ذكريات وتجارب - الحلقة الخامسة والثلاثون

Samadit.com سماديت كوم

بقلم الأستاذ: عثمان بداوى عمريت

عقب انتهاء جلسات الاستماع الى افادات شهود الاثبات - المقدمين من قبل المباحث - عقدت جلسات الاستماع الى المداولة تناوب فيها

المحامي والمدعي العام حاول كل منهما تعزيز موقف الجهة التي يمثلها اعتمادا على تفنيد ودحض ما رود في اقوال المتهمين والشهود.

اعتمد المحامي في دفاعه، ايجازا، على العوار القانوني الوارد في حيثيات ادعاءات المدعي العام:

اولا: عدم مثول المتهم الاول في القضية كما طلبت المحكمة.

ثانيا: عدم تقديم شهود الاثبات دليلا ماديا واحدا يربط بين أي من المتهمين والمستمسك المقدم.

ثالثا: طالب المحامي المحكمة برفض شهادة الشاهد السابع بالنظر الى اقراره صراحة ان كل ما التهم التي ادلى به ضد المتهمين كانت املاء من المباحث.

وفي الختام طالب من المحكمة استبدال المواد القانونية المقدمة بأخرى تتناسب مع التهم الموجهة الى كل شخص.

وفي الجلسة الاخيرة، قبلت المحكمة طلب المحامي واضافت مواد مخففة لم يعترض عليها المدعي العام، ليصبح الترتيب على النحو التالي:-

المتهم الاول - عمر ادريس شيخاي (غيابيا)
المتهم الثاني - عبد الله محمد سعيد صايغ
المتهم الثالث - محمود صالح سبي
المتهم الرابع - احمد شيخ ابراهيم فرس
المتهم الخامس - صالح جابر وراك
المتهم السادس - صالح عبد القادر بشير
المتهم السابع - عثمان بدوي عمريت
المتهم الثامن - عثمان رمضان حسين
المتهم التاسع - عبد الله محمد صايغ
المتهم العاشر - طه ابراهيم حسين

بالرغم من السلاسة التي كانت تسير بها القضية، كان يتعمد المحامي تطويل مواعيد الجلسات املا في ان تحدث مستجدات تفقد المباحث تركيزها، ولربما كان هذا بإيحاء من القاضي، وفعلا وقعت احداث جسام ومع هذا لم تغفل عن القضية بعد ان اصبحت بالنسبة لها مصيرية.

في هذا الاثناء من اواخر عام 1966، تزامنا مع انتشار جيش التحرير الارتري في معظم الريف بشكل محسوس تصاعد النشاط السياسي في المدن كنا نلمسه في سرعة تزايد عدد المعتقلين وتنوع تشكيلتهم بعد ان اقتصرت حتى هذه اللحظة بشكل كبير على ابناء المنطقة الغربية، كان يستقبل السجن بشكل يومي العشرات فرادى وجماعات حتى ظهر ما تعارف على تسميته مجموعة مصوع، مجموعة دقي امحارى، مجموعة عدى قيح، مجموعة صنعفى ومجموعة مندفرا جلهم مسلمون. ثم بدأ العد العكسي جراء قيام الحكومة بتصفية المعتقلين ميدانيا في مكان اعتقالهم كما حصل مع اللجنة التي تولت بعدنا العمل في حرقيقو اذكر منهم على سبيل المثال: العم ادريس محمود شكرك، الخال حسب جعفر حسب الله، محمد علي سراج (حماس) بينما تمكن كل من الاستاذ ابراهيم جابر حسب الله، العم سليمان شيخ حامد والعم ابراهيم صالح سراج من الفرار قبل الوصول اليهم.

ومنذ تطبيق الحكومة سياسة الارض المحروقة وتدمير عشرات القرى وابادة المواشي واتلاف المزارع والحقول وتسميم الابار وردمها حتى لا تقوم لها قائمة الى ان بلغت ذروتها فرديا او من خلال مجازر جماعية بشعة قلما وصل معتقل من المناطق الريفية مع تزايد عدد الاسر المسلمة التي كانت تراجع السجن بحثا عن ذويها المفقودين.

عكس توقعات الحكومة، لم ترعب او تردع هذه الجرائم البشعة الوطنيين بل دفعتهم نحو المزيد من التحدي والمشاركة الفعلية الفاعلة، وكانت غالبية المعتقلين هذه المرة من المسيحيين وخصوصا من العاصمة اسمرا الامر الذي اربك الحكومة واحرجها حيث كان بعض المعتقلين من ابناء او اقارب مسئولين كبار في الدولة او المحسوبين عليها. فظهر ما تعارف على تسميته ’مجموعة جامعة سانتا فاميليا - جامعة اسمرا حاليا‘، ’مجموعة ‘قهس‘ - اختصارا لاسم ثانوية الامبراطور هيلي سلاسى - ومجموعة موظفي البنوك، عمال قطاع المواصلات.

