منعطفات ارترية وعشم ابليس في سرية أديس - الحلقة الثانية
بقلم الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب ومؤرخ إرتري، المملكة المتّحدة
خلفية الصّراع الإرترى الإرترى: أعتقد أن موضوع الصّراع الّذى كان بين الكتلة الإستقلالية
و حزب الإنضمام إلى إثيوبيا الأم (أندنّت) ترك مراراته واثره على الإرتريين فى الدّاخل، ونقلوه معهم إلى الثّورة لأنّ الخلاف لا نستطيع إختزاله إلى صراع بين أحزاب إختلفت فى الرّؤيا والطّرح فقط، ولكنّه كان إختلاف على مصير الوطن.. و نستطيع القول إن كان قد إنتصر (حزب الإنضمام) أو (حزب التقسيم)، وكُتب لإنتصارهما الديمومة لا سمح الله لكان الوطن فى خبر كان.. ولإنّ ما إستعملته الأحزاب من أسلحة دينية وقبلية فتاكة كادت أن تعصف بالوطن وخاصّة (حزب الإنضمام) الّذى إستعمل وبقوّة البعد الدّينى والدعاية الطائفية القويّة بطريقة لم يبرأ منها الوطن حتى اليوم.
وليت الأمر توقّف على الدعاية والحملات بل تعدّاه إلى اللجوء إلى سلاح الإغتيال والقتل والتشريد لوأد (الكتلة الإستقلالية) فكان إستشهاد (أبو الشهداء عبدالقادر كبيرى فى عام 1947 (والباشاى نصر الدّين) فى محطّة قطار (إمبا درهو) شمال غرب أسمرا، و(السنيور فيتوريو لونقى) أحد كبار زعماء الجمعية الإرترية الإيطالية، فى قلب العاصمة الإرترية أسمرا، فى يونيو من عام 1950، وإغتيال (الأزماش عبدالقادر جابر)، عضو الرّابطة الإسلامية فى أسمرا بأيدى إمتدادات (حزب الأندنّت) العسكريّة) (1)
تفشّت فى تلك الحقبة طاهرة الـ (شفتا) الخارجون عن القانون، و الكثيرون منهم كانو يتلقون الدعم المالى والسلاح من (إثيوبيا) وكانو يسافرون إلى إقليم (تقراى) المتاخم للمشورة وتلقى التوجيهات والشكر على كلّ عمل يقومون به ضدّ الطليان وأخيرا ضدّ دعاة الإسقلال... فإهتزّ الوطن فى ثباته ووجوده وإستمراريته.. وخرج من بين ثنايا (جمعيّة حبّ الوطن) مؤسّسوا حزب الإنضمام إلى إثيوبيا مثل(بلاتا أبرها ولدى تاتيوس) صاحب الولاء للملك (2) منذ زمن سحيق والّذى كان له إرتباط وثيق بباشكاتب الملك (تأزاز ولدى قرقيس) من عتاة الإرتريين المنادين بوحدة إرتريا مع إثيوبيا وصاحب سلطة وجاه فى أديس أببا، ووزير خارجيتها فى إحدى الحقب، ووزير شؤون إرتريا فى الحكومة الإثيوبية فى حقبة أخرى، ومترجم الملك فى الحوارات الأممية، و من ثمّ التدخّل السّافر من العقيد الإثيوبى المتآمر (نقّا هيلى سلاسى) فى الشّؤون الإرتريّة، منذ بداية الأربعينيات وحتى رحيله من إرتريا فى عام 1951. (3)
والأهمّ من هذا كلّه تصدّرالكنيسة الأرثزوكسية وقساوستها الشّأن السّياسى فى البلاد، والّذين لم يكن فى مقدورهم التفريق بين العام (الوطن) والخاص (الدّين) فإختاروا (أدّيس أببا) عاصمة للملك والدّين، فأحدثت الكنيسة الشّرخ والإنقسام ولم تترك مجالا للمعتدلين للتبصّر والمراجعة.. ولكن الأحزاب التى تمثّل المسلمون تمسّكت بالوطن ومدّت يد التعاون ولم تستعمل السلاح برغم قلته عندهم إلاّ فى حالات الدّفاع عن النّفس، المسلمون إختارو الإستقلال كردّ فعل لإختيار المسيحيين وزعماؤهم، الإنضمام إلى إثيوبيا، و المسلمون رفضو أيضا (إثيوبيا) لمعرفتهم بحال المسلمين فيها، وإختارو الوطن المشروع (إرتريا) ليحافظ فيه الكل على هويته ودينه فى وطن واحد متجانس ومتفاهم.
