منعطفات ارترية وعشم ابليس في سرية أديس - الحلقة الخامسة

بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب ومؤرخ إرتري، المملكة المتّحدة

فى الحلقة الماضية مررنا مرور الكرام على بعض الأحداث المرتبطة بالجاسوسية والتخابر

وصور من صور الصّراع بين الثّورة والعدوّ الإثيوبى.. مستندا على جزء مهم من شعبنا وشبابنا وغالبيتهم من المرتفعات الإرترية - المسيحيّة فى هذه الحلقة أواصل ما سجّلته من أحداث فى هذا الصّياغ، فقط لعلّه عسى ولعلّ يساعد على كشف المستور من موضوع (سريّة أدّيس).

إذا قصدنا تدوين قصص التّخابر والجاسوسيّة والعمالة لإثيوبيا منذ البدايات، هى نصف تأريخ الثّورة الإرترية تقريبا، وتحتاج إلى مجلّدات وسنينا من الزّمن لتدوينها وتوثيقها، ولكنّى أأحذ نمازجا وعشوائيا جدّا بدْءا من العمالة الفردية الرّخيصة إلى التأييد الأعمى لحزب (الأندنّت) وبالتالى التخابر لصالحه وضدّ أعضاء ونشطاء معسكر الإستقلال (الكتلة الإستقلالية) ومن ثمّ الإنضواء فى مليشيات فى المرتفعات (باندا - نطى لبّـاس) وقرى شبه كاملة مسلّحة لمحاربة الثورة والثوار للإستدلال يمكننا العودة إلى هذه القصّة والتى كتبها و رواها (عبدالقادر حمدان) فى جريدة (صوت إرتريا) يقول السيّد (عبدالقادر حمدان) فى مقاله:

فى معركة (طعدا عدى) فى إقليم (سراىّ) تظاهر سكان القرية بتعاطفهم مع الثّورة حيث قدّمو الطّعـام والماء لفصيلة كان يقودها المناضل (كرّار عثمان) وأكّدو للجنود بسلامة المنطقة وتعاطف سكانها.. ولكن عندما حلّ الظلام أخرج سكّـان القرية أسلحتهم وحاصرو الجنود من كلّ صوب وقتلو 27 مقاتلا من أصل 35.. ولم يفلح الجنود فى فتح ثقرة تمكّنهم من ترك مواقعهم المحصّنة حتى آخر طلقة.. وسارعت المجموعة التى تمكّنت من النجاة من ذالك الحصار المحكّم أن تأتى بنجدة لتفقّد ما حدث بجثث الشّهداء فى تلك المنطقة المشؤومة… وحضرت كافة الفصائل الموجودة فى المنطقة إلى مكان الحادثة وإتّضح بأن جميع من إستشهدوا فى تلك القرية تمّ دفنهم فى قبر جماعى كبير) إنتهى. (1)

هذا العمل الإجرامى كان ينفّذ بكثرة فى مناطق المرتفعات ولكن أيضا كانت توجد بعضا من مظاهره فى القاش وبصورة أقل فى منطقة (سنحيت) وبركا، ولكن إستفحل الأمر وزاد منسوب عدم الثقة بين الهضبة المسيحية والثورة عندما بدأت حروب الإبادة الجارفة والطاحنة التى مارسها الـ (كوماندوس) ذوى التدريب الإسرئيلى وفى معسكرهم الرّئيسى فى منطقة (دقّى أمحرى) وعلى بعد 20 كيلو مترا شرقا من العاصمة أسمرا، وكلّ هذه الأحداث تقرّب الصّورة الّتى كان يعيشها المناضل الإرترى فى الثّورة الإرترية الباسلة مع إرهاصات التجسس والجاسوسية والتخابر والخيانة الوطنية… حتى نصل لموضوع (سرية) أديس موضوع بحثنا ومبتغانا.

ويمكن أيضا ذكر حادثة تجسّس لعميل إثيوبى من أصل إرترى كان يتعامل مع (مخبر إسرائيلى) يعمل لصالح المخابرات الإثيوبية، نوردها هنا لما لها من صلة حسب إعتقادى مع قصّة تجسّس لمخبر (إسرائيلى) إستطاع إختراق (جبهة التحرير الإرترية) وعاش بداخلها ومن رواية مكتوبة بالتقرنية كتبها المناضل (جرى مدهن زقرقيس).

