أول عملية فدائية نفذها الفدائيون ألأوائل في مطار العاصمة أسمرة
بقلم الأستاذ المناضل: عبد الله حسن
ان نضال الشعب الارترى ضد الاستعمار الاثيوبى مليئ بالعمليات البطولية الفدائية منذ بداية الثورة
حتى تحرير كامل للوطن الارتري.
وعملية مطار اسمرة التى نفذت في اوائل الستينات هي احد ابرز هذه العمليات البطولية في تاريخ الشعب الارتري لاعتباارات كثيرة ولكن القليل هو الذي يعلم عن هذه العملية مثلها مثل كثير من الاحداث والتضحيات المختلفة. وهذا يعود الي اسباب كثيرة اهمها عدم الاهتمام الكافى لكتابة التاريخ وتوثيق الاحداث وسوء الفهم للتاريخ.
صحيح ان الافراد يلعبون دورا هاما في صنع التاريخ وكما تقع عليهم ايضا مسؤليات هامة لتحمل نتائجه السلبية، ولكن في النهاية التاريخ هوملك للشعب بكل ايجابياته وسلبياته ولاسيما المتعلق بنضال الشعب ضد الاستعمار الذي يضحي فيه الشعب لصنعه بكل غال ونفيس. وعليه الاعتقاد بأن التاريخ هو خاص لتنظيم سياسي معين أوجهة معينة أوأفراد محددين هو فهم خاطئي وقاصر يقود الي تشويه الحقائق أو تجاهلها فهذه جريمة كبرى يسأل عليها أي مواطن أمام محكمة التاريخ. ومن ثم كتابة التاريخ والأحداث من منطلق العداء او الكراهية أو الحقد هي أيضا جريمة لاتقتفر.
هذا وكتابة الاحداث والوقائع التاريخية تحتاج الي شخصيات أمينة تعترف بأهميتها وتدوينها باخلاص. وهذا يحتاج بدوره جمع الحقائق التاريخية أولا وتوثيقها أي كتابتها، هكذا ليتوارثه الشعب جيل بعد جيل وتنجوا من الاندثار أو التشويه. وقليلون هم من اهتموا بهذا الشأن في أيام نضال الشعب الارتري ضد الاستعمار من امثال الشهيد عثمان صالح سبى والاسباب كثيرة. وأما بعد التحرير وهي الفترة التي يجب أن يتم فيها التنقيب والتدوين والبحث لم تكن أحسن من سابقتها بسبب عدم وجود أرضية مؤاتية للقيام بمثل هذا العمل بسبب طبيعة النظام المسيطر على الساحة الارترية اولا ومن ثم الجو الغير مشجع بسبب قلة من يفكر لانجاز هذا المهام.
وهنا فى الوقت الذى أحي وأقدر أعمال اولائك القلائل اللذين يقومون بتوثيق الوقائع والاحداث التاريخية المختلفة أود ان اساهم بتدوين بعد التفاصيل عن عملية مطار أسمرة الفدائية كما علمتها من خلال لقائى مع بعد الافراد ممن شاركوا في هذه العملية وافراد اخري من فدائيون تلك الحقبة التاريخية وبعد الكتب التاريخية للثورة.
قائد هذه العملية كان المناضل الشهيد سعيد حسين محمد، وسعيد حسين هو من المؤسسين لتنظيم جبهة التحرير الاريترية في القاهرة وعضو في القيادة الاولى للتنظيم ألتي كانت تسمى اللجنة المركزية قبل تشكيل المجلس الاعلى وكانت تتكون من:-
1. ادريس محمد ادم
2. ادريس عثمان قلاوديوس
3. محمد صالح حمد
4. سعيد حسين
5. طه محمد نور
6. عثمان بشير
سعيد حسين قاطع دراسته الجامعية ليلتحق بالميدان. وفور قدومه الي السودان كان مسؤلا من الاعمال الفدائية وقام بتشكيل فرق فدائية وكان ينتقل من مدينة الي مدينة ويلتقي مع الخلايات الاولى للجبهة في مدن مختلفة اهمها اغردات، كرن،أسمرة ومدن مختلفة في السودان... وكان الهدف او البرنامج في تلك الفترة القيام بعمليات عسكرية لكي يدوى صوت الثورة في المدن كما كانت تخاض عمليات عسكرية في مواقع مختلفة من الريف وذالك لكسر الطوق الاعلامي الذى كان يفرضه العدو علي الثورة وينعت الثوار بقطاع الطرق اللذين لايتعدى حدودهم مناطق محددة من بركة ...الخ وكل محاولاته ايضا كانت منصبة حول تصفية الثورة في مهدها والحد من انشار شرارتها.
ومن العمليات المشهورة للثورة في تلك الفترة الحساسة:-
- عملية اغردات الفدائية - 1962/7/12.
- هجوم علي مركز حلحل - 1962/7/18.
- هجوم علي مركز قونية - 1962/10/21.
- هجوم علي مراكز جرست وقلوج وبارنتو - 1962/11/15.
- الاشتباك مع العدو في منطقة زرا - 1962/11/15.
- عملية مطار اسمرة - في شهر رمضان اواخر 1962.
