نـــاى عينى مسـكّــر (شاهد عـيان) فى تأريخ الثّـورة الأرترية - الحلقة الثانية

تأليف المناضل: قرمدهن زقرقيس  ترجمه الأستاذ: عبدالفتّاح ودّ الخليفة - كاتب إرتري، المملكة المتحدة

أحوال التّخابر والجاسوسية فى الجبهة: العدوّ الإثيوبى لم يدّخر جهدا من العمل

فى عرقلة مسيرة الثورة الإرترية وإفشالها فجرّب كلّ السّبل وهنا سوف أذكر تجربتى الشّخصية فى موضوع التّجسّس ومع أنّنى سوف أتطرّق إلى موضوع (سرّية أديس) لاحقا وعلاقته بقرار قيادة الوحدة الثلاثية بعدم تسجيل أو قبول مناضلين جدد ولكن لما له من صلة مع الموضوع الّذى سوف أتطرّق له الآن أرجو أن تتابعونى.

سلطات الملك (هيلى سلاسى) عملت ولأول مرّة (مهرجان) فى أسمرا فى عام 1969 وطُلب حينها من جميع القوميات أن تحضر وتشارك بثقافاتها وتراثها ولذالك الغرض أختير من مدينة (قندع) ما يربو على العشرين (20) شابا للمشاركة فى هذه المناسبة لتمثيل تراث التّقرى وأذكر من هؤلاء (ود حجّى) و(ود كيراى) ولكن لأن هدف تدمير الثّورة الإرترية كان مبتغاهم وكان (اسرات كاسا) و(تسفاهنّس برهى) رأس حربة فى الموضوع ولذالك جنّد هولاء الشّباب لصالح المخابرات الإثوبية وليقوموا بأعمال تخابريّة فى مناطق تواجد الجبهة وحوالى منطقة سكنهم (قندع) وأوعد المسؤولون هؤلاء البسطاء بالمال والجاه إن نجحو فى مسعاهم، فى إفشال الثّورة الإرترية أو جلبو معلومات مفيدة عن الجبهة.. هؤلاء الشّباب بسذاجتهم صدّقوا الوعود وإنطلقو من (أسمرا) إلى (قندع) ومن هناك إلى مناطق تواجد قوات الوحدة الثّلاثية.. وفى وسط هذه المجموعة كان شابا إسمه (مسعود) كان مناضلا فى (جبهة التّحرير الإرترية) قبل تلك الحادثة ولكنّه كان قد سلّم نفسه للعدوّ الإثوبى ولكنه أيضا خرج مع هذه المجموعة للمرّة الثّانية هذا الشّاب (مسعود) كان قد حاول فدائيين من الجبهة تصفيته مرّتين ولكنه كان قد نجا فى المحاولة الأولى من موت محقّق وجرح جرحا بسيطا أمّا المرّة الثانية النّيران التى قصدته أخذت غيره.. فكان نصيبها بعض السّيدات اللائى كنّ يخدمن فى (حانوت الخمر) الـ (بار) والّذى كان مسرحا للعمليّة.. تعمّدت ذكر تأريخ هذا الشّخص لأنّه بخروجه إلى الجبهة للمرّة الثانية كان قد حكم على نفسه بنفسه بالإعدام ولكن الجبهة كانت قد بلّغت بكلّ حيثيات ذاك التّحرك المشبوه من خلاياها الدّ اخليّة فى داخل المدن ومن مدير مدينة (قندع) شخصيّا (كفليرى عبده عمر) و (كفليرى عبده عمر) كان قد حصل على المعلومات شخصيّا من حاكم إرتريا (أسرات كاسا) ولكن (جبهة تحرير إرتريا) بعد أن تحصّلت على قائمة الأسماء سحبت كلّ المجموعة المشتبه فيها من الجيش وأُرسلوا إلى قسم التحقيقات وبعد إعترافهم بجريمتهم نفّذت فيهم قيادة الوحدة الثلاثية حكم الإعدام هذا سبب ولكن إنتشار شبكات التّجسّس هو الّذى منع (قيادة الوحدة الثلاثية) من تسجيل جنود جُدد وكان سبب خلاف المناضل (أبرها تولدى) والمناضل (سلمون ولدى ماريام) فيما يخص قبولنا كمناضلين جُدد.

