الشيخ الأستاذ هداد كرار محمد
بقلم الأستاذ: حسين رمضان
ندلف اليوم بخاطرتنا إلى رجل كالبحر بلا ساحل في العطاء وكالقمم الشاهقة الشامخة
في الإباء وكالفضاء الواسع في المعرفة والعلم..
رجل عرفناه وسمعنا به حبوباً وودوداً ومتواضعاً كريم السجايا لا تخطئه العين، رجل لا أجد لكلماتي مفردات للتعبير عنه ولا عبارات تحصر فضائله وشمائله فإن تحدثنا عن العلم فله باع كبير ومراس، وإن كان في الخلق فيحرجك توضعه.. رجل داره مفتوح يبذل بالجود ما وسعه إلى ذلك سبيلاً فكم عابر سبيل بات في ضيافته وادخل السرور والسعادة على محزون وقضى حاجة ولهان ملهوف.
وإن تحدثنا في البشاشة وطلاقة الوجه وطيبة النفس فله في ذلك رصيد وافر فعطاءه وترحيبه يسبق لقاءه سيماهم في وجههم.. لذلك تحبه من اول وهلة. وهكذا أناس كأنهم خُلقوا لإسعاد البشر وبذل الخير والمعروف بلا حذر ولا بطر فلا غرو أن احبهم الناس ووقروهم لأن بذلهم وعطاءهم لله لا طمع في فضل الناس واحسانهم.. ولا من أجل الشكر والثناء عليهم. بل هو تعبداً وتقرباً للخالق سبحانه وتعالى فما أجمل وأروع ان يكون عمل العبد بلا مقابل دنيوي ولا من أجل حظوظ النفس من الشهرة والرياء والسمعة.
ضيف خاطرتنا اليوم هو ذلك الرجل القامة وهامة الأستاذ والشيخ الجليل هداد كرار محمد هداد آل ركا - رحمه الله - الرجل الحاضر الغائب رجل المواقف والمعرفة والإحسان والشؤون الاجتماعية والأوقاف بل رجل السياسية والإدارة والثقافة. رجل تحبه للحسن فيه وإذا غاب عنك تشتهيه فانعم به من رجل.
ولنا هنا وقفات يسيرة عن سيرة حياته العطرة ومواقفه الإنسانية والاجتماعية النبيلة، في اطار اسرته الصغيرة ومجتمعه بل في اطار وطنه الكبير، وماهي إلا إضاءات أو إشارات بل غيض من فيض لا ترقى لمستوى ما بذله ضيف خاطرتنا لأهله وشعبه وإذا خضنا في جمائله لاحتجنا إلى حلقات بل مجلدات للغوص فيه ولكن عذرنا كما يقال "ما لا يدرك كله لا يترك جله" فأردت بهذه الخاطرة ذكر شيء للأجيال الحالية كتعريف مبسط في شكل لمحات وومضات عن حياته حتى يقف الأجيال على رجل أسس ومهد لنا الطريق، وأرسى دعائم الوحدة والألفة بيننا لكي ننعم بها جيل بعد جيل، لذا يجب علينا أن نعرف قدر هذا الرجل حتى نسدي له شيء من الجميل وعلى أضعف الأيمان أن ندعو الله له بالرحمة والمغفرة وهذا من أقل الواجبات نحو من كان نوراً يستضاء به ونبراساً يهتدى ويقتدي به.
مولده:
الأستاذ والشيخ هداد كرار محمد من مواليد مدينة كرن عام 1925م وهو من نسل وسلالة أسرة عريقة آل ركا، وينتمي إلى أرض الأجداد والأباء مدينة "بركنتيا" وإن كانت ولادته ونشأته وتربيته ابتداءً في كرن ثم , انتقل في أكثر من مدينة ولكن استقر في العاصمة اسمرا فهو ابن الوطن الكبير بحدوده الجغرافية المترامية الأطراف وانه ابن "قايم، وفزع، وتسأن، و طوقي ثم البلين على عمومهم" فهو خيار من خيار.
نشأته وتعليمه:
نشأ وترعرع ضيفنا الكريم في مدينة كرن وقضى فيها فترة الطفولة ونعومة اظافره، ثم التحق بالمدارس الإيطالية في زمانه وهذا يدل على أنه عاصر الاستعمار الإيطالي في ارتريا كان كثير الاطلاع على العلوم واللغات خاصة الإيطالية بالإضافة للغة الإنجليزية والأمهرية والتغرينية وكان له اهتمام كبير بالتطوير الذاتي في سبيل التحصيل العلمي واكتساب معارف ومهارات جديدة.
اهتماماته:
• يحب القراءة والكتابة ويسعد كثيراً عندما يُهدى إليه كتاب من اصدقاءه من الخارج ويهتم بقراءته والاحتفاظ به.
• له اهتمام شديد باللغة العربية سيما وهي لغة القرآن الكريم ولذا كل ابناءه ادخلهم في مدرسة الجالية العربية التي كانت تدرس المناهج المصرية وبأشراف الحكومية حيث توفر الكتب المدرسين والاحتياجات الأخرى.
