أيام لاتنسى من ذكريات المناضل محمد علي إدريس ابو رجيلا - الحلقة الرابعة والعشرون

إعداد: جبهة التحرير الإرترية

ضياع كسب سنوات العمر والمعاناة والشقاء الطويل: بعد شهر قضيته في ساوا وصلت الى مدينة كسلا الحدودية السودانية محمدعلي إدريس أبو رجيلةالتي كانت معقلاً من معاقل الثورة وإستراحة كبيرة لأبناء شعبنا وثورتنا، وكان شعبها إمتدادا طبيعياً لأهلنا وخاصة في غرب إرتريا من حيث التركيب والأصول وحتى العوائل السودانية كانت لها عوائلها القادمة من إرتريا آل شنان وآل الخير عبد الوهاب آل رحمة وآل خلف الله الرشيد وآل طلب وآل دج وآل كرم الله وآل إحيمر وآل أزرق وأهلنا البني عامر آل دقلل وآل محمدهمد وآل أركا وآل إدريس الحسن وآل الشيخ أنويري في مكرام وآل محقر والأشراف وآل شكيلاي من الحلنقة وعلى رأس كل هؤلاء جميعاً السيدان الحسن المرغني والشيخ على بيتاي وكانت بيوت الختمية وحلة جديد وأبو خمسة والمرغنية والسوريبة والسواقي والثورة والمربعات وحي العمال والبرنو وغالب بيوت حامية كسلا وبيوت ضباطها وضباط صفها مفتوحة أمامنا وهذا الواقع قد أفادنا في لحظات المطاردات والتضييق حيث كنا نذوب بين سكانها وبيوتها التي كان لنا فيها أهل وأصدقاء وأعضاء شرفاء كانوا يخوضون معنا المغامرات ويتحدون الصعوبات ويتحملون العقوبات ويمدون من قوت أبنائهم معركة تحرير إرتريا من الاستعمار الأثيوبي الالحاقي منذ إنطلاقة ثورة جبهة التحرير الارترية كما كانوا يمدون مناضلينا وعوائلنا بالطعام والكساء، جئت إليها هذه المرة ولكن لم تكن كسلا كما كانت في سابق عهدها، كانت كسلا بركاناً يفور من الغضب والسخط ومن الأسف والحزن الذي تعاظم عندما شاهد أهلها ومواطنينا فيها أسلحة جيش التحرير الارتري وشاحناته وهي تصادرمن قبل السلطات التي فاجأها هذه التدفق الضخم على حدود بلادها، وهذه الفوضى المسلحة التي لاتقبل بها أية دولة تحترم نفسها وكان شعوري الداخلي أن هنالك تواطؤ كبير على جبهة التحرير الارترية تداخلت فيه العوامل الداخلية والاقليمية والدولية وكسب أيدينا ولم تكن معركة حلف الشعبية وياني تجراي سوى حلقة صغيرة في هذا الطريق وكان إسهام أبناء الجبهة بتفتتهم العامل الأكثر حسماً في تلك المعركة الضخمة وهذا الشعور لم يبارح ذاكرتي أبداً، كان جيش التحرير ومناضلي الجبهة يدخلون المدينة بزيهم الرسمي الجنود الأطفال الصبايا الجرحى المعاقين كانت مسيرة حزينة تمزق النفس والعقل والقلب معاً، كانوا يدخلون من مختلف الاتجاهات وحتي خصوم الجبهة العقلاء فاجأهم هذا الأمروإن مارس البعض الشماتة، في هذه الأجواء وصلت لمدينة كسلا وفي هذه الاجواء دخلت على أبنائي الدار، كان أهلي ينظرون الى وأنا ألاحظ في العيون أسئلة كثيرة هكذا خيل إلي، دخلت وكان معي ثلة من المناضلين ونمت نوم من لايرغب في أن يصحو مرة أخرى أبداً، قمت بعد ساعات على صوت إبني الكبير صلاح وهو