إضاءآت من تاريخ شعب البلو
رسالة الدكتورة: آمال إبراهيم محمد
لم يكن تاريخ شعب البلو في يوم من الأيام مبهماً. فالباحث عن تاريخ شعب البلو
لا يجد العناء في تتبع مراحل تطوره وإسهاماته في الحضارة الإنسانية. أنشاء ممالك قوية حافظت على تاريخ وتراث المنطقة من كل تأثير خارجي وكانت سدا منيعاً أمام الغزو الخارجي والثقافات الوافدة بفضل تضحياته وتفانيه في الحفاظ على أرضه وصيانة حدوده. فكانت جميع القوى الخارجية تعمل له ألف حساب عبر تاريخه الطويل وكان رقماً صعباً في المنطقة فالمهددات كانت دائماً ماثلة أمامه في زمن كان البقاء فيه دائماً للأقوى. ففي حدوده الجنوبية كانت مملكة أكسوم القوية تتربص به فكانوا سداً منيعا أمام أطماعها التوسعية وأمام انتشار المسيحية بصفة خاصة.
أما من الشمال فحدّث ولا حرج، فمصر كانت بوابة الغزاة إذ كل من حكم مصر منذ عهد الفراعنة حتى الفتوحات الإسلامية كانت عيناه على أرض البلو لما فيها من الثروات المعدنية وعلى رأسها الذهب واستمات البلو في الذود عن أرأضيهم تارة بمهاجمة المعتدين وردهم على أعقابهم وتارة بتوقيع الاتفاقيات التي تصون حدودهم وإيقاف العدو عند حدود مصر. فأسوان كانت آخر نقطة لحدود الدولة المصرية عبر تاريخها الطويل في مجاورة مملكة البلو ومن جنوب أسوان تبدأ الحدود الشمالية لمملكة البلو فكل الأتفاقيات التي وقعوها مع حكام مصر كانت تعترف بان حدود مملكة البلو عند أسوان. في سنة 323م وقعت معاهدة بين مملكة البلو والرومان بامر الإمبراطور(ديو فليشيان) وحفظت الوثيقة في هيكل (إيزيس).
أما في عهد الدولة الإسلامية فقد عقدوا معاهدتين الأولى في عهد أمير المؤمنين المأمون بن هارون الرشيد وكانت بين عبد الله بن الجهم والى مصر وملك البلو كنون بن عبد العزيز سنة 216هـ (831م) أقر فيها أمير المؤمنين بإمتداد أراضى كنون بن عبدالعزيز ملك البلو من حدود أسوان بأرض مصر حتى جزر دهلك وباضع (مصوع) أما الثانية فكانت بين ملك البلو على بابا (على لباب) وامير المؤمنين المتوكل في سامراء واعترف له فيها المتوكل بالسيطرة التامة على الطريق مابين مصر ومكة المكرمة وتخليداً لزيارة (علي بابا) للعراق صك المتوكل عملة معدنية يظهر عليها علي بابا وكان تاريخ صك العملة سنة 241هـ.
فالدولة الإسلامية عبر تاريخها الطويل لم تعرف المهادنة، فكل الأراضي كانت تفتحها عنوة بحد السيف وكان الخيار لأهل الأرض إما أن يعتنقوا الإسلام أو دفع الجزية خياران لا ثالث لهما. أما مع مملكة البلو وقعوا معهم معاهدتين وكلا المعاهدتين تنص على عدم الاعتداء وحسن الجوار ولم تتحدث الاتفاقيتان عن الدين ولا نظام الحكم.
ورغم أن الاتفاقية الأولى نقضت من جانب البلو فان الاتفاقية الثانية كما الأولى أكدت سيادة البلو على أراضيهم من صحراء قنا في مصر وحتى مصوع وجزر دهلك وهذا إن دل فأن مايدل على أن الدولة الحاكمه على جانبي البحر الأحمر ترجع الى شعب واحد وهو الشعب العربى فكل من الدولتين كانت دعماً وسنداً للأخرى، وعكس البلاد الأخرى فان الإسلام لم ينتشر فى مملكة البلو نتيجة الفتوحات الإسلامية بل إنتشر بعدله وسماحته عن طريق حركة الأفراد عبر جانبى البحر الأحمر ولان القرآن نزل بلسان عربي مبين أسر قلوب شعب البلو فأمنوا به وحكموا به وعدلوا.
فإذا ألقينا نظرة فى المساحة الجغرافية التى إنتشر فيها البلو وحكموها فعلاً، الجانب الغربى لساحل البحر الأحمر بأكمله من ميناء عيزاب 18 ميلا شمال حلايب وصحراء قِنا إلى إيتارب عند حدود الصومال، ومن جنوب أسوان حتى الرجاف فى جنوب السودان على النيل فالمنطقة الواقعه بين البحر الأحمر ونهر النيل بأكملها هى اراضى مملكة البلو تحدها جنوباً مملكة إكسوم ولم تكن دولة حاكمه فى تلك المنطقة في ذلك الوقت سواء مملكة مروى على النيل التي غزاها عيزا نا (ملك إكسوم سنة 350م) وانتهت على يديه لتنفرد مملكة البلو بالساحة السياسية من البحر إلى النهر.
