العهد الإرتري نحو سلام عادل ومستدام - الباب الرابع

إعداد: مجلس إبراهيم مختار

الباب الرابع - الوضع الراهن وخلفياته التاريخية:

الفصل الأول: بحكم التجارب التاريخية المريرة التي عاشها المسلمون الإرتريون

تحت وطأت التدخلات الإثيوبية المتعاقبة وقمعها، فإنهم يشعرون اليوم بقلق إزاء حالة الجمود الحالية في ا لحرب الحدودية. وعلى الرغم من اثيوبيا قبلت تحكيم المحكمة من حيث المبدأ، فإننا نحث إثيوبيا بالإمتثال لقرار مفوضية التحكيم النهائي والملزم وأن تسمح ببدء علمية ترسيم الحدود فورا وبلا تأخير.

الفصل الثاني: يعبر المسلمون الأرتريون عن إلتزامهم بسياسة حسن الجوار تجاه كل الشعوب المجاورة على اختلاف ثقافاتها وأعراقها وتنوعها الديني، كما يعبرون عن تأكيدهم على السياسات التي من شأنها تعزيز التعايش السلمي في المنطقة وما ورائها.

الفصل الثالث: بالنسبة للطموحات والأحلام المشتركة بين غالبية المسلمين والمسيحيين خلال كافة مراحل النضال التحرري، فإنها لم تتجسد على أرض الواقع نتيجة لمجئ النظام القمعي الذي يتأبط السلطة في البلاد.

الفصل الرابع: إننا نقر بوجود اتجاهين جوهريين يكتنفان الميول السياسية هما:-

1. الميل الشمولي (ليس النظام الشمولي) الذي يروم إلى توسيع الموارد بقدر الإمكان بالتناغم مع مبادء خلق الفرص المتكافئة للجميع دون استثناء.

2. الميل نحو الإقصاء مقرونا بالرغبة في السيطرة وكبح توزيع الموارد أو منح قدر أكبر من السيطرة لمجموعات بعينها، علما بأن الأخير ينطبق على الميل السائد في إرتريا في الوقت الحاضر.

الفصل الخامس: إننا ندرك بأن الهدف النهائي للسلطة هو السيطرة على الموارد. والموادر تصبح غير ملموسة في بعض الأحيان كالحرية والتمكين، وإتاحة الفرصة للمشاركة في اتخاذ القرارات والتعليم، وفي ظروف أخرى تكون الموارد محسوسة كالغذاء والماء والمأوى، إلا أننا نجد اليوم في إرتريا في نظام أسياس وقد أحكمت أقلية عرقية صغيرة سيطرتها على جهاز الدولة وسمحت لنفسها بإحتكار السلطة والموارد العامة مستخدمة هذا الإحتكار وسيلة لإطالة أمد بقائها في السلطة.

الفصل السادس: لا يساورنا أي شك بأن المجتمع الأرتري بكامله يتعرض لقمع دكتاتوري من النوع المدمر،ويظل المسلمون الأرتريون يعملون في داخل إرتريا وخارجها بأمانة مع كل المجموعات المحبة للسلام مساهمين بذالك في النضال العام لتخليص وطنهم من نير الطغيان والإضطهاد، ولكن، المسلمون، كغيرهم من المجتمعات ذات الخصوصية الثقافية والدينية لديهم اهتمامات فريدة وشواغل نوعية تستوجب معالجة منفردة.

الفصل السابع: في الأساس، نموذج الحكم الموجود في إرتريا يسير في نسق مألوف: فالنظام الذي يرفض تسليم السلطة أو تقاسمها، قد عمل على تطوير نسق يهدف إلى الدفاع عن سلطته مما أدي إلى ارتفاع مستوى انتهاكاته لحقوق الإنسان وهذه الإنتهاكات تقود بدورها إلى تعاظم نفور النظام من تقاسم السلطة خوفا من الخضوع للمسائلة بشأن تلك الإنتهاكات.

