عواتي بطل جدير بالإحتفاء

بقلم الإعلامي الأستاذ: أبوبكر عبدالله صائغ - كاتب وصحفي ثقافي مهتم بالتأريخ

ثورتنا التي نحتفل بعيدها كانت رداً حاسماً على الأعداء وبلسماً شافياً للأشقاء والأصدقاء

في ذكري رحيل المناضل الكبير محمد سعيد ناود - الجزء الرابع والأخير الدولية، والشرارة التي أطلقها القائد الشهيد/ حامد إدريس عواتي كانت ومضة لم ينطفئ بريقها بل صارت نيازك ضخمة سقطت على المستعمرين من فوهات بنادقنا لتدك حصونهم وتجبرهم على الرحيل حفاة عراة، وبطلنا الذى أطلق تلك الشرارة له تاريخ حافل بالبطولات والتضحيات في مواجهة المستعمرين، نسرد القليل منها تعظيماً له ولبطولاته.

وإن الانتصارات التي كان يحققها الشهيد/ حامد عواتي ضد قوات الاحتلال البريطاني كانت تحظى بإعجاب الشباب باعتبار رمزاً لهم في مقاومة الأعداء مما حفزهم للتجنيد في صفوف مجموعته المقاومة. حيث بلغ عدد الذين تدربوا على يده حوالي أربعون شابا استطاع أن يسلحهم من أسلحة العدو التي سلبها من خلال المعارك التي كان يخوضها مع السلطات البريطانية.

وفي إحدى المعارك الكبيرة في منطقة القاش سلب منهم حامد مدفعي برين وعدد من البنادق. وهذا الانتصار زاد من التفاف الشباب حوله وأصبحوا يدينون بالولاء له، في تلك المواجهة أصيب حامد في ساقه وأصبح أسم عواتي يردد في كل بيت، وصارت بطولاته حكايات يتداولها الصغار والكبار.

عواتي دوخ الانجليز وأجبرهم على توقيع العديد من التفاهمات التي تقضي بعدم التعرض له وللقبائل التي تخضع لحمايته في منطقته، إلا إنهم كانوا دائماً ينكثون العهم ويتأمرون عليه لقتله بتحريض العصابات المنظمة إلا أن مساعيهم كان مصيرها الفشل.

في إحدى الأيام استطاعت قوات الاحتلال التي كانت تتربص بحامد أن تداهمه بقوة تقدر بتسع وتسعين شخصا وبدأت المعركة معه وكانت في الواقع معركة تحدي بصدق، حيث استطاعت قوات العدو أن تحيط به تماما من كل الجهات لدرجة التحم الفريقان بالأيادي وكانت المعركة بالسلاح الأبيض وتمكن شخصان من الإطباق على حامد والقبض عليه بعد أن أصاب أحدهم يد حامد بطعنة حربة، واستطاع عواتي أن يخلص يده الثانية من الجندي الآخر وسحب مسدسه، عند ذلك تخلص منهما وأنسحب مع جماعته بعد أن نجا من ذلك الفخ بأعجوبة أذهلت العدو.

عجزت الحكومة البريطانية عن إخضاع حامد، ففي نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات حيث كانت القضية الإرترية مثارة في الأمم المتحدة عمدت الحكومة البريطانية إلى خلق فتن وإثارة حرب قبلية في إريتريا فكونت مجموعة من العصابات لينهبوا ويقتلوا ويثيروا البلبلة لتعم الفوضى جميع أنحاء الوطن. وفي تلك الفترة كان حامد متفرجا في بداية الأمر ولكن أصبح لهيب النيران يصله حيث أصبحت القبائل الموجودة معه تتعرض لهجمات العصابات، مما أضطره للتدخل في بعض المواقف فكان يعيد البهائم المسروقة ويردع أي عصابة تعتدي على القرية. بعد فترة من الفوضى التي عمت كل أرجاء الوطن قررت سلطات الاحتلال البريطاني أن توقف تلك الحروب بعد أن تأكدت بأنها أدت دورها المنشود ونزعت منها السلاح.

وبما أن وضعية حامد كانت تختلف، اضطرت السلطات البريطانية أن تجري معه مفاوضات وأرسلت إليه ضابط برتبة عالية وبعد مفاوضات حادة وافق حامد أن يعيش في قريته مع سلاحه وهي بندقية أبو عشرة كان قد سلبها من قوات الاحتلال.استقر حامد في قريته ليباشر حياته اليومية في الزراعة وتربية المواشي لكن لم يهدا بال سلطات الاحتلال تجاهه حيث كانوا يرون فيه خطورة كبيرة بالنسبة لسياستهم الاستعمارية في إرتريا، ولذلك حاولوا اغتياله عدة مرات وذلك بإرسال جماعة لتهاجمه في قريته ولكنه أنتصر عليهم وعادوا إلى أسيادهم خائبين.