فمتطلبات الإدارة على هذه الأرض الشاسعة إقتضت إنشاء عدة ممالك لإحكام السيطره عليها كما هو الأقاليم في عهدنا الحاضر وعلى هذا الأساس تكونت ستة ممالك كل مملكة يحكمها ملك يسيّر شؤونها. ودون التطرق للتفاصيل وفى سياق هذه المقدمة ومدخلاً للموضوع الذي انا بصدده لابد من أن أشير إلى اقوى واشهر ثلاث من هذه الممالك فالأولى في الشمال وعاصمتها سواكن وميناؤها عيزاب وهى متاخمة للحدود المصرية ويطلق عليهم بالإضافة إلى البلو إسم الحدارب والثانية ممكلة الدجن وعاصمتها ريرة وميناؤها مصوع ويطلق عليهم بالإضافة إلى البلو الديجيون والحدارب اما الثالثه على النيل فهى مملكة علوة وعاصمتها سوبا ويطلق عليهم بالإضافة إلى البلو والحدارب إسم العنج.
تبدأ الأحداث فى مملكة علوة فهي المملكة الوحيدة التي إعتنق ملكها المسيحية. والمسيحية كانت ديانة الملوك ولم تكن منتشرة بين المواطنين فالشعب فى مملكة علوة كانوا على ديانتهم المحلية من وثنية وكجور ولم ترتبط بالديانات السماوية ولابد من الإشارة فى كيفية إعتناق ملك علوه المسيحية في عمق أراضى البلو فقبل إنتشار الإسلام فى مملكة البلو كان البلو يعبدون الأصنام شأنهم شأن عرب الجزيرة العربية حتى الملك علي بابا عند ماعاد من العراق بعد توقيعه المعاهدة مع أمير المؤمنين المتوكل عاد وهو يحمل صنمه. صنم من حجر على هيئة إنسان.
ففى ذلك الوقت قبل إنتشار الإسلام وصل المبشرون اليعاقبة إلى سوبا عاصمة مملكة علوة بالإتفاق بين ملك نوباتيا وملك البلو فى العصر المسيحي المبكر من منتصف القرن السادس إلى منتصف القرن السابع وهكذا إعتنق ملك علوة النصرانية على مذهب اليعاقبة المصريين وكما هى الديانة فى مملكة نوباتيا على الحدود المصرية وبعد إنتشار الإسلام فى القرن الثالث الهجرى (التاسع ميلادى) وبقيام الممالك الإسلامية فى مملكة البلو صارت المسيحية فى مملكة علوة معزولة ومحاصرة لايصلها المبشرون ففى الشرق مملكة الدجن الإسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية على مدى أكثر من خمسمائة عام ومن الشمال مملكة المقرة فقد تنصرت على مذهب مختلف وهو المذهب الملكانى البيزنطى وعلى هذا صارت معزولة ولم تتمكن المسيحية من الإنتشار بين مواطنيها وإختصرت على ملوك وأمراء العنج.
أما مملكة الدجن فسأكتفى بما ذكره المؤرخون عنها يقول (كراو فورد) أنه وحسب رواية الفارز القرن السادس عشر الميلادى إنه فى نهاية أرض البجا توجد الحبشة على حدودها عرب (مور) يعرفون بإسم البلو وفى سياق وصفة لمنطقة التقراى بيز(القرن السابع عشر ميلاد) أن منطقة تقراى تجاورها مباشرة مملكة كبيرة تسمى الدجن يسكنها عرب سود يطلق عليهم إسم البلو وهؤلاء العرب هم الذين ذكرهم (بيز) بأنهم لايخضعون إلى الحبشة ولكن تجمعم علاقة صداقة ويمدونهم بأجود أنواع الخيول peaz أورد.
ولقد ذكر (كراو فورد) تأكيداً قاطعاً عن إنتاج مملكة الدجن لاجود انواع الخيول وذكر عدة كُتاب فى ازمنه مختلفة إشتهار مملكة الدجن لأجود أنواع الخيول ومن ما يؤكد بأنها حكمت المنطقة لفتره طويلة فالملك عيزانا ملك إكسوم ذكرها فى القرن الرابع الميلاد وشاطر بصيلى ذكرها فى القرن السابع ميلادى وتحدث عنها بن سليم (979-996م) فى القرن الثامن الميلادى وكذلك بن حوقل فى نفس الفترة التاريخية كما ارودها كراو فورد فى كتابة مملكة الفونج فى القرن السابع عشر وإستمرت حتى قيام مملكة الفونج وذكر كراو فورد أن الميدا وضع فى خارطته لعام 1662 مملكة البلو ومملكة الفونج كما ساوى البرتقاليون والأحباش بين مملكة الفونج ومملكة البلو وجعلوهما ندين يصف ويقول فى رأيه لقد لعبت مملكة البلو دوراً كبيراً فى قيام أو تكوين مملكة الفونج ويصف أيضاً ان إمبراطور الحبشة كان مقتنعاً بأن أحفاد البلو سيطلون على العالم وسيكونون فى الطليعة فى وقت ما قبل عام 1744 ميلادى.
