مناسبتان لابد من الاحتفال بهما وتخليدهما نضال المرأة في النطاق العالمي وفي الاطار الارتري وتخليد معركة تقوربا المجيدة
بقلم الأستاذ: حمد محمد سعيد كلو - ديبلوماسي سابق ومحلل جيوسياسي - لندن المملكة المتحدة
لمحة تاريخية عن اليوم العالمي للمرأة:
يحتفل العالم أجمع يوم 8 مارس من كل عام، وهو يوم المرأة العالمي ويحتفل بها ايضا في الامم المتحدة، تكريما لها، وقررت بلدان عديدة لجعله يوم عيد وطني، واجتماع النساء من جميع القارات واللائي غالبا ما تفصل بينهن الحدود الوطنية والفروق العرقية واللغوية والثقافية والاقتصادية والسياسية للاحتفال بيومهن هذا، انه استعراض تاريخ النضال من اجل المساواة والعدل والسلام والتنمية على امتداد 9 عقود من الزمان تقريبا.
ويوم المراة العالمي هو قصة المرأة العادية صانعة التاريخ، هذه القصة التي يعود اصلها الى نضال المرأة على امتداد القرون من اجل المشاركة في المجتمع على قدم المساواة مع الرجل.
ففي اليونان القديمة قادت (لستراتا) اضرابا ضد الرجال من اجل انهاء الحرب.
وخلال الثورة الفرنسية نظمت نساء باريس الداعيات للحرية والمساواة والاخوة، نظمن مسيرة الى قصر (فرساى) مطالبات بحق المرأة في الاقتراع، وظهرت فكرة يوم المرأة العالمي لاول مرة في بداية القرن الذي شهد خلالها العالم الصناعي توسعا واضطرابات ونموا في السكان.
وفي الولايات المتحدة الامريكية جرت ماسمي ب (مسيرة الجوع) التي انطلقت في الثامن من مارس 1757م والتي لعبت النساء فيها دورا قياديا في محاولة لتغيير واقعهن المعاش، حيث قامت عاملات النسيج في مدينة نيويورك باضراب عام احتجاجا على شروط العمل القاسية والاجور المنخفضة وطول ساعات يوم العمل، وكانت نتيجة هذه المسيرة ان سقطت منهن 250 شهيدة.
وفي عام 1908م عادت النسوة في مدينة نيويورك للتجمهر من جديد حاملات (الخبز والورد) وكان ذلك شعارهن مطالبات بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الاطفال ومنح النساء حق الاقتراع.
شكلت مظاهرات (الخبز والورد) التي اتحدت فيها النساء العاملات مع نساء الطبقة المتوسطة بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة، وهكذا بدأت تظهر بوادر الاحتفال بعيد المرأة استجابة لمطالب محطات نضالية تاريخية كسرت من خلالها كافة قيودها واغلالها وطالبت بحقوقها اسوة بالرجل وناضلت من اجل فرض هذا اليوم كيوم عالمي للمرأة في العالم.
وكانت الاشتراكية الالمانية (كلارا زيتي كين) اول من دعت الى الاحتفال بيوم المرأة العالمي.
في العام 1910م قررت الاشتراكية الدولية المجتمعة في (كوبنهاجن) اعلان يوم للمرأة، يوم يكون ذات طابع عالمي وذلك تشريفا للحركة الداعية لحقوق المرأة وللمساعدة على اعمال حق المرأة في الاقتراع، ووافق المؤتمر الذي شاركت فيه مايزيد على 100 امرأة من 17 بلدا على هذا الاقتراح بالاجماع، وكان من بين النسوة اولى 3 نساء ينتخبن عضوات في البرلمان الفنلندي ولم يحدد المؤتمر تاريخا للاحتفال بيوم المرأة.
وفي 1911م ونتيجة للقرار الذي اتخذه اجتماع كوبهاجن في السنة السابقة تم الاحتفال لاول مرة بيوم المرأة العالمي في 19مارس في كل من المانيا وسويسرا والنمسا حيث شارك مايزيد عن مليون امرأة في الاحتفالات.
وفي عام 1913م الى 1914م وكجزء من حركة السلام التي اخذت في الظهور عشية الحرب العالمية الاولى احتفلت المراة الروسية بيوم المرأة العالمي لاول مرة في اخر يوم احد من شهر فبراير 1913م.