وبعدها لجأ حامد مرة أخرى إلى الجبال لينتقم من محرضي هذه العصابات التي أرسلت إليه، هنا شعرت سلطات الاحتلال البريطاني بخطورة الموقف فبادرت مرة أخرى للتفاوض معه وفي هذه المرة قطعوا له عهدا بأن لا يكرروا التآمر عليه مرة ثانية فوافق أيضا بأن يستقر في قريته، لكن السلطات البريطانية التي عرفت تاريخيا بعدم التزامها بوعدها أرسلت إليه رجلا ماهرا في الرماية وقناص من الدرجة الأولى لقتله ولكن هذا الرجل لم يستطع أن يواجه حامد وجها لوجه فلجأ إلى حيلة أخرى ليثير مشاعر حامد حيث تعمد نهب بقر بعض المواطنين، وبالفعل جاء أصحاب الأبقار إلى حامد يشتكون إليه ويطلبون منه يد المساعدة لإعادة أبقارهم، هنا قام حامد كعادته لمساعدة المواطنين وإعادة حقوقهم المغتصبة فلحق بالعصابة عند ذلك أطلق عليه الشخص الذي كان مكلفا بقتله طلقة لم تصبه فرد حامد على هذه الطلقة بطلقة مضادة فكانت في الهدف، وبالتالي استطاع أن يتخلص من الشخص وأعاد مواشي المواطنين إلى أصحابها وعند تفتيشه للقتيل وجد في حوزته وثيقة تؤكد وتوضح المؤامرة على حياته فقطع رأس العميل ووضعه في سلة والصق الوثيقة في جبهته وخيط السلة وسلمها لمركز "هيكوته" بنفسه، وحاول مفتش المركز أن يأخذ منه البندقية ولكن حامد رفض تسليمها له فأضطر المفتش عرض الموضوع على الحاكم باسمرا فجاء الأمر بعدم التعرض له.

في هذه المرة لم يلجأ حامد إلى الجبال بل ذهب الى قريته. في الفترة التي أعقبت الاتحاد الفيدرالي مع الإمبراطورية الإثيوبية في العام م كان الشهيد حامد قد عين شيخ للخط في منطقة "قرقد" التي تقع بين مدينتي أم حجر وقلوج.

إثيوبيا من أجل إجهاض الفدرالية في نهاية المطاف باتخاذ سلسلة من الإجراءات القمعية والتعسفية من طرف واحد لفرض واقع جديد على الأرض، والاستعداد لمرحلة الضم الكامل للأرض الارترية للإمبراطورية المتهالكة، نفذت المخطط بأعلان ضم إرتريا لإثيوبيا من داخل قاعة البرلمان عبر مسرحية رديئة الإخراج لم تقنع أحد سوى الذين شاركوا في التمثيل بها، وحتى الممثلون أغرتهم المكاسب الأنية والاطماع الشخصية والهالة الإعلامية التي كان يحيط بها الامبراطور نفسه.

وقد تغني الشعراء في المنطقة واصفين في قصائدهم بطولة عواتي بن فايدوم عندما استخف بالقيود والأغلال متحديا بكبرياء وعناد آسره فلما أودع في السجن هب أهالي المنطقة فأجبروا المستعمرون علي إطلاق سراحه، فتوجه بعد إطلاق سراحه إلي مسقط رأسه في كوفيت وبدأ يتجول في منطقة بركة ينذر الناس بالخطر الداهم الذي يهددهم في أنفسهم ومزارعهم ومراعيهم وشكل مع الزعيم "ذمات ود أكد" في بركة لعال نوعا من التعاون والتنسيق لمقاومة الاحتلال الإيطالي، حيث كان "ذمات ود أكد" علي صلة بكنتيباي حامد والنائب إدريس أمير البلو في سمهر بغرض تنظيم مقاومة واسعة إلا أنه أعتقل نتيجة لوشاية من أحد أقربائه ثم أعدم.

كل عام وانتم بخير هذا غيض من فيض سيرة البطل الشهيد حامد إدريس عواتي.

Top
X

Right Click

No Right Click