منعطفات ارترية وعشم ابليس في سرية أديس - الحلقة الأولى
بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب ومؤرخ إرتري، المملكة المتّحدة
قرأت قبل فترة فى موقع (عواتى) ثلاث مقالات متتالية عن موضوع (سريّة أدّيس)
وبعنوان (سريّة أدّيس.. والكذب المكشوف) سلّطت فيه الضّوء على وثيقة (نحنان علامانان) وحاولت البحث عن منبعها ومنشأها وإرهاصاتها، ومن ثمّ البحث عن موضوع سريّة أديس) فى محاولة لتحرّى الحقيقة فيما قيل وما روّج حتى الآن !! وفى أحدى الحلقات الثلاث ترجم فريق عواتى شهادة أحد الشّهود فى الموضوع !!!
حاولت أن أكتفى بالقراءة، ولكن بدّلت رأى فهممت أن أسطّر سطرا أو سطرين معلّقا على بعضا من تعليقات المتعاطفين مع (سرّية أديس) وبعضا ممّن أراد جعل (سريّة أدّيس) حائطا للمبكى !!! يسوّدون من خلالها كلّ تأريخ (جبهة تحرير إرتريا) ومنهم مناضلون كبار وكانو فى موقع متقدّمة فى التّنظيم حتّى نهاية الثّمانينيات، ولكن تجاوزت الفكرة حدود الرّد والتعليق عند البحث فى الموضوع !!!
لفت إنتباهى شيئا واحدا وهو: أنّ معظم اللّذين كتبو ويكتبون عن (سريّة أدّيس) هم من كتاب (التّقرنية) يكتبون حينا بالتقرنية وأخرى بالإنجليزيّة) والمعنى أنّ من يهتمّ بها هو العنصر الكبساوى المسيحى أكثر من غيره وطبعا ربّما لأنّ (سرية أدّيس) كانت فى معظمها تتكوّن من شباب المرتفعات المسيحيين، ولكن شهادة (قرى مدهن زقرقيس) والتى نشرتها (عواتى) كانت مهمّة لأنّها شهادة من شاهد شاف كلّ حاجة !!!
كنت ولفترة أتردّد فيماذا أكتب آخذا فى الإعتبار نصائح كثير من الإخوة حيث أنّنى يجب أن أركّز فى العمل الرّوائى قدر الممكن ومنهم الرّوائى الكبير صاحب (بركنتية) و (رائحة السّـلاح) الرّوائى المشهور (أبوبكر حامد كهّال) ولكن أجد نفسى دائما حبيس مادار وما وما يدور فى هذا الوطن بإسم الحرص عليه، وأجتهد بالمشاركة بالمتاح والمقدور عليه إن كان فى شكله القصصى والسّردى أو حقائق التّأريخ المجرّدة... عشت تفاصيل بعضا من الأحداث وأنا فى الوطن وجزءا آخر فى المنافى والمهاجر مثلى مثل كثير من أبناء جيلى فأجد نفسى مشدوها نحو الحدث والتّأريخ.. وعندما أريد أن أسترجع الذّاكرة ممّا سمعت وعرفت أجد (سرّية أديس) إحدى المحطّـات التى تستوقفنى وتلقائيا وتراجع أحداث كثيرة أخرى لها صلة بها ضفاف ذاكرتى ليس لأنّها الحدث الوحيد والأهمّ ولكن أيضا للصدف التّى جمعتنى بثلاث من عناصر لها صلة قويّة بالحدث الذى سمّى إصطلاحا بـ (سرية أدّيس) وبلا تخطيط مسبق و أحدهم كان قائدها المناضل (سرقى بهتا) دون أن أدرى!!! (1)
وعندما قرأت كتابا بالتقرنية يروى فيه شاهد عيّان مشاهداته الشّخصية فى الموضوع.. شدّنى أكثر لمعرفة ما خفى من أمرها وعزمت على البحث فى بقايا الصّورة لأنّ (سرية أديس) زاوية ومنعطف فى تأريخنا النّضالى.. وجب معرفة حقائقها ورفع حجاب الغموض الّذى يلفّها والوقوف على حقائقها وملابساتها وبلا رتوش ومساحيق تّجميل.