وفي الاماكن الاخرى من اوربا نظمت المرأة في 8 مارس من السنة التالية تجمعات حاشدة للاحتجاج ضد الحرب او للتعبير عن التضامن مع اخواتهن، ومنذ تلك السنوات الاولى اخذ يوم المرأة الدولي بعدا عالميا جديدا بالنسبة للمرأة في البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية على حد سواء، وساعد الحركة النسائية العالمية المتنامية التي عززتها 4 مؤتمرات عالمية عقدتها الامم المتحدة بشأن المرأة، ومساعدة على جعل الاحتفال فرصة لحشد الجهود المتضافرة للمطالبة بحقوق المرأة ومشاركتها في العملية السياسية والاقتصادية.
كان ميثاق الامم المتحدة الذي وقع في سانفرانسيسكو 1945م اول اتفاق دولي يعلن المساواة بين الجنسين كحق اساسي من حقوق الانسان، ومنذ ذلك الوقت ساعدت المنظمة على وضع مجموعة تاريخية من الاستراتيجيات والمعايير والبرامج والاهداف المتفق عليها دوليا بهدف النهوض بوضع المرأة في العالم.
وعلى مر السنين اتخذ عمل الامم المتحدة من اجل النهوض بالمرأة 4 اتجاهات تعزيز التدابير القانونية وحشد الراى العام والعمل الدولي والتدريب والبحث بما في ذلك جمع الاحصاءات المصنفة بحسب نوع الجنس وتقديم المساعدة المباشرة الى المجموعات المحرومة.
التاريخ النضالي للمرأة الارترية:
كما ترعى الام طفلها وهوصغير ناشئ ليقوى عوده ويكبر لبيقى صالحا ويتحمل مسؤلياته في الحياة.
فان المرأة الارترية دون ان تنتظر توجيها من ابيها او زوجها او اخيها تقدمت الصفوف واخذت مكانها اللائق في الثورة الارترية.
تقدمت بغريزتها لحب الوطن وايمانها بعدالة قضيتها. ونحن نتحدث عن نضال المرأة علينا ان نشير الى الدور المجهول لدى البعض والذي لم تتناوله الادبيات، هناك جنديات مجهولات لم يتحدث عنهن من قالوا عن انفسهم مؤرخين او كتاب المذكرات، تلك النسوة في الريف الارتري اللائي كن يغطين حاجة المقاتلين وهم قادمين مرهقين في منتصف النهار واواخر الليل من ماء وطعام وحليب دون رهبة من العدو ودون كلل او ملل يقسمن عيشهن دون مقابل لهؤلاء الثوار بكدهن من الطحين في تلك المطحنة الصخرية باليد، ولايمكن ان ننسى ولايجب ان نغفل دور الفتيات وهن يجلبن الماء من الابار.
في بداية الثورة كان العبئ الاكبر يقع على نساء وفتيات القرى في بركة والقاش، وهن اول من تغنى لابطال الثورة (عبدالكريم مطأ سنى فالو)، وحتى لا ننسى اول من تعنى بالثورة في بدايتها (ود باعيسى) رحمه الله (يومتى سكاب بدا هروسو لتهرقتا)، ثم امتدت الثورة وانتشرت في جميع انحاء ارتريا، فكل نساء القرى الارترية شاركن بسخاء في مد الثوار بالاكل والشرب، نحن نفخر بهن قدمن ذلك بسخاء دون ان ينتظرن اى عائد او مساعدة من الثورة في بدايتها، هذا هو الدور التاريخي للمرأة في الريف الارتري.
وهناك ماجدات من ناضلن في نطاق المدن في المهجر وداخل المدن الارترية بشجاعة لدعم الثورة الارترية.
