ذلك الظلم والجور الذى لم يتعرض له بعضنا

ترجمة: سعيد عبد الحي المصدر: النضال الدائم من أجل الحرية في إرتريا

ما هي المشكلة الحقيقية في إرتريا ؟ هل تتلخص او تختزل فقط فى وجود ديكتاتور ؟ حسبما تريده منا بعض الاطراف أن نصدق.

• هل ان مجرد عزله اوازاحته عن السلطة ستحل جميع مشاكل البلاد ؟
• هل هناك فرق جوهري بين سياسات الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا / والجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، اى الحزب الحاكم، أم يا ترى ان الحزب الحاكم ما هو الا مجرد نواة صلبة للنسخة ألاكثر قمعا من الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا ؟
• ومتى يا ترى بدأت الأمور تسير على غير ما يرام ؟
• هل حدث هذا خلال فترة الكفاح المسلح أو حتى قبل ذلك ؟
• ام انه بدأ منذ عام 1991، أو في عام 2001 ؟

هذا المقال محاولة لتسليط الضوء بشكل موجز على بعض القضايا الأساسية التي عادة لا يشعر بها أولئك الذين يعيشون فى منأى من وحشية النظام منذ عام 1991 أو منذ تمكن الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا من فرض هيمنتها علي الساحة الارترية في عام 1981.

لقد اصبح الارتريون عرضة لجملة من المظالم التى لو سلط عليها الضوء فإن كل واحد منها يمكن ان يكون موضع نقاش عميق. فيما يلى بعض الاضاءات من كتاب شتيل ترونفول والمعنون "الكفاح الدائم من أجل الحرية في إرتريا"، الصادر فى عام 2009.

وهذا المقال موجه لاؤلئك الذين يرغبون في الاستماع إلى روايات مختلفة لتاريخنا، ولأولئك الذين يرغبون في البحث عن الحقيقة، ولأولئك الذين يرغبون في التعلم (وليس فينا من يملك الحقيقة المطلقة، وأنا أنا لا أدعي أن روايتى هي الحقيقة المطلقة) ومن ناحية اخرى هذا المقال لا يخاطب اؤلئك الذين يتعمدون النوم على آذانهم حتى لا يسمعوا ما لا يريدون.

التفوق الثقافي وممارسة التمييز ضد الأقلية:

سكان المرتفعات من المسيحيين الأرثوذكس فى ارتريا واثيوبيا والذين يعيشون نمط الحياة الزراعية المستقرة (عكس مجتمعات الرحل) دأبوا دائما على فرض هيمنتهم على عالم الحبشة، وبالتالي كان لهم دور فعال في رسم وتصميم سمات السياسية للدولة والثقافة السائدة للأمة.

في حالة إرتريا، تفاقمت هذه الهيمنة حتى بعد الاستقلال كما أن الوزن الديموغرافي للسكان التجرينية زاد إلى حد كبير مقارنة بسكان الدولة الجديدة (حيث ان المتحدثين بالتجرينية يشكلون في إثيوبيا حوالي 8٪ من التعداد الاجمالى بينما اصبحوا في إرتريا المستقلة يشكلون حوالي 50٪).

تقاليد الحكم لدى سكان المرتفعات بالتمازج مع ما يرون أنه نمط إنتاج أكثر تقدما (الزراعة المستقرة)، وثقافة أكثر تطورا، وانهم يتمتعون باستنارة اخلاقية افضل من خلال اعتناقهم المسيحية - كل ذلك أثر سلبا على إقامة التنوع الثقافي الحقيقي فى ظل إرتريا المستقلة. والمثال على ذلك يتمثل فى عدم وجود حماية لحقوق الاراضى الرعوية فى قانون نظام حيازة الارض وفرض سياسة تعليم اللغات الأم كوسيلة للتعليم في المدارس الابتدائية.

تناقضات الحقوق اللغوية:

تنفيذ سياسة اللغات في إرتريا خلق نمطا، أكثر توافقا بثلاثة أضعاف مع التوجه الديني اكثر منه الى التوجه العرقى. المجموعات السكانية المسيحية تقبلت بالكامل هذه السياسة التى تهدف الى فرض التعليم باللغة الام. ولا غرابة فى ذلك فيما يتعلق بالمجموعة العرقية المهيمنة أى التجرينية، لأن لغتهم الأم هي أيضا اللغة الرئيسية للدولة. لكن الكوناما، الذين هم في الغالب يدينون بالمسيحية (اللوثرية البروتستانتية) اعتمدوا أيضا لغتهم الكوناما كوسيلة للتعليم في المدارس. كما فضلت ايضا الأقلية المسيحية من المتحدثين بالتجري استخدام لغتهم التجري.

من ناحية أخرى اختارت المجتمعات الإسلامية التى تشمل التجرى، النارا، العفر، الساهو، البلين،البداويت والجبرتة اللغة العربية بدلا من اللغات العرقية. وتشير التقديرات إلى أن التجرينية يشكلون ما يقرب من نصف سكان ارتريا، ولكن 82٪ من المدارس يتم فيها تدريس التلاميذ باللغة التجرينية (حيث ان 68٪ اى 370 من اصل 459 من العدد الكلي للمدارس تدرس فيها المواد باللغة التجرينية حسب بيانات عام 1996 -1997). وبالتالي فإن الهيمنة المطلقة للغة التجرينية كوسيلة للتعليم في المدارس لا تعكس التركيبة السكانية لمناطق المنخفضات. وعلاوة على ذلك، تعتبر التجرينية هي اللغة الوحيدة للتعليمات أثناء التدريب العسكري ولغة قيادة الجيش الإرتري الذي يولى هذا الامر أهمية غير مسبوقة في المجتمع الارتري العسكري، واكثر من ذلك، تعتبر التجرينية لغة التعامل الرسمى السائدة في الدولة، لأنها تستخدم كلغة عمل فى الدوائر الحكومية البيروقراطية والمحاكم والفنون وبين المثقفين.