ممسك برجل السرير وهو ينظر الي ولايتحدث وهذا طبعه في التعبير عن نفسه، وحتى هذه النظرة البريئة أخذت أفسرها في دواخلي على أنها أسئلة أيضاً أسئلة عن موضوع لا أرغب في الحديث حوله أبداً، قمنا قدمت لنا الأسرة الطعام والجبنة وكنا نأكل ولم يتحدث أحد للآخر نأكل بلا روح أو تذوق للطعام أنهينا كل شيئ وعدنا كل الى سريره، خرجت في الصباح وعلمت عن أحوال جيش التحرير الارتري الذي بقى في كركون وتهداي وأنه أجبر على تسليم سلاحه للسلطات السودانية كانت أعداداً كبيرة من المناضلين معنوياتهم دون الصفر وروحهم في أسوأ درجاتها علاقاتهم ممزقة كانت لحظات قاسية عدت الى داري وفي المساء جأني أحد الأخوة المناضلين لاأذكر إسمه وأخبرني عن أن هنالك قوة بكامل عتادها في شمال غرب إرتريا على مشارف خور بركة ليست بعيدة عن برجاجوت وهي تعاني من الإهمال والتجويع وربما الدفع للإستسلام، كان هذا الخبر من أسعد الأخبار التي سمعت في حياتي لم أستطع البقاء خرجت وسرت في الشارع وأنا لاأعي الى أين أذهب، عترت بحجر صغير فنبهني هذا الأمر أين أنا عدت أدراجي كانت تلك الليلة أطول ليلة في حياتي، كنت أتخيل أن الصباح لن يأتي أبداً أخيراً نمت لاأدري لكم من الوقت ولكن صحوت على صوت أطفالي وأمهم ومعهم قهوة الصباح إتجهت الى برميل الماء، وأخذت جردل ماء وإستحممت وشربت القهوة ثم خرجت من البيت على وجه السرعة وأنا لاهم لي إلا تلك القوة التي أبقت على جذوة الأمل أمل إستمرار جبهة التحرير الارترية بعد أيام وصل لطرفنا أخي صالح أبوبكر قادماً من الشمال حيث القوة التي أبقت على السلاح ولم تستسلم حكي لي قصة المعاناة والمخاطر الكبيرة التي واجهوها وكيف كانت المطاردة وكيف كان قرارهم بمواجهة كل شيئ بما فيه خوض المعركة نفسها إذ فرض عليهم خيار الاستسلام وأخيراً وصلوا الى مشارف بركة وتركهم مطاردي الجيش السوداني بعد أن إقتنعوا بأننا خارج حدودهم كانت قصة حزينة ومؤلمة ولكنها مليئة بالدروس والعبر والفخروالاعتزاز بعزيمة رجالنا على مواجهة المخاطر، كانت أجواء الجبهة في المدينة في أسوأ لحظات تاريخها خلافات وتأويلات وشكوك وتمزق لم يسبق له مثيل كان الكوادر منقسمين أراء وإتجاهات على أشلاء كسب عمرنا نحن رعيل الثورة، لم يخجل هؤلاء الكوادار وكانوا يتناقشون بحدة وتعصب سافر كل لفكرته يريد نصرها كيفما كان لم يتركوا شيئاً لم يستخدموه في سبيل دعم آرائهم ومواقفهم هنا وهناك، تشتتوا بعد أن طرحوا جسد الجبهة أشلاءاً على الحدود السودانية الشرقية، تشتتوا بعد أن ضيعوا وبددوا ماكان في أيديهم، الإنقسام كان حاداً وكان كل ينتصر لفكرته بالحق وبالباطل يستخدم كل شيئ الكذب التلفيق القبلية الطائفية الفروق الثقافية ويستغل حتى الجهل أو الانجذاب، في هذه الأجواء التي بلغت فيها أزمة الثقة ذروتها في وقت راحت فيها جموع واسعة من مناضلي جيش التحرير الارتري الى كل أرجاء الأرض من أوروبا