ووافقنى فى ذالك كثير من المهتمّين بأنها أى (سرية أديس) أحدى الزّوايا الحادّة فى تأريخ الثّورة الإرترية والتى تقترب للسّقوط فى دهاليز النّسيان من ذاكرة المسلم الإرترى بالرّغم من أنّ آثارها قوّيّة وحاضرة فى حياتنا السّياسية يوميّا وشهريّا وعلى مدار السّنة وبالذات فى كتابات كثير من أبناء هذا الوطن واللذين يكتبون بالتقرنية تارة وبالإنجليزية تارة أخرى.
ثمّ لم أكن لأدرى بأنّ موضوع (سرّية أديس) له وقع كبير فى نفس كثير من مناضلي (الجبهة الشعبية) وكثير من العناصر المهتمة بشأن السّياسة من أبناء الهضبة الإرترية وبالذأت العنصر المسيحى منهم ومقتل (كدانى كفلو) وولداى قدى) فى (كسلا) أيضا لا يقلّ أهميّة عند البعض عن سرية أديس، وكانا هما الإسمان المتكرّرين دائما وأبدا عند ذكر (قتل الجبهة للمسيحيين) ومن أهمّ المرتكزات عند (سلفى ناطنـّت) فى تعبئة العنصر المسيحى ضدّ (جبهة التتّحرير الإرترية) ويكفى الإستدلال على ذالك بإعادة قراءة بيان (نحنان علامانان) ومقابلات وزير الخارجية السّابق(هيلى ولدى تنسائى-درّع) مع الكاتب الأمريكى (دان كونيلل) نشرت فى كتابه (حورات مع سجناء السّيتاسة فى إرتريا) وكتاب الأمين محمّد سعيد(الثّورة الإرترية الدّفع والتّردّى، ومن خلال المواضيع الّتى أقرأها بين الحين والآخر فى الشّبكة العنكبوتية وأخرها كان مقالات فريق موقع عواتى الأخير.
موضوع (سرية أديس) ركّزت عليه قيادات (سلفى ناطنّت) فى تعبئة العنصر الكبساوى المسيحى بالتّحديد ضدّ (جبهة التتّحرير الإرترية) ليقع تلقائيّا فى أحضانها ويكون وقودها فى المعركة الطّائفية التى أرادت أن تشعلها وأشعلتها فى السّاحة الإرترية لأغراض لم تكن لها صلة بمصلحة الوطن، والموضوع لا زال يشغل حيّزا بنسب مختلفة عند كثير من شركائنا من أبناء (المرتفعات) والمسيحييّن منهم.
ولكن بالمقابل لم ألحظ ولم ألمس هذا الإهتمام فى تنظيم (جبهة التّحرير الإرترية) لا فى برامجها التثقيفية والتعبوية على الأقل كعمل مضاد للدعاية و لثقافة التدمير والتقوقع التى كان يمارسها تنظيم (سلفى ناطنّت) وللدفاع عن النفس والموقف، لأنّ تنظيم الجبهة كان ولا زال هو المتّهم الأول فى قضيّة (سريّةأديس)!!! ولا حتّى فى الأحاديث الجانبية الفردية مع كوادرها وقياداتها.. وكأن الموضوع شيئ عفى عنه الزّمن ومحيت آثاره من حياتنا السّياسية.
كان الموقف ولا زال يتطلّب جهدا لإبراز الحقائق ولإفشال مخطّط الدعاية المغرضة الذى كانت تتبنّاه (قيادة سلفى ناطنّت) على مدى ربع القرن الّذى سبق التّحرير، ولمحو تأثيره الّذى يلاحقنا أين ما حللنا وإرتحلنا حتّى اليوم… وحتى لم أجد أىّ أثرللموضوع فى كتابات كثيرين من مناضلى الجبهة والذين كتبوا مذكّراتهم كشهود على عصر الثّورة.