ولكن إثيوبيا لم ترد لنا التفاهم لأن أطماعها لم تسمح بتفاهم الإرتريين فإستعملت عامل الدين وعزّزت الكره للإيطاليين، وما التغنّى بمجد (زرآى درّس) وقتله لأكثر من إيطالى فى روما أثناء رحلة التدريب إلاّ نموزجا صارخا، لإستغلال أىّ بطولة أو موقف إرترى من إيطاليا الفاشيستية، لصالح الصّراع الإثيوبى فى سبيل إستحواز إرتريا لتكون المقاطعة الرّابعة عشر فى دولة الإقطاع والكهنوت.
وإثيوبيا كانت دؤوبة دائما فى إرسال إشارات ورسائل تقنع المسيحى الإرترى بوحدة المصير والمسار، فكانت قبلة لكلّ من تمرّد على الحكم الإيطالى من أبناء الهضبة الإرترية مثل (بهتا حقوص - سقنيتى) وغيره لجأ الكثيرون إلى الملك المنقذ (هطى هيلى سلاسى) هربا بدينهم الأرثذوكسى من الهجمة الإيطالية الكاثوليكية، أو أملا فى إستعادة ملك، أو سلطان، أو أرض إغتصبت فى كلّ مناطق الموارد والخصوبة... فتكرّم الملك بإرسال الشباب، وأصحاب الحظوة منهم، إلى أحسن الجامعات الأوروبية للتعليم، ومن ثمّ بوّأهم أحسن المناصب فى إثيوبيا، لأمر فى نفس يعقوب، و إستعدادا لبدأ مؤامرة الإستيلاء.. ويذكر من هؤلاء (بلاتين تأزاز ولدى قرقيس)... و(بلاتين قيتا إفريم تولدى مدهن) والسيّد (داويت عقبازقى) وغيرهم الكثيرون (4) وكلّهم إرتريّون ومسيحيّون ومن المرتفعات، خدموا الملك وإثيوبيا، ووقف بعضهم لإلقاء كلمة إثيويا والإمبراطور فى منبر الأمم المتّحدة، متحدّين شعبهم الإرترى وممثليه، مثل الزّعيم إبراهيم سلطان، ويسين باطوق، وولدآب ولدى ماريام وغيرهم من دعاة الإستقلال ووحدة إرتريا أرضا وشعبا.
ولكن بدأت الثّورة وروح الشّك والريبة يملأ جوّ العلاقة بين المسلم والمسيحى بحكم أن المسلمون فى غالبيتهم إختارو الإستقلال إلاّ قلّة لا تذكر ولكن زعماء (حزب الإنضمام) حاولو وبتلك القلة إضفاء صفة الشمولية على حزبهم وعدم تفريقه بين المسلمين والمسيحيين ذالك ربّما لوجود(الباشا صالح أحمد كيكيا) فى نيابة رئاسة الحزب الّذى كان يرأسه فخريّا (رأس كدانى ماريام قبرى مسقل) من (عرّزا) فى إقليم (سراى) والرّئيس فيه فعلا وإسما كان (دقّيات بيّنى براخى) من (أربعة أسمرا) وكان فيه من وجهاء المسلمين القلّة أيضا مثل: (كنتيباى عثمان هداد) والشيخ (سليمان الدّين) والفيتورارى (على بخيت) (5).
