منعطفات ارترية وعشم ابليس في سرية أديس - الحلقة الرابعة
بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب ومؤرخ إرتري، المملكة المتّحدة
الصّراع بين الثّورة وإثيوبيا… وقصّة العمالة والتخابر !!!
إنّ التخابر والتّجسّس والعمالة كان حاضرا فى مرحلة الخيارات الوطنية الأولى، وفى فترة قيام (حركة تحرير إرتريا) و (جبهة تحريرإرتريا) وإلى يوم التحرير، ولكن لأنّ المبتغى هو الوصول إلى ملابسات موضوع (سريّة أدّيس) ووضعها على حسب المقدور والمتاح فى إطارها الصّحيح، وخاصّة لقراء (لغة الضّاض) سوف نأخذ أمثلة تساعد على إسيعاب المراحل، ولكن والمهم فى الأمر هو إرتباطه تأريخيّا، وفى الغالب الأعمّ بابناء الهضبة الإرتريّة، والمسيحيين منهم خاصّة.. (راجع مقال ودّى فليبا) فى الحلقة السّابقة.. ولنأخذ بعضا من الأمثلة كنموزج للعمالة والتجسس والتخابر والتى كانت تهدف كما هو معروف إخماد ثورة الأبطال الأحرار ثورة الشعب الإرترى التى قادها (أبو الثورة) الشّهيد (حامد إدريس عواتى).
العمالة لإثيوبيا قادها كبار ونافذون من أبنا ء مجتمعنا الكبساوى المسيحى ممّن صدّقو (السّراب) الإثيوبى لعوامل تأريخية معروفة وماثلة للعيان، ومنظورة الشّواهد وحاضرة إلى يومنا هذا..فعملو على قتل إخوتهم وأحرقو قراهم وإسستهدفوهم أين ما كانو، فكانو هم الـ (شفتا) الذين يحرقون القرى وينهبون المواشى، ويقطعون الطريق على المسافرين، ثمّ إنتقلت إليهم عدوى (حبّ إثيوبيا) فدخلوا السياسة ليقتلو وينهبو أموال كلّ من والى الكتلة الإستقلالية، وحتى لم ينجو من بطشهم ونهبهم وقتلهم أبناء الهضبة الأحرار، مثل (رأس تسمّا أسبروم) (1) و(بلاتا كحــسـاى مالو) (2) ثم ّ جاءت الأزرع العسكرية لحزب (الأندنّت) فإغتالت الشّرفاء الأحرار من زعماء وأحرار (الرّابطة الإسلامية) والكتلة الإسقلالية، وفى الفترة الفدرالية سيطرو على جهاز الشرطة، مثل قائدهم (تدلا عقبيت) واالرّائد (قبرى قال) (3) والعقيد (إجزاو براخى) (4) والعقيد (قبرى إزقابهير محرنّا) (5) والعقيد (قرى كدان تسفاى) (6) وغيرهم كثر.. سيطر هؤلاء على أجهزة الأمن والشّرطة والمخابرات فى البلاد، وأصبحت تلك الأجهزة أداة طيّعة فى أيديهم لملاحقة الوطنيين الإرتريين، ولنا من قصص السّجون والمعتقلات، ما تدمى له القلوب والأفئدة،ممّا ترك أثرا لا يمحى من ذااكرة الإنسان الإرترى المسلم، وأسرى تلك الحقب يحكون بأنّ العسكرى (الأمحراوى) و (التقراواى) كان أكثر عطفا وإنسانيّة على المعتقلين،من أبناء جلدتهم الإرتريّين، فى ستّينيات القرن الماضى !!
وكمثال عشوائى أخذت هذ الحديث والذى أجراه المناضل (محمّد سعيد ناود) مع أحد أقطاب حركة تحرير إرتريا وأحد من إعتقدت فيهم الحركة فى أنّهم يستطيعون قيادة إنقلاب عسكرىّا وإستلام السلطة فى إرتريا... حكى الرّجل عن ما تعرّض له من مآسى فى عهد الجنرال المشؤوم (تدلا عقبيت).
