نـــاى عينى مسـكّــر (شاهد عـيان) فى تأريخ الثّـورة الأرترية - الحلقة الثالثة

تأليف المناضل: قرمدهن زقرقيس  ترجمه الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب إرتري، المملكة المتحدة

و بعد مؤتمر (أدوبحا) علمت (القيادة العامة) بتواجد هؤلاء المقاتلين الجدد فى منطقة (سلدْ)

و أرسلت على الفور ثلاث رسائل عاجلة ومتتالية إلى المناضل (سلمون ولدى ماريام) وكلّها تذكّر إحضار هؤلاء الجنود الجدد وبسرعة ليخضعوا لعملية الخلط فى الجيش تطبيقا لقرارات مؤتمر (أدوبحا) ولكن المناضل (سلمون ولدى ماريام) إختار الصّمت وعدم الرّد.

ولكن القيادة العامة بعد فترة إنتظار أرسلت مقاتلين إلى (سلمون ولدى ماريام) أتوا به مقيّدا أمّا المقاتلون الجدد فجمعتهم فى منطقة ضواحى (كرن) مثل (حلحل) وأ(سماط) فى مناطق (ماريا طلام) وحضّرت لهم برامج مؤقتة للعمل، وإختارت لهم قائدا هو المناضل (سرقى بهتا) (لازال المناضل (سرقى بهتا) مناضلا ومؤمنا بخطّ جبهة التّحرير الإرترية) وإختارت لهم مجموعة من ذوى الخبرة للتّدريب وبعد إكمال التّدريب طلبت (القيادة العامة) حضورهم إلى (منطقة ماى شوا) (4) القريبة من (حقّات) و (عدردى) لإتمام مهمّة الخلط فى جيش الـحرير الإرترى وفى السـاعة الثّامنة صباحا وصل أعضاء القيادة العامة و عرضت (سرّية أدّيس) عرضا عسكريّا إرتاحت له القيادة العامة وقالت (إنّه تدريب جيّد) وإنّه تقدّم إيجابى .. ولكن قالوا لهم (إنّ سبب تجمّعنا اليوم هو أن تستلموا مهامكم وتتفرّغوا لواجباتكم، ولذالك نريد أن نوزّعكم فى الجيش كلّ 6 فى سرية وكلّ إثنين فى (فصيلة) ولكن أعضاء (سرّية أديس) إعتقدوا أن ذالك التوزيع القصد منه تشتيتهم و رفضو طريقة التّوزيع جملة وتفصيلا وكان ردّهم (تدرّبنا ما فيه الكفاية أعطونا السّلاح ووجّهوننا كسرية كاملة إلى أى جهة تشاؤون) وثبتوا على هذا الموقف وإستمرّ الأخذ والعطاء والجدل فى هذا الموضوع من الثا منة صباحا وحتى الثامنة مسـاءا.

كان واضحا أن هذا الجدل والتخطيط لم تكن مصدره (سرية أديس) ومناضليها حديثى العهد فى النّضال لأنّ (أسياس أفورقى) كان متواجدا فى (ماى شوا) وكلّ أعضاء القيادة العامة أيضا لم يخفى عليهم شيئا ممّا كان يجرى خلف الكواليس، كانوا يعرفون ويتابعون الأمر عن كثب و(أسياس أفورقى) كان معه حينها (تولدى إيوب) و (معشّو كبروم)(1) و (أسمروم قرزقهير) و (زمكئيل)(2) كانوا كلّهم حاضرين، صامتين وكأنهم لم يفعلو شيئ، ولا يدرون بشيئ، ولكن كلّ مرّة كان يطلب بعضا من أعضاء (سرّية أديس) الإذن للخروج إلى الخلاء لقضاء الحاجة وكانو يلتقون (بأسياس) والمجوعة إيهاها.

عمّ القيل والقال فى مكان الإجتماع واللّقط والوشوشة صارا سيّدىّ الموقف.. ولكن فى ألأخير إتّضح الأمر جليّا (للقيادة العامة) من أين يأتى الشّرّ وتيقّن أيضا فى أوساط سرّية أديس ومن يدير أمرهم فى الكواليس بأن القيادة العامة كشفت أمرهم، فتوافقوا على التّراجع عن مواقفهم وصرّحوا بأنّهم مستعدّون لتتوزيع والإلتزام بقرارا القيادة العامة ووزّعو فى كلّ أنحاء إرتريا.