أراد زعماء (سلفى ناطنـّت) جعل موضوع(سريّة أديس) بندا رئيسيا فى بنود التعبئة ليوقع القطيعة بين أبناء الشعب الإرترى ويوسّع دائرة الشّك ويعمّق الفواصل و يكثر الحواجز وعدم الثّقة، التى أوجدتها أحداث الأربعينيات والخمسينيات، وذالك لعمرى عشم الأبالسة الذين لا يعيرون أدنى إهتمام لسلامة هذا الوطن ووحدته وأمنه.
وبالرّغم من مرور زمن قارب على النّصف قرن على الحدث (43 عاما) لا زالت (سريّة أديس) إحدى عقد الحوار الدّاخلى المأزوم أصلا.. و لأنّ الكثيرون من المعنيين بالأمر يعتقدون بصحةّ ما روى لهم فى جلسات أو قعدات التأسيس الأولى لـ (سلفى ناطنّت) ومن خلال الرّسائل الملغومة التى كان يبعث بها أعضاءها القيادويون والتى كانت تضغضغ مشاعرهم الطائفية لكسب تأييدهم وضمان ولاءهم. (أقرأ الردود التى جاوزت المائتين فى التعليق على ما نشرته (عواتى دوت كوم) حول موضوع (سرية أديس) فى فبراير ومارس المنصرمين) (2)
عرفت (جبهة التّحرير الإرترية منذ بدايات عام (1975) عن طريق الإلتزام فى فرع من فروع الإتّحاد العام لطلبة إرتريا والّذى كان نقابة تدين بالولاء الكامل لمبادئ (جبهة التّحرير الإرتريّة) لم أحظى يوما بحضور مجلس أو دورة أو محاضرة تتناول هذه القضيّة التى يجعل منها التنظيم المنافس (الجبهة الشّعبية لتحرير إرتريا) بندا مهمّا لشحن العنصر المسيحى بشحنات مضادّة للجبهة ليكون إمّا مؤيدا لأفكار (سلفى ناطنّت) وإمّا محايدا وغير مؤيّدا لـ(جبهةالتّحرير الإرترية) وإن وجد لسبب أو آخر فى تنظيم (جبهة التّحرير الإرترية) يكون فيها بنصف قلبه ونصف ولاءه دائم الشّكّ فى نوايا قيادة (جبهة التّحرير الإرترية).
وهذا ما حصل فعلا فى أعداد هائلة من أعضاء (جبهة التّحرير الإرترية) ومن أبناء المرتفعات المسيحيين، ممّن أصابتهم شظايا الدّعاية المغرضة مثل ما حصل فى إقليم(سرايى) فى بداية عام 1976 عندما قامت قوّات متمرّدة من كتائب الجبهة هناك، بمحاصرة مسؤول المكتب العسكرى (المناضل عبدالله إدريس) وطلبت منه تسليم سلاحه… وجاء مسؤول مكتب الأمن حينها (المناضل ملأكى تخلى) بقوّة من الجيش وحاصر القوات التى حاصرت مسؤول المكتب العسكرى.. وأخيرا إنتصر مسؤول الأمن بفكّ الحصار عن المناضل (عبدالله إدريس) ولكن الجبهة الّتى كان لها حساسية مفرطة فى مسألة التّعامل مع العنصر الكبساوى المسيحى جرّد هؤلاء من السّلاح وهبطو بهم إلى بركا وعسكروا فى (عليت) (3) مقرّ مدرسة الكادر حينها لتلقّى دورة تثقيفية ربّما محت من عقولهم الأفكار المشوّشة والمسمومة ولمحاربة (عشم إبليس) من ناحية أخرى فى زرع الفتنة وخلق البلبلة… وختمت الدورة بمحاضرة عن موضوع (الوحدة والإنشقاق فى الثّورة الإرترية) كان من المفترض أن يقدّمها المناضل (إبراهيم إدريس حامد توتيل) فى شهر أغسطس من عام 1976.