ان هذه المرحلة الاولى التى اعلن فيها الشعب الارتري ثورته المسلحة كانت مرحلة اصيب فيها العدو بالفزع والزعر ولجا الي اساليب عدائية مختلفة للقضاء علي الثورة في مهدها. وقام بخطط عسكرية لتطويقها و جرب جميع الاغراءت والتهديدات منها اعلان العفو العام ومحاولات عديدة لتوجيه الشعب ضد الثورة. وهكذا كانت النوات الاولى من الثوار محاطة بصعوبات كثيرة وتعاني من ضعف في نواحي كثيرة ولكن تحول هذا الضعف الي قوة افقدت العدو صوابه ودفعت الثورة الي اخذ زمام المبادرة وذالك بالقيام بعمليات فدائية وهجومية خاطفة.
أما العملية الفدائية التي نفذها الفدائيون ألأبطال في مطار أسمرة وهي أول عملية استهدفت المطار في تاريخ الثورة وكانت من أكبر وأصعب العمليات الناجحة في نهاية 1962حيث تمكنوا من تدمير طائرات العدو ألتي كانت رابضة في مطار أسمرة الموقع الذي كان يعتبر في تلك الفترة ليس فقط من المواقع ألأمنة بل من المواقع ألتي لايمكن التفكير فيها او ألاقتراب منها. وهذه العملية نفذت بعد حوالي سنة واحدة من انطلاق الشرارة ألأولي ألتي دوت في جبال أدال غرب ارتريا مؤكدتا للجميع بأن ألثورة ألأرترية ليست شرارة تخمد نيرانها في تلك البقعة المحددة ألنائية بين جبال وغابات القاش وبركة بل جذورها وشرايينها ممتدة الي كل ارتريا وفي مقدمتها ألقلب أسمرة. وهكذا كانت عملية مطار أسمرة درسا للعدو وللشعب المناضل، واعلانا لزيف واعتقاد ا لعدو بأن النصر هو حليف من يمتلك القوة والجيوش الجرارة وأدوات البطش والاضطهاد كما وضحت أيضا زيف هذه النظرية معركة تقوروبا الشهيرة في سنة 1964 أي بعد سنتين من هذه العملية.
هذا وعملية مطار أسمرة كانت عملية حركت مشاعر كل الوطنيين وملأت قلوبهم بالأمل ومن ابرز مدلولاتها:-
1. اثبتت بأن الثورة ألارترية ليست ثورة أفراد خارجين عن القانون وقطاع الطرق أللذين يمكن القضاء عليهم بسهولة ولا لهم سند جماهيري واللذين لاتتجاوز فكرتهم بقعة معينة أو جهة معينة من الشعب ألارتري.
2. كانت اشارة واضحة بأن هذا ألعدو ألذي يتباها بقوته وجبروته يمكن ان يضرب أو يستهدف حتي في العاصمة أسمرة ألتي تعتبر الحصن المنيع له.
3. ان من يطالب بحقه وحريته يستمد قوته من عدالة قضيته وصموده واستعداده للتضحية والفداء، وان قوته لاتقاس فقط بكمية السلاح او ألامكانيات المادية والبشرية التي يمتلكها.
ولهذا عملية مطار اسمرة تعتبر من العمليات النوعية التي كانت لها تاثير كبير علي معنويات الشعب الارتري والعدو معا بسبب بعدها النضالي المرتبط مع النقاط الثلاثة المذكورة انفا. أما عن التفاصيل المتوفرة عن تنفيذ هذه العملية كما ذكر سابقا قام المناضل سعيد حسين بتوجيه الفدائيون الي مواقع مختلفة من ارتريا تنفيذا للعمليات التي تستهدف المدن ومواقع مختلفة من ارتريا منها كرن، اغردات، صنعفى... ومن اولائك المناضلين الابطال الفدائيون الاوائل أدم محمد حامد (قندفل) الفدائي المشهور بطل عملية أغردات، والفدائيون ألابطال الثلاثة أحمد عوض عجيب، حامد ابراهيم طمبار، وادم ادريس عمر أللذين تحصل العدوا على معلوماتهم وقبض عليهم وهم داخل مدينة كرن قبل تنفيذ العملية ألتي دخلوا من أجلها وكان هذا بتاريخ 1962/10/11 وكانوا قابعين وصامدين داخل سجون العدو رغم كل المعانات لفترة لاتقل عن 13 سنة حتي تم افراجهم اثناء عمليات اخراج المساجين المشهورة في سنة 1975 بالجبهة.