الفصل الثامن: إننا نعتقد بأن إرتريا ليست بدعا من الدول الإفريقية الأخرى، ويعني ذالك أن بقاء النظام الحالي في سدة الحكم لفترة أطول من الآن سوف يفتح الطريق أمام إرتريا للسير في ركب الدول الإفريقية الأخرى حيث تهيمن مجموعة واحدة الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية في البلاد على حساب المجموعات الأخرى مما يفسح المجال أمام استطالة العنف والنزاعات.

الفصل التاسع: بينما يخوض الإرتريون نضالهم من أجل العيش المشترك في سلام، يجب أن يحظى الفهم السليم للتحديات التي أمامهم من حيث تحديد ماهية العدو الحقيقي بأهمية قصوى، نعتقد بشكل جازم بأن الغالبية العظمى من الأرتريين، المسلمين والمسيحيين على السواء يرغبون في العيش المشترك والعيش في سلام، إذا فمصدر التنافر بين المجتمع يكمن في العصابة الحاكمة في المقام الأول، لأنها مسؤولة بشكل مباشر عن تدهور حالة الإختلالات التاريخية وعوز المساوات في البلاد.

الفصل العاشر: إن الزمرة التي تتمتع بكل الإمتيازات في إرتريا اليوم، ماهي إلا أقلية تتألف في معظمها من رجال مسيحيين من قومية التجرينيا ينحدرون من المرتفعات الأرترية الذين هم في الستينات من أعمارهم الآن، أعدادهم قليلة بحيث لا تتجاور عدة مئات على أقصى التقديرات، تسلقو إلى السلطة من خلال تشكيل جناح طائفي سري داخل تنظيم الجبهة الشعبية(15) مستخدمين وثيقة “نحن وأهدافنا” كمخطط لإختطاف حركة التحرير الوطنية.

الفصل الحادي عشر: تركة الإستعمار: كما هو الحال في أي كفاح ضد الاستعمار في افريقيا، حيث يقوم المستعمر بخلق مجموعة من المحليين ويمنحها الإمتيازات المطلوبة ومن ثم استخلافها لمواصلة الممارسات الإستعمارية، مجموعة تلتمس التميز عن بقية السكان وتمارس الحكم بوسيلة فرق تسد، وتنسب مطالبها السلطوية واحتكارها للإمتيازات إلى نوع من التفوق العرقي، والنظام الحاكم في إرتريا اليوم بفروعه الممتدة التي تتشاجر فيما بينها، ليس استثناءا من هذه القاعدة، فإحساس هذه الزمرة باستحقاقها حكم البلاد وفرض لغتها على بقية السكان مع عدم اعتذارها عن ذالك ينبع من عقيدتها وإيمانها بسيادتها وتفوقها العرقي وسماتها المتميزة التي مكنتها من الجمع بين السلطة والهيمنة، في الواقع، إن الزمرة الحاكمة المتمركزة عرقيا في إرتريا تدين بوجوها للإستعمار الإثيوبي، فهذه الزمرة ما هي إلا نتاج ثانوي للإستعمار الإثيوبي حيث كانت الفئة الوحيدة التي استفادت من وجود الإستعمار بحصولها على كل الإمتيازات من التعليم والتوظيف والمشاركة في السلطة والتمكن من الحصول على موارد الدولة وبالتالي منحت نفسها سلطات أوسع، ومن المؤسف أن هذه الزمرة نجدها تسير على خطى الإستعمار باستخدامها نفس السياسات الطائفية التي استخدمها الإستعمار الإثيوبي.

الفصل الثاني عشر: بعض الأطراف الأرترية تستخدم دستور الجبهة الشعبية كمخطط إضافي لإضفاء الطابع المؤسسي على توقها للسيطرة على السلطة والإمتيازات، علما بأن هذا الدستور وضع دون موافقة غالبية المسلمين الإرتريين وضد رغباتهم، غير أننا نعتقد أن هذه الأطراف لا تمثل غالبية المسيحيين الذين تتعرض حقوقهم المدنية للتجاوزات ويواجهون صعوبات إقتصادية كما أن هذه الأطراف لا تحظى بالإعتراف لدى الغالبية العظمى من المسلمين الذين يواجهون الإضطهاد والإقصاء بحكم الأمر الواقع والتمييز المؤسسي والإستضعاف وتجريدهم من حقوقهم بأسلوب ممنهج.