فاول خلية اسست في يونيو 1963م بمنزل القائد الشهيد عمر حامد ازار بمدينة كسلا السودانية باشراف القائد الشهيد طاهر سالم، وكانت تتكون من المناضلات:-
1. فاطمة محموداى
2. جمع بابور
3. خديجة نور تكروراى زوجة الشهيد عمر ازاز
4. عيشة عثمان
5. وحدو زوجة الشهيد عثمان كربل
6. ستل حامد
7. نسريت كرار
وهي اول خلية اطلق عليها اسم (جبل توتيل)
هذه الخلية كلفت بمهام عمل للقيام بالتعبئة والتاطير في المدن السودانية والارترية، وبالفعل تكونت اول خلية في مدينة اغردات من المناضلات:-
1. زينب محمد موسى
2. ستل صالح
3. زهرة احمد يعقوب (زهرة ربدة)
4. فاطمة ادال (ممرضة)
5. جمع عبدالله حامد
6. امنة باحاج
المناضلات في مدينة كرن:
1. ستل حامد
2. الاستاذة اسيا قاضي موسى
3. امنة قاضي موسى
4. سعدية (حرم صالح برادا)
5. سعدية عثمان
6. فطوم سعيد لحتات
7. زينب محمود
وسميت تلك الخلية ب(الغالية)
يذكر ان خليتي اغردات وكرن تكونتا عام 1964م.
وفي مدينة كسلا كونت الخلية الثانية باسم (التاكا) برئاسة المناضلة زهرة علي كان ذلك في العام 1964م، ثم انتشرت الخلايا لاحقا في كل المدن الارترية والسودان.
وتجدر الاشارة هنا ان للمرأة الارترية في السودان دورا مشهودا في رعاية جرحى حرب التحرير الذين كانوا ياتون للعلاج من الميدان، حيث قمنا بدور جبار في رعايتهم كاعداد الطعام ونظافة مواقع تواجدهم وغسيل الملابس، بالاضافة الى تفقد الجرحى المستمر في مقرات تواجدهم الامر الذي كان له له اثرا طيبا في نفوس الجرحى.
اما نضالها مع شقيقها الرجل في الميدان فاننا نشير الى ان اول مقاتلة التحقت بالميدان كان في المنطقة الثالثة وهى المناضلة جمعة صالح، واول امرأة شاركت في عملية فدائية كانت المناضلة سعدية تسفو، اول شهيدة من النساء هي فاطمة جعفر كرار في العام 1964م بهيكوتا، وثاني شهيدة هي المناضلة الم مسفن والتي استشهدت في العام 1974م مع الشهيدان حسن باشميل وعثمان همد، ثالث شهيدة هى المناضلة سعدية حسن كنتيباي في تسنى في العام 1977م، ثم شهدت الساحة الارترية تدفق مقاتلات كثر.
في المؤتمر الوطني الاول لجبهة التحرير الارترية نوفمبر 1971م اقر المؤتمر الوطني باقامة المنظمات الجماهيرية وكرم المرأة ليكون لها تنظيمها.
عقد المؤتمر التاسيسي للمرأة الارترية باشراف مكتب المنظمات الجماهيرية في يوليو 1974م، واخذت رئيسة الاتحاد العام للمرأة الارترية مكانا مرموقا في القيادة العليا لجبهة التحرير الارترية.
وما يجب ذكره ان المرأة الارترية قاتلت في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا فكانت المقاتلة والقائدة والشهيدة، وان عددهن فاق 10000 مقاتلة عشية التحرير.
معركة تقوربا التاريخية المجيدة:
مع انطلاقة الثورة الارترية في الفاتح من سبتمبر عام 1961م بقيادة القائد الشهيد البطل حامد ادريس عواتى، كان عدد الثوار وهم الطلائع الاول يعد بالاصابع، هذه الطليعة في البدء واجهت قتال شرس، هؤلاء الاشاوس قاتلوا باسلوب حرب العصابات (الكر والفر) ولما التحق بهم عدد لا يستهان به من المناضلين الذين كانوا يخدمون في الجيش السوداني اخذ القتال منحى اخر، فتمازج القتال باسلوب المقاتلين الاول بقيادة الشهيد البطل حامد ادريس عواتي والذين كانوا ماهرين في حرب العصابات مع القادمين من الجيش السوداني والذين خاضوا القتال باسلوب الجيش النظامي اثناء خدمتهم في الجيش السوداني النظامي، تلك التجربتين تلاقحتا فخرج اسلوب قتال يمتزج فيه القتال العصابي والنظامي فاعطى دفعا قويا في المهارات القتالية.