يورد أيضا كتاب (معركة إرتريا) لكاتبه (عثمان دندن) (2) وفى مسألة التّجسّس وتفاعلاتها فى إرتريا… فى 25-5-1967 تمكّن الفدائيون من إختطاف العميل (محمد عبدالله) الملقب (قوبو) وهو على سيّارته من أمام مصنع الثّلج فى (حىّ طوالوت) فى مدينة مصوّع وقد أحرقت سيّارته فى نفس المساء أمّا هو فقد وجد معه سجلّ يحمل أسماء رفاقه فى الجاسوسية وعند التحقيق معه إعترف بوجود عدد كبير من العملاء منتشرين فى كلّ من (مصوّع) و (أسمرا) و(عصب) وفروع فى (عدن) و (بورت سودان) وتبيّن أيضا أنّه تابع لخبير إسرائيلى يعمل فى جهاز الأمن ويحمل إسم (عبدالرّحمن كامل) ويختصّ بشؤون مصوّع وضواحيها وكان (قوبو) يعرف عند رئيسه بالرّقم (7777) ونفّذت الجبهة حكم الإعدام فى (قوبو).

وأعتقد أنّ هناك رابط بين هذه القصّة وقضية أخرى تتعلّق بجاسوس إسرائيلى إدّعى بأنه مصرى، تمكّن من إختراق الجبهة وعاش فيها وبينها فى منطقة (سمهر) يذكر تفاصيلها المناضل (قرى مدهن زقرقيس) فى كتابه (ناى عينى مسكّر - شـاهد عيان فى تأريخ الثّورة الإرترية) حيث قال: كانت هناك ظاهرة تجسسية أخرى من أحد الأشخاص كان يتدرّب على التّجسّس وإدّعى بأنّه (مصرى) الجنسية وأراد هذا الشّخص أن يناضل فى صفوف (الجبهة) حتى الإستشهاد وطلب قبوله.. قبلته قيادة الوحدة الثلاثية مصدّقة نواياه وظانة فيه الخير وبعد عدّة أشهر من متابعة أمور الجبهة وبعد أن تأكّد له بأنه لا يستطيع فعل شيئ هرب من منطقة (قرقرا) فى مايو عام 1969 وحاول دخول مدينة مصوّع ولكن إنقضى الليل و أصبح عليه الصّبح قبل أن يصل إلى مصوّع فإختفى فى مكان ما وهنا قيادة الوحدة الثلاثية علمت بخبر إختفاءه فأرسلت الأطواف للبحث عنه، وعندما إشتدّ عليه الحر والظّمأ أضطرّ للهبوط إلى مورد الماء فى العصريات، فقبضت عليه مجموعة من أبناء شعبنا وسلّم إلى قيادة الوحدة الثلاثية وبعد التّحقيق إعترف بأنّه حضر للتجسّس وعند التفتيش وجدت معه سـاعة خاصة للتسجيل وأخيرا تأكّد للقيادة، بأنّ هذا الشّخص لم يكن مصريّا وإنّما كان (إسرائيليا) وجاسوسا خطيرا عمل فى مهنة التّجسّس فى دولة ( الكنقو).. ولكن عرفنا لاحقا بأنّ جبهة التّحرير الإرترية سلّمته إلى سوريا لمعرفتها بموضوع تبادل الأسرى مع (إسرائيل) لربّما إستفادة منه فى ذالك.

وأورد أيضا المناضل (قرى مدهن زقرقيس) فى كتابه (ناى عينى مسكّر آب تاريخ سورا إرترا) (بالعربية: شاهد عيان على تأريخ الثّورة الإرتريّة) فى قضية تجسّس خطيرة أخرى فى حوالى منطقة (قندع) لها صلة ايضا بأحداث حصلت بعدها ومن ضمنها (قضيّة سريّة أدّيس) جلبت الخلاف بين المناضل (أبراهام تولدى) والمناضل (سلمون ولدى ماريام) أورد المناضل (قرى مدهن) القصّة فى كتابه كالآتى:

سلطات الملك (هيلى سلاسى) عملت ولأول مرّة (مهرجان) فى أسمرا فى عام 1969 وطلب حينها من جميع القوميات أن تحضر وتشارك بثقافاتها وتراثها ولذالك الغرض أختير من مدينة (قندع) ما يربو على العشرين (20) شابا للمشاركة فى هذه المناسبة لتمثيل تراث ا(لتّقرى) وأذكر من هؤلاء (ود حجّى) و (ود كيراى) ولكن لأن هدف تدمير الثّورة الإرترية كان مبتغاهم وكان (اسرات كاسا) و(تسفاهنّس برهى) رأس حربة فى الموضوع ولذالك جنّد هولاء الشّباب لصالح المخابرات الإثوبية وليقومو بأعمال تجسّس، فى مناطق تواجد الجبهة وحوالى منطقة سكنهم (قندع) وأوعد المسؤولون هؤلاء البسطاء بالمال والجاه إن نجحو فى مسعاهم فى إفشال الثّورة الإرترية، أو جلبو معلومات مفيدة عن الجبهة.. والشّباب بسذاجتهم صدّقو الوعود وإنطلقو من (أسمرا) إلى (قندع) ومن هناك إلى مناطق تواجد قوات الوحدة الثّلاثية.. ويقول أيضا ولكن الجبهة كانت قد بلّغت بكلّ حيثيات ذاك التّحرك المشبوه من خلاياها الدّ اخليّة فى داخل المدن ومن مدير مدينة (دى أو) (قندع) شخصيّا (كفليرى عبده عمر) والّذى كان قد حصل على المعلومات شخصيّا من حاكم إرتريا (أسرات كاسا) ولكن (جبهة تحرير إرتريا) بعد أن تحصّلت على قائمة الأسماء سحبت كلّ المجموعة المشتبه فيها من الجيش وأُرسلتهم إلى قسم التحقيقات وبعد إعترافهم بجريمتهم نفّذت فيهم قيادة الوحدة الثلاثية حكم الإعدام ويقال أيضا هذا أحد الأسباب مع أحداث أخرى مرتبطة بالتجسّس لصالح إثيوبيا و إنتشار شبكات التّجسّس هو الّذى كان سبب منع قيادة الوحدة الثلاثية من تسجيل مناضلين جدد وكان سبب خلاف المناضل (أبرها م تولدى) والمناضل (سلمون ولدى ماريام) فيما يخص قبولنا... ولكن كثير من المتابعين يقولون من هنا بدأت إرهاصات (سريّة أدّيس) ولكن بالمتابعة للأحداث سوف تتبيّن الأمور فقط تابعونى مشكورين.