ساقنا حبّ التّعرف على الجبهة عن قرب للإنضمام إلى تلك (السّرية) وتلك الدّورة نجادل مع هؤلاء حول مشروعية التّعامل مع اللغة العربية وتأريخيتها ولكن بلا عمق مقنع فى المعرفة والتّأريخ.. وجدنا فى تلك الدّورة كطلاب للإستفادة والتثقّف ولسوء حظّنا كانت قد سبقتنا (سلفى ناطنّت) بدعايتها وحضورها فى وسط هؤلاء و فى معسكرات (جبهة التّحرير الإرترية) وفى أهمّ موقع لها (المكتب السّياسى) وفى (عليت) فى (بركا ركا).
كانت فى الدّورة مجموعة لا بأس بها من أبناء المرتفعات المسيحيين والذين تلقّوالتدريب على الأسلحة الثقيلة فى السّاحل(أرّاق) والمدرّبون كانوا من القطر العربى العراقى، وكان النّقاش محتدما حول: لماذا العراقيون ؟؟ ألم يكن لدينا مدرّبون كفوئين من إرتريا؟؟؟ ألا تعرف قيادة الجبهة أنّ العراقيّين لا يعرفون عاداتنا ولا تقالدينا ولا أعراقنا؟؟؟ وقام أحدهم ليقول أنّ المدرّب العراقى سأله عن إسمه؟ فردّ المناضل الإرترى بأنّ إسمه (سهلى) فقال له المدرّب العراقى: هل تقصد أنّ إسمك صالح ؟؟ يجب أن يكون صالح !!! لأنّ العرب ليس لديهم إسم(سهالى) هذا !!! وأضاف المناضل قائلا: هكذا هم يتدخّلون فى ما ليس لهم فيه، وقال فى رأىىّ يجب أن يخرج العراقيون من بلادنا قبل أن يحدثو فتنة !!!
ولكنّنا كطلبة حينها وفى جلسة جانبية حاولنا أن نهدئ من روع المناضل إيّاه إنطلاقا من أفكارنا الضّباب والطّشاش حينها وشخصيّا قلت له فى لقاء آخر حصل بيننا وبعد عقد من الزمن: أعتقد بأنّ الإسم (سهالى) هو من مشتقّـات الإسم العربى (سهيل) مثله مثل الكثير من الأسماء العربية الحاضرة وبقوّة فى مجتمعنا الإرترى بشقّيه المسلم والمسيحى: مثل آيدا… وعائدة.. وقنّت الحبشية وجنّة العربية. ولا فرق بين سارة العربية وسارة الحبشية إلاّ عندما يضاف الإسم العائلى إليه مثل (سارا مكنّن) أو (سارا عبدالله)…
مكثنا فى معسكر (عليت) هذا ما يقارب الشّهرين فى جوِ مشحون، ومنفر، لحديثى العهد فى معاشرة المجتمع الإرترى على علاّته، وخرجنا من هناك بإنطباع غير حميد بأنّ هناك تراكم سلبى وشرخ وشوشرة فيما خصّ العلاقة بين أبناء المرتفعات المسيحيين والجبهة من جهة وما خصّ علاقة إرتريا بالعرب من جهة أخرى فى مفهوم الكثيرين منهم (وهذه أزمة موجودة فى إرتريا منذ أن أخذت إثيوبيا الأولوية فى سلّم التأثير على المسيحى الإرترى.. عايشت جزء منها فى إرتريا) !!.
كنّا نتحدّث معهم وبلغة المبتدئ عن مشروعية الدّعم العربى للثّورة الإرترية !! لأنّه دعم من المحيط بكلّ علاته وعلله !!! ولكن كما أسلفت أن (إبليس) كان حاضرا فى ذاك المعسكر وبين أعضاء تلك السّرية، فى موقف أشبه بيوم خلط (سرية أديس) فى منطقة (سبر) و (ماشوا) بالقرب من مدينة (حقّـات)... حينها (أسياس أفو ورقى) و(تولدى إيّوب) (4) (قرزقهير أسمروم - حوى بشّر) (5) ومعشّو كبروم (6) كانو يوشوشون ويشوشرون على تلك السرية وهم معها وبينها (7) ولكن فى (عليت) وفى عام 1976 كانو يوجّهون تلك السّرية التى أذكر فى هذا المقام بـ (ريموت كونترول) وهم على بعد مئات الأميال فى (عنبرببْ) أو(فحْ) أو (حشكب) أو (بليقات) فى السّاحل وكنّا نعتقد بأنّ هذا الوضع الشّاذ سوف يحتاج إلى معالجة و عمل قوّى ومدروس لنزع فتيل الشّك والرّيبة الذى يملأ صدور هؤلاء (حينها لم نعرف بعد سلفى ناطنّت ومرتكزاته… وكنّا نعتقد أنّ من يسمّم علاقتنا بالعرب هو إثيوبيا فقط وليس غيرها).