إنّ فترة الأربعينيات كانت مستفزّة للمشاعر الأخوية بين الشعب المسلم والشعب المسيحى فى إرتريا، ولم يترك التدخّل الإثيوبى مجالا للوئام وكان يزيد المواقف إلتهابا، وكان يدفع الأمور بإتّجاه المزيد من التشنّج والإعوجاج معتمدا على البعد الدينى.
ولمعرفة حجم التدخّل الإثيوبى ومساهمته فى تأزيم العلاقة الإرترية - الإرترية يمكن ذكر (مذبحة أسمرا) لنرى كيف حاولت إثيوبيا صبّ الماء فى الزّيت، وإستنفرت رجال الدّين ووجهاء المسيحيين الإرتريين لإعطاء المذبحة بعدا طائفيا.
ففى يوم 28أغسطس من عام 1946 قام شجار بين السودانيون فى الجيش الإنجليزى فى حى (أبا شاول) وبعضا من شباب المسيحيين فى إحدى أيام أعياد الفطر المبارك، راح ضحيّته ثلاث من السودانيون قتلى وثلاثة جرحى..وعدد أكبر من المسيحيين الإرتريين قتلى وجرحى. ولكن الجو الطائفى الذى صاحب تلك المذبحة المشؤومة كان أكثر كارثيّا... حيث ضخّم منها القساوسة الإرتريون وإعتبروها حربا طائفيّة ورفضو التعويضات التى صرفتها الإدارة البريطانية فى إرتريا لذوى الضحايا، وقادو حملة شعواء ضدّ الأجانب وخاصة الإيطاليين منهم والعرب، وإثيوبيا التى كانت تطبخ (الفتنة الطّائفية) على نار هادئة أدان الحادثة ملكها (هيلى سلاسى) وأرسل تعويضات إلى ذوى الضحايا وكلّف بذالك ضابط الإتصال الإثيوبى فى أسمرا سيّئ السّمعة العقيد (نقّـا هيلى سلاسى) (6)فى إشارة واضحة للمسيحيين تقول :(نحن أولى بالدّفاع عنكم).
فدلائل الحرب الطائفية كانت تطلّ برأسها تتزعّمها الكنيسة الأرثزوكسية والقاساوسة حيث كان يقول راعى الكنيسة الأرثزوكسية (الأب ماريقوص) محرضا المسيحيين قائلا ”أيّها الأمّة المسيحية إنّ المسلمين يتطلّعون إلى الإستيلاء على الجاه والسّلطة والنّفوز الذى ظللتم تتمتّعون به طوال ثلاثة أو أربعة آلاف عام“ (7)
ثمّ ذهب قسّ آخر ابعد من ذالك وهو القسّ (ملأكى طهايه أبّـا نفتاليم) الّذى كان يرأس الكنيسة الأرزوكسية فى الأربعينيات فى إحدى خطبه مخطئا دعاة الإستقلال قائلا”يبدو إنّ اللذين يدعون للإنفصال يريدون الدّخول فى تحدّ مع الرّب (8)
هذا التراشق بالكلمات المسمومة والتعبأة الطائفية لم يقتصر على القساوسة ورجال الدّين بل تعدّاه إلى الزّعماء المدنيين من أبناء المرتفعات المسيحيين ومن حزب الـ (أندنّت) هم أيضا ساهمو بقدر كبير فى زرع الفتنة وتوسيع هوة الخلاف بين المسيحيين والمسلميين، حيث قال الفيتورارى (تدلا بايرو) فى إحدى مقالاته فى صحيفة (إثيوبيا) الناطقة بإسم حزب الإنضمام بتأريخ 15 يونيو 1946 وتحت عنوان (الحبّ والكراهية) واضعا فيه الوطن والعقيدة فى مرتبة واحدة، نورد منها فقرة واحدة تكفى لما كان عليه الحال: يقول بايرو يا شعب مرب ملاش (إرتريا) لا تغفل ولا تنخدع فحبّ الوطن الحقيقى هو عقيدة لأنّـه ينطلق وينبع من الإيمان فلا تتزعزع وتمسّك بهويّتك الإثيوبية (9)
ويمكن إستشفاف التعصّب إلى إثيوبيا، من خلال المقالات النّارية لمدير تحرير صحيفة (إثوبيا) والذى خلف (تدلا بايرو) فى إدارة الصحيفة الكاتب (قبرى مكئيل قرمو - زى برقت) نأخذ منها نموزجا قوله ”إنّ كتب التأريخ تعلّمنا إنّ من يتنكّر لحاكمه أو ملكه، كمن يتنكّر لربّه، لهذا يعدّ منبوذا من مجتمعه لسبعة أجيال من المواليد“. هذا نموزج مختصر لإحدى المقالات النّارية لهذا الكاتب ويمكن للقارئ أن يطّلع على المزيد منها فى كتاب (لا نفترق) لكاتبه (ألم سقّد تسفاى) وكلّها تمجّد (إثيوبيا والملك) وكانت تلهب حماس وتضغضغ مشاعر المسيحيين الإرتريين.