ويروى أيضا المناضل (فسهاطين قبرى) نفس الحادثة بنفس الأسلوب فى كتابه - مدخل إلى تأريخ إرتريا… وتجربتى فى الثّـورة الإرتريـة ولكنّه يضيف قائلا: سحبت قيادة الوحدة الثلاثية هؤلاء المشتبه فيهم من وحداتهم وشكّلت لجنة تحقيق للنّظر فى قضيّتهم، وكان نائب رئيس لجنة التّحقيق تلك (أسياس أفورقي) وتلك معلومة أعمل على تأكيدهـا.

ولكن ماذا يقول المناضل الكبير محمّد على إدريس أبورجيلة فيما خصّ حالات التجسّس والتخابر وملاباساتها فى الثّورة والعمالة لإثيوبيا... رابطا إياها بموضوع (سرية أديس).

يقول المناضل الكبير (محمّد على إدريس أبو رجيلة) فى سلسلة المقابلات التى أجراها معه موقع (أومال) تحت عنوان (أيّـام لا تنـسـى) وفى الحلقة الرّابعة عشر فيما خصّ موضوع التجسّس و(سّرية أديس).

حدث ماعرف لاحقاً بسرية أديس وهذه الظاهرة والتسمية كانت بسبب إلقاء القبض على شبكة من الجواسيس التي تسرب أفرادها وسط أبناء شعبنا المنضمين للثورة والقادمين من المرتفعات الارترية وهذه الشبكة ترافق كشفها مع موجة التسميم الشهيرة التي إجتاحت وحداتنا المقاتلة أثناء شرب المياه أو تناول وجبات الطعام وسممت مصادر المياه في المناطق النائية وأدت لإستشهاد العديد من المناضلين كما نفقت أعداد كبيرة من الماشية في ظل هذه الظروف التي لفها جو من التوجس والخوف كشف بالصدفة بعض المنفذين لتلك الأعمال وعند التحري معهم أكدوا على وجود كثيرين من الشركاء في هذه المهمة مما إستدعي سحب كل الذين إلتحقوا في تلك المرحلة وخاصة من مناطق الأحداث ومع هذا السحب سرت شائعات كثيرة أطلقها العدو وبعض المستفيدين من حدوث إنشقاق لم يكن لها أساس من الصحة.

وقال أيضا: وما علمته عن تلك الحادثة أن الأجهزة الأمنية للثورة حققت مع (25) جندياً في تلك الأحداث (التسميم) وكشف التحري والقرائن التي قبضت مع البعض عن مشاركة خمسة عشر فقط وإتخذت خطوة بحقهم أما البقية فقد أطلق سراحهم وحتى إذا إعتبر البعض أن هذا تجاوز فأمام ما جرى بعدها يعتبر هذا الأمر كيفما ضخم أمراً يسيراً أمام ماجرى وما يجرى في بلادنا اليوم.

عزيزى القارئ بحديث المناضل الكبير (أبو رجيلة) أختم الحلقة الخامسة من سلسلة (منعطفات إرتريّة) لأعود ومعى الحلقة السّادسة وسوف أخصّصها لقصّة وموضوع (تململ) المسيحيين أبناء (كبسا) عند تواجدهم فى (جبهة التّحرير الإرترية) آخذا أمثلة منهم المناضل المخضرم (تكوء يحدقّو).

هوامش:

وحتى ألقاكم لكم التحية... والشّكر على المتابعة.

(1) صوت إرتريا - العدد 3 الجمعة 1 نوفيمبر 1996
(2) كتاب معركة إرتريا ج 1 ص 25 

للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

Top
X

Right Click

No Right Click