إنطفاء شمعة إرتريّة ووفاة الشيخ حسن ســالم فى أوكار النّطام

بقلم الأستاذ: عبدالعزيز عثمان هندى

قال ربّ الكون جلّ وعلى فى ذكره الحكيم (ولنبلوّنّكم بشيئ من الخوف والجوع ونقصِ من الأموال

حسن إبراهيم سـالموالأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين، الّذين إذا أصابتهم مصيبةُ قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون) صدق الله العظيم البقرة الآيات 155-156.

توفي فى صبيحة يوم يوم الأربعاء المنصرم الموافق 24-9-2014 رئيس إدارة أوقاف مدينة (مصوّع) الشّيخ (حسن إبراهيم سـالم) فى معتقلات أسيّاس أفوورقى) إنّا لله وإنّا إليه راجعون..

إنتقل الشّيخ حسن إبراهيم سالم إلى جوار ربّه في مستشفى (سمبل) في العاسمة اسمرا بعد ان نقل اليها من المعتقل بيومين قبل وفاته، عانى الشيخ سبعة أعوام وزاد في معتقلات (أسيّاس أفوورقى) تعذيبا وتنكيلا بلا تهمة وبلا ذنب وﻻ جناية تستحقّ كلّ ما حصل سوى انه قال: ربي الله ثم استقام وسعى جاهدا لبناء وتطوير المعهد الديني في مدينة مصوع الذي كان مشرفاً عليه بحكم مسئوليته في إدارة الأوقاف.

اسباب اعتقال وإخفاء الشّيخ فى غياهب السّجون...

سافر الشيخ حسن سالم في بداية 2007 الى المملكة العربية السعودية لجلب بعد المعونات للمعهد الديني الذى اهمل عمداً من قبل الحكومة، وتشتّت طلا به إثر هجر الأهالى لمدينتهم الجميلة (مصوّع) والضيق والتّضييق الممنهج الّذى مورس على من تبقّى من سكّانها الذين كانوا مصدر تمويل هذه المؤسسة الدينية... وفى هذه الرّحلة إلى بلاد الحرمين لم يخب ظنّ الشّيخ فى أهل (مصوّع) فعندما التقى بالجالية اﻹريترية واخبرهم عن معانات المعهد واحتياجاته. لم يترددوا ولم يبخلوا فقد جادوا بالمال لأنّ اهل مصوع يعرفون دور هذا المعهد العتيق منذ تأسيسه قبل سّتين عاما أو أكثر..، من هذا المعهد تخرج خيرة شباب مصوع ونجحوا في دينهم ودنياهم،منهم من دخل معترك الحياة لكسب قوته في الوطن وفي المهجر ومنهم من شقّ طريقه الى أعلى مراتب العلم بفضل هذه المعهد وجهود هؤﻻء الرعيل من عيون مجتمع مدينة (مصوّع) مثل الشيخ حسن إبراهيم سالم والسيد محمد اليافعي اطال الله في عمره وﻻستاذ الكبير السيد محمد عبده باعلوي رحمت الله عليه.

جمع الشيخ حسن التبرعات فى المملكة السّعوديّة... ولكن العيون الحاقدة التابعة لنطام (أسيّاس) كانت تتابعه وتراقبه وكان يسيل لعابهم لسلب المال الذي جمعه الشيخ وإخفاءه فى أوكار الظّلم عند عودته الى ارض الوطن. الشيخ حسن كان يحس بالمراقبة قبل ان يقوم بهذه العمل التطوعي من قبل المخابرات، ولكنّ أمر تطوير المعهد وتوسيع مهام ادارة اﻷوقاف كان هدفا أسمى ولا رجوع عنه.. كان الشيخ حسن يتوقع عند عودته الى اريتريا ان اﻷمور سوف لن تكون كما كانت قبل سفره الى المملكة العربية السعودية. كان يتوّقع أن يكون هناك تحقيق ومراقبة على ماله الخاص ونشاطاته فيما خصّ ادارة اﻷوقاف وربما قد يزجّ به فى غياهب السّجون ..ونصحه بعض الأقربون بعدم العودة إلى الوطن ليكتفى بإرسال المال الى ادارة اﻷوقاف فى مدينة مصوّع ولكن الشّيخ حمل مسؤليّة كبرى أمام الله والوطن فعاد لمصيره المحتوم والمقدّر وأعتبر الكثيرون ذالك قمّة الشّجاعة والإقدام...

عاد الشيخ الى الوطن ولم يلبس طويلا حتى أختطف من قبل عصابة (اسياس افورقى) المعروفة بحلوا ثورا..لم يعرف اهله عن مكانه وﻻ اسباب إختطافه.. وبعد ايام بطريقة او آخرى استولى الظّلمة على ماله الخاص.. ولم يسمح لأحد من اهله بزيارته يزوره ولم يسمح لأحد كائنا من كان أن يسأل عن أسباب إختفاءه وتلك كانت قمّة المآسسى قهرت القلوب وحبست الدّموع فى المآقى.. مأساة أسرة هى نموزج لمأساة شعب لا يقوى على الكلام.. ساءت حالت اﻷسرة.. زوجته وبناته اﻷربعة ومن جراء هذه الفاجعة مرضت زوجته ولم تستطع مقاومة المرض انتقلت الى رحمة الله وهي بنت اﻷستاذ الجليل والعلامة الكبير اﻷستاذ محمد سيد باعلوى صاحب الباع الكبير في نشر اللغة العربية فى مدينة مصوع واقليم البحر اﻷحمر حيث كان فى عهد الإمبراطور (هيلى سلاسى) وحتّى عهد الـ (درق) بقيادة (منقستو هيلى ماريام) مديراً لمدرسة (طوالوت) ثم مديراً لمدرسة (حطملو) ثم مديراً للمعهد الديني في مدينة مصوع... جزاه الله عنا كل خير ورحمه الله رحمة الأبرار وأنزله منزلة الصّديقين والشّهداء، ومن إحدى المئاسى فى قصّة إختفاء الشّيخ أنّه لم يعلم بوفاة زوجته إﻻ بعد مرور عامين او اكثر من وفاتها وذالك بعد ان عرف اهله مكان سجنه واستعطفوا الحراس لزيارته لتبليغه بنبأ الوفاة لتزداد معاناته داخل السجن سوءا.