الفصل الثالث عشر: لسوء الحظ، هناك مجموعة انتهازية مسيحية صغيرة ربطت نفسها برعاية الأجهزة الإستبدادية للنظام من أجل الحصول على المكاسب، وللأسف هناك أيضا مجموعة صغيرة من المسيحيين من الموالين للنظام تتسم بضيق الأفق في الولاء، ويتواجد معظم أفرادها في الدول الغربية، تحاول دعم النظام الإرتري المفترس الذي تتوقف فرص بقائه حيا تحت قبضة رجل واحد، المجموعة الثانية بالذات أحدثت أضرار لا حصر لها بوحدتنا الوطنية من خلال الترويج لحملات الحقد والكراهية والتعصب الأعمى فاقت حتى تلك الأضرار التي سببها حزب أندنت بحملاته الإرهابية التي خاضها ضد شعبنا في أربعينيات القرن الماضي.

الفصل الرابع عشر: التباينات الشاسعة: منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وانتهى الإستعمار الإيطالي لإرتريا وتولت الإدارة العسكرية البريطانية حكم البلاد، وما تبع ذالك من المساومات والترتيبات اللاحقة التي أدت إلى ربط إرتريا بنظام حكم فيدرالي مع الإمبريالية الإثيوبية، منذ ذالك، تعرض المسلمون إلى اضطرابات دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية دمرت الهياكل والبنيات المجتمعية. كما قوضت قدراتهم على الاكتفاء الذاتي ثم جاء دور النظام الإرتري الحالي ليعمل على تقويض تلك القدرات بشكل أعمق بسبب سياساته.

الفصل الخامس عشر: إن التباينات الإجتماعية والإقتصادية الراهنة تعد نتيجة مباشرة لسياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها إثيوبيا ضد سكان المنخفضات الإرترية بحرق المئات من القرى في نهاية ستينات القرن الماضي مما أدى إلى تدمير الهياكل الإجتماعية والإقتصادية و لجوء نصف مليون أرتري إلى الأراضي السودانية.

الفصل السادس عشر: إن تأثيرات التدمير الذي تعرضت له المنخفضات الإرترية لاتزال ماثلة حتى اليوم، وأن التباينات الراهنة ما هي إلا آثار من الخرائب التي خلفها الإستعمار، ندوب من جراح الإستعمار لا ترغب الجبهة الشعبية في مداواتها، إذ لم تقم الجبهة الشعبية بأي تحرك ذا معني ولم تفعل شيئا لإعادة بناء الحياة الإجتماعية والإقتصادية في المنخفضات كما لم تسمح بعودة اللاجئين إلى ديارهم وأرض أجدادهم خلال الثمانية عشر عاما الماضية.

الفصل السابع عشر: تظهر البيانات والإحصائيات كما يعترف كل أرتري منصف بأن المسلمين الأرتريين تتم معاملتهم فوق أرضهم كما لو كانو مواطنين من الدرجة الثانية بالرغم من كونهم شريك أصيل في الوطن، ومنذ إلغاء الترتيبات الفيدرالية من قبل المستعمر الإثيوبي يظل مسلمو أرتريا محرومون من حصتهم المستحقة في السلطة ويعانون من مظالم جسيمة في ظل حكومات متعاقبة لا ترحم، مما أدى إلى تدهور حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، هذه الأوضاع لم يتم تحسينها منذ العام 1991م بسبب سياسات نظام الجبهة الشعبية التي جعلت أوضاع المسلمين الإرتريين أشد مأساوية.

