ذكريات وتجارب - الحلقة الستون
بقلم الأستاذ: عثمان بداوى عمريت
كل الكتب التي كان يزودني بها الدكتور شافنر عن طريق المترجم بطريقة غير نظامية كانت تتعلق باللاهوت ومن تأليف كتاب
بروتستانتيين الا انها تتناول الى جانب الدين مواضيع سياسية واقتصادية واجتماعية مبنية على وجهة نظر الكنيسة.
ولعل اهم كتاب قرأته عن اهداف هذه الكنيسة باللغة الفرنسية كان من تأليف فرانكلين بيلي جراهام ابن الاب الروحي لهذه الكنيسة والذي اصبح حاليا رئيسها بعد وفاة والده منذ ثلاثة اشهر كما ذكر في الحلقة ما قبل السابقة، واسم الكتاب Couri Avant le Nuit ومعناه حرفيا ’اركضوا قبل الليل‘ وادق ترجمه له في تقديري ’سارعوا قبل الصحوة الاسلامية‘ على اساس انه يدعو الكنيسة الانجيلية ورجال الدين فيها للإسراع قبل يزوغ فجر الاسلام.
ولم تكن هذه الدعوة او التحذير من صحوة اسلامية قادمة الاول من نوعه انما تكرارا لمقولة قديمة نشرتها احدى الصحف البريطانية عام 1951 تقول ’ان الشعوب الاسلامية موحدة المشاعر والاحلام وان اية صرخة تنطلق في نيجيريا يسمع صداها في اندونيسيا وهي على وشك القيام بصحوة دينية كبيرة تستدعي من الكنائس ورجال الدين المسيحيين استباقها بأقصى سرعة‘. قرأت عن هذه المقولة في رد كتبه الكاتب الاسلامي المصري احمد حسن الزيات في منتصف الستينيات في مجلة ’الرسالة‘ التي كان يترأس تحريرها فند فيه الغرض من هذه المخاوف الغربية واهدافها العدوانية.
احتوى هذا الكتاب أسماء وخرائط ديموغرافية تفصيلية لكل دولة من الدول الاسلامية ونسبة الاقليات المسيحية والاضطهاد الديني والحياتي الذي يتعرضون له، ابتداء بالسودان، مصر، اوغندا، نيجيريا، السنغال، مالي الخ في افريقيا وكل دول الشرق الاوسط وكذلك دول اسيا مثل اندونيسيا، ماليزيا و باكستان التي طالب نصح بفصل القسم الشرقي منها والذي اصبح في 1971 دولة بنغلاديش الحالية، كما تضمن الكتاب دور الكنسية ونشاطها في كل دولة من هذه الدول لدعم المسيحيين سواء لإقامة كياناتهم الخاصة او تمكينهم من تولي مقاليد الحكم في دولهم من خلال زعزعة اوضاع هذه الدول الاقتصادية او خلخلة هياكلها السياسية والاجتماعية وحتى من خلال اقامة انظمة تؤدي هذه المهمة.
من المؤشرات التي اعتبرها الكاتب من مقدمات الصحوة الاسلامية او بزوغ فجر اسلامي جديد انطلاق البرنامج الاذاعي الموجه الى كافة الدول الاسلامية ’ نداء الاسلام ‘ الذي بدأ بثه عام 1962م من مكة المكرمة، وكانت جبهة التحرير الارترية تبث منه برنامجا سياسيا اسبوعيا. وذكر ان رد الكنيسة على هذا البرنامج كان اطلاق برنامج اذاعي مضاد اسمه ’صوت الانجيل‘ الذي بدأ بثه من اديس ابابا عام 1963 أي بعد سنة، ومن ثم استعرض الكتاب بشكل مفصل مقارنة بين مدى وقوة وتأثير البرنامجين وعدد مستمعيه في كل دولة من الدول المعنية. فيما يتعلق بارتريا، بطبيعة الحال، لم يعتبرها دولة اسلامية ولكنه لم يسقطها من حسابه تماما حيث اشار الى ان منارة جامع الخلفاء الراشدون اول ما يلفت النظر قبل هبوط الطائرة على المطار!