ولكن للمشاكل التى واجهت المجلس الثورى فى إجتماعه الدّورى الثالث (أغسطس عام 1976) منذ تكوينه فى المؤتمر الوطنى الثّانى عام 1975 وذالك على أثر إنشطار (قوّات التّحرير الشّعبية) فى مارس 1976… إستمرّ (المجلس الثّورى) مجتمعا ما يقارب الثلاث أسابيع حول من أولى بالحوار فى شطرى (قوّات التحرير الشّعبية) فى هذا الإجتماع برأيى الشّخصى (سلفى ناطنّت) كانت أيضا حاضرة فى إجتماع المجلس المذكور حاضرة بأفكارها، بدعايتها، ممثّلة فى أعضاء المجلس الثورى (تارقّى براخى وفسهاى قبرى سلاّسى وعندآب قبرى مسقل) والأخير هو اليوم فى سفارة دولة إرتريا فى أستراليا… فأجّلت محاضرة (توتيل) إلى أجل يحدّد فيما بعد فعدنا لمدارسنا فى السّودان دون السّماع للمحاضرة إيّاها.
ولكن لم يكن هؤلاء آخر المتششكّكيبن فلحق بهم (الفالول) وحديثهم المفتون عن الجبهة الشّعبية وتقدّميتها والإعجاب المفرط بشخصية (أسيـاس أفورقى) قاهر الصّعاب وملهم الشّباب،ثمّ تبعتها (حركة سـاقم) الّتى عايشتها فى معسكرى (كركون) و (تهداى) وكانت من نفس النّسق ونفس (الموديل).. فكلّ الكوادر المتقدّمة فى (حركة ساقم) كانت مفتونة بشخصية أسياس أفورقى وبيطروس سلمون وهيلي ولدي تنساني (درّع) الّذى كان يلقّب عندهم بـ (دبترا هزباوى قمبار) وتعنى (هيلى درّع ديوان أو قاموس الجبهة الشّعبية)... كان إعجابهم بقيادات (الجبهة الشعبية) يبعث الإستغراب ولكن وفى آخر المطاف إحتضنهم تنظيم (الجبهة الشّعبية) وأصبحو يسبّحون بحمد الرّئيس وعفوه واليوم هم (حواريّون) وتبّع زعيم (الهقدف).. الحزب الّذى يشكّك الكثيرون فى شرعية إنتسابه للجبهة الشّعبية الأم لأنّه لا يحمل جيناتها الوراثية (ومنهم هيلى درّع) وقلّة من هؤلاء أبت الإنصهار والإنصياع لأوامر قيادة (الشعبية) فإحتضنها تنظيم (ويانى تقراى)… ليكونوا إحدى الحلقات فى قصة الصّراع الدّائم فى القرن الإفريقى.
وبعد ستّة أعوام من الإلتزام بنهج (جبهة التّحرير الإرتريّة) جاء عام الخدمة الوطنية فى عام 1981 وفى ذالك العام عرفت موضوع (سرّيّة أديس) و من مناضل قدم هاربا بجلده من الجبهة الشّعبية لتحرير إرتريا) سليلة (سلفى ناطنّت).. وأضاء لنا بعضا ممّا خفى فى مدى إستغلال (سلفى ناطنّت) للموضوع فى تعبئة (شركائنا فى الوطن من مسيحىّ المرتفعات الإرترية) واشعلت به روح الفتنة الطائفية في نفوس مقاتلين ابرياء لإستغلالهم فى مشروعها المغرض والمريض.