وجاءت سنة 1744 ولم يطل البلو على العالم ولم يكونو وفى الطليعة بل إختفوا بشكل غامض ولم يذكر احد من المؤرخين العرب والأجانب هذا الإختفاء بل لم يتجرأ أحد على يذكر أسباب إختفائهم، حتى إنه لم يسأل عنهم أحد وهم الذين حكموا المنطقة لأكثر من ألف وسبعمائة عام، وهذا ما دعاني لأرفع الغطاء عنهم وأضع النقاط على الحروف.
وكما قلت سابقاً تبدأ الأحداث في مملكة علوه فالمسيحية ديانة الملوك لم تتعمق فى المجتمع وصارت شعاراً اكثر منها ديانة وإقتصرت طقوسها على المناسبات. وفى الوقت ذاته صارت مملكة الدجن الإسلامية المجاورة تنشر سماحة الإسلام وعدله خاصة إذا علمنا أن العلاقة بين جميع ممالك البلو كانت علاقة تكامل وتبادل منفعة والتجارة كانت مزدهرة بينها وبالأخص بين مملكة الدجن ومملكة علوة فالعلاقة بينهما كانت علاقة مصاهر وتجارة مزدهرة بين المملكتين من البحر الأحمر وإيثوبيا إلى النيل خاصة فى القرن الخامس عشر عندما تدهورت التجارة البرية من أواسط اسيا إلى البحر المتوسط نتيجة لغزوات التتر. نشطت التجارة عبر البحر الأحمر وإزدهرت بين مملكة الدجن ومملكة علوه وشمالاً عبر النيل إلى البحر المتوسط.
فى ذلك الوقت كانت المساجد تنتشر فى سوبا وعلماء المسلمين يدعون إلى التوحيد وينشرون الدين الحنيف فأكثرية العنج (البلو) فى سوبا كانو ا يدخلون الإسلام عن قناعه وإيمان صادق وعلى رأسهم امراء البلو (العنج) وكثرت حلقات الذكر ومع التقارب الذى حصل بين ملوك الدجن وملوك العنج عبر المصاهرة وسماحة الإسلام كان مقدراً أن تتحد المملكتان ليكونا أكبر ممالك الإسلام وينتشر الإسلام فى أواسط إفريقيا وغربها وبهذا تكون تحققت نبوءة إمبراطور الحبشة ليطل البلو على العالم ويكونوا فى الطليعة.
وهذا التوجه أقلق الوثنية والسحرة وبدأوا يتصدون للإسلام خاصة وأن من إعتنق الإسلام هم العرب البلو (العنج) فتكونت النعرات العرقية وكما يقال الآن عرب وزرقة بدا الصراع بين العرب والزرق أهل المنطقة وإنضمت إليهم مملكة البازين الواقعة بين سوبا وغرب نهر عطبرة كما إنضم إليهم العبدلآب وبيتوا أمرا. وبما أن من سياسة البلو وفى اى منطقة يبسطون فيها سلطتهم كانوا يشركون اهل المنطقة فى إدارة البلد خاصة أعيانهم وذلك عن طريق المصاهرة وبذا تكون لهم مساحة واسعة لإدارة البلد خاصة الأبناء الذين يولدون نتيجة المصاهرة يكونون أمراء ووزراء وقادة فى الجيش حتى يضمنوا ولاءهم للملكة. في ذلك الوقت ومع اشتداد النعرات العرقية كان عماره دنقس قائدأ للجيش في مملكة علوة وتنفيذاً لما أجمعوا عليه أستولى عمارة دنقس على السلطة وبذا رجحت كفت الزرقة على العرب.
وأعلن قيام السلطنة الزرقاء فى عام 1504م ونقل العاصمة من سوبا إلى سنار على النيل الأزرق ورغم هذا تقبلت مملكة الدجن الأمر الواقع وتعاملت مع السلطنة الزرقاء بحسن الجوار وإستمرت التجارة بينهم وتنقل المواطنين بين البلدين. إلا أن السلطنة الزرقاء كانت أهدافها أبعد من الإستيلاء على مملكة علوة وكانت بالمقدرات التى ورثتها من مملكة علوة تعمل لتحقيق أهدافها وتتحين الفرصة لتحتقيق ذلك.
فى ذلك الوقت جاء (نابت) إلى أعمامة فى المتمه يستنجد بهم حتى يثأر لمقتل والده الشيخ ابى القاسم محمد حفيد شاع الدين بن عرمان وتمكن من تكوين جيش من الجعليين وما أن بلغت الأنباء بتكوين هذا الجيش إلى سنار حتى وجدوها فرصة لتحقيق مأربهم.