شهر تقريبا من هذا الإجتماع وغرق الميدان الإرترى بالرّسائل ما بين أعضاء (سرّية أديس) المنتشرون فى كلّ صوب وكلّ ركن من أنحاء إرتريا و وقع جزء من تلك الرّسائل فى أيدى (أمن الجبهة) وعندما حاول الأمن قراءتها وجد أنّ الرّسـائل مشفّرة جزءا منها مكتوب على شكل أرقام والبعض منها مكتوب بحروف أقرب إلى الرّوسية وبعد متابعة طويلة وفى بعض الرّسائل المكتوبة بالتقرنية كانت تورد كلمات مثل: أبشرو.. لا تيأسو.. لنعمل كما إتفقنا.. هذه كانت نصوص وردت فى كثير من الرّسائل التى وقعت فى أيدى أمن الجبهة.

ولكن القياددة العامة مثلت أمام أعينها تجربة قيادة الوحدة الثلاثية مع عمليات التّجسس الإثيوبية على الثورة الإرترية وبادرت فى الإسراع فى إبتداع الحل وحماية الثّورة من المخاطر وقرّرت جمع كلّ عناصر (سرّية أديس) فى مكان واحد وبدأت أولا فى تجميع من هم فى (بركا) وكان عددهم 17 عنصرا وحتّى يأتى بقيّة زملاءهم فرزت لهم مجموعة للحراسة من 12 مقاتلا وأقاموا بهم فى (دبر سلا) ولكن عناصر (سرية أدّيس) واللذين كانوا معبأين حتى الثمالة بالأفكار العدوانية عملوا على تنفيذ خطّـة للإنتقام من قوّة الأمن التى كانت تحرسهم، والخطّة مفادها إنتزاع السّلاح من حرّاسهم وقتل من يقتل ومن ثمّ التسليم إلى العدوّ الإثيوبى فى مدينة (أغردات) ولذالك على حسب الخطّة كان يجب أن يأخذ أحدهم الأذن لقضاء الحاجة ومن ثمّ ينقضّ على الشّخص المناوب فى الحراسة وينتزع منه سلاحه وآخر يهشّم بصخرة رأس قائد مجموعة الحراسة، وإثنين آخرين يهجمون على حامل المدفع (برين) أو (تريشى) ورفيقه… وفى أوّل خطوة فى تنفيذ الخطّة هشّموا رأس قائد مجموعة الحراسة فإستشهد فى الحال، ولكن العنصرين اللّذين كانا مكلّفين بالإنقضاض على حامل الـمدفع (برين) فشلا فى إنتزاعه من صاحبه لأن حامله كان قد نام وهو ملتفّا على سلاحه.. وفى هذه اللحظة قتل عنصر من عناصر(سرية أديس) المكلّفون بالمهمّة والبقية الباقية من (سرية أديس) ومجموعهم (16) فرّوا وسلّموا إلى العدوّ الإثيوبى فى مدينة (أغردات) وحينها إنتشر الخبر فى كلّ أنحاء الميدان بأنّ عناصر (سرية أديس) قد خانت العهد وعندما سمع باقى عناصر (سرية أديس) بالخبر هربوا وسلّم البعض منهم إلى العدوّ الإثيوبى ولكن البعض إختفى ليلتحق لاحقا بتنظيم(سلفى ناطنّت).

أريد أن أنوّه فى هذا الصياغ بأن (أسياس أفورقى) بعد مؤتمر (أدوبحا) وبعد خلط جيش التّحرير الإرترى كان قد إتّجه مع بعضا من رفاقه لمواصلة العمل فى شئون التنظيم إلى مناطق (رإسى عدّى) و(عد شوما)… وهنا بالرّغم ممّا قيل وما سوف يقال من المغالطات فى هذا الموضوع إلاّ أنّ هذه هى الحقيقة وهذا ما رأيته بأمّ العين هذه هى القصّة التى خلقت لنا التشرزم والإنشقاقات ولكن لأن البعض لا يريدون أو لا يستطيعون تقبّل الحقيقة المجرّدة ولا مصلحة لهم فى إحقاق الحق وإبطال الباطل ولذالك يحاولون دائما وأبدا لوى عنق التأريخ ليلائم أهواءهم ومصالحهم الشّخصية وذالك ما أثبتته تجارب الثّورة الإرترية.

