العهد الإرتري نحو سلام عادل ومستدام - الباب الثالث
إعداد: مجلس إبراهيم مختار
الباب الثالث - الخلفية التاريخية:
الفصل الأول: يرفض المسلمون الإرتريون تزييف التاريخ عن طريق سرد وتفسير الأحداث التاريخية بأثر رجعي،
هذا التزييف الذي استمر دون توقف منذ ظهور تنظيم الجبهة الشعبية بقيادة إسياس افورقي والسياسات التي تم اتباعها منذ استقلال إرتريا،وعلى هذا فإننا نبذل كل ما في وسعنا لتقديم سرد تاريخي وطني للذاكرة الجماعية الإرترية من وجهة نظرنا، وسوف نتصدى لمهمة تقديم التعليل الدقيق للحكايات الوطنية عما رشح خلال السبعين عاما الماضية، ونرجو أن يفضي تعليلنا للأحداث وسردنا للحقيقة إلى نتائج مثمرة نحو الحق والمصالحة التي ندعو إليها.
الفصل الثاني: يدرك المسلمون الإرتريون بأن أول شرخ أصاب جدار النضال الوطني الإرتري ضد الإستعمار الإثيوبي حدث في منطقة بيت جرجس(8) عام 1947م حين سعت إثيوبيا إلى كسب تأييد الكنيسة الأرثذوكسية الإرترية إلى جانبها في مساعيها لدمج إرتريا مستخدمة المال والإرهاب إلى جانب هيمنتها على الكنيسة الأرثذوكسية. وقد وجد المسلمون الأرتريون حينها أنفسهم على مفترق الطرق عندما تعرضوا لضغوط اتسمت بالعدوانية لإجبارهم على قبول تقسيم إرتريا والإلتحاق بإخوانهم وأخواتهم في السودان، إلا أن المسلمين رفضوا الإذعان للمطالب الإثيوبية بتقسيم البلاد، بل واختارو البقاء مع إخوتهم المسيحيين في إرتريا في ظل الوطن الإرتري الموحد الذي لا يعرفون سواه، وذالك من خلال النضال الراسخ الذي خاضوه عن طريق حزبهم التمثيلي حزب الرابطة الإسلامية(9)، وقد تحققت رغبتهم في بقاء الكيان الأرتري الموحد عندما انضمت إليهم أقلية من إخوانهم الإرتريين المسيحيين فقامو سويا بتأسيس كتلة الإستقلال، وقد قبل المسلمون لاحقا فكرة الإتحاد الفيدرالي (المؤقت) مع إثيوبيا ولكن على مضض، إلا أن كفاحهم لتحقيق المساوات بين جميع الإرتريين لم يتوقف بل تواصل من داخل إطار النظام الفيدرالي، إلا أن إثيوبيا انتهكت النظام الفيدرالي أيضا وقامت بضم إرتريا إليها قسرا بمعاونة مناصريها في كتلة الإنضمام “آندنت” الوحدة.
الفصل الثالث: أعلن المسلمون الإرتريون المقيمون بالسودان ”حركة تحرير إرتريا“(10) كأول رد فعل على انتهاك إثيوبيا للتسويات الفيدرالية ودستور الحكم الذاتي الأرتري، ثم أعقب ذالك تأسيس وإعلان ”جبهة التحرير الأرترية“ التي استهلت النضال التحرري بهدف استعادة الحرية والإستقلال.
الفصل الرابع: بعد الضم القسري لإرتريا، استمرت اثيوبيا في استخدامها الكنيسة الأرثذوكسية لإغراء المسيحيين الإرتريين عموما لتأييد مخططاتها الإستعمارية، وللأسف فقد انجذب العديد منهم لإلتهام الطعم الإثيوبي وقامو بتأييد الإعتداءات الإثيوبية لبعض الوقت، ولكن بحلول العام 1970م أخذت أرقام المسيحيين المنضوين تحت راية الحركة الإستقلالية تتزايد باضطراد ومن ثم وقوفهم الراسخ في صف إخوانهم المسلمين في الدعوة إلى الإستقلال، وهكذا سجلو نضالاتهم وبطولاتهم التاريخية المشتركة بجدارة واقتدار في صفحات التاريخ الآمنة.
الفصل الخامس: شهدت فترة النضال التحرري المسلح تلك، ترحيبا بقدوم الأعداد المتزايدة من المسيحيين للإلتحاق بركب المحاربين، مما أدى إلى حماس متجدد في جسم الحركة واقتربت الحركة من أن تصبح أصدق تمثيلا لكافة سكان البلاد
الفصل السادس: لكن ذالك لم يستمر طويلا، حيث واجهت الثورة تحديات جدية ووقعت ضحية لصراعات داخلية ذات طبيعة دينية (في وقت لم تكن الحركة على استعداد لمواجهتها)، حيث اتهمت مجموعة صغيرة من المسيحيين بقيادة أسياس أفورقي القيادة التنظيمية (غالبيتها من المسلمين) بتهمة التمييز والقتل واضطهاد المسيحيين. نحن هنا نعبر عن اعتقادنا بأن ادعاءات القتل بما في ذالك ما اصطلح عليه بمقتل سرية أديس(11) التي استخدمت كفزاعة لحشد تأييد المسيحيين يجب أن تخضع للتحقيق بجانب حالات القتل التي نتجت عن تملص البعض من واجباتهم النضالية والإنضمام إلى العدو الإثيوبي ومن ثم التجسس على مواطنيهم لصالح العدو.