وبطبيعة الحال، كان لهذه الاعتقالات انعكاس كبير على الشارع العام في اسمرا حيث بدأت جموع كبيرة من الأهالي الاصطفاف امام بوابة السجن منذ الفجر في مسعى لضمان تصريح زيارة. ومع مرور الوقت، تحول يوم الزيارة الى مناسبة وفرصة للقاء والتعارف والنقاش ثم الحوار حول الهموم والمخاوف المشتركة وبمثابة تظاهرة وطنية وتكذيب فعلي لما كان تروج له وسائل الاعلام ان الجبهة تنظيم اسلامي عربي صرف وان المسيحيين قلبا وقالبا في خندق واحد مع الحكومة. بذلت الحكومة جهدا كبير للتخفيف من تأثيرات هذه الظاهرة، كان اول ما قامت به ادارة السجن تخفيض عدد التصاريح الممنوحة وتوزيعها في وقت مبكر من الصباح ومنع من لا يحمل تصريحا من التواجد في الموقع او حوله. فشلت هذه المحاولة في اسبوعها الاول فبالرغم من كل الوسائل والاجراءات التي تم اتخاذها، تلبث الأهالي بمواقعهم امام السجن او قريبا منه الى ما بعد انتهاء موعد الزيارة. وفي تطور جديد لافت للنظر، بدأت بعض الامهات يصطحبن معهن صديقاتهن ثم يقمن بالصراخ والعويل على قارعة الطريق يولولن وهن يرفعن كتبا ودفاتر للإيحاء ان ابناءهن طلبة تم حرمانهم من التعليم ما اكسبهن تعاطفا كبيرا من قطاع واسع من المارة.

وفي اخر محاولة لها لتخفيف الضغط والاحتقان السائد وبحجة تمكين الطلبة من متابعة دروسهم، سمحت ادارة السجن ليس بإدخال كتب فقط بل وكافة المطبوعات، فاصبح الجميع في هذا القسم يقرأ ويتبادل كتبا كيفما شاء ما رفع من معنوية ونفسية المعتقلين، اما مشكلة الحكومة ظلت كما هي ان لم تزداد تعقيدا بسبب ارتفاع نسبة الغياب في بعض المدارس بحجة زيارة اصدقائهم او اقاربهم في السجن، وكان الاسوأ من كل هذا، المعلومات التي تجمعت لدى الحكومة فيما يتعلق بنوعية المناقشات السياسية الجارية بين الزوار ووجود من يوزعون ما يشبه منشورات سياسية مكتوبة يدويا يسقطونها بينهم فيلتقطها احدهم ثم يمررها الى اخر اضطرت معه المباحث الى دس مخبرين للتعرف على هوية الفاعل، وعندئذ بدأ بعض الطلبة في اسقاط اوراق مطوية خالية من كتابة او ملطخة بمخاط او بصاق وبهذه الطريق يتم التعرف على المخبرين. ذكر لي بعض الطلبة ممن اعتقلوا بتهمة المشاغبة امام السجن، انهم تعمدوا افتعال مشادات مع الحراس والمخبرين حتى يتم اعتقالهم ويشاركوا اصدقاءهم وزملاءهم في تجربتهم وإعطاء القضية الوطنية زخما وبعدا شعبيا. وبهذا اصبح السجن مثار استهتار واستخفاف عكس توقعات الحكومة.

تريثت الحكومة طويلا في تقديم هؤلاء المعتقلين جديا الى المحكمة عكس ما كانت تفعله مع غيرهم، وذلك لعلها تجد لنفسها مخرجا مناسبا الى ان استقر رأيها على اطلاق سراحهم فأصدرت عفوا عاما فقط للطلبة الغير محكوم عليهم الذين تجاوز عددهم بوجه التقريب المائة غالبيتهم العظمى من المسيحيين، ولكن من الناحية العملية شمل العفو عددا كبيرا من العمال ومن الطلبة المحكوم عليهم، اعرف من بينهم على سبيل المثال، محمد نور صالح كيكيا، ابوبكر محمد عمر قاضي ومحمود محمد سليمان. كنت الطالب الوحيد الذي استثنى من هذا العفو مع اني كانت طالبا ولم يحكم علي بعد وفي نفس الوقت اصغر سجين على الاطلاق.

استدعاني مدير السجن الميجر تخلي الى مكتبه ليخبراني انه يعتقد ان خطأ اداريا هو الذي حال دون اطلاق سراحي مع زملائي الطلبة، وانه رفع بشأني مذكرة مستعجلة الى الرئاسة العامة للسجون وطلب مني الاسراع في تقديم التماس شخصي والتماس مماثل عن طريق عائلتي. اكبرت في ميجر تخلي حسن نيته وتعاطفه الواضح معي ومع هذا اعتذرت له عن عدم تنفيذ نصيحته، لم يصدق ما سمعه مني حتى استمع الى وجهة نظري واحترم قراري اذ كنت متأكدا ان ما حال دون اطلاق سراحي لم يكن خطأ اداريا انما قرارا امنيا.

بعد التفكير مليا لمساعدتي او التعبير عن مشاعره، اعطائي بحثا للتخرج كتبه ابنه لعلي اتسلى بقراءاته لبعض الوقت، كان موضوع البحث التركيب السكاني في ارتريا. في القسم الخاص بحرقيقو ذكر الكاتب انه استقى معلوماته من العم عثمان محمد سعيد شيخ عمر في جلسة واحدة عقدها معه في السوق في حرقيقو. اعرف عن قرب ان العم عثمان محمد سعيد من الشخصيات الفصيحة والملمة بهذا الجانب ومع هذا وحسب ما بدا لي كان بحاجة الى مراجعة وتوثيق، الا ان الاخ محمد عثمان ابوبكر ضم هذه الرسالة على علاتها الى دراسات ووثائق مواضيع عامة تتعلق بالشأن الارتري في كتاب اسماه "تاريخ ارتريا ارضا وشعبا" دون الاشارة لا الى اسم الكاتب ولا الى مصدر معلوماته.

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click