مجزرة حرقيقو وصمود شعبها

بقلم الأستاذ: ود عد - كاتب وناشط سياسي ارتري

يصادف يوم الرابع من أبريل 2006م الذكرى الواحد والثلاثون للمجزرة التاريخية الأولى لمدينة حرقيقوا

كما يصادف الذكرى التاسع عشر لاستشهاد الزعيم عثمان صالح سبي رائد النضال الإريتري ومدير مدرسة حرقيقوا، وكان آخر يوممن العام الماضي الموافق يوم 31 ديسمبر 2005م يصادف الذكرى الثانية والثلاثون للمجزرة الثانية لحرقيقو وقد نشرمقال في موقع عونا الإريتري بعنوان مذبحة حرقيقوا الثانية للأخ موسى أنصرة، تناول فيه تاريخ حرقيقوا في السلمو الحرب وما قدمته المدينة في سبيل الوطن كغيرها من المدن الإريترية وهذا واجب كل مواطن تجاه وطنه وأرضه المغتصبة.

وهناك ثمة أمور يجب أن نقف عليها ونحن نتذاكر مجازر وأحداث مرت بها حرقيقوا ونقولهاجازمين إن أحداثحرقيقوا قائمة ولا تزال جراحها غائرة ما لم تعد المدينة إلىأحسن مما كانت عليه وهي مسئولية كل من تعنيه المدينة التاريخية الاستراتيجية التي دمرها الاستعمار ولم يعمرها الاستقلال.

منذ انطلاق الثورةالإريترية والحكومة الإثيوبية تريد النيل من حرقيقوا وشعبها باعتبارها المنطلق الرئيسي للثورة الإريترية في المنطقة الشرقية، فكم من أبرياء خطفوا منديارهم في ظلمة الليل ولم يعلم عنهم حتى يومنا هذا وهم فيعداد المفقودين وكم من وجهاء حرقيقوا سجنوا وعذبوا بل منهم من مات في السجن إثر التعذيب أو خرج بعاهة من السجن توفى بعد معاناته من المرض ولن ينسى أهل حرقيقوا وفاة إمام وخطيب المدينة الشيخ محمد خليفة وهو في السبعين من عمره إثر التعذيب الذي لقاه في السجن ضمن مجموعة من رجال حرقيقوا بحجة أن أبناءهم خارجين عن القانون أي في صفوف الثورة، بل هناك الكثير من المعاناة تعرض لها شعب حرقيقوا كالحصار الاقتصادي بمنع التموين الغذائي والتهديد بالقتل والحرق دوماً، وكل هذا لم يحرك ساكناً في شجاعة وبسالة أهل حرقيقو في الدفاع عن الوطن وعلى عكس من ذلك تدفق الشباب إلى صفوف الثوار لم ينقطع والعمل السري داخل المدينة من جمع الاشتراكات وتطبيب الجرحى والمرضى داخل بيوت المواطنين وإخراج المواد الغذائية وكافة مستلزمات الثوار حتى تهريب السلاح كان يسير وفق خطط محكمة لم يستطع العدو كشفها طيلة فترة عقد ونصف من الزمن.

ولكن هناك أخطاء ارتكبها بعض الجنود سواء من الشعبية أو من الجبهة بحق حرقيقوا في المجزرتين وباعتبار أن موقع حرقيقوا حساسو حكومة الدرق دائماً كانت تتصيد لها الأخطاء فللأسف الشديد لم يتنبه أولئك القادة الذين تصرفوا بتصرفات غير مسئولة دفع ثمنها غالياً شعب حرقيقوا، وأسوأها ما قام به قائد سرية من جنود الجبهة كانت مرابطة في المنطقة ويدعى عثمان مبجر حينما استقل انسحاب جنود جيش الدرق الذي كان مرابطاً في حرقيقوا لعمل حراسة دورية أطراف الليل والنهار.