قال المناضل الحركى صالح سـالم ناصر (نقل بتصرّف): ”إلتحقت بالخدمة العسكريّة فى عام 1950 فى قوة (الفلد فورس) ولكن فى أورنيك الإنتساب سجلت بأنى سياسيا أنتمى إلى (حزب الرّابطة الإسلامية) وقد حاولو إثنائى عن ذالك وطلبو منّى أن أنتمى إلى (حزب الإنضمام) ولكنّى رفضت ذالك بإصرار.. وقد حذّرونى بأن الإنتماء إلى (حزب الرّابطة الإسلامية) سوف يتسبب فى عدم ترقيتى وهنا أيضا أصرّيت على موقفى“ ويقول أيضا...”دخلت الخدمة العسكرية نفرا وخرجت منها نفرا،وبلا ترقية وذالك بسبب إنتمائى إلى حزب الرّابطة الإسلامية“ و”كثير من زملائى ترقّوا إلى رتبة (جاويش) والبعض وصل إلى رتبة ضابط نسبة للإنتماء إلى حزب الإنضمام، ولكن إثر إنتشار الخبر بأن أعضاء حركة تحرير إرتريا فى الشرطة ينوون القيام بإنقلاب والخروج إلى الجبال، أتتنى قوّة من البوليس إلى منطقة مسكنى، وميلادى (قندع) وإصطحبونى إلى مكتب (الجنرال زرئى ماريام) فى العاصمة (أسمرا) وطلب منّى الجنرال الإعتراف !!.. ولكنى لم أعترف بشئ !! ومن ضمن من حقّق معى كان الكولونيل (إكزاو براخى)... ولكنّنى قلت له” يا إقزاو!!! أنتم اليوم تطاردوننا وتعذبوننا مقابل أن تتم ترقيتكم لرتبة أكبر، وبالتالى تنالون مزيدا من المال.. ولكن غدا فإن الإمبراطور سوف يقوم بإستبدالكم بـ (الأمحرا) سواءا كنتم من الجنرالات أو العساكر“.
ويقول أيضا بدأوا معى فى التحقيق ويدىّ مكبّلتان بـ (كلابشات) وبدأ الدم ينزف من أصابع اليدين وربطونى وراسى إلى الأسفل ورجلىّ إلى ألأعلى.. وأثناء الضّرب المبرح على راحة الرجلين كسرت أحدى أصابع الارجل… وجاء الليل فرمونى فى فناء الغرفة مغمى علىّ.. وفى الصباح أحسست أن عينى التى كان قد أجريت فيها عملية قبل أيّام قليلة، كانت قد فقأت من جرّاء الضرب العشوائى… وكانت تنزف حتى فقدت الرّؤيا بها… ويقول أيضا ”فى الصباح أرسلو ا إلىّ (الجاويش ودّى أبرّا) وطلبوا منه أن يواصل التحقيق معى وهو أكثر دراية منهم بأساليب التعذيب، وعندما دخل علىّ فى غرفة التعذيب كنت ملقيا على الأرض شبه ميّت.. ولكن عندما شاهدنى على تلك الحالة رفض أن يقوم بتعذيبى قائلا (إنه زميلى أكلت معه العيش والملح !!! ثمّ ماذا بقى منه ؟؟ ها هو إلاّ شبه ميّت !! لا لا أستطيع !!! لا يمكننى أن أقوم بتعذيبه والتّحقيق معه !!!… فهدّدوه بأن ذالك هو عصيان للأوامر… ولكنه إنصرف من أمامهم دون أن يتفوّه بكلمة !!!.. ومن المفارقات العجيبة إنّ هذا (الجاويش) هو (إثيوبى) ومن إقليم (تقراى) والذين كانو يقومون بتعذيبى هم إرتريون من أبناء جلدتى وكان ذالك أكثر ما يعذبنى نفسيا... ويواصل المناضل (صالح سالم) ذو القوة الفولاذية ليقول أنا الآن نسيت التعذيب الجسدى الذى تعرّضت له، ولكنى لن أنسى الإساءات و الشتائم والكلمات البذيئة التى كانوا يوجّهونا إلىّ، ولمن أنتسب إليهم، إنهم كانو يتصرفون معى تصرفا من شأنه أن يغذى الإنقسام الطائفى.. وكان ذالك هدفهم وكانو يمارسونه بوعى.. ولكننا تجاوزنا تلك الفترة بوعينا نتيجة للتعبئة الوطنية. (7)