إنّ (أسياس أفوورقى) و (سلمون ولدى ماريام) مجرمون وللتغطية على جرائمهم يحاولون دائما تحميل الآخرين شرّ جرائمهم ويتّهمون الجبهة بالطائفية والدّموية والقتل (عامّة حراديت) ولكنّهم لا يستطيعون أن يحجبو عنّا رؤية الحقيقة… ولذالك موضوع (سرّية أديس) لا تتحمّله (جبهة التّحرير الإرترية) ولا يتحمّله عناصر (السّريّة) نفسها بقدر ما يتحمّله من كان قد أبات النّية الخبيثة ليستغلّهم وقودا لنواياه الإنفصالية والإنشقاقية وهم قادة تنظيم (سلفى ناطنّت) حينها التنظيم والذى أصبح (الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا) لاحقا.

المناضلون الأبرياء عناصر (سريّة أديس) يتحمّل مسؤوليتهم من عبّأهم ومن كان يلقّنهم ماذا يقولون وكيف يتصرّفون وكيف يحاورون (القيادة العامّة) حتى ألقى بهم إلى التهلكة وهؤلاء هم قيادة الجبهة الشّعبية اليوم وتلك حقيقة تأريخية.

صورة عامة عن الحالة فى عـام 1970 عام الإنشقاقات:

(أ) فى مؤتمر (أدوبحا) كان قد تقرّر تجميد المجلس الأعلى حتى إنعقاد المؤتمر الوطنى العام وأيضا تقرّر فيما تقرّر تجميد صلاحيات قواد المناطق الخمسة .. ولكن ظهرت هناك ظاهرتين تأريخيتين وكانت تلكم الظّـاهرتين مؤشرا لما سيكون عليه الحال فى المستقبل القريب.. قائد المنطقة الرّابعة المناضل (محمّد على عمرو) وهو القائل أنه ليس هناك قوّة تستطيع أن تقصيه من منصبه رفض قرار التّجميد جملة وتفصيلا .. ولكن المناضل (أبرها تولدى) والذى كان قائد المنطقة الخامسة قال: سوف أتنازل من سلطتى وأتقبّل القرار إن كان ذالك يساعد على سلامة ووحدة الشّعب والتنظيم.. والمفارقة فى الموقفين كان درس لا ينسى وعبرة لمن إعتبر !!!!

(1) المناضل (محمد على عمرو) أوضح بموقفه ذاك بأنّ سلطانه أهم له من وحدة الشّعب ووحدة المقاتل الإرترى هذا من جانب ومن الجانب الآخر اثبت بأنه جاهز للإنشقاق أو مستعد لفعل ذالك فى المستقبل القريب... ولم يكن خافيا العلاقة التى كان حريصا على تنميتها مع المناضل (الشّهيد عثمان صالح سبّى) وآخرين من أبناء إقليم (سمهر).

(2) ولكن ما خصّ المناضل (أبرها تولدى) أكّد بأنه حريص على وحدة الشّعب والمقاتل ولم يكن لديه نوايا إنشقاقية وذالك دائما وأبدا كان يقاوم الإنشقاق والنّفس الطّـائفى لـ (سلمون ولدى ماريام) و (أسياس أفورقى) وأتباعهم و ذالك بوقوفه مع قرارات مؤتمر أدوبحا عكس المناضل (محمّد على عمرو) الّذى بدأ بالإتّصال بالمناضل (عثمان صالح سبّى) لتأسيس تنظيم جديد… ولكن المناضل (أبرها تولدى) طلب إجازة وعندما سمح له توجّه إلى منطقة ميلاده حوالى (عالا) مع مناضل آخر يدعى (تخلى) ولم يمهلوه طويلا إذ قتل بواسطة مجموعة (سلمون ولدى ماريام) و(أسياس أفوورقى) لأن وجوده حيّا كان سوف يعرقل نواياهم الإنشقاقية لأنه كان شخصا محبوبا ومقبولا من المقاتلين ومن أفراد الشّعب.

(ب) عند نهاية أعمال مؤتمر (أدوبحا) كان بعضا من أعضاء القيادة العامة قد بدأ فى العمل والإتّصال فى الداخل والخارج من أجل الإنشقاق ولذالك قيّدت القيادة العامة (6) ستة عضوا من أعضاءها لما كان لهم صلة فى ذالك التّحرك وضالعين فيه وكانوا كلّهم من أبناء (مديرية سمهر) ولكن فى عام 1971 أطلقت سراحهم قيادة مجموعة (عوبل) مخالفة بذالك قرار القيادة العامة.

(جـ) المناضل (عثمان صالح سبى) ومعه بعضا من بقايا المجلس الأعلى وجزء آخر من أعضاء القيادة الثّورية التى كانت تقود العمل من (كسلا) وبعض أعضاء (حركة تحرير إرتريا) عقد مؤتمرا فى (عمان) عاصمة الأردن وأخرجوا لنا قيادة جديدة سمّيت الأمانة العامّة وبقرارات جديدة أيضا ترفض مؤتمر (أدوبحا) وقراراته.