وفى محاولة لإستئصال زعماء الكتلة الإستقلالية، القيت القنابل اليدويّة على منازل بعضا من قواد الكتلة الإستقلالية، مثل: (الحاج إمام موسى)، والدجّيات (حسن على) فى عام 1946 (10) وتصيّدوا بعضهم فى الشوارع والأزقّة ن ومحاولات القتل الفاشلة للسيّد (ولدآب ولدى ماريام المناضل المخضرم الذى لا يستكين) وهناك الكثير من الأحرار فى المرتفعات إغتالتهم (عصابات الشّقتا) المجرمة قى إقليم (سراى) وأكلو قوزاى) (11)
وهنا وجب القول أنّ عوامل الإنسجام مع إثيوبيا الجارة بالنّسبة للمسيحى الإرترى أكبر منها مع المسلم الإرترى، بالرّغم من تفوّق عدد المسلمين على تعداد المسيحيّين فى إثيوبيا، وتلك إحدى خفايا الصّراع التأريخى فى القرن الإفريقى والمسكوت عنها إلى يوم الإنفجار، (ما نراه اليوم من نفور مسيحى وإقبال للمسلم الإرتري فى شكله المعارض هو آنى ووليد الحجة والحاجة).. فهناك عامل الّدين وهو أكبر عوامل التقارب، ويأتى بنفس القوّة والقدر عامل اللغة المشتركة (تقرنية) ومن ثمّ الإحساس الدّائم والمستمر فى نفس الفرد الإرترى الكبساوى المسيحى (أنّنا لا أحد يشبهنا فى المنطقة إلاّ إثيوبيا).
هذا الإستكان الإرترى المسيحى إلى إثيوبيا، لا أجد له فى المقابل تواما فى علاقة المسلم الإرترى نحو السودان أو اليمن أو الصّومال المملكة العربية السّعودية… فكلّها لنا بها علاقات روحية ودينية وعمق إجتماعى… ولربّما السودان هو الأقرب نسبة لعامل الجغرافيا، والدين و العرق واللغة.. وهو لازال كذالك حتّى إشعار آخر، وهو الأقرب وهو الملجأ وهو الإختيار الأخير... ولكن ليس الوطن البديل ولكن من المفارقات فى هذه العلاقات عندما إختار إنسان المرتفعات المسيحى الإرترى (إثيوبيا) لتكون له المركز والمرجع، فى أربعينيات القرن الماضى وجد السّند السياسى والنّصح والإرشاد والعتاد الحربى، وعندما إختار قلّة من المسلمين (تقسيم الوطن) وأخذ نصيبهم منه للإنضمام به إلى السودان، غاب عنهم الدّعم السودانى المعنوى والعسكرى تماما، والعذر والسّبب: يقال لأنّ السودان نفسه كان فى فترة الإربعينيات وحتى منتصف الخمسينيات تحت إستعمار الإنجليز !!!