و كانت أيضا هناك ظاهرة تجسسية أخرى من أحد الأشخاص كان يتدرّب على التّجسّس وإدّعى بأنّه (مصرى) الجنسية وأراد هذا الشّخص أن يناضل فى صفوف (الجبهة) حتى الإستشهاد وطلب قبوله.. قبلته قيادة الوحدة الثلاثية مصدّقة نواياه وظانة فيه الخير وبعد عدّة أشهر من متابعة أمور الجبهة وبعد تأكّده بأنه لا يستطيع فعل شيئ هرب من منطقة (قرقرا) فى مايو عام 1969 وحاول دخول مدينة مصوّع ولكن إنقضى الليل و أصبح عليه الصّبح قبل أن يصل إلى مصوّع فإختفى فى مكان ما وهنا قيادة الوحدة الثلاثية علمت بخبر إختفاءه فأرسلت الأطواف للبحث عنه بمساعدة الجماهير.. الشّخص المعنى هذا إشتدّ عليه الحر وأرهقه الظّمأ فجبر للهبوط إلى مورد الماء فى العصريات وفى حوالى الساعة الرابعة مساء فقبضت عليه مجموعة من أبناء شعبنا وسلّم إلى قيادة الوحدة الثلاثية وبعد التّحقيق إعترف بأنّه حضر للتجسّس وعند التفتيش وجدت معه سـاعة خاصة للتسجيل وأخيرا تأكّد بأنّ هذا الشّخص لم يكن مصريّا وإنّما كان (إسرائيليا) وجاسوسا خطيرا عمل فى مهنة التّجسّس فى الكنقو.. ولكن عرفنا لاحقا بأنّ جبهة التّحرير الإرترية سلّمته إلى سوريا لمعرفتها بموضوع تبادل الأسرى بين إسرائيل ودولة سوريا، لربّما إستفادة منه فى ذالك.

الظّروف السّـياسية فى الدّاخل:

كان هناك صراع فى داخل (جبهة التّحرير الإرترية) بين مؤيّدى الوحدة والإندماج والرّافضين لها أى الرّافضين لدمج قوات المناطق العسكرية الخمسة وظهر ذالك جليّا عند التّحضير لمؤتمر (أدوبحا)

بالنّسبة لى شخصيّا العيادة الّتى كنت أعمل بها فى الغالب كان مسؤوليها من أبناء مصوّع و (حرقيقو) أذكر منهم (الأمين محمد سعيد) عضو قيادى فى الجبهة الشعبية اليوم (عبدالقادر إدريس لوبينت) و(أحمد حيوتى) و(أحمد منتاى) والعيادة التى كانت فى (قدم) كان معظم مسؤوليها من (حرقيقو)… كنّا نلاحظ وقتها إجتماعات مكثّفة وغير رسمية بين الأشجار والصّخور وفى الليل بعد غياب الشمس، ولم يشرح لنا أحد ما الّذى يجرى على السّاحة ولكن كان لنا إعتقاد بأنّنا حديثى العهد بالنضال فلا داعى لشرح كلّ شيئ لنا.. ولكننا كنّا نتكهن بأن القوم يحضرون لإنشقاق وحصل فعلا فى العام 1970 حيث نتج عن تلك الإجتماعات تكوين تنظيم قوات التحرير الشعبية فى (سدوح عيلا).

ولكن الجانب الوحدوى فى الجبهة واصل فى نضالاته كالسيل الجارف ووصل إلى مؤتمر (أدوبحا) وكانت هناك مؤشّرات تدلّ على النّجاح وهى:-

1. إنّ الجنة التى أرسلتها (قيادة الوحدة الثلاثية) للإتّصال بالمنطقة العسكريّة الأولى والثانية بتأريخ 25-11-1968 كانت قد وجدت قبولا وإستحسانا من كلّ الأطراف.