لماذا إحتاج تنظيم (سلفى ناطنّت) إلى فعل كلّ هذا ؟؟؟
بعد قراءتى للأحداث ودراسة البيانات والحيثيات يبدو أنّ تنظيم (سلفى ناطـنّـت) أراد إستغلال موضوع (سريّة أدّيس) لما بعده وأراد أن يقول للمسيحيين: تعالو نؤطّر أنفسنا فى تنظيم مسيحى لنحمى أنفسنا من خطر المسلمين وشطحاتهم، أن إستولو على السّلطة فى إرتريا.. أراد تنظيم (سلفى ناطنّت) أن يقول وللمسيحيين فقط يجب أن نتوحّد، لنكون جاهزين للمقاومة أوالمسـاومة فى المستقبل.. لاّن االإستمرار فى داخل (جبهة تحرير إرتريا) والإعتذار اليومى عمّا فعله الآباء والأجداد من تأييد لإثيوبيا وتعريض البلاد والعباد لويلات الحرب والإنشطار والإنكسار. سوف يقلّل من قيمتنا ويضعنا فى المرتبة الثانية من حقوق المواطنة.
ونفس المعنى كرّره هيلى ولدى تنسائىي حيث قال: (أرادوا أن يجعلو من طقاى قبرى مدهن قائدا للمنطقة الخامسة ولكن تآمرو عليه أخيرا فهرب لأنّه مسيحى، والمسيحى لا يملك أىّ ضمان حينها) وقال أيضا: (حتّى دواء للملاريا لم نكن نتناوله خوفا منهم، فلربّما يكون مسموما.. نتظاهر وكأنّنا تناولناه أو سوف نتناوله) وحتّى فى المعارك يجب أن تنتبه وتحرص نفسك لأنّ الخطر أو الطّلق النّارية ربّما أتتك من الخلف كما تأتيك من الأمام و ”وكثير من المسيحيين عندما يختلفو مع القيادة خوفا من أن تتّخذ القيادة خطوة ضدّهم كانو يهربون إلى السّودان“ و فى نفس المقابلة يقول (هيلى ولدى تنسائى - درّع) كانو قد أحسّو بأنّنا مناضلين من الدّرجة الثانية فى الجبهة ولذالك تعمّدو على خلق المنطقة الخامسة منطقة خاصـّة للمسيحيين) (8)
أراد هؤلاء أن يقولوا للعنصر الكبساوى المسيحى هذه هى إرتريا وهؤلاء هم المسلمون لا يؤمن شرّهم ولهم دعم من المحيط المسلم حولنا وهم منتشرون فى خمسة من مديريات هذا الوطن.. وكلّ ذالك من أسباب التّمكين الطبيعية عندهم وهبتها لهم طبيعة الأشياء ودون أجتهاد.. أمّا نحن فمحيطنا لا يشبهنا إلاّ فى أحدى نوافذه (إثيوبيا) هو اليوم فى خانة العدوّ ولو إلى حين !!! ولذالك: أهمّ أسباب التّمكين عندنا يجب أن تكون الإجتهاد والوحدة وو حدتنا وتكتّلنا فى نسيج إجتماعى وسياسى واحد نكون نحن المسيطرون فيه وعليه و(نحن) فقط !!! سيطرة كاملة و تكون لنا لنا فيه اليد العليا.. أمّا التساوى فيه مع الآخر فهو خطرُ علينا ناهيك من أن يكون الآخر مسيطر وتكون فى يده كلّ المقدّرات وكلّ السّلطة… ومن ثمّ الإعتماد على الذّات ومحاولة الإستغناء من مساعدات المحيط العربى والإسلامى من حولنا إلاّ بشروطنا.