فأرسلت جيش ضخم تساند بهم الجعليين بقيادة قائد جيش سنار عبد الله جماع وأنضم الجيشان وإتجها شرقاً بعد ان إشترط عبدالله جماع على الجعليين بعد ان ينتصروا على البلو تكون أراضى البلو تابعة للسلطنة الزرقاء وأن يكون ملكها نابت ووافق الجعليون على ذلك وبدأت الحرب وفى الطريق إلى سواكن دمرت مئات القرى وأزهقت الأرواح دافع البلو عن أراضيهم وقاتلوهم بكل ما أوتوا من قوة مرت سنين والحرب مستعره وسنار ترسل أفواج من المقاتلين تلو المقاتلين وإستمرت الحرب دون أن تكون الغلبة لأحد الفرقين حتى توفى عبد الله جماع ليخلفه إبنه عجيب الما نجلك فى قيادة الجيش ويتضح من هذا ان الحرب لم تقم بهذه الشراسة ثأراً للشيخ أبو القاسم إنما كانت للقضاء على مملكة البلو وهو ماخطط له سلفاً وهو امر كانت السلطنة الزرقاء تتحين له الفرص.
لذلك وقاتل عجيب بكل شراسة إلا أنه أدرك بأنه لايمكن أن ينتصر عسكرياً لذا إستخدم الحيلة واعلن أنه جاء ليحرر قبائل البجا من قبضة البلو ووعدهم انه سيملكهم الأرض وتكون لهم السياده على أراضيهم وطلب منهم الإنضمام إليهم ليسقطوا مملكة البلو. وبهذا نقض وعد والده عبد الله جماع لجعليين بأن يكون (نابت) ملكاً على بلاد البجه.
وانضمت إليه جميع قبائل البجاء وعلى راسها الملهيتكناب والأرتيقا وبذا فقد البلو الكثير من مقاتليهم وعندما وجدوا أنفسهم يقاتلون مملكة سنار من أمامهم وقبائل البجا من خلفهم آثروا التخلى عن اراضيهم المكشوفة فى الشمال وإنسحبوا جنوباً إلى مرتفعات حماسين ومصوع على الساحل، وكان إنسحابهم تدريجياً وهم يقاتلون الأعداء.
فى عام 1580 سقطت سواكن بعد عشرة سنوات من وفاة عبدالله جماع وسلمت (للأرتيقا) مكافأة لهم وإستلموا النقارة وطاقية أم قرينات، وإستمرت الحرب جنوبا حتى وصلوا إلى المناطق الجنوبية لخور بركة في عام 1600م ليجد الشيخ نابت أرضاً يحكمها. فى المناطق الجنوبية لخور بركة أقام (نابت) مملكته بإسم مملكة البنى عامر ومن ذلك الوقت فى عام 1600م ظهر إسم ا لبنى عامر، لينسحب البلو بالكامل إلى مرتفعات حماسين بالقرب من اسمرا ويقيموا حضارتهم هناك. ومازالت أثارهم باقية فى صنعفى (وبلو كلو) وهكذا بسطت مملكة الفونج نفوذها على كل المناطق التى تخلى عنها البلو فى الشرق وأقامت كيانات تابعة لها. فالنسلط الأضواء إلى مملكة الدجن واسطة العقد وتاج البلو وفخرهم.
وجدت مملكة الدجن نفسها محاصرة من جميع الجهات من الغرب السلطنة الزقاء ومن الشرق أتباعها من الكيانات الجديدة التى أنشاتها ويدينون بالولاء لسنار. وقد تواردت الأنباء بان مملكة سنار قدمت عروضها لقبائل البجة فى أرض التاكا حاضرة مملكة الدجن. وإستلمت قبائل الحلنقة النقارة وطاقية ام قرينات. وفعلاً عجيب المانجلك كان عجيباً. فكل ما أنفقه هو توزيع الطبول (النقارة) والطواقى. وبهذه الطريقة كسب الأرض والإنسان وإستغل شعوب المنطقة لتحقيق مأربه وتدمير اكبر الممالك العربية والإسلامية وأقام للسلطنة الزرقاء كياناً فضفاضاً وجعل منها رقماً في المنطقة.
بدأت السلطنة الزرقاء تعد العدة والإستعداد للضربة القاضية، حشدت القوات من جميع أرجاء المملكة بل أعلنت بأن إستئصال العنصر البلوى من على وجه الأرض قد اوشك وبثت المغريات وتحفيز المشاركين فى هذه الحرب بإمتلاك الأرض وماعليها، وتحركت قواتها إلى جنوب النيل الأزرق وما حولها وإلى المناطق الإستوائية في أقصى الجنوب.
وتحركت الحشود صوب سنار منهم من أغراه العرض وجاء يلهث خلف الذهب والعاج ومنهم من سيق عنوة. ولأن المعركة ليست كسابقاتها من تغيير ولاءات ومد نفوذ، أنما استئصال البلو من على وجه الأرض وإحلال مجتمعات جديده مكانهم وعلى هذا غادرت قبائل بأكملها مساكنها وإتجهت صوب سنار حيث التجمع الأكبر.