هل هذ هو السبب الوحيد الذى منع السودان من المساعدة والمؤازرة ؟؟؟ لا أجزم بذالك لأنّ السّودان الرّسمى كان أيضا غائبا حتى بعد تحرّره من قبضة الإستعمار من مساندة الثورة الإرترية مادّيّا ومعنويّا.. بل على العكس من ذالك وقف نظام الجنرال عبّود فى السّودان ليسلّم أحرار إرتريا إلى حكومة (الإمبراطور هيلى سلاسى) وجاء حكم الأحزاب وحكومة الصّادق المهدى، لتواصل نفس العداء ونفس الموقف وتطارد أحرار إرتريا من بيت إلى بيت… امّا حكومة المّشير نميرى) لم تقف الموقف الذى إنتظره وتوقّعه منها الشّعب الإرترى والمراقبون، لأنّها أتت بعد فترة نضج ووعى سوداني، متأثّرا بثورة أكتوبر السودانية، و بعد إنكشاف النشاط المخابراتى الإثيوبى من داخل أرض السودان على الثورة الإرترية، بل كان موقف (المشير) صعودا وهبوطا ضدّ الثورة ومعها على حسب ما تقتضيه ظروف ومصالح حكمه، وختم أخيرا مواقفه بنقطة سوداء وهى محاصرة جيش (جبهة التحرير الإرترية) فى تهداى و(كركون) فى 24 يوليو 1981، كما إقتضت مصالح شخوص (ثورة مايو) وزعماءها أيضا ترحيل (الفلاشا) الإثيوبيين من معسكر (تووا) للاّجئين فى السّودان (12) إلى إسرائيل عبر بلجيكا فى عمليّة سمّيت بـ (عمليّة موسى) وأقحمت فيها جهات إرترية, لا زالت طىّ الكتمان حتى يأتى يوم نفض الغبار عنها وكشفها… وليأتى بعدها نظام لإنقاذ، والذى لم يستطع حتى اليوم إنقاذ السودان ناهيك من مساعدة إرتريا وإنقاذها ممّا هى عليه.
هذ العمق الإستراتيجى للمسيحى الإرترى فى إثوبيا لا يتركه المسيحى الإرترى ليكون حبيس أفكار ويذكر فقط فى الخطب والمحافل بل يترجمه عمليا، لأن آخر حيثيات فعله كانت معركة طرد (جبهة التحرير الإرترية) من السّاحة الإرترية، وذالك للتحضير والتشطيب الأخير لخوض المعركة الأخيرة مع (الدّرق) ولتحسم معركة المواجهة الأخيرة لصالح الشعب الإرترى عامّة ولكن بلمسات وتحالف (مسيحى إثيوبى - إرترى). قويّة وواضحة.. إنطلاقا من مصالح مشتركة عامة ومعلن عنها، وهى صيرورة لتأريخ طويل هو إحدى نقاط التأريخ الإرترى نفسه وأخرى لا يعلن عنها، وهى لا زالت طىّ صدور صنّاع الأحداث، وأحد عناوينها هو (بادمّى).. ولتقف المصالح أيضا فى (بادمّى نفسها) أو فى (عدّى تخلاى) القريبة من بادمّى.. حتّى إشعار آخر.. وأتى الإستقلال وإعلان السّيادة على الأرض (بإثتثناء) بادمى.
ولكن الإستقلال أتى وكان مريحا أكثر للعنصر السيحى الإرترى وحسّ فيه بالفخر والإعتزاز والإستحواز، وقوّة الإنتماء، وكلّها مفارقات متلازمات، وليس شيئ أدلّ عليها أكثر من محاولة وظهور ملامح حسم الصراع الإرترى - الإرترى اليوم أيضا من، وفى، إثيوبيا نفسها.
