الفرسان، وكان يقودنا "على بنطاز" ويضيف المناضل شلال إن عواتي يؤمن بفكرة الكفاح المسلح إيماناً راسخاً وعندما أرسلت حركة "تحرير إرتريا" إليه وفدا وطلبوا منه المجيء للمشاركة في العمل السياسي إلا إنه رفض المجيء إليهم ورد وفدهم قائلا: "إنني لا أومن بالنضال السياسي وإذا كان لابد من النضال فالبندقية وحدها هي التي أومن بها".
ويشير الأستاذ حامد تركي في كتابه تحديات مصيرية، إن السلطات الإثيوبية لم تكن غافلة عن استعدادات عواتي للمقاومة لذلك قامت بإعداد جيش كبير لاعتقاله في أغسطس 1961 إلا أن أحد الإرتريين المنتظمين في سلك الشرطة سرب إليه الخبر فاعتصم بجبل أدال ولم تتمكن السلطات الإستعمارية من اعتقاله.
تأسيس جبهة التحرير الإرترية:
أثناء الاحتلال الاثيوبي لإرتريا في أواخر عام 1958، اضطر عدد كبير من العمال الإرتريين إلى الهجرة إلى الأقطار المجاورة، وبادر عدد منهم إلى تأليف تنظيم ثوري حمل اسم حركة التحرير الإرترية واتخذ قاعدة له في بورتسودان، وسرعان ما امتدت الخلايا السرية لهذا التنظيم إلى الكثير من المدن الإريترية.
في يوليو 1960، بمدينة القاهرة عقدت مجموعة من الطلاب والمثقفين الإرتريين من الشباب وشكلوا جبهة التحرير الإرترية وهم:-
■ إدريس محمد أدم – رئيس البرلمان الارتري،
■ إدريس قلا يدوس – خريج كلية الحقوق جامعة القاهرة،
■ محمد صالح همد – خريج كلية الحقوق جامعة القاهرة،
■ أدم محمد أكتي – خريج جامعة القاهرة،
■ طه محمد نور – خريج من إيطاليا،
■ سعيد حسين – طالب بجامعة الأزهر.
وكان هذا أول تأليف للجبهة بين العمال والطلبة الإرتريين في المشرق العربي، وانتقل نشاطه في العام التالي إلى المرتفعات الإرترية إثر الانتفاضة التي قادها حامد إدريس عواتي في 1 سبتمبر 1961 مع بضعة مقاتلين يحملون بنادق إيطالية عتيقة، وقد تبنت الجبهة تلك الانتفاضة لتحولها في مدى سنوات قليلة إلى ثورة مسلحة منظمة انسجاماً مع أهداف التحرير التي حددها دستور الجبهة. في مقدمتها الاستقلال الوطني الكامل عن طريق الكفاح المسلح المدعم بجهود سياسية ودبلوماسية في الخارج. واختار المؤسسون أن يكون إدريس محمد آدم أول رئيس للجنة التنفيذية للجبهة. وقد تطور الكفاح المسلح بإمكانات ذاتية بسيطة وبدعم من بعض الأقطار العربية، وفي مقدمتها سوريا، إلى مقاومة حملات قمع وإبادة إثيوبية شرسة شملت مئات الألوف من الضحايا الإريتريين، واتسمت بعض تلك الحملات باتباع سياسة الأرض المحروقة للقضاء على المحصولات الزراعية وقتل المواشي، وإبادة المواطنين بالجملة من دون تمييز، كما حدث في حملات 1967 و1970 و1974 و1975 على التوالي فشردت أعداداً كبيرة من الإرتريين في الصحارى والغابات، وعبرت أعداد أخرى الحدود إلى السودان، الأمر الذي أدى إلى نشوء مشكلة اللاجئين الإرتريين هناك، في حين سيطرت حركة المقاومة الإريترية على معظم الريف الإرتري، وتمكنت من تحرير بعض المدن، وكانت سيطرة جبهة التحرير تتسع أو تتقلص بحسب ظروف المواجهة وتطوراتها. وفي هذا السياق، عقدت حركة المقاومة الوطنية الإرترية أكثر من مؤتمر لها في الأراضي المحررة، ولم تنج من التعدد والانقسامات التي فرضها تباين منعكس المعاناة الداخلية، ورواسب المجتمع والتداخلات الخارجية أحياناً.
تأسيس جيش التحرير الإريتري:
ويقول محمد الحسن دوحين أحد رفقاء عواتي ومساعده عندما كان شيخاً للخط في منطقته إن إدريس محمد آدم رئيس البرلمان الإرتري السابق بعد لجوئه إلى القاهرة أرسل خطاباً إلى عواتي يطلب منه فيه قيادة مقاومة مسلحة ضد الإستعمار ولكنه لم يكن قد أكمل تجهيزاته في ذلك الوقت.
وبعد أربعة أشهر طلب منه الشيخ محمد داوود – الزعيم المشهور في المنطقة – ذات الطلب، وافق عواتي حينها على إعلان الكفاح المسلح وقيادته وطلب المساندة اللازمة وتم جمع عدد من البنادق أبو خمسة و300 بر، وكان عدد المقاتلين حينها سبعة ثم ارتفع ليصل إلى ثلاثة عشر.
واجه عواتي ضغوطاً كثيفة للعدول عن الكفاح المسلح إلا أن رده أتي حاسماً للوسطاء إذا قمت بإنزال العلم الإثيوبي ووضعتم مكانه العلم الإرتري حينها سأتوقف عن المقاومة، حينها حشدت السلطات الإثيوبية الإستعمارية قواتها واتجهت لمحاصرة الثورة الوليدة في جبل أدال والتقى الطرفان في معركة حامية الوطيس استمرت لسبعة ساعات شكلت إعلاناً لمسيرة الكفاح المسلح الذي امتد لثلاثين عاماً وتوج بنصر مستحق في مايو 1991.
ثم التحق بعواتي أعداد من الجنود الإرتريين العاملين بالجيش السوداني واتسعت رقعة الثورة، وقام عواتي بقيادة جميع المعارك التي حدثت في حياته ويروي المناضل الكبير أبو رجيله إن عواتي ومحمد ابراهيم شندي جرحاً في إحدى المعارك. ثم انتخب عواتي قائداً لجيش التحرير ومحمد ادريس حاج نائباً له.
وفاته:
في يوم 27 مايو 1962 شرب عواتي اللبن في وجبة العشاء وبعد فترة وجيزة ذكر بأنه ليس على ما يرام وتدهور وضعه الصحي بصورة متسارعة ونادى رفيقه كبوب حجاج وسلمه بندقيته الأثيرة إلى نفسه وأوصاه بضرورة مواصلة الكفاح المسلح وتوفي صبيحة اليوم الثاني. وقد رأى رفاقه كتمان خبر وفاته حتى لا يؤثر في الروح المعنوية للمقاتلين إلى أن تم إعلان الخبر الأليم بعد أربعة أعوام من وفاته.
كان عواتي قد أصيب في آخر معركة حارب فيها ضد قوات الإحتلال، ويبدو أن موته كان بسبب جراحه في المعركة ويعتقد البعض أنها لأسباب طبيعية. دفن عواتي في هياكوتا، قاش بركة وأنشأت الحكومة الإريترية تمثالا له في 1 سبتمبر 1994 بجوار قبره.