مجموعة الجيش السودانى الصول جعفر محمد النضال بصمت
بقلم الأستاذ: أحمد محمد داير - كاتب وناشط سياسي إرتري
أود أن انوه بداية إلى أن ما احاول تسجيله عن المجموعة وعن الرعيل الأول للثورة الارترية
هو اضافة لما كتب عنهم وتنبيه ايضا لكثير من الكتابات التى تتجاوز بعضهم بالرغم من أهمية أدوارهم.
العم محمد على محمود هو من أقرب الشخصيات للصول جعفر وربما كانت العلاقة بينهما تمتد إلى ماقبل الخرطوم بكثير.
كان للرجل أدوار مهمة فى الستينات ومطلع السبعينات.. وكان دكانه فى الخرطوم أشبه بمكتب للجبهة التحرير الارترية.
اتذكر فى العام ١٩٧٣ وكنت فى زيارة للخرطوم وكان الأخ إدريس قريش هناك وطلبت منه أن ارافقه إلى زيارة القائد العسكرى للجبهة وقتها عبدالله إدريس بعد أن علمت أنه جريح - أصيب فى قرقر - وأنه فى الخرطوم فى مكان ما ولم أكن قد التقيت بعبدالله قبلها... كان الانضباط والالتزام صارما فتجنب ان يخالف التعليمات... بعد سنوات طويلة علمت أن عبد الله إدريس كان يطبب فى منزل العم محمد على محمود فى الكلاكلة صنقعت... وهو موقع لم أصل إليه حتى الآن. لمعرفة الدور الذى كان يقوم به العم محمد على محمود... عبارة واحدة من المناضل ابراهيم قدم ابو حيوت تكفى وهى أنه كان يطلق عليه... العضو الحادى عشر فى المجلس الأعلى (حسب العدد فى المجلس حينها).
اختم سيرة عمنا محمد على محمود بشئ ملفت... عند مغادرتى الخرطوم لآخر مرة فى سبتمبر ٢٠٠٦ كان الأخ ياسين محمد عبدالله فى وداعى حتى المغادرة.. لكن قبل التوجه للمطار اتفقنا على المرور بمنزل العم محمد على فى زيارة خاطفة... وواضح انه كانت علاقتهما جيدة جدا.
قبل ان نغادر لفتتنى صورة للشهيد محمد حسنو فى الصالون... ما قصة هذه الصورة؟
كانت الإجابة منه... هذا الرجل أنقذنى من الموت... لم يكن هناك متسع من الوقت لنسمع المزيد... رحل بعدها بسنوات لاحقا بالشهيد الذى كان قد أعدم مع الشهيد عبدالرحيم محمد موسى بعد العملية الفدائية الشهيرة فى اغوردات.
• ولد الراحل الكبير بمنطقة باشرى فى عنسبا فى العام ١٩٢٦ وانتقل فى طفولته للإقامة مع عمه حامد فى مدينة اغوردات.
• فى العام ١٩٤٢ التحق بقوة دفاع السودان مثله مثل كثير من الشباب الذين التحقوا بها خاصة من كرن واغوردات.
• استمرت خدمته فى الجيش السودانى إلى منتصف الستينات تنقل فيها بين الجنوب وكوستى والقضارف وكسلا والخرطوم.
بعد انضمامه لحركة تحرير ارتريا ثم جبهة التحرير الارترية اثناء خدمته فى الجيش كان يستغل إجازته السنوية لزيارة الأهل فى ارتريا والاتصال بالشباب وحثهم على الالتحاق بالثورة وربما فى أوقات أخرى بتكليف من اللجنة التى شكلتها المجموعة فى كسلا.
هناك اشارة فى رسالة القائد ابو رجيلة إلى الشباب ومافيها من توثيق وهى ان جعفر محمد كان عضوا فى اللجنة التى كونتها مجموعة الجيش السودانى فى كسلا وباعتبار ان ذلك لم يرد فى كثير من الكتابات فالأرجح أنه كان فيها ثم تم نقله من كسلا للخرطوم.
من الذاكرة أننا ونحن أطفال كان جارنا العزيز وقريبنا الراحل عبد الله على محمد العوض يقودنا فى العيد للمعايدة على الأهل والأقارب وبعد جولة فى الحامية قادنا إلى منزل الصول جعفر القريب من مدرسة الحامية الابتدائية بنات.. ربما كان ذلك فى العام ١٩٦٢. بعد سنوات طويلة علمت بالعلاقة بين الصول جعفر وعمنا على محمد العوض يرحمهما الله.
كان هناك مبلغ أمانة يخص الصول جعفر وحين جاء يطلبه من العم على أخبره عمنا على بأنه تصرف واشترى له قطعة أرض فى المخطط الجديد.. حى الثورة كما عرف... كان رد الصول عليه أنه طالما أنك بادرت بهذه المبادرة.. كمل جميلك وواصل الإشراف على بناء البيت... وهكذا جاء المنزل بالصدفة... احد أبناء حى الترعة العريق كان قد أبدى لى ملاحظة من خلال متابعته وهى ان الشهيدين طاهر سالم وعمر ازاز لم يفكرا فى شراء منازل فى حى الترعة حين كانت القطعة أو المتر بخمسة قروش.
هناك حكاية بسيطة يمكن أن تقودنا إلى التفكير وتدارس امور مهمة فى التوثيق... العلاقة بين الأسر العريقة فى حيى الترعة والثورة وبين أبناء هذه الأسر علاقات راسخة خاصة أن هناك تنافس رياضى بين فرقها الرياضية الترعة.. الخطر والصقر الأسود... ضمن هذه العلاقات وعلاقات سابقة فى الحامية كانت العلاقة بين أسرة الصول جعفر والصول عبدالكريم عبدالرحيم.