كرد فعل محتمل على هيمنة ثقافة التجرينية، تحولت الجماعات المسلمة فى المنخفضات الى اللغة العربية كلغة تدريس بدلا من لغات الأقليات. هذا التوجه يكون أكثر بروزا بين مجموعة التيجري، التي تعد ثاني أكبر مجموعة، حيث تشكل حوالي 30٪ من سكان البلاد، ولكن 5٪ فقط من المدارس (29 من أصل 549) تستخدم التيجري كلغة للتعليم (بيانات عام 1995-1996)، وعلاوة على ذلك فإن 3٪ فقط من التلاميذ في المدارس الابتدائية يتعلمون بلغة التيجري، في حين ان 12٪ اختاروا اللغة العربية كلغة للتعليم (المرجع: عام 2003). وهذا مؤشر على أن اللغة العربية تتحول إلى لغة مشتركة بين المسلمين الإرتريين، فهم يمارسون شعائرهم الدينية مثل الصلاة وغيرها باللغة العربية، كما انها تستخدم من قبل القيادات الدينية في المساجد وكذلك من قبل المعلمين في المعاهد القرآنية. وفى اوساط القضاة التقليديين حيث يسود استخدامها في إدارة امور الشريعة الإسلامية. كما ان اللغة العربية هي أيضا لغة التجارة والأعمال بين افراد المجتمع المسلم الارتري.

هذا هو اذن الدافع وراء الاقبال على اللغة العربية لتلبية الاحتياجات المحلية والعامة، كما تنعكس تلك الحقيقة بشكل اقوى من خلال معرفة انه خلال الفترة من 1994/1993 إلى 1997/1996، بدأت 32 مدرسة جديدة فى استخدام اللغة العربية كلغة للتدريس، متجاوزةً بذلك معدل النمو لجميع اللغات الأخرى، بما في ذلك التحرينية (والتي كانت نسبة زيادتها الصافية قد بلغت نسبة 22 %). ويبدو أن الحكومة تفسر زيادة الاهتمام باللغة العربية بانه يمثل تعبير عن معارضة لسياسة اللغات التى تنتهجها، وانه في نهاية المطاف رفض لأيديولوجيتها القومية، كما يتم تفسيرها على انها ضد الخطاب التاريخي الذى ساد ارتريا بعد انهيار الاستعمار الإيطالي عام 1941.

وبصفتها لغة اقليمية وعالمية كبرى، قد تظهر العربية كلغة أكثر جاذبية للتعلم من لغات الأقليات العرقية. لهذا فإن مقاومة سياسة استخدام المسلمين للغتهم الأم في المدارس الإرترية يرتبط بقرار واعي لتحقيق استراتيجيات الرقى الاجتماعي والاقتصادي على نحو ارحب واوسع، لا سيما ان تحقيق النجاح والمزايا الاقتصادية والسياسية يكون متاحا أكثر لأولئك الذين يجيدون اللغة العربية وليس لغات الأقليات الإرترية. بالإضافة إلى ذلك، قد ينحى المسلمون الإرتريون إلى اللغة العربية والعقيدة المشتركة كاستراتيجية لمقاومة الهيمنة السياسية للثقافة التجرينية المعبر عنها من خلال سيايسات حكومة الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا / الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة.
هذا النقاش والتناول الموجز لتنفيذ السياسة اللغوية للحكومة يوضح ان الانقسام بين المرتفعات والمنخفضات وبين المسيحيين والمسلمين، أى بين التجرينية وبين الأقليات، لا يزال سائدا إلى حد كبير في إرتريا.

• إهمال الحقوق الرعوية: تبنى برنامج إصلاح الأراضي الإرتري (المرسوم رقم 58/1994) وجهة نظر اصحاب نمط الحياة الزراعية المستقرة، وتجاهل حقوق نمط الحياة الرعوية البدوية. خلال فترة الكفاح المسلح انتهجت الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا سياسة توطين البدو، في حين أن جبهة التحرير الارترية قامت بدعم نمط الحياة البدوية ودافعت عن نمط معيشتهم لكسب الرزق. بعد الاستقلال، لم يذكر الرعي اطلاقا كمجال محتمل لتحقيق النمو والتنمية المستدامة. ولم يتضمن مرسوم الإصلاح الزراعي أي أحكام خاصة تتعلق بحماية حقوق الرعي أو حقوق حركة قطعان المواشى لسكان المنخفضات الذين يمارسون تقليديا حياة الترحال البدوى والنمط الزراعي الرعوي المختلط. ويمكن اعتبار هذا بمثابة انتهاك للحقوق الثقافية لتلك الجماعات.

• العرق: توصف إرتريا رسميا بانها بلد تسكنه تسع مجموعات عرقية، متنوعة في الثقافة والدين وأنشطة الإنتاج: تقسيم الاعراق إلى فئات محددة من المجموعات السكانية يعتبر امر صعب من وجهة النظر العلمية، على سبيل المثال، قام نادل، الذي شغل منصب مسؤول إداري عسكري في البلاد خلال الحرب العالمية الثانية، بوضع قائمة لعدد من الجماعات والعشائر لكنها غير معترف بها رسميا اليوم. كمجموعات متميزة.

Top
X

Right Click

No Right Click