• يواظب على حضور المحاضرات والدروس الدينية التي يشرف عليها علماء الأزهر الشريف من مصر وعلماء آخرون.
• كان له اشتراك دوري في مكتبة باحمدون في اسمرة فتأتي إليه المجلات الشهرية على سبيل المثال (مجلة المصور، وروز اليوسف، وآخر ساعة، ومجلة العربي الدولية.. الخ) وجميع أفراد البيت كانوا يتناوبون على قراءة هذه الدوريات بشكل مستمر مما مكن لديهم الثقافية العربية، كما كان متابعاً قراءة إصدارات كبار الكُتاب والمؤلفين مثل الأستاذ محمود العقاد، ونجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس وآخرين من أهل العلم والثقافة.
• يمتلك مكتبة علمية وثقافية تحتوي على مجموعة كبيرة من أمهات الكتب الثقافية والتاريخية والسياسية والاجتماعية.
• شديد الحرص والمواظبة في قراءة القرآن الكريم وختمه مرة واحدة كل شهر علي الأقل ويسعد كثيراً في يوم ختمه للقرآن.
حياته العملية:
• في أول حياته العملية عمل في وظيفة مفتش في مدينة قلوج ثم كركبت ثم انتقل بوظيفة مأمور إلى مدينة نقفة ومنها غادر إلى العاصمة أديس أبابا.
• عمل مترجماً للأمبرطور الاثيوبي هيلي سلاسي في غرب أرتريا مناطق بركة، بعد ذلك عمل مفتش في مديرية سراي عام 1953م وبعد سنة تم نقله مرة أخرى كمفتش لمدينة نقفة.
• عمل مفتشاً في عدي قيح في مديرية آكلي قوزاي ثم نقل في نفس المديرية الي مدينة دقي أمحراي ثم نقل إلى مدينة تسني في غرب ارتريا.
• ومن خلال تجاربه العملية وتفانيه في عمله تم ترقيته إلى مدير شؤون الموظفين في وزارة الداخلية، ثم مدير مكتب وزير الداخلية.
• اختير مديراً لرقابة المطبوعات، ثم مدير عام السجون في ارتريا، إلى أن وصل محافظاً لمديرية الساحل.
• لخبرته التراكمية أصبح عضواً في مجلس الشيوخ في العاصمة أديس أبابا، وكان آخر منصب حكومي تقلده – رحمه الله - هو نائب الحاكم العام للشؤون الإدارية.
من أعماله الخيرية:
• وبعد تقاعده عن عمله الحكومي تم اختياره رئيساً للأوقاف الإرترية.
• له أعمال خيرية وصدقات جارية نسأل الله سبحانه وتعالي ان يجعلها في ميزان حسناته.
• منزله العامر في اسمرا - رحمه الله - كان يضيق بزواره من كثرتهم ويأتون إليه زائرين أو عابري سبيل في سفرياتهم فضلاً عن الذين لهم مراجعات في الجهات الرسمية أو المستشفيات من مختلف مكونات الشعب الارتري.
• كثيراً ما يستشير ويرجع إلى أهل الحل والعقد من أعمامه وأهله وعشيرته في الشؤون العامة والخاصة.
• ويشهد له بأنه كان كثير البر بوالديه وهذا من أسباب التوفيق له في حياته الدنيوية - وإن شاء الله - يسعد في الآخرة..
حب الوطن:
هداد كرار محمد مثل غيره كأي مواطن ارتري كانت تسري في جسده وروحه الوطنية الحقة ولأن ذلك هو الانتماء الحقيقي للوطن.. فكان له تواصله مع مفجري الثورة الارترية بالرغم من أنه موظف حكومي.. فهذا شيء جبلي حب الوطن لا يستطيع الانسان ان ينفك منه، كان - رحمه الله - من ضمن قائمة الذين شاركوا في الاجتماع السري الكبير لحركة تحرير ارتريا في اسمرا. وقد ذكر ذلك الحدث المرحوم المناضل محمد سعيد ناود في كتابه تاريخ حركة التحرير الارترية، وكانت مشاركته مثار تعجب ومفاجأة من وجود شخصية مهمة ومسئول في الدولة بينهم.
ونظراً لقربه من جهات صنع القرار في الحكومة الاثيوبية وكان يحمي ابناء وطنه من اتخاذ القرارات القمعية الظالمة والانتقامية من الشعب الارتري وذلك بالتمويه والمضارات.
وفاته:
انتقل إلى جوار ربه رحمه الله بعد عطاء واسع لأهله ووطنه بتاريخ 2003/5 م في العاصمة اسمرا. اللهم اغفر له وارحمه ووسع مدخله وغسله بالماء والثلج والبرد.. وترك من الذرية ذكور وإناث ونحسبهم على خطى والدهم من بذل الخير والعطاء وحسن الخُلق والفضل.