هذا نموزج للعمالة وخدمة العدو بثمن بخس،و بوعى وإختيار !!!… ولكن من جرّاء ذالك دفع مناضلون أشاوس، ثمنا غاليا وغاليا جدّا، من حياتهم وإستقرارهم ألأسرى وقضو باقى حياتهم فى السّجون والمعتقلات !!! وفى إرتريا اليوم وبعد لجر التّحرير لم يجدو حتى من يقول لهم (سعيكم مشكور وذنبكم مغفور) لصمودكم على المبدأ والهدف…!!!
ومن مفارقات الدّهر وخيبة الزّمن أنّ أبناء بعضا ممّن عذب، وسجن، وقتل فى ذالك الزّمن الخائب، هم اليوم أيضا فى نفس المهنة، (قسم التحقيقات والتعذيب) وكأنّ المسلم الإرترى كتب عليه أن يعذّب إلى أبد الدهر ومن نفس صنوف البشر وبلا رحمة… ولكن المناضل الصّامد (صالح سالم ناصر) قال حديثا مؤثّرا جدّا حين قال وأخيرا جاء الفرج: فقبل أن أكمل الجملة إعتقدت أنّه يقصد بالفرج التحرير ولكنه قال: جاء الفرج عند ترحيلى إلى سجن (ألم بقانج) فى (أديس أببا) !!! إرترى دما ولحما يجد الرّحمة من الأمحرا الأعداء أكثر من بنى جلدته لأنّهم لا يرون فيه إلاّ مواطنا خلق ليجلد.. وما أشبه اليوم بالبارحة، إن كان هناك إبن للمناضل (صالح سالم ناصر) إلتحق بالثورة وهو يحمل أنين (صالح سالم) والده لينتقم للشرف الّذى أنتهك، وللوطن المغتصب، ولينتقم لوالده من الّذين سقوه الذلّ والهوان على كأسا (أمحراوىّا) ماذا تراه فاعل ؟؟ إن وقف وجه لوجه أمام أحد من هؤلاء أو أبناءهم ؟ أول ما يتبادر إلى ذهنه هو الإنتقام ؟ وإن إستطاع تجاوز لحظات الغضب الأولى.. يكون دائم الشك والرّيبة فى نوايا هؤلاء !!!
ولأنّ التخابر الإثيوبى كان هدفه إسكات صوت الأحرار فى إرتريا معتمدا فى الدرجة الأولى على العنصر المسيحى الإرترى، وتفاعله وقبوله طواعية ليكون أداة القمع والتحقيق والتعذيب، فى إسكات صوت أخيه المسلم وشريكه فى الوطن وكلّ الأشراف والأحرار فى إرتريا.فى سباق مع الزّمن لكسب قصّة صراع قديمة حديثة فى محاولة إ ستحواز أرض (بحر نقاش) حلم الأباطرة الأحباش، والمشروع كما هو معروف ليس وليد لحظة وإنّما مشروعا أطلّ برأسه عدة مرات وبأشكال مختلفة وبأدوات إختلفت المرّة تلو الأخرى… ومنذ أن فكّر أباطرة الحبشة فى إمتلاك البحر مند عهد (لبنا دنقل - القندرى) مرورا بـ (تيدروس وبوهنّس) وغزوات وغارات (رأس ألولا) و(وبى) لا زالت جزء من حكاوى الكبار فى الأمسيات وآخر أباطرتهم (رأس تفرّى مكنّن) والّذى نحن بصدد حقبته وعصره.
