المناضل محمد عمر محمود كبريتاي أبو الكل

بقلم الأستاذ: أحمد محمد داير - كاتب وناشط سياسي إرتري

فى النصف الثاني من السبعينات كنا مجموعة من الطلاب فى مكتب جبهة التحرير الارترية

محمد عمر محمود كبريتايفى دمشق وتصادف وجود المناضل كبريتاى هناك ثم استأذن وخرج.

علق أحد الزملاء بالقول (هؤلاء يعيشون على هامش الثورة) فى اشارة الى كبريتاى.

بعد كل هذه السنين لا أزال أذكر هذه الكلمات وأشعر بالأسى على الزميل الذى لم يعش حتى على هامش الثورة واختار ان يشق طريقه ليعمل ويكون أسرة.

لكن المشكلة ليست هذا الزميل فقط وإنما هو تفكير كثيرين يمنعهم الحياء من التعبير كصاحبنا.

الراحل الكبير محمد عمر محمود الشهير بكبريتاى والذى يحلو لبعض المناضلين مناداته ب (أبو الكل) من ابناء بورتسودان واشتهر بهذا اللقب لشجاعته وشدة انفعاله حين يغضب. هو يذكر ذلك حين يغضب (انا امى ما سمتنى كبريتاى).

كان الرجل يعمل فى الميناء لديه رخصة تتيح له حرية الحركة فيها وفى وضع اقتصادى مريح فى تلك الفترة من نهاية الخمسينات الى أن التقاه الراحل الكبير محمد سعيد ناود ودعاه إلى الانضمام الى الحركة الناشئة وقتها... حركة تحرير ارتريا فانضم دون تردد.

يجب التوقف هنا لملاحظة مخاطر الانتساب للحركة فى تلك الفترة مع حظر العمل والنشاط السياسى نتيجة لاستلام الجيش السلطة فى الخرطوم بعد أسبوعين فقط من تأسيس الحركة.

كان أبو الكل يتذكر كيف كانت الاجتماعات تعقد وذلك بالتظاهر بإقامة عزاء فى ديم سواكن او كوريا.

من المهام الأولى التى كلف بها هى إيصال منشورات ومبلغ من المال وتسليمه للمناضل صالح اياى فى مدينة كرن.

ذهب إلى هناك لكن صالح أخبره أنه مراقب مراقبة لصيقة ومن الأفضل له الابتعاد عنه. من هنا تبدأ العلاقة المتميزة مع صالح خاصة أنه بعد عودته إلى الملاحة كما كان يسميها علم ان صالح قد اعتقل وزاد تقديره له حين علم ايضا أنه نقل الى السجن الرهيب المعروف ب ألم بقا فى أديس اببا.

انضم إلى جبهة التحرير الارترية مبكرا وكان من مهامه فى مكتب بورتسودان متابعة شؤون المناضلين القادمين من الأراضى المحررة وحل اشكالاتهم مع السلطات وواجه كثيرا من المشاكل.

كان المناضلون الذين يحضرون فى مهام مستعجلة يعودون بعد ان يكون قد قام بعمل ضمان لهم حين تم توقيفهم وحين يطالب باحضارهم يوم المحكمة رغم انها شكلية فإنه كان يستخدم إجابته المعروفة كما يذكر بعض المناضلين (اتشهد) اى ان المناضل عاد واستشهد.

زاد الأمر عن حده واستدعاه المسؤول الأمنى الأول فى المركز حينها وخاطبه غاضبا (يااخى ما عرفناك انت سودانى ولا ارترى... خاساوى ليس الا) لم يستطع ابتلاع الإهانة ورد عليه بادئا بقبيلته (ليس الا) وأضاف من شدة غضبه (يا حمار الوادى). قضى شهرا فى الاعتقال لكنه لم يندم وهو يقول (المهم بردت قلبى).

مرة أخرى وهو فى محطة القطار لاحظ ان أحد المناضلين الذين ضمنهم متواجد فى القطار وتم تجنيده فى قوات التحرير الشعبية ومتجه الى الخرطوم فاستدعى شرطيا ليمنعه من السفر وحين صعد الى القطار بدأ بقية المجندين فى شتمه كما يذكر (الغراب الأسود... جاسوس القيادة العامة) مساء نفس اليوم ذهب إلى المقهى الذى يتواجد فيه الشخص المكلف بالتجنيد ليبلغه بأن العدد ناقص واحد.