2. المنطقة الأولى كانت قد نظّمت مؤتمرا لوحداتها بتأريخ 2-4-1969 وإختارت من بين مقاتليها لجنة للإتصال بالمنطقة الثّانية وقيادة الوحدة الثلاثية.

3. المنطقة الثّـانية أيضا نجحت فى تنظيم مؤتمر لوحداتها بتأريخ 13-5-1969 وإختارت لجنة للإتصال بالمنطقة الأولى وقيادة الوحدة الثلاثية وتلك المجهودات كلّلت بالوصول إلى مؤتمر (أدوبحا) العسكرى الّذى عقد فى 10إلى25 من شهر أغسطس عام 1969 وكان من ضمن قراراته:-

1. إختيار قيادة عامّة واحدة للجيش من 38 عضوا..

2. تجميد عمل المجلس الأعلى حتّى إنعقاد المؤتمر الوطنى وتجميد صلاحيات قواد المناطق ونوّابهم.

3. تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر الوطنى الجامع يعقد خلال عام من نهاية مؤتمر أدوبحا.

4. إقامة لجنة لتقصّى الحقائق فى الجرائم التى أرتكبت بحق الشعب تتكوّن من 18 عضوا.

5. كما قرّر مؤتمر (أدوبحا) مركزية القرارات ومنع أى جهة من إصدار القرارات أو بيانات بإسم التنظيم وبدون الإستئذان من القيادة العامة.

6. كما أقام مؤتمر (أدوبحا) لجنة لجمع ممتلكات التنظيم.

وهنا ومن النّظرة الأولى لمنتوج المؤتمر وقبل التّعمق فى التحليل نستطيع أن نقول أنّ مؤتمر (أدوبحا) كان إنتصارا لوحدة الّشعب والجيش والثّورة وكان مؤتمرا لإرساء المسار الدّيمواقراطى الصّحيح وكان ضربة للحالمين بالسلطة والإنشقاق والإنفصال أنطلاقا من دوافع رجعية و إقليمية ودينية.

وبعد إنتهاء مؤتمر (أدوبحا) بتأريخ (25-8-1969) جمعت القيادة العامة الجيوش للخلط العام وكان ذالك فى (طهرا) و(أروتا) وأنا شخصيا كنت مع الجيوش الّتى جاءت للخلط فى منطقة (سبر) وفى (خور سبر) كانت حاضرة القيادة العامة بكامل عضويتها وأطوافها (المرافقين).. وسبب تواجدهم كان أيضا لحضور (تأبين) (تذكار) كان قد أقامه أهل الشّهيد وعضو القيادة العامة (جعفر جابر) فى حوالى منطقة (حلحل) وطلبو من القيادة العامة أن تشرّفهم بالحضور وكان أيضا (أسياس أفورقى) حاضرا وموجودا حضرت القيادة وجموعا لا يستهان بها من الشعب ذبح فى ذالك اليوم ما قار ب الخمس أو الستّة من النّعام إنتظرنا فى ذالك المكان يومين كاملين… ومن هناك إنطلقنا إلى منطقة (بيان) فى (جنقرين) وهنا إجتمعت القيادة العامة وأستمرّ إجتماعها ما قارب على الـ (24) سـاعة لوضع حطط العمل وبعد إنتهاء الإجتماع تحرّك معظم أعضاء القيادة إلى منطقة (حلحل).

أبنـــاء (سـلفـى نـاطنّت) و(سـرّيـّة أديـس):

كنت قد ذكرت مقدّما الخلاف الّذى كان سائدا بين المناضل الشّهيد (أبرها تولدى) والمناضل (سلمون ولدى ماريام) بخصوص تسجيل مناضلين جدد والمسألة من وجهة نظرى يجب أن لا ينظر إليها كخلاف بين شخصين وإنّما هى قضية خلاف كبرى ووجهة نظر عامة ولها علاقة بمسـألة الإنشقاقات التى حصلت لاحقا.