وكانواهناك ايضا اخرين أمثال المناضل عبدالله ديجول، والحسن ابوبكر، احمدين سوبا، وعثمان سيدى... وبعد فترة قصيرة خطط سعيد حسين للقيام بعملية داخل مطار اسمرة وبرفقتة الجماعة الاتية:-
1. سعيد حسين محمد - قائد الجماعة
2. عثمان محمد عبدالله المعروف (بعثمان سيدي)
3. أحمدين سوبا
4. عبدالقادر ابوبكر
5. محمود هارون
6. اسماعيل سليمان
7. عمر دين اسماعيل
والاسلحة التي كانوا يمتلكونها لاستخدامها فى هذه العملية كانت تتكون من 4 مسدسات، 5 قنبلة ايطالية، 12 قنبلة مولوتوف، هذا والقنابل اليدوية الايطالية كان قد ادخلها الي مدينة أغردات المناضل عثمان سيدي بعد ان اخفاها في سلة من الموز حتي وصلت اسمرة. أما قنابل المولوتوف جهزت داخل اسمرة وكانت هناك عضوية تستقبلهم وتمدهم بالمعلومات وبكل مايحتاجونه داخل اسمرة وكان لهم بيت واحد في حي أخريا والثاني في عداقا حموس. وتحركوا نحوى المطار حاملين كل اغراضهم بواسطت الكاروسات (كاروسا) هي عربة يجرها الحصان وكانت من الوسائل الهامة للمواصلات في تلك الفترة.والوقت المحدد لتنفيذ العملية كانت الساعة السابعة مساءا وتمكنوا من التسلل داخل المطار. والمكلفين لاحراق او ضرب الطائرات كانوا - سعيد حسين، أحمدين سوبا، اسماعيل سليمان، محمود هارون، عبدالقادر ابوبكر، اما الاثنين الباقين وهم عثمان سيدى وعمر دين اسماعيل مهمتهم كانت التوجه نحو مدرج الطائرات بعيدا من مربض الطائرات وتفجير قنابل المولوتوف هناك، وذالك لتحويل الانظار عن المجموعة التي تستهدف الطائرات. هذا وبعد ان فجرت المجموعة قنابل المولوتوف بنجاح بدأت مجموعة الاقتحام بعد عدة دقائق بقصف الطائرات بالقنابل الايطالية والمولوتوف أيضا. وفعلا في البداية وجه حرس المطار كل أسلحته اتجاه المدرج واطلقوا الانارات الليلية.... وحينها كانت قد تمكنت مجموعة الاقتحام من تدميرعدد ثلاثة طائرات واصابت طائرتان بأضرار وكانوا أيضا يطلقون النار من مسدساتهم اتجاه الحرس حتي تمكنوا جميعا الانسحاب من المطار بسلام. وانسحبت المجموعة الاولى الي شرق العاصمة اتجاه بيت جرجيس واما المجموعة الثانية اتجهت الي قلب المدينة ودخلت الي البيوت المخصصة لها.
وهكذا انسحبوا جميعا بسلام دون أي خسائر بعد تنفيذ هذه العملية التي حاول العدو التستر عليها واخفائها. ولكن وصل الخبر وبالذات الي كافة العضوية في جميع انحاء ارتريا بسرعة فائقة. وهذا الحدث كان له اثر معنوى كبير فى نفوس كل الوطنيين.ومن جانب اخر أذهل العدو وجن جنونه لان الثورة التى يقلل من شأنها استهدفت موقعه الاساسي والحساس جدا رغم الحراسات المشددة ولم يتوقع بتاتا بأن هذه الشرارة يمكن أن تنتشر بهذه البساطة وتضربه في عقر داره.
أما عن مصير أبطالها بعد هذه العملية:-
1. سعيد حسين واصل نضاله بكل همة ولم يفارق أسمرة بتاتا حتي قبض عليه العدو بعد فترة قصيرة عند رجوعه الي أسمرة مع زميله محمود هارون واخرين للعمل ايضا وحكم عليه بالسجن لمدة 18 سنة ونقل الي سجن الم بقا في اثيوبيا فورا وقضى في السجن حوالي 12 سنة و اعيد الي سجون ارتريا. واخيرا عندما كان في أسمرة رسمت الجبهة خطة لاخراجه من السجن وخرج في سنة 1975. واختير عضوا في قيادة الجبهة في المؤتمر الثاني وواصل نضاله حتي استشهد بتاريخ 1978/5/22 في منطقة عبى بجنوب دنكالية.
2. عثمان سيدي واصل نضاله في الجبهة مناضلا ومقاتلا جسورا من أجل تحرير الوطن منذ تلك الفترة حتي تقاعد بسبب صحته وكبر سنه ودخل ارتريا بعد التحرير مع عائلته حتي وافته المنية بتاريخ 2010/9/13 في تسني.
3. أحمددين سوبا يقال انه في جبوتي.
4. عبدالقادر أبوبكر توفي في السودان في مدينة القضارف اثر مرض الم به في سنة 1970.
5. عمر دين اسماعيل لاتوجد معلومات عنه.
6. محمود هارون كان مسجونا مع زميله سعيد حسين حتي تم اخراجه مع المساجين الذين تم الافراج عنهم بواسطة الجبهة في عملية اخراج مساجين عدي خالا المشهورة... واستشهد في مقراييب بالقاش بسبب معاناته من اثار التعذيبات التي تعرض لها في سجون العدو.
7. اسماعيل سليمان هو من المناضلين الصامدين المشهورين، واصل النضال في عدة مواقع مع الجبهة وقدم تضحيات كثيرة حتي مشارف التحرير وهو الان حي يرزق في احد الدول الاروبية.
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.