حين كان يحكى هذه الحكاية استخدم عبارة (السماكة ضربوني بالشباشب) فى إشارة إلى ابناء مصوع او البحر الاحمر... كان المناضل طاهر جبريل الذى كان يشرفنا فى المنزل شبه نائم فاستيقظ مرددا (يا أبو الكل) فرد عليه (ابو عبدالله انت صاحى... اسف... راس السوط وصلك؟).

بعض التعقيبات فى أكدت على جرأة الرجل وشجاعته كما ذكرت. حاولت أن اختزل وانا أذكر مهمته فى كرن بعد توضيح صالح اياى له بأنه مراقب... تصرف أبو الكل وكان يقيم فى منزل آل باناى وقام بحرق الوثائق التى كانت معه بعد ان احس بالخطر وللتمويه فقد علم ان فريق كرة مدرسى فى طريقه إلى اسمرا فغادر مع الفريق كمشجع.

هناك كانت له طرفة ذكرنى بها المناضل صلاح الدين وهو يشير إلى معرفة أبو الكل بالتجرينية. دعا أبو الكل مجموعة من أعضاء الفريق الى تناول الفطور وبعدها بدأوا فى شرب الشاى فجاء عضو آخر فى الفريق وسألهم بالتجرينية عن سبب شربهم الشاى قبل الإفطار فرد عليه أحدهم (ازى فارة خاب ساحل اقريسونا).. اى.. ان هذا الغشيم او الجاهل من الساحل هو من قام بدعوتنا للفطور. كان أبو الكل يرتدى جلابية ولذلك لم يتصور الشاب أنه يعرف التجرينية... فرد عليه بالقول.. دع والدتك ولكن أحضر جدتك لنطعمها.

فى العام ١٩٧٣ وفى الخرطوم التقيت مع أحد أفراد الفريق بحضور أبو الكل وهما يتذكران الموقف... هو الراحل ياسين تاكو... شاب خلوق وليثبت محبته المستمرة لكرة القدم فقد طلب منى مرافقته لاستاد الخرطوم لحضور مباراة المريخ ضد اشانتى كوتوكو. وهى المرة الوحيدة التى حضرت فيها مباراة فى الخرطوم.

التحق لفترة بالميدان وكان ضمن فصيلة المناضل دوحين الذى يحكى طرائف عن تلك الفترة ويجيد تقليده.

بعثته الجبهة للعلاج فى دمشق فى العام ١٩٧٠ تقريبا لإزالة حصاوى من الكلى كما أذكر وكان يرد على المناضلين الذين يحاولون التقليل من أهمية العملية التى أجريت له ويشير إلى مكان العملية (شوف المكان.. من سلوم لى اسوتربا) إشارة إلى آخر محطتين للقطار قبل الدخول إلى بورتسودان.

من طرائفه أنه كان هناك حديث عن مبلغ ضخم تحصلت عليه الجبهة نتيجة لفدية. كان هناك مناضلان يتناقشان... قال أحدهما أنه بهذا المبلغ فقد حلت مشاكل الشعب الارترى ورد عليه الآخر بأنه لا يكفى.. وجاء إقتراح أبو الكل (اشطب قوات التحرير الشعبية وطلبة القاهرة) بعد أن كان يسمع ان هناك احتجاجات من طلبة القاهرة فى فترة القيادة العامة.

فى العام ١٩٧١ لم يكن هناك حديث يعلو على الحديث عن المؤتمر الوطنى الأول للجبهة.

لم يكن أبو الكل ضمن الأعضاء المرشحين لحضوره ومع ذلك أخذ يبحث عن طريقة تجعله يحضر بصفة مراقب.

كانت هناك طريقة ربما علم بها من أحد المناضلين وهى ان الأمن موجهة له تعليمات بأن هناك نقاط معينة يجب احتجاز اى شخص يصل إليها حتى نهاية المؤتمر حرصا على سرية الموقع حتى لا تقصفه اثيوبيا.

كانت هناك طالبة قادمة من القاهرة تدعى سلوى علمت بالطريقة وشاركت ايضا كمراقبة... كان بعض المؤتمرين يحاولون مداعبة أبو الكل بأنه مراقب فكان يرد عليهم عاكسا (انا واخوى الكاشف) بالقول (انا والفلاتية مصنتين) اى مستمعين فى إشارة إلى الطالبة القاهرية.