ولكن لأنّ موضوع غزوات الأحباش الإثيوبيين ليس موضوع بحثنا الآن، سوف أعود إلى صراع إثيوبيا مع الثّورة الإرترية.. وقد بدأته إثيوبيا منذ أن حلمت على الإستيلاء القهرى فأرسلت لقتله والجواسيس والمخبرين، ثمّ كان التخابر فى شكله المهنى وفى شكله التعاطفى مع إثيوبيا. وكثيرين من أعضاء حزب الوحدة مع إثيوبيا (أندنّت) وبسبب نفور العامة منهم وحتى أقرباءهم وفى مناطق المسلمين خاصّة وإستهداف الثورة لهم، أصبحوا مسلّحون لحماية أنفسهم، من الغضب العارم من الشّعب المقهور على كلّ ماهو إثيوبى وكلّ متعاون معه.
ولأنّنا نريد الحديث عن التخابر، والعمالة،والجاسوسية لصالح العدو بصفته العامة وإرتباطه لزمن بأبناء مرتفعاتنا الإرترية والعنصر المسيحى تحديدا.. أرى ضرورة إيراد أمثلة منه، لفهم أرضية وواقع الحال، تساعد فى تفسير كثير من أحداث حصلت فى ساحة العمل النّضالى فى حقبة السّتينيات والسّبعينيات من القرن المنصرم.
أمثلة عشوائيّة من أحداث التجسس:
إنّ إثيوبيا أدركت ومنذ البدايات أن حركة تحرير إرتريا و(جبهة تحرير إرتريا) تنطلقان إلى الأراضى الإرترية من السودان، ولذالك ركّز العدو الإثيوبى فى تخابره على داخل إرتريا أوّلا و على مناطق تواجد الإرتريين فى السودان (كسلا والخرطوم) وعملت المخابرات الإثيوبية على تجنيد العملاء ونشر البلبلة لضرب التعاطف السودانى مع الثّورة فى بداياتها وذالك بنشر الدعايات المغرضة أحيانا وتجنيد العملاء تارة أخرى.. وعملت أيضا على إستثمار العلاقات مع بعض الساسة السودانيين مثل ما حصل فى عهد الجنرال عبود، وبإرسال سفراء من اصل إرتري إلى السّودان (ملّس عندوم) و(صالح حنيت) ومن ثمّ تتويجه بإرسال (الرّائد تارّقى) (8) ملحقا عسكريا إلى السودان، ليعمل الأخير فى نشر ديور الدعارة والنوادى الليلية لشراء الذّمم والضمائر، فكانت حادثة تسليم أعضاء(حركة تحرير إرتريا) فى عهد نظام (الجنرال عبّود) إلى السلطات الإثيوبية وقضّية حجز ومصادرة الأسلحة القادمة والمهداة من سوريا لـ (جبهة التحرير الإرترية) فى عهد فترة حكم الأحزاب ورئاسة الصّادق المهدى للحكومة السودانية حينها… فى عام 1967.