وبحسب تقييم قادة مملكة الدجن قرروا إتباع الحكمة ـ والحكمة ضالة المؤمن ـ قرروا الإنسحاب إلى عمق أراضى الدجن إلى الأراضى الوعرة، بحيث يستطيعون تحديد ساحة المعركة بدلاً من أن يكونوا بين فكى كماشة فى هذه الأرض المنبسطة، وإتجه الجميع شرقاً ومنهم جنوباً بمحاذاة نهر القاش. أخليت ريرة وصفية، وعلى أثرها صارت القرى ترتحل الواحده تلو الأخرى تحت حماية فرسان الدجن. تم كل هذا بهدوء وعلى حسب الخطة الموضوعة، لتتفاجأ السلطنة الزرقاء بهذا الإنسحاب، وبدأت بإعادة ترتيب أوضاعها فإن المعركة ستطول وأن التفوق العددى فى الأرض المكشوفة ليس مثله مثل الأرض الوعرة.
توغل البلو بعيدأ بمحاذاة القاش إختاروا (قراشا) مقر تجمع للقادمين من نهر عطبرة وإتخذوا قراشا عاصمة جديدة لمملكة الدجن. فقراشا أرض منبسطة تسع الجميع يحدها شرقاَ خور قراشا الذى يتجه جنوباً ليصب فى نهر القاش ومن الجنوب نهر القاش الموسمى الذى يمر فى هذه المنطقة من الشرق إلى الغرب ومن الغرب جبل (أونقليت) الذى يجرى عند سفحه خور أونقليت. أرض خصبه ومياه وفيرة. أقاموا مدينة قراشا ومن حولها قرى كثيرة.
تبقت منها الآن واحدة على الأقل محتفظة باسمها وهى (هنكيكلوى) إلى الشمال بمحاذاة (خور قراشا). تجمع فى قراشا البلو من جميع الجهات وتحلقت حولهم بعض القبائل القديمة فى المنطقة مثل (هاش برى ومنعا ورمج). كان البلو فى يقظة تامة ولهذا كان فى صباح كل يوم تسرج الجياد ويعتليها ثمانون فارسا، يتجه اربعون منهم شرقاً بمحاذاة القاش وأربعون يتجهون غرباً ويجتازون جبل أونقلييت يؤمنون المنطقة ويستعرضون قوتهم، ليعقبهم فى اليوم الثانى ثمانون فارسا آخر.
وهكذا لا تشرق الشمس و إلأ قراشا تستعرض قوتها وتبعث بسراياها شرقاً وغرباً. صارت الأنباء تتوالى وأن الحشود غطت الأراضى من سنار إلى التاكا. محاربين مع أسرهم قبائل بأكملها، تزحف شرقاً بدأت طلائع الغزاة تتجه جنوباً بمحاذاة خور القاش. وصارت قراشا ترسل الكتائب لمهاجمة الغزاة وتعويق مسيرتهم. ومع هذا كانت الأنباء الأتية إلى قراشا تؤكد تقدم العدو يومأ بعد آخر. أستعدت قراشا للمواجهة رغم النصح الذى تلقته من القبائل المجاورة التى كانت تعيش فى حماية مملكة الدجن مثل (هاشبرى ورمج ومنعا) - وكلها قبائل إنقرضت ولا أثر لها اليوم - بالإنسحاب الي أراضى المملكة الوعرة فى المرتفعات والغابات، وعدم مواجهة العدو لأن عددهم أكبر من أن يحصى وانهم حتماً سيهيمنون على الأرض، وطلبوا من البلو النجاة بأنفسهم.
إلا أن قادة مملكة الدجن (البلو) قرروا المواجهه وسمحوا للقبائل المجاورة بالأبتعاد، وبالفعل غادرت هذه القبائل أرض قراشا، وكانت تلك الفترة التى غادرت فيها قراشا هى الفترة الأخيرة التى عرفت فيها هذه القبائل بمسمياتها وتلاشت ككيانات.
أما البلو وفى قراشا وبعد أن حسموا أمرهم أقامو معسكرأ ضخماً في وسط جبال هدمدمى على الجهة الجنوبية لنهر القاش بجانب خور قاوا، أقاموا معسكرأ ضخماَ أو فلنقل حظيرة ضخمة يصعب إختراقها من الحيوانات المفترسة ويخترقها خور قاوا وللعلم (فإن خور قاوا وحتى يومنا هذا فى القرن الواحد وعشرين مياه لاتنقطع ففى أشهر الصيف تجرى مياهه جداولاً يشرب منها الإنسان والحيوان). فى هذه الحظيرة نقلوا النساء والأطفال وكبار السن وجميع ثروتهم الحيوانية. فالحيوانات ترعى داخل الحظيرة وتشرب من مياه النهر.
أما باقى أفراد المجتمع من الرجال وكل من هو قادر على حمل السلاح توزعوا إلى كتائب وإتجهوا غرباً وجعلوا جبل أنقليت بينهم وبين مدينتهم قراشا وعند سفح هذا الجبل وعلى الجانب الغربى منه أقاموا معسكرهم وأستعدوا للقتال. وعلى مسافة من معسكرهم هذا بإتجاه الغرب إختارو أرض المعركة وأعدوها للحرب مستفيدين من جغرافية الأرض وعلى يسارهم غابات القاش المتماسكة.