ظلت عصابة (اسياس افورقي) تنقل الشيخ من معتقل سئ الى الأسوأ طيلة السبعة سنوات التى قضاها فى المعتقل بلا جريرة ولا جريمة، حتى تدهورت صحته واذدادت سوءا فنقل الى مستشفى "سمبل" وبعد فترة قصيرة سمح لأهله ان يودعوه لأنّه سوف يعود للمعتقل وكان قد قرّر زبانية النّظام نقله هناك ليموت ويدفن بعيدا من أعين النّاس وتكون قضيّته نسيا منسيّا اﻻ ان أهله وبناته قاوموا وجادلوا وبعد مشادات وعراك طويل مع الحراس قبل الظّلمة ليبقى الشّيخ فى المشفى حتّى تتحسّن حالته وفى صبيحة يوم اﻷربعاء 2014.09.24 انتقل الشيخ الى رحمة الله. الى الرفيق اﻷعلى حيث ﻻ إسياس ولا إرهاب ولا معتقلات رحل إلى جنّات الخلد حيث الشهداء والصديقين إن شاءالله. حاول الحراس الظّلمة قتلة الشّرفاء مرة أخر دفنه بعيداً عن اهله واعين الناس.ولكن تدخلت إرادة الله فسمح لإهل الشّهيد الشّيخ حسن إستلام الجثمان الطاهر ليوارى الى مثواه اﻷخير.." قال تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا."صدق الله العظيم. (النساء 69).

الصورة أعلاه سرّبت من السّجن للمرحوم الشّيخ (حسن إبراهيم سالم)....

ولد الشيخ حسن ابراهيم سالم فى مدينة مصوع عام 1943م وترك خلفه أربع من الإناث هنّ كلّ ما وهبه الله من ذرّية...

ينحدر الشيخ من عائلة اشتهرت بالتجارة وخاصّة تجارةالعقارات في إريتريا وخصوصاً فى مدينة مصوع والعاصمة اسمرا كما انها اشتهرت بفعل الخير مثل حفر اﻷبار لسقاية الناس والبهائم (الجمال والحمير) كصدقة جارية. من هذه اﻷبار البئر المعروف" بعيله عد سالم" فى ضاحية مصوّع (حطملو) كما إشتهرت ببناء المساجد مثل المسجد المعروف أيضاً فى مصوع "بمسجد عد سالم" الذي تعلم فيه كثيرون من اطفال مدينه مصوع القرآن الكريم والفقه وانا احد من هؤﻻء الذين تربوا وفتحوا فيه الخط. اشتهرت العائلة أيضاً بصدقاتها للفقراء والمساكين سرا وعلانية.وعندما كانت تأتى وحدات من جبهة التحرير الإريترية فى ستينانيات القرن المنصرم و ﻻحقا (قوات التحرير الشعبية) إلى ضاحية مصوّع (حطملو) كانوا يقصدون متجر عائلة (سالم) للحصول على المؤن والملبس والمال وكان متجرهم متجرا للثوّار فتعرّضت العائلة للتهديد والوعيد وضويقت فى تجارتها من (الكماندوس) فى عهد الملك البائد (هيلى سلاسى) وفى عهد الـ (درق) ولسوء حظّ العائلة وسوء حظّ الشعب الإرترى حتّى النّظام الوطنى الإرترى بقيادة (إسياس افورقى) لم يترك هذه العائلة الخيّرة تنعم بالسّلام بل ما فعله طاغية إرتريا كان الأسوء...

وممّا يجب أن يذكر من حسنات هذه العائلة مسألة إفطار المصلّيين فى (حطملو) ففى هذه الضّاحية كانت تقام صلاة العيدين فى الوادى (محاز حطملو) الذى يتوسّط الحطملتين (شمال وجنوب) وكانت تأتى الجموع للصلاة من الـ (حطملوتين) و(عيلا غول) و(أم كلّو) و(أماترى) وأطراف (عداقا) ومن حضر إلى (حطملو) حينها للتجارة وأغراض أخرى من الضّواحى الأخرى مثل (إمبيرمى) وحينها كانت (عائلة عد سالم) تجلب الخبز لكامل هؤلاء المصلين من مخبزهم الكائن فى وسط المدينة وهكذا هى العائلة بدءا بشيخ العائلة الكبير الشيخ إبراهيم سالم مرورا بإبنه الشيخ محمد إبراهيم سالم واخيرا بإبنه اﻷصغر الشيخ حسن إبراهيم سالم رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح الجنان (آمين)

اللّهم يا الله الهم (آل سالم) الصبر والسلوان وادخل خادم بيوت الرّحمن و فقيد إريتريا جنات الخلد مع الصديقين والشهداء. وإنا لله وإنا اليه راجعون).

Top
X

Right Click

No Right Click