وأميركا وأستراليا والشرق الأوسط والى كل أرياف و بلدات ومدن السودان، في وقت راح من ساحة القتال ألوف الفرسان الذين سقوا أيام النضال والبطولات الارترية بأعز الأوقات والجهود التي يملكون، راح من دفعوا قضية شعبنا الى الأمام وكان هدراً كبيراً أصاب جبهة التحرير الارترية في مقتل بل أصاب الساحة والوطن الارتري، ولكن جبهة التحرير الارترية كمشروع وطني إرتري كبير نسجه كل الأبطال والأجيال ومختلف مكونات المجتمع الارتري وعلى مدي عقود الثورة ظل حلمهم ومشروعهم الذي يعرضونه ويتمسكون به كلما سطى على صدر شعبنا ظالم أينما كانوا لأنه المشروع الارتري الأكثر نقاءاً أومعقولية وكانت ممارسة أبناء الجبهة الأقرب للمثال، في هذه الأجواء المحفوفة بأزمة الثقة والمشاعر المتضاربة والآراء المتباينة دعت قيادة الجبهة لسمنار في الشمال ذهبنا لذلك السمنار وكلنا أمل في إستعادة جبهة التحرير لنفسها ولأبنائها أو لغالب الأبناء مكثنا في تلك البقعة ونحن لانعرف ماذا يدور أكثر من شهر، شهر من النقاشات العقيمة التي ليس لها أول ولاآخر، وكنا نحن كرعيل في خيمة واحدة وكنا نحاول أن نفهم ماذا يحدث لماذا يتكدس الناس ؟ وماذا ينتظرون ؟ ولكن لم نكن نجد من يرد عليناأو يوصلنا لقناعة كافية لتقبل ما يحدث ويبدو أن الجميع لم يك يرغبون في شرح الأمور لنا علمنا من باب الصدفة أن هنالك نزاع حول مسألة تسليح المناضلين في كركون وتهداي قال لنا من يؤيد الفكرة أنها ضرورية لتعزيز الثقة ثم قال لنا من يعارض الفكرة أنها قميص عثمان فمادمنا نحن جيش تحرير واحد فلماذا هذه المشكلة أصلاً أخيراً قيل لنا حلت المعضلة وتوافق الناس لتقديم أسلحة ثم علمنا أن هذا المقترح الوسط قد رفض من قبل المعنيين والمطالبين بالتسليح ونحن في هذا الأخذ والرد حدثت حركة 25 / مارس وحسمت الأمر وأنهت الجدل العقيم وأستشهد في تبادل النار المناضل ملأكي تخلي الرئيس السابق لمكتب الأمن في اللجنة التنفيذية وكان فقداً مؤسفاً، وأصبح مقتله كقميص عثمان، شكلت قيادة جديدة بعد جمع المجلس الثوري وجرى إعتقال لثلة من قيادة الجبهة في اللجنة التنفيذية السابقة والمجلس وبعض الكادر، لم يتجاوز عددهم أصابع اليد وتم التحفظ عليهم ولكن تم أطلاق سراحهم فيما بعد شهور تقريباً، ولكن الانقسام بين أبناء الجبهة إستمر وإنقسمت لثلاث تيارات وكان الانقسام واضحاً قبل الانتفاضة وهو من بين الأسباب التي دفعت الجبهة للإنهيارحاولنا قصارى جهدنا منع ذلك ولكننا لم نتمكن فعملنا مع من رفع البندقية وإتجهنا للشمال ورفد جيش التحرير هناك ودخلنا بعدها في مرحلة جديدة وكان لإغتيال الشهيد تمساح بتلك الطريقة البشعة في القاش أثره في المواقف وتمساح كان من المناضلين المحبوبين أوساط المناضلين والجماهير ولم يكن شخصية خلافية أبداً.

تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة

Top
X

Right Click

No Right Click