الفصل الثامن عشر: هناك فقط إثنتان من منظمات المجتمع المدني للمسلمين في إرتريا هما (جمعية تحفيظ القرآن التي تقوم بتعليم الأطفال) ولجنة الأوقاف التي تقدم خدمات دفن الموتى، وقد سمح لهاتين المنظمتين بالعمل في البلاد خلال عهد الإستعمار الإيطالي، وبالمقابل هناك العشرات من المنظمات الدينية المسيحية ومنظمات المجتمع المدني العالمية والمحلية تنشط في البلاد. القسم الذي كان ينشط في إدارة العقارات الوقفية في لجنة الأوقاف تم تأميمه من قبل الدولة الإرترية تحت ذريعة العجز عن دفع الضرائب، واستطاعت المؤسسات المسيحية المطالبة بممتلكاتها واستعادتها بفضل تمكنها من جمع الأموال من الخارج بينما المسلمين يمنعون من التمويل أو أي نوع من أنواع المشروعات الإجتماعية والتنموية داخل البلاد.

الفصل التاسع عشر: هناك دلائل كافية على أن نظام الجبهة الشعبية يمارس ما يشبه نظام الفصل العنصري من خلال أجهزته الإجتماعية والإقتصادية التي أنشأها في إريتريا منذ عام 1991 عبر شبكة من أنظمة المحابات و التحكم العرقي

الفصل العشرون: يشكل سكان المرتفعات أغلبية هائلة حتى بين نسبة ال 90% من الإرتريين الذين منحو فرصة الحصول على تعليم فوق ابتدائي، المنح الدراسية للتعليم والتدريب في الخارج، القبول في الكليات المحلية، الوظائف الحكومية،مهمات التكليف السياسي، الإدارة الحكومية، التعيين في البعثات الدبلوماسية، إدارة المشروعات الحكومية، القيادة العسكرية والمدنية، الإدارات الأهلية والوطنية، وبشكل جذري، جهاز الدولة بكامله محصور على فئة عرقية واحدة، وهو بشكله الحالي لا يعكس سمة وطنية ولا يعكس تنوع الشعب الإريتري.

الفصل الحادي والعشرون: إن قائمة المظالم التي يتكبدها المسلمون الإرتريون طويلة ويصعب حصرها هنا، ولكنها تشمل التمييز الديني والتهميش والتعذيب والقتل عبر فرق الموت والإعتقال وإغلاق المدارس الأهلية والمضايقة واضطهاد القيادات الدينية، والتهجير المنظم، والإستيلاءعلى أراضيهم عبر الإستيطان القسري والهيمنة الثقافية والأخلاقية بجانب أمور أخرى.

الفصل الثاني والعشرون: لقد عاش مسلمو إرتريا وهم مخلصون لعقيدة ”اعطني حريتي وإلا امنحني الموت” ومن أجل ذالك تخلو عن أقواتهم وأرزاقهم ومكانتهم الإجتماعية وقراهم وثرواتهم وحتى أرواحهم النفيسة الغالية في سعيهم وراء الحرية والإستقلال. لكنهم عانو موتا كثيرا ولم ينالو حريتهم، وحتى من أبقتهم الموت وجدو أنفسهم محرومون بشكل مفرط بسبب سياسات نظام الجبهة الشعبية داخل وطنهم وفي دول الشتات.

الفصل الثالث والعشرون: طوال تاريخهم المحفوظ في الذاكرة- لم يتمتع المسلمون الإرتريون بسلطة تمنحهم المشاركة على قدم المساوات في تسيير شؤون أمتهم، فقد ظلو يمسكون بطرف العصا القصيرة في كل كافة الشؤون من حيث إتاحة الفرص والحصول على الموارد، كانو، ولا يزالون فئة محرومة.

الفصل الرابع والعشرون: المسلمون الإرتريون هم السباقون في المطالبة باستقلال وحرية بلادهم، وهم السباقون أيضا في التعرف المبكرعلى الطبيعة الإستبدادية لنظام أسياس أفورقي بل هم أول من تصدى له ووقف في وجهه.

الفصل الخامس والعشرون: بطبيعة الحال، لا يعقل أن يحلم المسلمون الإرتريون بتغيير أوضاعهم تحت حكم اسياس أفورقي (بل ربما تسوء أوضاعهم أكثر)، فقط يحدوهم الأمل في عهد ما بعد زوال نظام الجبهة الشعبية، نظام جديد يأملون أن يطل عليهم محملا ببشريات السلام والعدل والديمقراطية.

تـابـعـونـا... في الباب القادم

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click