معظم ما جرى فى المؤتمر الوطني الأول سمعته من الأخ مصطفى حسين (ارجو ان يكون الاسم صحيحا) الذى أقام معنا فى المنزل لفترة فى طريق عودته للقضارف حين كان يعمل فى ستوديو عركى وذكر اسمه فى البيان الختامى المؤتمر بمسمى الصحفى السودانى. بعض طرائف كبريتاى ان المناضل احمد الشيخ اسماعيل يرحمه الله كان يتحدث بحماس فالتفت الزعيم إدريس محمد آدم إلى من حوله يسأل عنه وكان كبريتاى قريبا منه فرد عليه (ده مننا يا شيخ إدريس).

فى فترات توقف الجلسات كان كثير من المناضلين يمرون على النقطة الخارجية للأمن... مر كبريتاى مع مجموعة فهمس له احد أفراد مجموعة الأمن بأن لديهم وجبة مميزة وأنهم اختاروه لمشاركتهم... تخلف كبريتاى عن مجموعته... بعد فترة مر المناضل الزين ياسين مع مجموعة ثم أستاذنوا للمغادرة وكانت علاقة كبريتاى ممتازة مع الزين الذى اختاره وزيرا له فى زواجه بعد عامين تقريبا... غمز كبريتاى للزين قائلا. (الزين sit down) لم يكتف كبريتاى بالزين فقط وإنما استمرت sit down حوالى عشر مرات.

معلوم ان المؤتمر جاء بعد حوالى أربعة أشهر من حركة ١٩ يوليو فى السودان بقيادة الرائد هاشم العطا... كان المناضل صالح اياى وقتها مسؤول مكتب الجبهة بدمشق. ارسل صالح برقية تهنئة وعاد نميرى بعد ٣ أيام وتم حظر صالح من دخول السودان. ومع ذلك فقد رشح غيابيا لمنصب مسؤول العلاقات الخارجية. بدأ أبو الكل فى الدعاية لصالح وسط معارفه من المناضلين وهو يردد (ابو صلاح تو باى تو two by two) فى إشارة إلى القماش ناصع البياض.

فاز صالح كما هو معلوم ورفع الحظر عنه بعد فترة. فى العام ١٩٨٣ فى منزل صالح اياى فى دمشق كنت مدعوا للغداء مع المناضل إدريس عوض الكريم - شفاه الله - الذى كان يوم ١٩ يوليو ١٩٧١ معتقلا فى كوبر وافرج عنه... عند عودة نميرى أستطاع خاله إخراجه إلى ليبيا ثم وصل إلى سوريا فاحتضنته الجبهة وتم توجيهه فى مركز الإعلام الخارجى فى بيروت ثم دمشق.

نجحت الجبهة فى إقناع السلطات برفع الحظر عنه وكان يستعد للسفر فى اليوم التالى إلى الخرطوم فى أشد حالات الشوق للأهل فى الكلاكلة القبة.. وكان يردد (غايب السنين الليلة مالو... غنا العصافير غلبو) كشاعر كان يعتقد ان اغنية (عصافير الخريف) كلمات الحلنقى رائعة لدرجة ان وردى لم يوفيها حقها.

بلغ من جرأة كبريتاى أنه لبى طلبا صعب القيام به وهو أن طلب منه فى مطلع الستينات بحكم علاقته فى الميناء أن يعمل على تهريب أحد الأخوة إلى جدة لانه لم يكن يملك أوراقا رسمية... لم يقم بالمهمة فقط وإنما دفعه الفضول إلى مصاحبته إلى جدة. بعد أيام لاحظ أن رفيقه فى الرحلة تمت تسوية أموره ولم يهتم به أحد رغم ما فعله.

انتظر الاجتماع الاسبوعى لفرع الجبهة وشجب وندد ولم يوفر أحدا من اتهامات... كان يحكى هذه الحكاية لشباب من حينا فى كسلا وهم متحلقون حول سريره... واصل أبو الكل الحكاية قائلا (فى اليوم التانى حسيت بالخطر وقلت يا غريب بلدك واتحركت) فسأله الشباب.. الى أين.؟

فرد (السفارة السودانية طبعا) وصل أبو الكل إلى السفارة وكانت حينها فى جدة... داخل السفارة لمحه أحد أعضائها من أبناء بورتسودان وسأله (ياعمنا الجابك هنا شنو؟) كان رد كبريتاى (سمعنا انو الدهب والريالات مجدعة فى الشوارع... جينا بى قفتنا) تمت تسوية أموره وعاد للملاحة.