الفصل السابع: قام أسياس أفورقي ( ديكتاتور إرتريا الحالي) بتجميع العناصر التي تتفق معه في الرأي غالبيتها من المسيحيين سكان المرتفعات، عمل أسياس بهدوء على تفقيس حركة عازمة على احتكار السلطة في إرتريا من خلال عصابة طائفية وشوفينية صغيرة تنتمي إلى الهضبة الأرترية “كبسا”، ولم يهدء بال هذه العصابة حتى تمكنت من السيطرة على مجريات النضال واحتكار المقاومة، ونتج عن ذالك تدريجيا الإنقضاض على جبهة التحرير الأرترية(12) بالتآمر مع جبهة تحرير تجراي(13) TPLFالإثيوبية، وهكذا تم إخراج جبهة التحرير الأرترية من ساحة النضال وطردها إلى خارج البلاد.
الفصل الثامن: إن وثيقة “نحن وأهدافنا” التي تقطر حقدا، استخدمت كوسيلة بكائية لحشد كل أنواع الخصومة والتحامل على مسلمي إرتريا، وأن المشاعر المعادية للمسلمين الأرتريين التي نراها متفشية في إرتريا اليوم، هي مشاعر عميقة الجذور ولم تبرز إلى الوجود هكذا بدون محفزات، إن هذه المشاعر المعادية للمسلمين الإرتريين بطريقة وأخرى،و التي لا هوادة فيها حتى في وقتنا الراهن، ما هي إلا ثمار لبذور التعصب التي غرسها أسياس أفورقي وعصابته التي عملت على متابعة ورعاية مشاعر العداء ضد المسلمين وإثارتها إلى مستويات جديدة عالية.
الفصل التاسع: بصرف النظر عن المهاترات الدينية المطولة التي تبثها وثيقة نحن وأهدافنا، إلا أن تخفيف معانات المسيحيين الإرتريين لم تكن في قائمة اهتمامات إسياس أفورقي، حيث أن أعداد المسيحيين الذين قتلهم أسياس بوصفهم بالمنكع(14) (الخفافيش) حينا وبأوصاف مختلفة أخرى أحيانا عبر فرق الموت التي شكلها خصيصا لتصفية كل من وقف في طريق طموحاته الدموية، إن عدد المسيحيين الذين ماتو على يد عصابة أسياس أفوقي يفوق عدد أولئك المسيحيين الذين اتهم إسياس قيادة جبهة التحرير بقتلهم، ويجدر بالذكر أيضا أن عدد الضحايا المسلمين يفوق عدد الضحايا المسيحيين في جبهة التحرير الأرترية.
الفصل العاشر: وكما برهن عبر مجريات حياته الشخصية المسهبة في التلميع، ظل اسياس حبيسا لرغبتين اثنتين لازمتاه طوال حياته، هما:-
أ) الحقد على المسلمين (ويتجلى ذالك في ضغينته الظاهرة ضد المسلمين التي تتبدى بشكل واضح في سطور الوثيقة “نحن وأهدافنا” كما في خطاباته اللاحقة وحملات اعتقالاته ضد المسلمين).
ب) نهم السلطة والتوق نحوها وهي السمة الأساسية الثابتة التي طبعت أسلوبه في القيادة والتي شكلت قوة الدفع وراء قبضته التعسفية المتواصلة على أمتنا.
الفصل الحادي عشر: وفقا لمتطلبات المصداقية التاريخية، علينا التذكير بالأدوار الهدامة التي لعبتها القيادات الإرترية المسلمة في إشعال المعارك بين الأشقاء والتي أزهقت أرواح العديد من المناضلين الأرتريين، وأن حالة السخط التي خلفتها تلك الحروب لاتزال جراحها باقية لم تندمل حتى اليوم ويتبدى ذالك في شكل الإنشقاقات الإقليمية و الإثنية، إننا ندعو جميع الإرتريين الإنصراف عن تلك التجارب التاريخية الهدامة ونسيانها في سجلات التاريخ، ومن ثم المضي قدما في الإعتراف بأن الحرب الأهلية التي حدثت في أوائل سبعينيات القرن الماضي لم تكن سوى نزاع بين المسلمين أنفسهم استغلها إسياس أفورقي لتوطيد سلطته، ويجدر بالملاحظة هنا أن اسياس احتضن العديد من الناشطين السابقين في الأنظمة الإستعمارية الإثيوبية بينما نجد أن المسلمين يظلون أسرى لخلافاتهم السابقة.