فعندما أصبحت المدينة خالية من الجنود الإثيوبيين نتيجة للانسحاب المفاجئ بدأ القائد الإريتري يدخلها أثناء الليل ويطلب الدعم من أهلها الذين لم يقصروا عن دعمه بما يحتاج من طعام ومال ثم بدأ يدخلها في ضوء النهار بزيه العسكري وسلاحه الكلاشنكوف مع فرقته المكونة من ثمانية إلى عشرة مقاتلين يصول ويجول داخل المدينة وأمام المدرسين الإثيوبيين المتعاقدين مع مدرسة حرقيقو وغيرهم من أبناء التجراي ولا يستبعد أن غالبيتهم كانوا مخبرين، حقاً إنه تصرف غير مسئول بلشطحات قائد مغرور عرضت شعباً كان في الواقع مهدداً من قبل النظام ومتهماً بأنه يأوي الثوار والأدهى والأمر من ذلك حين قيامه بخطف مجموعة السيارات المحملة بمواد الإغاثة والمتجه من مصوع عبرحرقيقوا إلى زولا من أمام المدرسة في ضوء النهار والاتجاه بها إلى منطقة مجهولة وهناك موقف أخرفيه غرابة شديدة وهو إحراق حافلة حرقوت أباي التي كانت تعمل بين حرقيقوا ومصوع بالقرب من المدينة وهوالأمر الذي يؤكد للعدوأن منفذي عملية حرق الحافلة هم أبناء حرقيقوا.

هذه التصرفات من قبل القائد مبجر ومجموعته كانت وراء المجزرة الأولى التي أرتكبها جنود الدرق الفاشي في الرابع من أبريل عام 1975م راح ضحيتها أبرياء من أهل حرقيقوا فاق عددهم الثلاثمائة أغلبهم من الشباب نحسبهم عند الله شهداء.

إن أصعب موقف يواجه الإنسان في حياته عند ما تتحول لحظات فرح يعيشها إلى حزن مفاجئ، لقد كانت حرقيقو فيليلة الرابع من أبريل 1975م تستعد لسهرة عرس عمت المدينة من شمالها إلى جنوبها ومن السمات الاجتماعية لأهل البلدة الكل يشارك في مناسبات الأفراح والأتراح وقليل من يتخلف بل هناك من يأتي منضواحي البلدة نتيجةً للعلاقات التي تربط الأسر في المنطقة ومن السمات الحسنة التي كانت تجرى في ليالي العرس "الدخلة" والمعروفة "مساكم الله" أنيأتي داعية يعظ الحاضرين بموعظة وكان الشيخ محمد آدم إسماعيل الشهيد في المجزرة الثانية كان يتولي تلك المواعظ في حرقيقوا وضواحيها ولكنه لم يكن حاضراً في تلك الليلة فجاء الشهيد الأستاذ بدري وهو أستاذ بمعهد مصوع جاء ليحاضر في الفرح واستشهد في صباح الرابع من ابريل مع جمع من شباب الحي.

وبينما الناس يفرحون ويسمعون المواعظ ويتنقلون بين أهل العريس والعروس حتى أخر الساعات من الليلة يتحرك الجيش الإثيوبي على غير عادته - مشياًعلى الأقدام في الساعات المتأخرة من تلك الليلة متجهاً نحو حرقيقوا وذلك بهدف إغلاق منافذ المدينة لتطويقها ومنع الخروج منها أوالدخول إليها بغية قبض الثوارالمتسللين في ظلام الليل، ولكن قدرة الله كانت أقوى من قدراتهم ومكرهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، وقبل أن يتمكن الجنود المشاة من فرض حصارهم على المدينة يصطدم الجيش ببعض الشباب في البوابة الشمالية الغربية لها، ومنشدة خوفهم يطلقون الرصاص مباشرةً على الشباب ليقتل أربعة منهم ويتنبه سكان المدينة ويبدأ من كان فيها من الجنود والشباب باللجوء إلى الغابات والتلال البعيدة عنها، ومنذ تلك اللحظة لم تتوقف أصوات البنادق والرشاشات وتم تطويق المدينة تماماً براً وبحراً مع استمرار القتل الجماعي والفردي والنهب والسلب حتى الساعة الحادية عشر صباحاً سالت دماء الشرفاء
بعد أداء صلاة الفجر هنا وهناك، منهم من قتل وهو متجه إلى عمله ومنهم من قتل داخل بيته أمام أطفاله ونسائه ومنهم من قتل في سوقه و متجره.

حقاً إنها مأساة سوف تبقى في ذاكرةأبناء حرقيقوا يتذاكرونها أجيالاً بعد أجيال - وما تدري نفس ماذا تكسب غداوما تدري نفسَ بأي أرض تموت - هكذا يتحول الفرح إلى حزن وتتحول المدينة التي كانت مكتظة بالناس إلى مدينة أشباح وخاصةً بعد دفن الشهداء وخروج العائلات إلى الريف المجاور.