كانت هناك حكاية او بالأصح عبارة تتردد فى الفترة بين المؤتمرين الوطنيين حول تصنيف قوات التحرير الشعبية وهى أنها تتشكل من قبيلتين... ومجموعة من الساحل. لا أدرى على اى أساس استند هذا التصنيف وهل هو قرار مؤتمر أم قيادة.

المهم كان هذا هو التصنيف... الوالدة يرحمها ألله حين كانت تستضيف مجموعة السيدات فى الحى كان تعليقها على ما يردده لهن الكادر المكلف بتنويرهن (ناس الساحل أهلى.. لكن قالوا بقو ثورة مضادة) أبو الكل لم يكتف بالصمت تجاه هذا التصنيف وفى ندوة فى عدن انسحب وهو يردد (خمسة... ما يمثلونا) استخدم بعد خمسة كلمة قاسية صعب إدراجها هنا. كانت المحبة للجبهة غالبة وكانت شبه مقدسة له وللكثيرين.

فى العام ١٩٧٦ كان الأخ محمد عثمان داير فى دمشق فى طريق العودة بعد رحلة علاجية فى ايطاليا وكان أبو الكل متواجدا أيضا. ذهبت مع الأخ محمد عثمان يوما إلى مكتب الجبهة فقيل لنا أن كبريتاى يسأل عنا... غادرنا إلى فندق اسبانيا فصادفنا أحد الأخوة وأخبرنا أيضا أنه يبحث عنا وتكرر الأمر حين ذهبنا إلى فندق علاء الدين فى المرجة... فكرت أنه لابد أن أمرا مهما قد حدث... والتقينا أخيرا ليزف لنا خبرا اسعده وهو أن أحد أبناء قبيلتنا قد التحق بقوات التحرير الشعبية هو المناضل حامد جمع أحد رعيل الثورة... اعتقد هو من رحل الشهر الماضى وكان قائدا للفدائيين فى المنطقة الثانية يرحمه الله.

أتوقع أن بعض من يتابع محاولة التوثيق للمناضل كبريتاى يلاحظ انها لم تشر كثيرا إلى ما قام به فعليا فى مسيرته. يرجع ذلك إلى أن مساهماته الفعلية والهامة كانت فى نهاية الخمسينات والعقد الأول من الستينات وهذه وحدها ميزة هامة تشير إلى الإيمان المبكر بالقضية. يضاف إلى ذلك وجوده ونضاله فى بورتسودان التى كانت لها أهميتها وميزتها حتى ان بعض الكتابات تشير إلى أن ممثل مكتبها كان يحضر اجتماعات القيادة الثورية فى كسلا استثنائيا. لو أتيحت الفرصة للمناضلين ابراهيم محمد على وحسين خليفة لاسهبا فى الحديث عنه لأنهم تزاملوا فى فرع بورتسودان.

ومع ذلك يمكن ملاحظة اهتمام كبار قادة الثورة بالرجل لإدراك أهمية ماكان يقوم به الرجل أثناء نضاله. المناضل الزين ياسين يرحمه الله كما ذكرت سابقا كان قد أختاره ليكون وزيره فى زواجه متجاوزا أقرانه فى على قدر وزملاء نضال كثيرين.

بعد عام من الزواج كان أبو الكل فى كسلا وطلب منى مرافقته إلى منزل الزين فى حى المربعات ربما ليبارك له ولادة ابنه هشام. بذل الزين جهدا كبيرا لاقناعه بالإقامة معه وهو أمر مغرى مقارنة بزحمة منزلنا فاعتذر.

تكرر الأمر بعد زواج المناضل ابراهيم محمد على وانتقاله لحى المربعات إذ عرض عليه المناضل احمد الشيخ ابو سبأ عليه الرحمة ان ينتقلا للاقامة هناك فاعتذر وهو يعتبر المسألة مبدأية. بل بلغ به الأمر أن رفض لشخص لا يرفض له طلبا هو المناضل صالح أياى بعد أن طلب منه الانتقال للاقامة معه فى حى الثورة بمنزل خاله هيابو على فى الثمانينات وان كان قد خفف الموضوع بأن ارضى صالح بموافقته على أن تقيم أسرته الصغيرة القادمة من بورتسودان لفترة مع ام اياى.