وبخبرتهم القتالية أعدوا ساحة المعركة وكل عرف موقعه، ولم تمض أيام وقد استعدوا لها وإلا وطلائع (القوم) قد توافدت (والقوم) إسم إطلق على هذه الجيوش الجرارة جيوش )السلطنة الزرقاء) وحتى اليوم عندما تذكر تلك الجيوش يطلق لقب القوم عليهم. وأنا من هذه اللحظة ساستعمل لفظ (القوم) على جيوش سنار الغازية. وعلى حين غرة وقعت طلائع القوم فى المصيدة التي أعدت لهم سلفا وتخاطفهم البلو يمنة ويسرة، عملوا فيهم الحراب والسيوف وكان اليوم طويلاً على القوم ولم يتمكنوا فيه من إستيعاب المفاجأة حتى غربت الشمس وحل الظلام وعاد البلو إالى معسكرهم عند سفح جبل أنقليت.
وتراجع القوم إلى الخلف وأقاموا معسكراً مقابل معسكر البلو ليس ببعيد من أرض المعركة المختارة. لتشرق شمس يوم جديد ويأخذ البلو مواقعهم فى أرض المعركة وتبدأ هجمات القوم بإنتظام يميناً ويساراً محاولة إختراق صفوف البلو. وماكان من البلو الذين ربطوا مصيرهم بهذه المعركة معركة الحياة او الموت وبتعبير أدق النصر أو الشهادة ما كان منهم إلا أن أطلقوا شعارهم هدير يتردد صداه فى الوديان والجبال البعيدة.
صوت واحد نغمه واحده تتردد فى أرجاء المعركة (كُوتا كُوتا) هيكوتا هيكوتا ومعناها بلهجة الحدارب أطعن بالحربة كُوتا ومع تكرار الكلمة وإيمعاناً فى الحماس الكل يصيح باعلى صوته هيكوتا، وصارت هيكوتا تتردد فى ارجاء المكان، هيكوتا هيكوتا مدوية تملا ساحة المعركة ويمر الوقت طويلاً ويمر الوقت طويلاً وصفوف البلو تزداد تماسكاً وصلابة وجياد مملكة الدجن المعروفة تصول وتجول فى ارض المعركة تخترق صفوف الأعداء وتعود أدراجها لتهجم من جديد وتغرب الشمس ويعود الفريقان إلى معسكراتهم حاملين قتلاهم ومخلين جرحاهم. وبما أن (القوم) لهم مساحة واسعة إلى الوراء يخلو فيها جرحاهم وقتلاهم فالطريق مفتوح إلى سنار والمدد آت يتوالى رجالاً وعتاداً.
إلا أن البلو المساحة خلفهم كانت ضيقة فقد أسندوا ظهرهم إلى جبل أنقليت، وكان معسكرهم عند سفحه وعند سفحه ايضاً صارت مكان لدفن قتلاهم، فكانت مقبرة قتلا المعركة عند سفح هذا دليلاً صارخاً لشراسة المعركة وهى إلى اليوم باقية شاهد على بطولاتهم.
ليبدا يوم جديد والشمس تشرق كعادتها تعلن بدأ المعركة وتتراص صفوف البلو كل ياخذ موقعه، وياتي جنود القوم يسدون الأفق يزلزلون الأرض بأقدامهم ويقتحمون صفوف البلو، والبلو يتصدون لهم فى ثبات مستفيدين من خبرتهم القتالية ومن تضاريس أرضهم يعرفون متى يهاجموا ومتى يدافعوا، وشعارهم هيكوتا ترددها الوديان والجبال وتستعر المعركة، أقوام يعرفونهم بسحناتهم أنهم الفونج اصواتهم تتعالى وصوت النقارة يتعالى، ليخلفهم فى اليوم التالى أقوام ذوى سمرة داكنة تعرفهم بانهم آتون من الإستوائية ومن جنوب النيل الأزرق، قوميات تتوالى وسحناتهم تتفاوت يتبادلون الصفوف الأمامية أقوام تتقدم واخرى تتأخر، وكلما وفد وفد يسأل من يقابله من أين أتيت يقول من هيكوتا وإذا سئل مصاب أين أصبت يقول فى هيكوتا.
فالقادم آت إلى هيكوتا والعائد عايد من هيكوتا، فوسط غبار المعركة وبريق السيوف صارت الأسماء تتصاعد وتتلاشى فى الفضاء أسماء مثل الدجن والديجيون والبلو والعنج والحدارب وكل الأسماء والألقاب تطايرت مع غبار المعركة وساد المكان إسم هيكوتا وصار البلو يعرفون بإسم هيكوتا، والبلو صاروا يطلقون إسم (القوم) على جيوش السلطنة الزرقاء.
صارت جيوش السلطنة الزرقاء تطلق إسم هيكوتا على البلو وعلى جيوش مملكة الدجن والأسم فرض نفسه فى ارض المعركة. تتوالى الأيام فلا القوم يستطيعون إختراق صفوف هيكوتا ولا هيكوتا تقضى على الغزاة. وصمود هيكوتا الأسطوري جعل من قادة سنار يعيدون حسابتهم فمجرد صمود البلو أى هيكوتا صار يعتبر مهانة للسلطنة الزرقاء بعد كل هذا الحشد والاستعداد لشهور لهذه المعركة.