وبعد مرور أسبوع من العيش في المناطق المجاورة عانى فيها أهلحرقيقوا الأمرين - فقدان عزيز والتشرد عن المأوىو عدم توفر الأكل والشربوفقدان الأمن - يعود الناس إلى ديرتهم المنكوبة لمواصلة الصمود والتحدي والصبروالمثابرة ومواجهة المجهول.

إن مجزرة حرقيقوا الأولى جلبت الخوف والرعب على المنطقة برمتها الأمر الذي دفع الكثير إلى اللجوء إلى السودان أوالالتحاق بصفوف الثورة وخاصةً الشباب. ومن جانب أخر بدأت الحياة في حرقيقوا رويداً رويداً ترجع إلى طبيعتها وعاد الناس إلى أعمالهم في مصوع وأما غالبية الشباب فقد أصبح بين من غادر إلى السودان والتحق بصفوف الجبهة الشعبية في الساحل الشمالي.

وبدأ الناس يتناسون ويأملون في تحقيق النصر العاجل وكانقد عاد الجنود الإثيوبيين بعد أشهر من الحادثة الأولى إلى حرقيقوا لمواصلة الحراسة الدورية الأمر الذي حد من دخول الثوار إلى المدينة وجلب الاطمئنان بعدم وقوع جريمة أخرى في ظل وجود دوريات الجنود الإثيوبيين ولكن صدق فيهم قول القائل حاميها حراميها - ففي يوم الجمعة الواحد والثلاثون من ديسمبر لعام 1976م الموافق العاشر من شهر الله المحرم (سنة 1377هـ) وفي يوم عاشوراة والناس صائمون تقوم مجموعة من مقاتلي الجبهة الشعبية بضرب خزان وقود في محطة أجيب التي تبعد خمسة كيلوا مترات عن حرقيقوا وتنسحب المجموعة إلى الجبال المجاورة وبعد انتهاء المعركة مباشرةً يتجه جيش مدجج بعتاده وعدته نحو حرقيقوا تساعده الزوارق البحرية وتبدأ الجريمة النكراء في الحادية عشر صباحاً ضد الأبرياء الصائمين وهم يستعدون لأداء صلاة الجمعة مارس فيهم العدو إبادة شاملة من حرق للبيوت والناس بداخلها وقتل النساء والأطفال ودهس الرجال بالدبابات ونهب الممتلكات، وبين عشية وضحاها محيت حرقيقوا من الوجود بسبب خزان وقود فجرته قذيفة مقاتل من الشعبية.

وعلى الرغم من جرائم القتل والدمار والتشريد التي لحقت بحرقيقوا وشعبها في عامي 1975و 1976م إلا أنه لميتراجع عن مواصلة النضال ضد المستعمر بل ضاعف جهده وأبلى بلاءاً حسنا فيحرب التحرير التي خاضها الشعب الإريتري حتىنال استقلاله في 24 مايو 1991 مبكل جدارة واستحقاق. إن هذه البطولات ليست بجديدة على شعب حرقيقوا فقد سجل الآباء والأجداد مواقف مشرفة ضد المستعمرين الذين سبقوا الأنظمة الإثيوبية البائدة.

لقد اعتاد ملوك الحبشة القدامى ومنهم الأكسوميوم أن يغزو شواطئ البحر الأحمر من حين إلى حين وكان أكثر من يتصدى لهم أهل حرقيقوا ولا يزال التاريخ يذكرنا بقصة اختطاف الشيخ علي بن الشيخ عبد القادر حين أخذوه الغزاة من قرية أمبيرمي ومعه بعض من خدمه ورحلوا بهم إلى جبال بيزن في المرتفعات الإريترية، فكان من طاردهم آدم أحمد آدم بيك فارس من أبناء حرقيقوا ومعه مجموعة من الفرسان فهزمهم وحرر الشيخ وعاد به ومن معه إلى مصوع.

وكذلك يذكرنا التاريخ عن انتفاضة أهل حرقيقوا ضد الأتراك العثمانيين واقرءوا عنها إن شئتم في كتاب تاريخ إريتريا للأستاذ حامد تركي وأما موقفهم ضد القائد الانجليزي كوبر الذي توعدهم بالنكايا والتعذيب وقابلوا تهديده بالصبر والدعاء وقراءة القرآن في مساجدهم وقبل الله فيه دعاءهم وأهلكه قبل أن يصل إليهم أسأل الله أن يجعل قوتنا في إيماننا بربنا فكم نحن بحاجة لتلك الإيمانيات لكي نواجه بها الذين يسعون في الأرض الفساد.

