ذكرياتي مع القائد المرحوم عثمان صالح سبي - الحلقة الثانية عشر

بقلم المناضل الأستاذ: أحمد أبو سعدة

وقبل أن يغادرني عثمان سألني عدة أسئلة عن رحلتي في الداخل وأنا أختصر هذه الأجوبة وأقول الآتي:

في منطقة شعب التقيت بالأخ محمد علي عمارو والمذكور قد تخرج من كلية ضباط الاحتياط في مدينة حلب وكان مسؤول الإعلام في الجبهة الشعبية ولم أكن أعرفه في السابق إلا أن الأخ عثمان صالح سبي أوصاني أن ألتقي به وأن أتعامل معه فهو شاب جيد وخريج سوريا أيضا، قلت للأخ عثمان (وبناء على توصيتك ألتقيت بالأخ عمارو) وكان لقاءا طيبا مفعما بالحرارة الارترية وسألني عن سوريا والمناطق التي تدرب فيها، كان يتكلم بنشوة الحنين إلى سوريا وإلى كل من قام بتدريبه ثم قال لي:

- أنا سأرافقك طوال وجودك هنا.

وبقيت أنا والأخ عمارو حوالي خمسة وعشرين يوما.

جلنا فيها مناطق كثيرة في ارتريا وكان محمد علي حرمتاي لا يفارقنا ثانية واحدة.

في إحدى الجلسات مع عمارو قلت له:

- ألا تريدون أن تتفقوا أنتم والجبهة وتوحدوا أنفسكم، ألا تريدون أن تبقوا كتلة واحدة ضد اثيوبيا ؟؟

ولم يجبني إجابة دقيقة،لا لكونه جاهلا بل عن دراية وعلم، فقد كان يعرف بأني جبهجي وميولي كلها اتجاه جبهة تحرير ارتريا، وقد حضر جزءا من مناقشاتنا المدعو هيلا منغريوس الذي كان وبقي رجلا مهما في أمن الجبهة الشعبية، وفي إحدى الأمسيات ألتقيت في أحد الخيران بكل من رمضان محمد نور ومحمد علي عمارو وبطرس سلمون ومسفون حقوس وأبو طيارة وأبو عجاج،هذه الجلسة امتدت إلى ما بعد منتصف الليل وكانوا يسألوني لماذا سوريا لا تقف مع الجبهة الشعبية ولماذا تقف مع جبهة التحرير الارترية، فأنا إنسان عادي لست مخولا بالإجابة أو بالرد على هذا السؤال إلا أن اعتقادي في ذلك وهو الصحيح إن جبهة تحرير ارتريا هي جبهة وطنية قومية وهي أقرب لنا من الشعبية.

• عندما نزلت من الطائرة السورية الخاصة التي أقلت الوفد السوري الرسمي إلى أسمرا للتهنئة بعيد الاستقلال كان في استقبال الوفد محمود شريفو ويوسف صايغ وحديش درار مالو ممثل الجبهة الشعبية في سوريا ولبنان وهذا الأخير كان ممنوعا من دخول سوريا في فترة من الفترات، لم يقل لي محمود شريفو (أهلا وسهلا) بل تجاهلني تماما وكما فهمت بعدها أنني لم أكن مرغوبا من حكومة الجبهة الشعبية وإذا سئلت عن السبب أقول إنه موقفي الوطني اتجاه جبهة تحرير ارتريا واتجاههم أي الجبهة الشعبية فقد كان خط جبهة التحرير الارترية خطا وطنيا ويعتبرون أنفسهم جزءا من حركة التحرير العربية والعالمية بعكس خط الجبهة الشعبية، لم أقل هذا الكلام للمرحوم عثمان سبي لأنه جاء بعد موته بفترة لكني كنت قد أوحيت له بأن كل من كان يعتمد عليه هو خاضع لأسياس وبطانته.

• بعد أن عدت إلى الخرطوم من ارتريا وجدت أن جبهة تحرير ارتريا قد وقعت اتفاقية الوحدة مع الجبهة الشعبية بحثت عن عثمان في الخرطوم فلم أجده وعلمت أنه موجود بمنزله في بيروت.

إن ما كان يجري ويعد في ساحة الشعبية هو الآتي:

دعت اللجنة الإدارية إلى مؤتمر وهذا الموتمر سمي (شمال بحري) وكان هذا في شهر (11) 1975 وأسياس أفورقي كان وراء انعقاد هذا المؤتمر حتى يفشل الاتفاق الوحدوي مع جبهة تحرير ارتريا وهنا حصل الانشقاق في الجبهة الشعبية الذي توج ببيان من اللجنة الإدارية سابقا والجبهة الشعبية لاحقا ويقول هذا البيان (إننا لا نعترف بما تم بين جبهة تحرير ارتريا والبعثة الخارجية التي كان يرأسها عثمان صالح سبي).