فى سبتمبر ١٩٧٥ كانت هناك محاولة من السودان لتوحيد فصائل الثورة الارترية وكادت المحاولة أن تنجح لولا تحفظ اللجنة الإدارية لقوات التحرير الشعبية فى الميدان ومع ذلك كان هناك وفد موحد يضم من الجبهة المناضل احمد ناصر رئيس اللجنة التنفيذية وعضوية المناضل الزين يس مسؤول العلاقات الخارجية ومن جانب البعثة الخارجية لقوات التحرير الشعبية الزعيم سبى.. قام الوفد بجولة خارجية لشرح ماتم الاتفاق عليه.

أثناء زيارة الزعيم سبى لمكتب العلاقات الخارجية فى حى المهاجرين بدمشق القريب من القصر الرئاسى لمح كبريتاى فاتجه اليه وبدأ يتودد إليه.. كيفك يا محمد عمر.. اخبارك.. ثم دلف إلى الخصوصيات.. كم من الأولاد لديك.. وكان رد أبو الكل الذى أضحك الزعيم (بالحرام ما عندى)... ماهو برنامجك الآن.

فرد عليه بأنه يفكر جديا فى موضوع الزواج وأنه متجه هذا الأسبوع إلى بورتسودان مع توقف فى جدة... التقط سبى كلمة جدة وأعد مذكرة طلب منه أن يسلمها للمناضل عثمان دندن مؤكدا له أنه يستاهل بعد ما قدمه للثورة. فى جدة قدم أبو الكل المذكرة إلى دندن فرحب به ثم أوضح له أن المبلغ الذى أوصى به الزعيم سبى غير متوفر وأقترح عليه أن يستلم نصف المبلغ على أن يكمل له المتبقى بعد أسبوع.. رد أبو الكل بأنه يفضل أن يستلم المبلغ كاملا بعد أسبوع... رد اليه دندن المذكرة... بعد أيام علم أبو الكل أن الخلافات تفاقمت وانفضت الوحدة واحتفظ بالمذكرة فى ارشيفه.

كان لأبى الكل تقدير خاص للمناضل عبدالله إدريس وحين كان يشتكى أحيانا من موضوع يتحدث عن المناضل حامد آدم سليمان او المناضل عبدالله سليمان.. بعد دخول الجبهة بالطبع.. نوضح له بأن المسؤول هو الرئيس فيرد.. انه لا يتحدث عنه وله تقدير خاص له.. بعد خلاف عبدالله وصالح أياى كان موقفه بجانب صالح.

بعد فترة بعث فى طلبه المناضل حسين خليفة ليلتقيه فى بيت الضيافة القريب من سوق هيكوتا. ذهب إلى هناك وأثناء دردشته مع حسين قدم عبدالله إدريس وحين لمح كبريتاى من بعيد غضب وتفوه ببعض كلمات تظهر استياءه منه... هنا كان رد أبو الكل (للمعلومية انا قبل ما اجى كلمت محمد صالح حمد انو انا جاي هنا).

فى مثل هذه الأيام من عام ١٩٩٣ اتصلت يوما على الأخ محمد عثمان داير وكان يقيم وقتها فى فندق امباسادور فى اسمرا وصادفت كبريتاى معه وسألته عن أخباره فرد على (وجهونا للملاحة). وهو آخر ما سمعته منه. لاحظ أن الجبهة الشعبية نفسها التى لم أتوقع منها ذلك عاملته معاملة طيبة.

آخر طرائفه علمتها عند قدومى إلى كسلا بعدها بسبعة أشهر تقريبا اى فى سبتمبر من نفس العام. مر بكسلا فى طريقه للملاحة وعند المغادرة فى البص سأله رجل الأمن عن البطاقة فرد عليه (سلك دبلوماسى).

يستحق الرجل الكثير من التقدير والاحترام لما بذله... واختم بموقف لاحظته بعد أن تلقيت خبر رحيله كنت إلى جانب أحد الاخوة المهتمين بالمناضلين القدامى خاصة حين أخبرنا أحد الاخوة بأن هناك تحرك لأبناء الاسفدا لاقامة عزاء وتأبين له... كان رد الأخ بأن أبو الكل لا يهم أبناء الاسفدا وحدهم ويجب توسيع العملية... لا أدرى ما حدث بعدها... لم ادع ولو كنت دعيت لأجبت... يرحمه الله.




ما ذكرته هو ان الحديث عن المناضلين خاصة الرعيل الأول للثورة ليس الوفاء لما قدموه فقط وإنما جر واستدعاء قدامى المناضلين للإدلاء بشهاداتهم خاصة مع توالى رحيلهم - أطال الله أعمارهم - حتى لا يزيف التاريخ.

Top
X

Right Click

No Right Click