وحاولت الحكومة الإثيوبية ومخابراتها طرد (جبهة تحرير إرتريا) من كسلا وإسكات نشاطها حيث دبّرت مكايد وفتن وإشاعات لإرباك الأمن ومن ثمّ إلقاء اللوم على (جبهة التحرير الإرترية) مثل ما حصل فى ديسمبر من عام 1966، وحادثة إلقاء القنابل على مقرّات القيادة الثورية فى (كسلا) بتدبير من المخابرات الإثيوبية والقنصلية الإثيوبية فى المدينة. فى عملية مقصودة للإرباك، فقامت السلطات السودانية كردّ فعل بمداهمة مكاتب ومقرّات (جبهة التّحرير الإرترية) وقامت أيضا بإعتقال المناضلين والمسؤولين،والجرحى الّذين تواجدو حينها فى كسلا للعلاج.. وتمّ تسليم بعضا من المناضلين إلى إثيوبيا (ولسبب أو آخر كانو قد إنتقوهم إنتقاءا ليكونو من المسيحيين وأبناء المرتفعات) (9)
وكمثال للنشاط المخابراتى الإثيوبى وردّ فعل الثورة أوردت الصّحف السّودانية، خبر له علاقة بقصّة الصّراع التخابرى فى السّودان بين الثّورة الإرترية، والحكومة الإثيوبية، وسمّى الحادث بـ (قتيل برّى) حيث يقول الخبر:
وجد أحد الأشخاص مقتولا فى صباح يوم 23-2-1966 .ونفى مسؤول مكتب جبهة التحرير الإرترية فى الخرطوم بأنّ يكون القتيل من أعضاء (جبهة التّحرير الإرترية) (10) ولكن متحدّث بإسم شرطة الخرطوم أكّد بأنّ المقتول (إثيوبى) كان يعمل فى المخابرات الإثيوبية وإسمه (كِبْرى تسمّـا) ويذكر فى هذا الصياغ أنّ (جبهة التّحرير الإرترية) كانت قد حذّرت (العقيد تارّقى) الملحق العسكرى الإثيوبى حينها.. والمسؤول الأول عن النشاط المخابراتى الإثيوبى فى السودان من المساس بمناضليها أو أو مسؤوليها (11) فلربّما كان هذ القتيل رسالة كانت موجّهة إلى العقيد (تارّقى).
ويظهر أنّ كلّ القرائن تقول أنّ المخابرات الإثيوبية كانت فى قمّة نشاطها فى الأعوام 1966-1968 فى السّودان وفى داخل إرتريا ففى مسلسل نشاطها التخابرى ونشر البلبلة فى العلاقة بين (جبهة تحرير إرتريا) والسلطات السودانية بنشر الأكاذيب والفتن إنطلت على السلطات السودانية... فقد داهم الأمن السودانى مقرّات (جبهة التّحرير الإرترية فى كلّ من (كسلا) و(حفرا) وذالك فى 12-8-1967 لأن (جبهة التحرير الإرترية) تعمل لتخريب العلاقة ما بين إثيوبيا والسّودان… ثمّ نشرت إشاعة مفادها أنّ (جبهة التحرير الإرترية) هى المسؤولة عن حرق (محطّة البنزين) فى حىّ (غرب القاش.) فى كسلا.. وذالك بوشاية من (شرطى) معفى من خدمة إسمه (صالح محمود) والذى كان يعمل بالتنسيق مع (القنصل الإثيوبى) فى كسلا.. لأنّ المنطقة الثانية أعدمت عمه الذى كان يعمل لصالح المخابرات الإثيوبية (12) ويذكر أنّ فى هذا العام سلّم 19 عنصرا من عناصر (جبهة التحرير الإرترية) إلى السّلطات الإثيوبية وكلّهم عناصر من كبسا ومسيحيّون نشرت صورهم فى صحيفة (الوحدة) والتى كانت تصدر فى أسمرا و كان من بينهم (هيلى ولدى تنسائى - درّع وموسى تسفانكئيل (زعيم المنكع لاحقا) وشيئ يدعو للإنتباه إنّ هذا العام هو نفس العام الذى قابل فيه (هيلى درّع وأسياس وموسى تسفانئيل بعضهم فى كسلا فبراير 1967... وكان أطولهم مدّة فى الجبهة هو أسياس أفورقى حيث جاء إلى الميدان فى سبتمبر أو أكتوبر من عام 1966 وهيلى - درّع و (موسى تسفانكئيل) فى ديسمبر 1966…(13)
ويذكر فى كتاب (معركة إرتريا أن هناك حادثا آخر قصد منه تخريب العلاقة السودانية الإرترية وهو تفجير القنصلية الإثيوبية فى كسلا بعد تلغيمها وأورد الكتاب الحدث بأنه حصل فى 14-2-1978 ”لغّم القنصل مبنى القنصلية بنفسه وكانت تقتضى المسالة أن تأتى عناصر من من الخونة والمأجورين لإكمال المؤامرة من خارج الحدود ليقومو بتفجير القنصلية ولإطلاق النيران فى الشّوارع ليلا ثمّ الهروب إلى داخل إرتريا والغرض من ذالك تلفيق التهمة على ثوار إرتريا وخلق أزمة جديدة بين الثّوار والحكومة السودانية“ (14)
ثمّ قصّة (السّقوط) للكاتب والصحفى السودانى (أحمد طيفور)، والذى كان قد ملأ الصّحافة السودانية بمقالاته وتحليلاته المؤيّدة للثّورة الإرترية، وجاء فجأة فى عام 1966 ليفاجئ العالم والسّودان وأصدقاءه فى الثّورة الإرترية بإصدار كتابه الأسود (حقيقة جبهة التحرير الإرترية).