ومن الناحية الأخرى كان لهم هدفا آخر وهو: الحافاظ على الثّقافة الحبشية كمكوّن أساسى وحيد وأوحد لهذا الوطن وكأنّهم يريدون أن يقولوا لمواطنىّ المرتفعات المسيحيين (من أراد أن يحافظ علي هذه الهوية (الحبشيّة) من الذّوبان فأسباب التّمكين عندنا نحن و (نحن فقط) نعرف طريقها وخفاياها فتعالو إلينا وإصطفّو خلفنا… وهذا الخطاب المحموم أصبح هو خطاب الجبهة الشّعبية ممارسة ونهجا وإن لم يكن مكتوبا على الورق. (9)
وبيان (نحنان علامانان) يستفزّ أبناء المرتفعات ويستنفرهم للحاق بـ (سلفى ناطنّت) عندما يتحدّث عن علاقات (جبهة التّحرير الإرتريّة) الخارجية وعن مكوّنات الشعب الإرترى ونسبة أعداد المسلمين إلى المسيحيين... وعن توزيع رقعة الأرض فى إرتريا نسبة إلى السّكان... ويإثارة مقتل (كيدانى كفلو- وولداى قدى).. وبالترويج بأنّ (جبهة التّحرير الإرترية) قتلت الكثيرين من أبناء المرتفعات المسيحيين وبالمئات لأنّ جنود الجبهة يحملون السّلاح بلا هدف واضح ويشوّهون النّضال الوطنى ويصفونه بأنّه (جهاد فى سبيل الله) ويصفون المعركة ضدّ إثيوبيا وكأنّها معركة ضدّ (الـكفر و الملك هيلى الكافر) وتركّز الوثيقة على قيادات الجبهة وتتهمها بأنها سرقت بهائم أبناء كبسا المسيحيين وأصبحت ثرّية من أموال الشّعب تشترى المنازل فى السودان ويتزوّج أعضاءها مثنى وثلاثة.. وتمضى الوثيقة لتقول: بأن شعبنا يتكون من المسيحيين الّذين يشكّلون 55,7% والشعب المسلم يمثّل 47,3% من السّكان كما أنّ أكبر كذبة فى البيان هى أنّ غالبية الشعب المسلم طالب بالإنضمام إلى السّودان فى فترة تقرير المصير ولكن يستغرب البيان أن جبهة التّحرير الإرترية التى قسمت المناطق العسكرية على أساس الإقليم والإنتماء العرقى لم تسمح للمسيحيين أن يقودهم واحدا من بنى جلدتهم (10).
ولكن ما أرادت الوثيقة قوله ”هو أنّ سكان المرتفعات يشكلون نصف الشعب الإرترى ولكن يقطنون فى رقعة تساوى ربع مساحة إرتريا“. وهذا الحديث يكرّره كثيرون من مثقفى الهضبة... ولا أدرى هل يفسّر هذا المبدأ أو هذه الحقيقة الديموقرافية كلّ التصرّفات والسّياسات التى تنفّذ فى إرتريا اليوم بإسم حكومة مركزية متسلّطة وغير عادلة فرضتها شرعية الثّورة لسدّ هذه الفجوة أعنى الفجوة الموجودة بين تعداد البشر ونسة إنتشارهم فى الأرض الإرترية ؟؟؟ ولا أدرى أن كان هذا هو السّبب الّذى من أجله يختلق ألف سبب وسبب لتأخير عودة اللاجئين الإرتيين من السـودان.. يمكن إستعمال الرّابط أدناه للإطّلاع على وثيقة (نحنان علامانان).
هذه هى قراءتى للوضع ممّا أسمعه من عامة الأفراد الملتزمين بـ (الجبهة الشّعبية لتحرير إرتريا)… والحرب التى كانت تدور رحاها فى الثلاث سنوات الماضية على صفحات (عواتى دوت كوم) بين صاحب القلم (على سالم) وكثير من المتعصّبين لفكرة ونهج (سلفى ناطنّت) كصمّام أمان وديدن ا لحفاظ على الهويّة الحبشية) الواحدة لإرتريا... وعزّزت الصّورة عندى فى وردود الأفعال الّتى قرأتها فى نفس الموقع تعليقا على المقالات الثلاث والتى نشرها الموقع بعنوان (سرّية أديس والكذب المكشوف) وبإسم (فريق عواتى) فى قبراير ومارس من هذه العام... وهذا ما دفعنى حقيقة للبحث فى موضوع (سرّية أديس) والمقارنة بين ما قيل وما كتب فيها وحولها.
