ذكريات وتجارب - الحلقة الرابعة

سماديت كوم Samadit.com

بقلم الأستاذ: عثمان بداوى عمريت

’من ضّيع دفاه يستأهل البرد‘ مثل عربي معروف سمعته لأول مرة من العم احمد با وزير يمني كان له دكان في حرقيقو وفهمته في

حينه على حد عقلي، الا ان الزمن وتجاربه كشفت انه تحذير واكبر بكثير من فقدان بطانية او لحاف كما تصورت.. انه التفريط في حقوق، مصالح ومكتسبات، وطنية كانت او مجتمعية وحتى فردية، وان ضريبة تعويض المفقود واسترداد المسلوب تتضاعف مع كل يوم يمر حسب القيمة والاهمية، ومع هذا نرى تكرار نفس الاخطاء بلا عظة سوى اللوم والتلاوم ما افرغ المثل من مضمونه.

ومن الامثلة الحية التي عايشتها في هذا الصدد، على سبيل المثال، كانت شركة سامسا اول شركة مواصلات قامت في مصوع وضواحيها منها حرقيقو. عندما قرر صاحبها العودة الى وطنه ايطاليا عرض بيعها على الباشا صالح احمد كيكيا. وحسب ما سمعت من الصديق صالح عبد القادر بشير، رحب الباشا بالعرض ونقله الى الاهالي مع ابداء استعداده لشرائها شريطة تحويلها الى شركة مساهمة اهلية يستفيد منها الجميع لعدم رغبته في هذا النوع من التجارة.

مما يحز في النفس، نظرا لاعتراض اقلية تعتبر نفسها منافسة للباشا واغلبية ترى في الحياد فضيلة لم يحظ عرض الباشا الاجماع المطلوب ورست الشركة على حرقوت اباي الذي لولا القرض الكبير الذي حصل عليه من الباشا لما استطاع شراءها. وبهذه البساطة وضعت البلدة نفسها تحت رحمة شركة حرقوت وسياساتها التعسفية.

وبعد صبر طويل على عدم اهتمامها بمصالحهم وسلامتهم، طالب الاهالي الشركة بتنظيم رحلات اضافية تتماشى مع تزايد عدد السكان واختلاف مواعيد دوام العمل واشغالهم العامة الا انها لم تكترث لا بهم ولا بمطالبهم المتكررة. وقابل تهديدهم بإنشاء شركة اهلية بتذكيرهم ان من اضاع فرصة امتلاك شركة قائمة اجدر الا ينشىء شركة جديدة الامر الذي وضعهم امام موقف لا يمكن التراجع عنه.

ولما ماطلتهم ادارة المرور تماهيا مع حرقوت اباي بحكم منصبه وعلاقته مع العائلة المالكة، قرر الاهالي رفع الطلب الى الامبراطور هيلي سلاسي اثناء مروره بالبلدة في طريقه الى فرو لافتتاح سد.

المشهد الرابع: اصطف الطلبة وبعض المستقبلين من الاهالي على جانبي بوابة المدرسة من الساعة السادسة والنصف صباحا تقريبا في جو شتوي مظلم بارد جدا. كنت ضمن الطلبة المصطفين بين عد شيخ محمد الامين وعد سيد حسين امام بوابة المدرسة مباشرة حيث اصطفت مجموعة من اعيان البلدة، اللجنة المدرسية وادارة المدرسة واللجنة التأسيسية للشركة الاهلية المزمع انشاؤها.

اذا صدقت الذاكرة، اذكر من الاباء على سبيل المثال : الشيخ عثمان عبد القادر بشير، الشيخ حجي عبد الله عثمان شيخ داوود، الشيخ صالح حسن نائب، الشيخ صالح ابوبكر بشير، الشيخ محمود موسى باقر، الشيخ على عبد الله سراج، الخليفة عثمان منسعاي، الخليفة احمد حامدوي، الشيخ ياسين عبد الكامل جميل والشيخ عبد القادر جابر قولاي.

كان منظرهم بقاماتهم وهاماتهم المرفوعة وملابسهم الناصعة البياض مهيبا جدا يبث في النفس الاعتزاز، وتحول منظرهم مع بوادر الشروق امام خلفية داكنة الى لوحة منحوتة رائعة.

وصل الامبراطور حوالى السابعة والنصف وواصل طريقه بدون القاء حتى نظرة عابرة على مستقبليه ناهيك القاء تحية او توقف. ولم يكد يمر موكبه حتى علت بين الاعيان ضجة كبيرة، بعضهم اعتبر تصرف الامبراطور اهانة للبلدة وعزوا موقفه بالنشاط السياسي الذي يقوم به الاخ عثمان سبي وطالبوا بصرف الطلبة الى بيوتهم، بينما حاول البعض الاخر التهدئة وانه سوف يتوقف بل لربما يدخل المدرسة في طريق عودته.

وبعد نقاش اقرب جدل توافقوا على انصراف الطلاب والاهالي الى بيوتهم على ان يعودوا بعد ساعتين حيث كان مقدرا ان يعود الامبراطور حوالي العاشرة تفاديا لارتفاع الحرارة. وكإجراء احتياطي ينم عن تحد، سلمت اللجنة العريضة الى الزميل احمد طاهر بادوري وباقة الورد الى الزميل محمد عبد الرزاق وطلبت منهما الوقوف على مسافة نحو خمسين متر تقريبا شمال اللجنة – ركن المعهد الديني - فاذا لاحظا تخفيف الموكب سرعته تمهيدا للوقوف اسرعا الى الموقع لتسليمه باقتي ورد كما كان مقررا على ان يسلمه رئيس اللجة العريضة، والا قطعا الطريق امام سيارته وتسليمه العريضة وهي الاهم.

بالطبع، كنا في البداية، نغبط الزميلين احمد ومحمد لانتدابهما للمهمة ولكن، وبعد ان تأزم الموقف وتوالت عليهما التأكيدات لتنفيذ المهمة، اصبح الاشفاق والخشية عليهما كبيرة. تهيأ الجميع منذ ان لاح غبار السيارات وهي في منطقة وافي، وتوقف الموكب على مقربة من المدرسة امام مجموعة من الشباب يرفعون شعار فريق الصلاح الكروي قيل انه استلم مطالبهم واعطاهم مبلغا من المال. لم ار المجموعة ولكن سمعت انها كانت برئاسة الشهيد على ادريس انرعلى والزميل رمضان عثمان اولياي.

لولا انه فوجئ برؤية الفدائي احمد طاهر واقفا امام سيارته مخترقا جحافله المدججة بالسلاح والاجهزة اللاسلكية، فأشار الى سائقه بإنزال زجاج شباك السيارة فاسرع احمد اليه، تسلم منه الامبراطور العريضة واعطاه جنيها استرلينيا مقرونا بابتسامة عريضة. يمكن القول ان البلدة بتصرفها هذا مع الامبراطور استعادت شيئا من هيبتها، وفي نفس الوقت فتحت على نفسها بابا لتحدي اكبر واوسع. لربما كان هذا التعامل المشين والمهين مع خيرة عظماء البلدة وزعمائها اوضح موقف سياسي يشهده حتى الاطفال.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click