وفى فروع الإتحاد العام لطلبة إرتريا فى السودان، كنّا نقرأ كتاب (طيفور (حقيقة جبهةالتّحرير الإرترية) وكان الكثير من الكوادر المتقدّمة فى الجبهة يقولون أن ّ الرجل وقع صريعا لمؤامرة من المخابرات الإثيوبية، يحكون عن المفاجئة والإنقلاب الذّى حصل من (طيفور) حيال الثورة الإرترية، لأنّه كان أحد اللذين أسهمو بقلمهم فى نشر قضيّة الشعب الإرترى وثورته فى صحيفة (21 أكتوبر) السّودانية، ولكن كانو يضيفون، هذ الصحفى أحمد طيفور زار الميدان الأرترى وأجرى مقابلات مع كثير من مقاتلين ومسؤولين وكان من بينهم الشّهيد (عمر إزاز) وكان يحكى عن ما له من صلة دم إرترية… ولكن الصّحفى السّودانى (أحمد طيفور) قد تجنى على الثّورة الإرترية ممثّلة حينها فى (جبهة التحرير الإرترية) ووصفها بتنظيم جهادى إفتراءا، وأنه تنظيم يعمل وسوف يعمل على سحق المسيحيين). ولكن الشيئ المهم هنا أنّ الصحفى السودانى (أحمد طيفور) لم يكن حرّا فيما قاله وجنح إليه إنّما كان ضحية المخابرات الإثيوبية.
إن كتاب طيفور (حقيقة جبهة التحرير الإرترية)، كان له ردود فعل غاضبة ومستهجنة في وسط الشارع السوداني من طلاب ومثقفين ومن قوى مناصرة للنضال الإرتري، حيث خرجت المظاهرات الهادرة تندد بذلك العمل.
أيضا أصدرت جبهة التحرير الإرترية كتاباً بعنوان : (الرأي العام السوداني يدين كتيب طيفور، حوى على عدد من البيانات والمذكرات وكلمات التنديد بالكتاب بالإضافة إلى البرقيات التضامنية مع جبهة التحرير الإرترية، كذلك تضمن دحضاً لافتراءات طيفور على الثورة الإرترية. (15)
يقول صديقه لأستاذ (بابكر محمّد النّور) (16) كتب الراحل احمد طيفور أجمل ماكتب عن الثورة الإرترية عامة (بحكم وشائج الدم واللسان) وعن جبهة تحرير إرتريا بشكل خاص والتي تربطه ببعض قيادتها صداقات قديمة مكنته من زيارة مناطقها المحررة ونقل كل ذلك على صفحات صحيفة (21 أكتوبر)، ممازاد من تعاطف الجميع مع الثورة الإرترية والإشادة والإعجاب بالصحفي أحمد طيفور ككاتب لقلمه قلب وضمير. ويقول الكاتب أيضا:
لقد فاجأ الصحافي الراحل أحمد طيفور الجميع بكتابه (حقيقة جبهة تحرير إريتريا) فبعد كل كتاباته التي تمجد الثورة الإريترية وصف الجبهة بالعنصرية والتشدد الإسلامي والفساد وان لها أجندتها الخاصة التي ستقوم بتنفيذها فور الاستيلاء على السلطة وأبرزها التطهير العرقي والإبادة الجماعية للعنصر المسيحى).