(حـ) قامت الأطرا ف المعارضة للقيادة العامة فى السودان، بالتأثير على بعضا الجنود الّذين دخلوا إلى السودان فى تلك الفترة للعلاج أو لأسباب أخرى وتمّ إغراءهم بالمصروف لهم ولعوائلهم وأشاعو بأن القيادة العامة خرجت من قرارت مؤتمر (أدوبحا) وأنّها غير حريصة وغير أمينة على مخرجاته، وكأنّهم هم الأحرص على وحدة الجيش وبذالك حتّى يتمّ إبقاءهم فى السّودان.

(خـ) قام أيضا البعض بإحباط معنويّات الجنود فى داخل الميدان وشجّعوهم لترك الميدان والدخول إلى السّـودان ومن ثمّ عبر اليمن إلى دنكاليا.

(د) وفى هذا العام أيضا قتل (ولداى قدى) و (كيدانى كفلو) اللّذان كانا عضوان متعاونان مع القيادة الثورية فى كسلا.. وذالك بسبب تهمة العمل مع (صالح سبى) لشقّ التنظيم ولكن قوى الإنشقاق إستغّلت ذالك الحدث شرّ إستغلال بأن أشـاعت أنّ تنظيم (جبهة التّحرير الإرترية) ما هو إلاّ تنظيم للقتلة والسّفّاحين.

(ه) وفى شهر (يونيو) (6) من عام 1970 عقد مؤتمرا فى دنكاليا فى منطقة (سدوح عيلا) وأسّس هذا المؤتمر تنظيما جديدا بزعامة (عثمان صالح سبّى) وبقيادة (محمّد على عمرو) و (مسفن حقوص) و (الأميين محمّد سعيد) وسمّى التنظيم الجديد (قوّات التّحرير الشّعبية).

(و) وفى شهر (يونيو) (6) أيضا عقد أربعة من أعضاء القيادة العامة من أبناء البنى عامر وهم (آدم صالح) و (محمدأحمد إدريس) و (عثمان عجيب) و (أحمد عمر) عقدوا و بعضا من مؤيّديهم إجتماعا فى بركا وفى خور (عوبل) وخرجو ا بقرارت تأييّد لتنظيم (قوّات التحرير الشّعبية) ومن ثمّ أطلقوا سراح أالأسرى ال (6) أعضاء القيادة العامة عربونا للتقارب مع تنظيم (قوات التّحرير الشّعبية) ومن جهة أخرى أطلقو على أنفسهم تنظيم (قوات التّـحرير الإرترية).

(ز) أمّا أسياس أفو ورقى مع بعضا من رفاقه إدّعى بأنّه يعمل للجبهة وأظهر الإلتزام فى مناطق (عد شوما) و (مرارا) ولكن عندما وصل تنظيم (قوات التحرير الشّعبية) قريبا إلى مناطق البحر الأحمر بدأ الإتصال بهم وتحصل على الدعم والمساعدات من جنود وسلاح ومؤن وأخيرا أعلن إنفصاله ببيانه ذات الطّابع المسيحى (نحنان علامانان) (نحن وأهدافنا).

هومش:

(1) ورد فى كثير من مراجع أنّ الإسم الثانى للمناضل (معشّو) هو (إمبّاىّ) مع التّحفظ على تبديل الأسماء للمناضلين فى المرتفعات خوف الإيذاء من العدوّ وأتباعه لأهل المناضل أو لما للأسماء من أسرار.

(2) ربّما قصد (زمكّئيل كتما) أحد أهمّ عناصر سلفى (ناطنّت) ومن الّذين تركوا الجبهة وإنشقّوا منها مع (أسيّاس أف ورقى) وأسّس معه التنظيم وحضر مؤتمر (تخلى) وشارك فى كلّ معارك الحرب الأهلية فى (عيت) و (قبر وأت) و) دمبوبيت) (دبر إبن) وقرقّر) وكلّ المرتفعات ولكنه فى صراع الأجنحة بلباس إقليمى أحسّ بالهزيمة أمام (مجموعة أسياس) فإختار أن يواجهها وهو فى جيش العدوّ الإثيوبى الذى أتى منه وقاد جيشا عرمرما من المليشيا لذالك الغرض ولكنّه قتل فى معارك تحرير (بارنتو) عاصمة القاش عام 1983.

نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة... لكم تحية

Top
X

Right Click

No Right Click