ومن اكبر المخاوف التي ابداها الكاتب استثمار الدول المصدرة للبترول نسبة من عائداتها المالية في تنمية الشعوب الاسلامية ما يؤثر سلبا على عملية التنصير التي تقوم بها الكنيسة في الدول الاسلامية. ويقول في هذا ان الدول والجمعيات الاسلامية لا تملك الجدية ولا برامج بعيدة المدى لتوفير العوامل الثلاثي التي تعتبر مقومات الحياة - الغذاء، العلاج والتعليم – كما تفعل الكنائس وان كل ما تقوم بها بناء جوامع ضخمة لا يستفيد الا القليل.
من الامثلة الحية لهذه الكنيسة في تطبيق ما ورد في الكتاب، عندما رحلت الكنيسة من مدينة عدي خالا عام 1975 نتيجة سقوط المدينة بيد الثورة وتحرير المساجين نقلت طلبة مدرستها الى دولة جيبوتي حيث توجد لها مدرسة مماثلة ومن هناك نقلتهم الى لندن حيث التحقوا ببعض المدارس في مدينة كامبريج. التقيت عام 1980 في مكتب قوات التحرير الشعبية في لندن بطالبين مسلمين من هؤلاء الطلبة، وحسب ما ذكراه لمسؤول المكتب الاخ المرحوم محمد عثمان يوسف صايغ انهما كانا المسلمين الوحيدين في الدفعة التي قدموا معها وتتكون من نحو مائة وخمسين طالبا، وكانت الكنيسة حتى ذلك الوقت تتحمل كامل نفقاتهما الى ان ابلغت منذ اسبوع مكتب الهجرة البريطاني تخليها عن تحمل مسؤولية اقامتهما في البلد، فخيرهما مكتب الهجرة بين ايجاد مصدر دخل ومغادرة البلد. ولحسن حظهما كان المرحوم الدكتور الصافي امام موسى في لندن فعندما علم بالخبر قابلهما في المكتب وابلغ الاخ محمد عثمان امكانية تغطية نفقاتهما بصفة مؤقتة من خلال صندوق الجبرتة في السعودية.
وعندما مررت في نفس الاسبوع بجدة، عرفت ان احد اقاربنا في السجن بسبب عدم حمله دفتر الاقامة عندما خرج من البيت وان ابنه الذي رفضت المدارس السعودية تسجيله في الثانوية لأنه اجنبي وصل بدون جواز سفر مع مجموعة من الصبية الارتريين بمساعدة بعض الجمعيات السعودية الى قندهار في افغانستان ’للجهاد‘ في سبيل الله. هذا هو الفرق بين اداء كنائس تحمل رسالة تؤمن بها واداء دول جعلت الاسلام شعارا تحاول ان تستر به سوءاتها.
واما كتاب The Crash الذي صدر اثر حرب اكتوبر عام 1973 وقفز اسعار البترول اضعافا مضاعفة من 18 دولار للبرميل الى اكثر من 100 دولار،، تنبأ فيه الكاتب ان هذه الاموال ستكون وبالا على اصحابها اكثر من منفعة. فقد لخص الامر على النحو التالي: ان الشركات الامريكية هي التي ستقوم بعمليات التنقيب، وعمليات الانتاج، وعمليات التسويق، وعملية ادارة واستثمار العوائد المالية في الاقتصاد البنوك الامريكية، وهي التي ستتكفل بعمليات البناء والتعمير، عمليات الصيانة، وعندما تنتهي هذه المرحلة وتتراجع نسبة الانفاق ويرتفع حجم ودائع دول البترول في الخزينة الامريكية، ستخلق امريكا منافسة كبيرة بين هذه الدول في مجال التسلح تمكن الولايات المتحدة من تسييل هذه الودائع لانعاش الاقتصاد الامريكي وبالتدريج تدخل المنطقة في دوامة عنف ونزاعات وحروب معقدة يزدهر فيها سوق السلاح لتدمير ما تم بناؤه وبناء ما سيتم تدميره مرة اخرة وهكذا دواليك الى ان تصرف كل دولة من دول البترول اخر ما تملك من اموال.
وحسب ما تنبأ به الكاتب، والاصح ما اطلع عليها من خطط استراتيجية، ان اول حرب ستشهدها المنطقة ستكون بين ايران والعراق تشارك فيها السعودية تحت حكم الامير سلطان بن عبد العزيز. قرأت هذا الكتاب عام 1978، وفي سبتمبر من 1980 وبدأت الحرب الفعلية بين ايران و العراقي وانضمت اليها كل دول الخليج وما زالت فصولها مستمرة.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.