ونحن اللجنة الادارية لا نعترف بالبعثة الخارجية مطلقا، إذن هذا ما كان يحدث في الساحة عندما كنت في ارتريا، هذه هي النتائج وكان إحساسي في مكانه وعندما عدت من ارتريا التقيت بعثمان سبي وقلت له: أرجوك أن تسمعني لما أريد أن أقوله لك وهو في غاية الأهمية والخطورة:

- إن هناك شيئا ما خطير يحدث في الداخل وأنت ذكرت لي أن ألتقي بعمارو وأبو طيارة وأبو عجاج وأفهمتني أنهما أجنحتك، هؤلاء الذين ذكرتهم لك مع غيرهم لم يبقوا معك وهكذا حصل فلم يبقى مع عثمان سوى أبو طيارة وأبو عجاج ومعهما مجموعة صغيرة من الجنود أما عمارو ورمضان وشريفو فهم مع أسياس وببرود أجابني عثمان:

- سأقفل الحنفية.

وصدمت من الإجابة التي أثبت الزمن بأن تفكير عثمان كان خاطئا وتصرفه أيضا.

كنت أنظر إلى القضية الارترية بمنظار وطني إرتري وخاصة إنني أعرف عقلية وتوجه عثمان وعقلية وتوجه أسياس.

جرت عدة مساعي سودانية وغيرها وداخلية من الجبهة الشعبية إلى أن تم لقاء بين البعثة الخارجية بقيادة عثمان سبي واللجنة الادارية بقيادة أسياس أفورقي في الخرطوم ومثل الطرفين عثمان وأسياس وبدلا من العودة الى بعضهما بعضا تمت الطلقة النهائية عام 1976 ونتيجة لهذا الطلاق أصبح في الساحة ثلاثة تنظيمات وزاد الطين بلة، هنا يقول أسياس أنا لن أجلس مع عثمان مطلقا بعد الآن وعثمان يقول أنا لن أجلس بعد اليوم مع أسياس الذي خان الأمانة وشطر التنظيم.

كان اسياس يقول إن الجبهة تتعامل مع سبي الرجعي ولا تتعامل معنا نحن التقدميين وعثمان يقول أنا لن أتعامل مع الماركسيين.

وفي شهر أكتوبر وبالوساطة السودانية وبحضور عربي تم اتفاق سمي (باتفاقية أكتوبر) وفي الوقت ذاته أرسل عثمان رسالة إلى محمد أبو القاسم إبراهيم نائب رئيس الجمهورية السودانية يقول فيها:

(إذا توحدت جبهة التحرير والجبهة الشعبية في تنظيم واحد فنحن على استعداد أن نحل تنظيمنا أي تنظيم قوات التحرير الشعبية ونندمج معهم) عندما اجتمعت أنا في وقت لاحق بنائب رئيس الجمهورية السوداني سألته:

- هل تعكس هذه الرسالة موقف قوات التحرير الشعبية كافة كسابقتها ؟؟.

أجابني نائب رئيس الجمهورية السودانية اللواء محمد أبو القاسم:

- دعهم يتحملون هذه المسؤولية.

ومرت الأيام وكنت أنا في ارتريا وكنت قريبا من منطقة (حقات - وهي قرية ارترية صغيرة) وذهبت لأشهد هذا اللقاء بين الجبهة الشعبية وجبهة التحرير الارترية فجاءت الجبهة الشعبية ومعها حراسة كاملة وزينت هذه الحراسة بـ(بي - تي - آر) استخدمتها الجبهة الشعبية أما جبهة التحرير فقد جاءت بصواريخ B0.7 هل هذه ساحة حرب أم ساحة مفاوضات وحوار أخوي ؟؟.

كان كل منهم يريد أن يظهر قوته وكان ذلك في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1977 وفي هذا اللقاء تمت مناقشة اتفاقية الخرطوم فظهر تباين في وجهات النظر.

جبهة التحرير تقول:

- ننسق مع بعضنا إلى أن نصل إلى مؤتمر وطنيا تعلن منه الجبهة الوطنية الديمقراطية الواحدة.

الجبهة الشعبية تقول:

- لا!!! كل شيء خاضع للتنسيق واستمر حوار الطرشان هذا لمدة ثلاثة أيام وفي النهاية قالت الجبهة الشعبية لجبهة تحرير ارتريا:

- (إن ما طرحتموه سوف ندرسه في قياداتنا ونرد عليكم).

وإذا سألتموني بعد أربعين عاما أقول لكم لم ترد الجبهة الشعبية على ما وعدت به وكأن لقاء (حقات) ليس له أي معنى من جانب الشعبية وأنا أريد أن أقول هنا شيئا:

- إن الأمريكان...

الى اللقاء فى الحلقة القادمة...

Top
X

Right Click

No Right Click