وأيضا إشراك مقاتلين وماضلين من ذاك الزّمن.. ليفيدونا بما تيسّر حتى نجلى الأمر وإن لم نصل إلى حقائق قطعية فمن المؤكّد ما نحصل عليه من معلومات سوف يعطى لتفكيرى شخصيّا ولغيرى إتّجاها فى البحث والتّفكير فى حيثيات (سرّية أديس) وسوف يساهم فى وضوح الرّؤيا… بالرّغم أنّ موضوع (سرية أديس) هكذا مقطوع لا يعطى صورة حقيقية عنها لأنها لها ما قبلها و بعدها.. فوجب الرّجوع إلى الخلف إلى أحداثِ كثيرة ذات صلة.
وسلام من ربّ رحيم وحتى ألقاكم فى الحلقة الثانية...
هوامش:
1. المناضل (سرقى بهتا) عايشه الكاتب فى مدينة القضارف فى السودان نائبا لمندوب المكتب العسكرى لـ (جبهة التّحرير الإرترية) أول مسيحى فى الرّعيل الأوّل يقول أنه إنضم إلى الجبهة فى عام (1962-1963) ولكنه كان أيضا قد حمل السلاح قبل الإنضمام إلى (جبهة التحرير الإرترية) نسبة للظروف التى كانت سائدة فى إرتريا عامة ومنطقته (دقّى شحاى) فى حماسين خاصة، لم نكن نعرف علاقته بـ(سريّة أديس) طوال 6 أعوام رافقناه فيها فى العمل فى مدينة القضارف نترجم له ما كتب بالعربية ونسهّل ما صعب عليه فهمه، وحتى رسائل توجيه الجنود كان يكتبها بالتقرنية وبصعوبة… كان يتحدّث التقرى وبلهجتها البركاوية الأصيلة… كما كان يتحدّث العربية.. هاجر فى منتصف الثمانينيات وبعد دخول (جبهة التّحرير االإرترية) إلى الأراضى السودانية إلى دولة (ألمانيا الإتحادية) لاجئا مع أسرته حى توقى فى عام 2001 عن عمر جاوز الثمانين.
2. http://awate.com/srryet-addis-blatant-lie
3. (عليت) منطقة فى بركا السفلى (بركا تحات).
4. تولدى إيوب هو أحد قادة (سلفى ناطنّت) الخمسة.. صفّى بعد إتّهامه بالمشاركة فى إنشاء حركة يسارية تزعّمها (قيتؤوم برهى) فى عام 1979.
5. قرزقهير أسمروم هو أحد قادة (سلفى ناطنّت الخمسة) هو اليوم برتبة جنرال كان حاكما لإقليم (عنسبا) فى (1995-1996).
6. (معشّو كبروم) هو أحد القادة الخمسة فى (سلفى ناطنّت) إستشهد قبل 1975.
7. كتاب (ناى عينى) مسكّر لكاتبه (قرى مدهن زقرقيس).
8. مقابلة (دان كونيلل) مع (هيلى درّع) مارس 200 منشورة فى كتبه حوار مع سجناء ّ سياسين فى إرتريا.
9. مقابلة مع المناضل عبدالله ديجول أجراها الكاتب سليمان مندر نشرت فى موقع (عونا) فى عام 2010.
10. قبل إضافة المنطقة الخامسة كان غالب المناضلين المسيحيين فى المنطقة الثالثة والتى كانت تضمّ (أكلو قوزاى - وسرايى) وقائدها (عبدالكريم أحمد) سنّى فالو.. والمشرف السياسى فيها (أحمد سكرتير) وكان كلّ المسيحيين تحت إمرت وقيادة هؤلاء (سلمون ولدى ماريام - أبرهام تولدى - سيوم حرستاى - ولدى داويت تمسقن - ولداى كحساى.. وغيرهم كثيرون وذالك لم يرضى تنظيم (سلفى ناطنّت) راجع بيان نحنان علامانان.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.