لقدكان في حرقيقوا رجال برزوا في ميادين شتى فمنهم من برز في ميدان العلم وتيسيره للناس ومنهم من برز في ميدان الحكم وتطبيق شرع الله وآخرون في ميدان تعليم القرآن الكريم وتحفيظه وفي تعلم العلوم الشرعية والتفقه في الدين ومنهم من تفوق في ميدان القتال والدفاع عن الأرض والعرض وغيرهم كثيرون لا يسع المجال لذكرهم، وفيهم ينبغي أن نقول قول الشاعر:

"قد مات قوم وما ماتت مكارمهمو عاش قوم وهم في الناس أموات ففي ميدان العلم وتيسيره للناس عامةً - يشهد الجميع للباشا صالح أحمد كيكيا - ريادته في العلم، حيث بنى مدرسة حرقيقوا في الأربعينيات وأتبعها بأقسام محو الأمية والتدريب المهني للذين فاتهم قطار العلم في الخمسينيات وأنشأ معهد ديني خصص له داعية يعلم الناس علوم الدين فكان حقيقةً علم من أعلام النهضة في المنطقة، كما بذل جهدا كبيرا في مجال الزراعة في قرية زولا وضواحيها وأعظم عمل قام به هو بناء سد زولا الذي لا يزال يخدم المنطقة وأعمال خيرة كثيرة، ومن أهل حرقيقوا البارزين حاكمها النائب أحمد بن عبدالكريم الذي اتخذ من الشريعة الإسلامية منهاجاً للحكم وكان له مجلس شورى يرجع إليه عند اتخاذ القرارات ومن ابرز مستشاريه من أهل العلم السيد حسن سيد عثماني والقاضي حسن، وفي مجال القرآن الكريم وتعليمه وحفظه نذكر الشيخ إدريس شيخ حامد والشيخ حامد بن الشيخ محمود اللذين علما أبناء حرقيقوا القرآن منذ الصغر وفي ميدان علوم الدين في المدرسة الداعية الشهيد شيخ محمد آدم إسماعيل، وفي القتال والدفاع عن الأرض والعرض الفارس آدم بن أحمد آدم بيك، ومن جيل الثورة من أبناء حرقيقوا رائد النضال الإريتري الزعيم عثمان صالح سبي مدير مدرسة حرقيقوا من كبار القادة التاريخيين في الساحة الإريترية ومن القادة الميدانيين الذين قاتلوا جيش الدرق الفاشي في معارك التحرير:-

• القائد إبراهيم علي عافة
• القائد المرحوم علي سيد عبدالله
• القائد حسن حمد أمير.

شعر صالح عثمان عامر كيكيا - حرقيقو.

كُـبُود عَـلا لَطُـوركي
حرقيقو حِزِلِتْ نضـال
مِنْ لَحًايوتْ و لادكـي
عُنْتُ قَطَحَـتْ ابايْ
أبْ دبابات مَطـيكي
و أبْ بوابير واكْكار
كَرْتَنَـيو مُـدايـكي
و نَسْا مُنْنو لَعِـداي
قَلِ أبْ سكين حَرَدا
و قَلِ مُوتا أبْ دصاصْ
قَلِ دَبابة دعْسَـتتو
و قًَلِ نَـدْدا أبْ اساتْ
تِنانْ قَبْأ عَسْـتَركـي
و مـدرْ زَرا أبْ ادْمـاي
يحُـدودكي تَعَـديـكي
أبْ مكاين و جُمـال
مَرْرار عَلَتْ لا اكِيتْ
رَحُوق أبْكِيتْ و جيران
بَرُور إنتِ و مُـدنْ
بحرْ بِكِـي و ادبـرْ
نُوورْ عَـلا دِقِيكـي
أبْ دين لُقْبَأ و عِلِمْ
رَكـا لأرْزاقاتْكـي
دُبُورْ فاجِلْ و حِرَمْ
كُلْلو إنتِ جَمِعْـيو
تجري 'ساهو' و عفرْ
حُكُوزْ إنتِ تَرْهِـيو
و منْ دي لِجْهِل لِتْعَلَمْ
و دولا طَقَمْ قِنْسَتْكي
قِنْسَتْ حَيَتْ و هُمَمْ
دِما رُفوع راسْـكي
يتحْزَني أم سـمهرْ
ساكُبْ يهَلْلا لسَبْكي
ابْشرْ بلى شَلمْلمْ
يتغسنْ مارباتومْ
اسِكْ داركي لتعمرْ

Top
X

Right Click

No Right Click