ويقول الأستاذ (نور) مستطردا: وعلى هذه الخلفية تساءلت كثيراً بعد اطلاعي على كتاب (حقيقة جبهة تحرير اريتريا) ماذا كان يريد الأستاذ أحمد طيفور، هل كان أقل قدرة من مواجهة ذاته كارنيست همنجواي ؟؟ هل باع نفسه كاشتاينبك لمزيد من الشهرة ؟؟ هل وقع صكاً مع النظام الإمبراطوري ومقابل ماذا ؟؟
وفي زيارة طارئة للخرطوم خدمتني الظروف بلقاء الكاتب الصحافي أحمد طيفور، واجهته بكل ما سمعته عن ما قيل ويقال والمسكوت عنه. حول إصداره لذلك الكتاب، صارحته بما يتناقله الناس عن تلك المؤامرة اللا أخلاقية التي يقال إن الاستخبارات الأثيوبية قامت بتدبيرها مع بعض صحافيي الفضائح من مدرسة صحافة (الباباراتزي) ومصورة فتوغرافياً فلم يكن أمامك خيار سوى إخراج مادة الكتاب المعدة سلفاً من قبل الاستخبارات الأثيوبية وصياغتها والدفع بها للمطبعة مقابل أن يكون كل شيء في الحفظ والستر.
أجابني بدون انفعال وبهدوئه المعهود الذي أعرفه عنه والذي يصل في بعض الحالات إلى درجة البرود، أجابني بأنه لا تنقصه الشجاعة التي تمكنه من رفع الأمر إلى القضاء ضد مرتكبي هذه الجريمة ليضع حداً لابتزازه وليكشف للجميع المستوى اللا أخلاقي الذي تمارسه الاستخبارات والعناصر الرخيصة التي تدعى التزامها بالشرف الصحفي، ولكن كل ما قيل هو مجرد خيال مريض لا يمت إلى الحقيقة ويقول الصّحفى على لسان الكاتب بابكر نور:
“إن ما تناولته في كتاب (حقيقة جبهة تحرير إريتريا) هو حقائق استنتجتها كصحافي من إجابات سكان المناطق المحررة،على جملة أسئلة بالإضافة إلى أسئلة أخرى كانت تؤرقني عن حقيقة الجبهة، مصادر تمويلها، فكرها، إستراتيجيتها واستناداً على سلسلة أحداث العنف والتصفيات الجسدية التي وقعت في بعض مدن السودان الشرقية وبعض أحياء العاصمة القومية، بالإضافة إلى وثائق تحصلت عليها أعتقد أنها محايدة ولا يهم أن تكون مع أو ضد وقمت بتحليل كل ذلك لأصل إلى الإجابة المقنعة عن حقيقة جبهة تحرير اريتريا.
والكتاب الذي أصدرته ليس أكثر من عمل وقائي لتدارك العنف والمذابح والتصفيات بين العناصر التي تقدر بثلاثة ملايين نسمة والعناصر المسيحية التي تقدر بمليوني نسمة وقد دفعتني لذلك الروابط التي تربطني معهما جميعاً، (وشائج الدماء واللسان) قال إنه: يتوقع في أي لحظة أن تتم تصفيته جسدياً.
وفى مواصلة موضوعه يقول الأستاذ (نور)…
ولكن (جبهة التحرير الإرترية) حمتْ (أحمد طيفور) من نفسه ومن المخابرات الإثيوبية ويقول ولكن حتّى وفاته فى نهاية المطاف لم تكن طبيعية ويكتنفها نوع من الغموض (إنتهى).