الفصل الثاني عشر: و وفقا لمتطلبات المصداقية التاريخية أيضا، يجدر بنا التذكير بأن المسلمين الأرتريين توافدو بأعداد هائلة لتبني واحتضان الحركة الإستقلالية عندما كانت في طور التكوين، مما جعلهم عرضة لإنتقام الآلة العسكرية الإثيوبية التي أطلقت عنان غضبها وشرعت في حملة المذابح الجماعية الفظيعة وإقتلاع المسلمين من أرضهم انتقاما منهم على موفقهم الوطني المشرف، تظهر بشاعة تلك المذابح في السجلات الـتاريخية وفي روايات شهود عيان لا يزالون على قيد الحياة، حيث سادت حملات الإرهاب عديمة الرحمة التي اجتاحت المسلمين واكتسحتهم في القرى والمدن فأهلكت الأرواح ودمرت الممتلكات وكل شيئ في طريقها.
الفصل الثالث عشر: العديد من القرى أبيدت عن بكرة أبيها وسويت بالأرض، كما ارتكبت عمليات ذبح الرجال والنساء والأطفال دون تمييز، وتحولت عمليات النهب والإعتداءات المسلحة والإغتصاب وتنفيذ المذابح الجماعية في مناطق المسلمين تحولت إلى هواية مفضلة للجيش الإثيوبي (بمعاونة ”نلمح إلى ذالك مع عميق أسفنا” الكوماندوس الذين هم في واقع الأمر مسيحيون إرتريون اشتركو مع الإثيوبيين في العدوان على المسلمين) وذالك قبل أن تجتاح فظائع الجيش الإثيوبي البلاد بأسرها.
الفصل الرابع عشر: إن الأثار البعدية لهذا الكابوس التاريخي لا يمكن حصرها في الواقع من حيث كلفتها البشرية في النزوح واللجوء والتشتت العائلي والحرمان من التعليم والمجاعات والتهميش والتي ساهمت بدور كبير في خلق حالة المحرومية الراهنة للمسلمين الأرتريين.
الفصل الخامس عشر: على الرغم من المعانات المستمرة التي يتكبدها المسلمون الأرتريون جراء تداعيات المظالم التي يتعرضون لها، إلا أنهم مصممون على معاودة الكفاح بلا هوادة، ويرفضون بكل إباء، الإستسلام والتخلي عن قضيتهم، ولسوف يواصلون نضالهم من أجل رفاهية بلادهم جنبا إلى جنب مع مواطنيهم الأرتريين.
الفصل السادس عشر: ابتهج المسلمون الأرتريون كما جميع الأرتريين بهزيمة القوات الإثيوبية واستقلال إرتريا عام 1991م، كما شاركو بحماس منقطع النظير وأدلو بأصواتهم في الإستفتاء الذي جرى عام 1993م، حيث قالو نعم للإستقلال مثلهم في ذالك كمثل الغالبية العظمى من أبناء الشعب الأرتري، معتقدين أن الإستقلال الذي أصبح حقيقة بفضل تضحياتهم سيضع حدا للمعانات والتهميش الذي تعرضو له في السابق.
الفصل السابع عشر: غير أن تآمر مسارات الأحداث التي أدت إلى وصول أسياس أفورقي إلى سدة الحكم في البلاد سرعت بتبديد آمال المسلمين الأرتريين وطموحاتهم، حيث بدى واضحا أمام المسلمين أن الإجراءات التي اتخذها إسياس أفورقي بعد استقلال البلاد أوحت بأن العداء القديم الذي يكنه أسياس أفورقي للمسلمين الأرتريين لن يخمد، فقد تحققت أسوء مخاوف المسلمين الإرتريين مباشرة بعد الإستقلال عندما أماط نظام أسياس اللثام عن سلسلة من التدابير الصارمة ضدهم،لقد عانى المسلمون الأرتريون أشد المعانات وتم استفرادهم على أسوء ما يكون الإستفراد (مقارنة بالآخرين) تحت نيران الإستعمار الإثيوبي قديما وتحت نيران دكتاتورية أسياس في الوقت الراهن مما جعلهم أشد ضعفا وأكثر فقرا وأسوء حرمانا.
الفصل الثامن عشر: طوال حقبة النضال التحرري، أخذت صورة إسياس أفورقي ونظامه قسطا وافرا من التحسين والرعاية بمساعدة صحفيين وأكاديميين غربيين، حيث جرت العادة على توصيفه بأنه ”يختلف عن بقية الأفارقة“ إلا أن تلك الصورة النمطية تعرضت للتحطيم بعد الإعتقالات التي جرت عام 2001، يجدربنا التذكيرهنا بوجود حفنة من المواطنيين الغربيين أصابو العلاقات بين المسلمين والمسحيين الأرتريين بضرر بالغ من خلال التنكر في أزياء الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان أشد مما أضرت بها الدعاية الإعلامية للعدو نفسه، ويبدو أن البعض لم يتخلى عن الأوار الهدامة التي لعبها في السابق حتى الآن.
تـابـعـونـا... في الباب القادم
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.