المناضل (سلمون ولدى ماريام) بعد أن بعثنا إلى (قيادة الوحدة الثلاثية) واصل فى إضافة مقاتلين جدد إلى التنظيم وفى مناطق (ماى حبار) و (نفاسيت) و (عالا) وبالذّات هؤلاء الّذين كانو يأتون من (أديس أببا) واللذين عرفوا لاحقا (بسرّية أدّيس) كان سلمون ولدى ماريام يستقبلهم فى (أفْ لِبا) ويجمعهم فى منطقة (سَلَدْ) والمناضل (سلمون) كان يعمل عمله هذا بمساعدة سائق فى شركة (ستايّو للنقل) وإسمه (تخلى هايمانوت) لأنّ (تخلى) هذا كان يعمل فى الشّركة المذكورة فى رحلاتها من (أديس أببا) إلى (أسمرا) وعرفت أنّه حىّ يرزق ويعيش الآن فى دولة (السّويد).

(سلمون ولدى ماريام) كان مناضلا عالىّ الهمّة وكان مخلصا وقويّا ولذالك وثقت فيه الجبهة وأوفدته إلى (أديس أببا) للتوعية وتجنيد أعضاء لـ (جبهة التّحرير الإرترية) عندما كان فى قيادة المنطقة الثّالثة.. وتلك كانت فرصته لتجنيد عدد كبير من طلاب (جامعة أديس أببا).. سلمون هذا الذى كان يعرف بالقوّة كان أيضا يتميّز بالخبث والدّهاء والمكر لا يضاهيه فيه أحد.. وأيضا كانت تربط (سلمون) صلة قويّة بـ (أسياس أفورقى) وكان تابعا له يأتمر بأمره ولذالك جمعوا تلك القوة لتكون لهم رصيد طائفى إحتياطى لمخطّطهم الإنشقاقى وأعود إلى المناضل (سلمون) إن مكره وخبثه كان يقوده حتى للغدر بزملائه فى النّضال ولزم علىّ هنا فضح بعضا من أعماله الإجرامية.

(سلمون ولدى ماريام) والمناضل (أرّفاينى) كانا مسؤولى الوحدة الثلاثية فيما خصّ العمل الفدائى فى العاصمة (أسمرا) ونواحيها فكان (سلمون) يجمع المال والمناضل (أرّفاينى) يهتم بالعمل العسكرى فكان مختصّا فى إستئصال العملاء للنّظام الإثيوبى ولكن فيما يخصّ موضوع الوحدة الوطنيّة فى الثورة الإرترية كانت آراء الإثنين مختلفة تماما ولذالك تخلّص (سلمون ولدى ماريام) من رفيقه فى النّضال (أرّفاينى) ومعه 8 مقاتل من رفاقه بطريقة غير مباشرة كيف؟

كانوا سويّا فى منطقة (دِرْفُو) وجاءت للمنطقة قوّة (كماندوز) ولكن حالف الحظّ (سلمون) ورآهم فى الأول وإختار وتعمّد عدم إخبار رفيقه بقدوم القوّة، ولم يسرع أيضا فى أطلاق النّار لتنبيه زملاءه بل هرب ونآى بنفسه إلى منطقة (قُلْعِى) ولكن المناضلين الـثمانية ومعهم قائدهم (ارّفاينى) حوصروا من قبل قوّة الـ (كماندوز) وطلب منهم الـ (كماندوز) التّسليم وإلقاء السّلاح ولكنهم رفضو ا وقاوموا وقتلوا ما إستطاعوا منهم ولكنّهم إستشهدوا جميعا بعد نفاذ ذخيرتهم.

وعندما سُئل (سلمون) لاحقا عن طريقة إستشهادهم قال (أراد أرّفاينى) أن يختبئ ويمرّر الـ (كماندوز) ولكن كان هناك رجل يجمع فى (التين الشّوكى) (بَلَسْ) كان قد رآه ومجموعته فأخبر الـ (كماندوز) بمكان تواجد (أرّفاينى) وبذالك يقول (سلمون) أضرّ (أرافيانى) بنفسه وبمجموعته وأستشهدوا جميعا.. وكتب بذالك تقريرا موثّقا ولكنّه كان تقريرا خاليا من الأمانة والصّدق وخاليا من الأخلاق والمبادئ.

نواصل... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة... لكم تحية

Top
X

Right Click

No Right Click