وهناك مصادر تحكى عن قصّة السّقوط تللك ملقية اللوم والإتّهام كلّه على المخابرات الإثيوبية والملحق العسكرى الإثيوبى العقيد (تارّقى).. وقصّة اللقاء المدبّر والمدروس فى (فندق الواحة) وإستعمال المخدّر ومن ثمّ التنويم ثمّ التصوير لصور تخدش الحياء، ومن ثمّ المساومة على نسب الكتاب المعد سلفا لإسم (الصحفى أحمد طيفور) وإلاّ نشر الغسيل على صفحات الصحف، ولذالك حصل كلّ ما حصل !! (17)
المتابع الكريم نكتفى بهذا القدر من المنعطفات وزوايا تأريخ صراعنا المزدوج... لأعود وأواصل فى الحلقة القادمة وفيها قصّة من قصص الصّراع رواها عبدالقادر حمدان فى صحيفته (صوت إرتريا)… وحتّى ألقاك لك التحية.
هوامش:
1. رأس تسمّا أسبروم زعيم إقليم أكلو قزاى بلا منازع.. وأحد مؤسّسى جمعية حبّ الوطن تعرّض للكثير من المضايقات فى روحه وماله وأبناءه وأحفاده.. ولكنه صمد ومات وهو ينادى بإرتريا واحدة ومستقلّة.
2. (بلاتا كحساى مالو) رجلا وطنيّا ومن مؤسّسى حزب (إرتريا للإرتريّين) كان ناظر منطقة (طلّما) المشهورة بقوّة البأس فى إقليم (سراىّ) فى المرتفعات قتلته عصابات (الشّفتا) وهو عائد إلى قريته (دقّو طنعا) من إجتماع جماهيرى فى قرية عدى قدا).
3. العقيد (قبرى قال) كان نشطا فى المقاومة ضدّ الطليان وكانت له صلة قوية برجل الملك (تأزاز ولدى قرقيس) وأحد زعماء المقاومة أثناء هروب الملك إلى بريطانيا ثمّ إلى السودان عندما دخلت أيطاليا (أديس أببا) وحين عودة الملك وعند إتمام سيناريو الإستيلاء على إرتريا رقّى (قبرى قال) إلى عقيد ومن ثمّ حاكما لإقليم (قاش - سيتيت).
4. مسؤول قسم التحقيقات فى الشرطة الإرترية فى حقبة الفدرالية وبعدها.
5. العقيد (قبرى أجزابهير محرنّا) هو أحد رجال الشرطة والملك فى الخمسينيات والستينيات، وأحد أعضاء الوفد الإثيوبى التفاوضى مع المجموعة المسيحية بقيادة (سلومون ولدى ماريام) عام 1970 فى منطقة (علا) المشهورة.
6. العقيد (قرى كدان تسفاى) كان مسؤول الأمن فى مدينة (كرن) صفّته - جبهة تحرير إرتريا فى عام (1965) فى عمليّة قادها الشهيد (سعيد صالح).
7. كتاب محمد سعيد ناود (حركة تحرير إرتريا - الحقيقة والتأريخ) 159-163.
8. طيفور http://www.awate.com/portal/content/view/4529/5
9. كتاب معركة إرتريا الجزء (1) لكاتبه المناضل (عثمان دندن) صـ 263-264
10.نفس المصدر السّابق
11. مقال جعفر السّورى النسخة الإنجليزية ترجمة برهان على، نشرت فى عواتى دوت كوم.
12. كتاب معركة إرتريا ج1 صـ 272.
13. مقابلة هيلى درّع مع الكاتب الأمريكى دان كونيلل مارس 2000.
14. كتاب معركة إرتريا ج1
15. موقع ناود للكتاب.
16. موقع ناود للكتاب.
17. مقال (جعفر السّورى) وترجمه (برهان على) http://www.ehrea.org/yhi.pdf
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.