لم يكن القتال في بداية الثورة نزهة بل كان قتال شرس، كان الامبراطور هيلى سلاسى وزبانيته يسعون لوأد الثورة وهى في بدايتها مستغلين قلة عدد الثوار، لكن الثوار كانوا اكثر ثباتا وعنادا وايمانا بعدالة قضيتهم كان صمودهم اسطوري، كان عدد الثوار يزداد يوما بعد يوم، كان القتال في تلك الفترة يدور مع الشرطة الارترية ومليشيات جندها النظام الاثيوبي لمحاصرت الثورة الارترية.
كان الشعب الارتري يتابع ويتعايش ويتفاعل مع مسيرة الثوار، كان الشعب عين الثورة وحاضنها وراعيها خاصة في البدء في ريف بركا والقاش ثم لاحقا كل ابناء الشعب الارتري، كانت القرى تتكفل بالمأكل والمشرب وكل المدن الارترية تدعم بالمال والدواء والملبس ما امكن ذلك. كانت الشرطة الارترية والمليشيات في كل قتالها مع الثوار تتكبد خسائر فادحة، وكان الجيش الاثيوبي المرابط في المدن الارترية يسخر من هزائم الشرطة والمليشيات، وكان يقول كبار قادته كيف يحدث هذا من جماعات هم في النهاية (شفتا) وتعني قاطعي طريق وتتهكم على الشرطة والمليشيات.
كان الكولونيل (كبدى) يهدر ويتنبر ويقول ان هذه العصابات سيأتي بها وهي مكبلة بالحبال. وبالفعل حشد جيشه واتجه الى (هيكوتا)، ومنها اتجه شمالا الى ساوا، كان ذلك في 15 مارس 1964م وكان يوما مشهودا.
جاء الثوار من مكان بعيد في منتصف نهار 15 مارس 1964م وكان يغلب عليهم العطش، وشكلوا بالقرب من بئر تابع لقرية (ابحشيلا)، واستعدت لجنة القرية لاعداد الماء والاكل، كان المقاتلوان الثوار بقيادة لشهيد البطل (محمد على ابورجيلة).
وقبل ان يتلقى الثوار الماء هجم الجيش الاثيوبي وهم يتنبرون ويتفاخرون حاملين معهم حبالا لتكبيل الثوار.
حين شعر الثوار بتقدم الجيش الاثيوبي انسحبو الى جبل (تقوربا) شمالا. وقرية (ابحشيلا) تنام في حضن ذاك الجبل. كان عدد كبير من الثوار مسلحا وعدد قليل جدا من الكولى) والكولى تعني الغير مسلحين والذين ينتظرون الغنائم لحمل السلاح.
الثوار انسحبوا بعطشهم وجوعهم سوى الايمان الذي يحملونه في دواخلهم.
بدأت المعركة في منتصف نهار 15 مارس 1964م وانتهت مع غروب الشمس. ومع نهاية المعركة بدأ الكولونيل (كبدى) بتفقد جيشه، فهاله ما رأى وبدأ يهيل التراب على رأسه وقال بصوت عالي فيه البكاء انا لا اقاتل قطاع طريق بل اقاتل جيش نظامي، كان قتلى الجيش الاثيوبي يتجاوز ال70 قتيلا ولم يذكر عدد الجرحى، اما جانب الثوار فكان عدد الشهداء 18 شهيدا الثامن عشر استشهد نتيجة للعطش والظمأ القاتل.
مدلولات معركة تقوربا هذا الجبل الذي شرف بهذه المعركة وكانت تلك المعركة هى معركة فاصلة بين مرحلتين، بين قتال كان يدور مع الشرطة والمليشيات وقتال دار مع الجيش الاثيوبي الغازي والذي كان يعتقد الامبراطور هيلى سلاسى وعبر هذا الجيش انه قادر الهيمنة على ارتريا وبالتالي قادر على ردع ووأد اى تحرك يقاوم الاحتلال الاثيوبي، والمدلول الثاني كان انعكاس هذا النصر على الشعب الارتري والذي اكد بما لايدع مجالا للشك بان هذه الثورة صامدة وباقية ولن تهزم والدليل على ذلك اندفاع الشباب للقتال باعداد كبيرة، ويقين اثيوبي انهم امام شيئ لايستهان به. كانت معركة تقوربا نقلة نوعية في اسلوب المواجهة والقتال.