وفى عهد الإستقلال أيضا كان يظهر النّظـام الإهتمام بإثيوبيا أكثر من نفس المنظور الكبساوى وهو منظور (سلفى ناطنّت) ومن نفس منظور الحفاظ على (مصالح المسيحى الإرترى فى الهضبة) فقال الرئيس فى مقابة أجريت معه فى.. (مجلة النّبض) فى عام 1992 حين سئل عن مدى أهمية علاقة إرتريا بالسودان من جهة وبإثيوبيا من جهة أخرى ؟؟
فردّ الرئيس: ”بأنّ الإثنين مهمين للعلاقات التأريخية التى تربطنا بهم.. ولكن عندما ألحّ الصّحفى بالسؤال على الرّئيس قائلا: يا سيادة الرّئيس إن جاءت لحظة الإختيار أىّ الدولتين أهمّ وأقرب إلى إرتريا ؟؟؟ ردّ الرّئيس بأنّ“ كلاهما أهم !!! ولكن بالرّغم من إصرار السّائل وضع الرّئيس مصالح إرتريا المشتركة مناصفة بين السودان وإثيوبيا… لأنّه أحيان لا ينطق بالأشياء قبل أوانها!! وليس لأنه يعير إهتماما، لمدى عمق العلاقات الإجتماعية لإنسان المنخفضات الإرترى بالسّودان والتواصل الإنسانى والحضارى بينهما. ولكن بعد قراءة ما وراء السّطور والإتّفاقيات التى كانت تجرى بين إرتريا وإثيوبيا حينها… نستطيع أن نتحسّس لمن الأولوية فى العلاقة الإستراتيجية لإرتريا بين الجيران… وفى منظور الـ (هقدف).
و يقول الكاتب (ألّنا) فى هذا الصّدد وفى حلقته الرّابعة أنّ (أسياس أفوورقى) يحلم أحيانا بتوسيع سلطاته ومناطق نفوزه… فيحلم بالوحدة أو فدرالية مع إثيوبيا وإعادة بناء دولة (تقراى - تقرنية) ويستطرد (ألّنا قائلا ”أنّ أسياس أجرى لقاءا صحفيّا فى المملكة العربية السعودية فى أبريل من عام 1994 سأله فيه الصّحفيون قائلين“ هل يوضّح الرّئيس عن مصير علاقة إرتريا بإثيوبيا وعن إمكانية إجراء إتحاد فدرالى بينهما ؟ ردّ الرّئيس قائلا ”سؤلت هذ السؤال من قبل حول إمكانية إقامة كونفدرالية مع إثيوبيا قلت حينها أنّ الإمكانية والقدرة متوفّرة والفرصة متاحة“ ويقول (ألّنا) ”وإعتمادا على تلك المقابلة سأله الصحفيون الكينيون فى أغسطس من عام 1995 عن نفس الموضوع فتنكر بأن قال: أنّى لم أقل بأنّنا نريد أن نقيم فدرالية مع إثيوبيا“.
ولكن جاء (سفير النظام حينها فى إثيوبيا (هيلى منقريوس) ففسّر الطلاسم ووضع النّقاط فى الحروف حين قال: (حتى الحدود سوف تمحى بين إرتريا وإثيوبيا وربّما عملت الدّولتين نظام حكم كونفدرالى فى المستقبل.
وأستودعكم الله حتى الحلقة القادمة...
هوامش:
1. كتاب (لا نفترق) لكاتبه ألم سقّد تسفاى) ص 526
2. (المرجع السابق صفحة 248)
4. (المرجع السابق صفحة 359)
5. كتاب (مدخل إلى تأريخ إرتريا - وتجربتى فى الثورة الإرترية للمناضل (فسّهاطين قبرى) (صفحة 39-40)
6. (لا نفترق) ص 203
7. (لا نفترق) ص 260
8. كتاب لا نفترق لكاتبه (ألم سقّد تسفاى) ص 259
9. نفس المرجع السابق
10. (لا نفترق) ص 205
11. نفس المصدر السّابق
12. إسم جبل وقرية صغيرة شمال مدينة القضارف فى شرق السودان كان فيها معسكرا للاجئين الإثيوبيين وجزء خاص (ليهود إثيوبيا - الفلاشا).
للتواصل مع الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.