فكانت المعركة الأخيره فى صباح يوم من أيام المعركة وكالعادة بدا جيش السلطنة بهجوم قوى على مختلف المحاور، وصار الديجيون يتصدون لهم بعنف وشعار هم هيكوتا يتردد صداه فى أرض المعركة ويلاحظ البلو ان القوم الذين أمامهم هم نفس القوم الذين حاربوهم يوم امس والأرهاق بادياً فيهم، وترتفع الشمس والإمداد لا يأتيهم كما فى السابق.
فوجد فيها البلو اللحظة المناسبة للبدء فى الهجوم فطوال أيام الحرب السابقة كانوا فى حالة دفاع والكل متمسك بموقعه. فبدا الفرسان بهجمة شرسة إخترقوا بها صفوف القوم، وكانت للخيل المدربة جيداً العامل الحاسم فى إختراق صفوف القوم ليتعالى شعار هيكوتا فى سماء المعركة، ويتقدم المدافعون بهجوم من جميع الجهات. وماهى إلا لحظات تنكسر شوكة العدو، وتنهار عزيمة القوم وصار الكل يطلب النجاة، منهم من سقط تحت حوافر الخيل ومنهم من لحقته الرماح ومنهم من أسعفته قدماه فخرج من أرض المعركة سالماً.
وكان نصراً مبيناً فقد إقتحم البلو معسكر القوم ونقلوه مع أسلاب المعركة إلى معسكرهم عند سفح جبل أنقليت، وعمت الفرحة أرجاء المكان وبدأ الإحتفال بهذا النصر العظيم. وبعد أن تأكدوا أن هزيمة القوم كانت هزيمة نكراء وبعد أن طاردوهم بالجياد وفرقوا شملهم عاد الجميع إلى معسكرهم فى إنقليت، وأطلقو الجياد ووضع المحاربيين سلاحهم وبدأ الإحتفال بالنصر، وعمت الفرحة الجميع و ذبحت الذبائح منهم من تحلق حول الشواء ومنهم من دخل الغابة وإستراح ومنهم من نزل فى حوض القاش للإستحمام ونشوة النصر عمت المكان ومنهم من عبر القاش جنوباً وإخترق جبال هدمدمى ليزف البشرى للأسر المرتقبة لهذا الأمر.
عمً الهدوء أرجاء المكان الكل يحتفل بالنصر حتى الجرحى هانت عليهم جراحهم وإنخرطوا فى أجواء الفرح بالنصر المبين. زالت الشمس عن كبد السماء. والكل توغل فى غابة القاش ينشد الراحة والإسترخاء بعد هذا العمل المضنى طوال أيام المعركة وكانت إستراحة المحارب المنتصر.
وعلى الجانب الشرقى لجبل أنقليت توشحت أرض قراشا بالسواد. وغطى السواد الأفق أمواج من البشر تزحف بإتجاه أنقليت، وكأنما إفريقيا أتت بقضها وقضيضها أمواج من البشر وماهى إلا لحظات وطلائعها تعتلى جبل أنقليت، وقد احاطت به من كل جانب. بوغتت هيكوتا بهذه الحشود، لم تتم فرحتهم بنصرهم. فكانت السيوف تتهاوى على رقابهم وهم عزل من أستطاع تناول عصاه ومن حمل حجراً يقذف به فى وجه العدو وصار الهرج والمرج فى معسكر هيكوتا. علت الأصوات، تنادى وكلما خرج احد من الغابة يستطلع الأمر وجد الموت أمامه.
بدات المعركة ولكنها من جانب واحد قاتل ومقتول حتى الجرحى أجهز عليهم تنادوا حاولوا ترتيب صفوفهم ولكن هيهات. فالبلوي كان يقابله الإثنان والعشرة فتختفى جثته تحت الأقدام، غابت الشمس وغابت معها شمس الدجن، مئات الألوف من الجثث تناثرت فى الوديان والسهول، مئات بل الملايين إن تحرينا الدقة فنحن نتحدث عن مملكة الدجن أقوى الممالك عبر التاريخ، حضارة سادت لأكثر من ألف وسبعمائة سنة حكموا البلاد فعدلوا سادوا الأمم وكانوا فخر من ينتسب إليهم.
الروم عملت لهم ألف حساب، وجاء الإسلام وتقوى بهم، وكانوا النور الذى أشرق فى شرق إفريقيا وبفضلهم وجدت الضاد متكأ لها على النيل، وبلسانهم إنتشر الإسلام في إفريقيا. ماتوا جميعأ وقوفاً لم يحاول واحد منهم الفرار من إعتلا فرسه قذف به فى أتون المعركة غير المتكافئة، تلقوا الرماح والفؤس والنبال بصدور عاريه، إرتوت الأرض من دمائهم. واشرقت الشمس من جديد على جثث تناثرت فى عشرات الكيلو مترات المربعة.
ذهل الإعداء مما حصل افاقوا من سكرتهم، رائحة الدماء والجثث تزكم الأنوف، ضاقت أنفاسهم من الروائح الكريهة والجثث الملقاة على الأرض، أدخلت الرعب فى نفوسهم لم يجرأوا على مواراتها الثرى فهربوا إتجهوا شرقاً. كانوا من مختلف الإثنيات بعضهم يجهل لغة البعض، ألسن مختلفة جمع بينها القدر، إتفقوا على رأي قادتهم وسياسة ملوكهم، نفذوها بحذافيرها، أقاموا طوقاً حول مكان الجريمة تقاسموأ الأرض فالقبائل النيلية وعلى رأسها مملكة البازين إتجهت شرقا. أقامت قراها فى (قونيا وبارنتو) وبمحاذاة القاش حتى أعاليها تناثرت قراهم فى مئا ت الكيلو مترات المربعة.
أغلقت الطرق المنحدرة تجاه القاش ولا احد يمكنه المرور بهذا الاتجاه. واتجهت قبائل الفونج شمالا وإتخذت من (ساوا) مقراً لها وإنتشرت شرقاً حتى خور بركة وغرباً حتى جبال التاكا وأحكم الطوق من البشر سكنوا. أقاموا قراهم فى أرض خلت من أهلها وطاب لهم المقام أعطتهم الأرض من خيراتها وإزدهرت مدنهم وصارت القوافل القادمة من مصوع تمر ب(ساوا) فى طريقها إلى النيل نظمت الإدارات وصارت سنار تحكم عن طريق أميرها (نابت) والشرق كله دان لها ورثت ارض الدجن وأستوطنها رعاياها.
بقيت جذوة تضيء في أعماق الأدغال في مرتفعات هدمدمي الوعرة حيث الحظيرة الضخمة الصبيه أشتد عودهم تزاوجوا تكاثروا. برزت قيادات بينهم نظمت صفوفهم وفى أعلى جبال هدمدمي، إختاروا بقعة مطلة على القاش اقاموا عليها قريتهم ومن أفنيت بيوتهم يشاهدون أطلال عاصمتهم قراشا و أ نقليت الشاهد الصامت لا يتزحزح من مكانه. أقام فى قريتهم (هدمدمي) جيل بأكمله عاش فيها. هكذا تقول قبورهم. ذاع صيتها وعم ّ إسمها المكان فكانت الأرض والجبال والوديان تسمى بهدمدمى. إنسحب إسمها على المنطقة كلها من الضفة الجنوبية لنهر القاش وإلى ماشاء الله أطلق إسم هدمدمى على الجبال والوديان والسهول وصار القاش يفصل بين هيكوتا وهدمدمى.
وجاء يوم الرحيل شدوا رحالهم وإتجهوا شمالاً، عبر القاش ولأول مرة تطأ أقدامهم أرض قراشا شربوا من ماء قراشا نشدوا الإستقرار وصاروا يتخذون من الزراعة حرفة لهم. أزيلت الغابات وعمرت الأرض، وعلى البعد صارت الأفواه تتهامس هيكوتا عادت من جديد، وفود من قبائل الفونج يممت وجهها شطر قراشا. إستقبلهم البلو فى هيكوتا أكرموا وفودهم طلبوا حسن الجوار فصاروا نعم الجار. تصاهروا ودارت عجلة الحياة من جديد وفى أرض القاش كان للقبائل النيلية رأي آخر أغرتهم الثروة الضخمة فى هيكوتا صارت غاراتهم تتوالى وفى كل غارة يقتلون الرعاة ويعودون ظافرين بقطيع من المواشي.
استمرأوا فعلتهم تمادوا أكثر، نشروا الرعب فى المنطقة. تمسكت هيكوتا بأرضها وصارت فى حالة دفاع عددهم القليل وثروتهم الضخمة اغرت القبائل النيلية وتحديداً مملكة البازين بالمزيد (أختصر وأقول) إنتفضت هيكوتا وأعلنتها حرباً حتى ضيقت عليهم الأرض. طلبوا الأمان وعلى مرأى من الأشهاد تم الصلح وعمّ السلام.
إلى هنا إكتفى فتفاصيل الأحداث من الحساسية بمكان لاتقبل النشر فاحفاد من شاركوا فيها يعيشون بيننا. والهدف من الكتابة فى هذا الموضوع تحقق وهو نهاية مملكة الدجن التى لم يتطرق إليها أحد. فالكتاب والمؤرخون تجاهلوها ووجدت طريقها إلى النسيان وإسم هيكوتا الشهير ارجو أن يكون قد عرف مصدره. وبذا اكون قد وضعت أ صبعى على الجرح.
قال تعالى (أو من ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين) الآية (18) الزخرف
المصادر:-
• المصدر الرئيسى هو الرواية الشفهية التى يتوارثها البلو أباً عن جد. وحكاها أجدادنا لأبائنا ولقنوها لنا وحفظناها عن ظهر قلب. وللتحقق من الأحداث والتواريخ واسماء من شارك فيها والمواقع الجغرافية.
• عند كتابة هذا النص إستعنت بكتاب محمد صالح ضرار، تاريخ شرق السودان، ممالك البجا قبائلها وتاريخها 1412ه - 1992م