كان الأخ عبدالله عبدالكريم قد ذكر ان والده كان يمد المناضلين بما يمكنه من ملابس عسكرية وغيرها... الاخ حسن جعفر يتذكر أمرا أهم ربما لا يعرفه أبناء العم عبدالكريم أنفسهم لحساسيته... يذكر حسن أنه كان فى زيارة لمنزل العم عبد الكريم وقبل أن يغادر علم العم عبدالكريم بوجوده وطالبه بأن ينتظر لأن هناك أمانة ليسلمها لوالده... حين أوصل الأمانة أتضح أنها كمية من الذخيرة.
هذه الحكاية تجعلنا نعيد النظر فى مايكتب فى التوثيق لوصول الذخيرة إلى الميدان... لاحظ العبارة المكررة (وقد وصلت كمية ٧٥ طلقة دعما لعواتى دفع ثمنها الجنود الارتريون فى الجيش السودانى)... وهى جملة تمر دون تدقيق فى اعتقادي... هل كان الرصاص يباع فى سوق كسلا؟
اضافة الى أنه لم يكن هناك فساد فى البلد كما ظهر أخيرا... كما العم عبدالكريم يرحمه الله هناك الكثير من الشرفاء فى القوات المسلحة السودانية الذين لم يكونوا يضنون على زملائهم الذين كانوا يقاتلون معهم فى نفس الخندق بعد أن انتقلوا إلى ساحة أخرى ببعض الدعم الذى يتمكنون من تقديمه... فى الخرطوم الوضع كان مشابها وأكثر وضوحا.
قبل نهاية الخدمة والتفرغ للجبهة كان نشاط الصول جعفر معلوما سواء فى الداخل عندما كان يتوجه لقضاء إجازته السنوية أو أثناء عمله فى الخرطوم خاصة وغيرها. شهادة سمعتها من الراحل الكبير عمنا محمد ابراهيم بهدوراى الذى سأعود أليه فى وقت لاحق.
ذكر وهى يملى على سيرته الذاتية حين طلبتها منه القنصلية الارترية بجدة.. انه حين كان فى الداخل يحاول الإتصال ومعرفة الأوضاع فى السودان أنه طلب منه أن يتصل بالصول جعفر.. بعدها وفى غياب الصول جعفر طلب منه الإتصال بالشيخ ادم قدوف الذى كان حينها فى تسنى بعد أن أبعد من كرن... وربما كانت تلك فترة حركة تحرير ارتريا.
شهادة أخرى من الخال عمر محمد سعيد (بطارية) عليه الرحمة وكان فى مطلع الستينات فى اغوردات.. يذكر أنه ومعه بعض الشباب المتحمسين كانوا غاضبين من هدوء الأحوال فالتقوا بالصول جعفر كعادتهم حين يتوقف فى المدينة فى طريق عودته وعبروا له عن عدم رضاهم.
يذكر الخال أن الصول رد عليهم بأن يصبروا لفترة وسيرون ويسمعون مايسرهم... عاد الصول إلى السودان وذهب الخال إلى مدينة تسنى وكان يعمل سائقا فى شركة للمواصلات... وحين عاد إلى اغوردات تم اعتقاله مباشرة... كانت العملية الفدائية الشهيرة قد تمت بإلقاء القنابل على احتفال بممثل الإمبراطور... ربط الخال بين حديث الصول ووعده وبين العملية.
وسواء أكان على علم بما كان يخطط له أم لا علما بأنه كان على الأرجح فى الخدمة فى كسلا.. اى عام ١٩٦٢ فانه كان موثوقا منه فى الداخل.
بعد الانتقال الى الخرطوم كانت لديه علاقة مع أحد شرفاء القوات المسلحة العم حسن صلاح وهو على ما يبدو توازى مسؤوليته مسؤولية العم عبد الكريم فى كسلا ولهذا كان يمد الجبهة بما يمكنه من ملابس عسكرية أو غيرها. عمنا محمود احمد ميكال (ابو شنب) عليه الرحمة.. تعرض مرة إلى موقف محرج جدا كاد أن يسبب له مشكلة وتحقيق وهو يحمل كرتونة فى محطة السكة حديد فى الخرطوم متجها إلى كسلا... فى غمرة حماسه نسى أن يزيل اللوغو.. او شعار القوات المسلحة من الكرتونة... لاحظ أحد رجال المباحث ذلك... المهم فى النهاية استطاع بطريقة أو أخرى ان يتخلص من هذا الموقف وان يعود ليستأنف مهمته.
نادرا ما تجد كتابا توثيقيا لأحد قدامى المناضلين يخلو من الإشارة إلى ما عرف بأحداث سلاح برى وتفاصيل ماجرى فيها... الصفحة المرفقة من مذكرات المناضل محمد عثمان ازاز يمكن من خلالها إدراك أهمية تلك الأطنان من الأسلحة النوعية والذخائر والثورة لم تكمل عامها الرابع.
تفاصيل الأحداث منشورة والإشارة فيها غالبا للوزيرين الرشيد طاهر بكر ومحمد جبارة العوض.. المصادفة أن الأول من القضارف والثانى من كسلا.
ومع معرفة الكثيرين بالأول كونه تقلد كثيرا من المناصب الا ان ابن كسلا البار محمد جبارة العوض يجهله الكثيرون مع أنه قائد قطار الموت الذى اتجه من كسلا إلى الخرطوم لدعم ثوار أكتوبر ١٩٦٤.
يلاحظ أن لا توثيق لمن شارك فى إنجاز تلك العملية التى كانت شبه سرية ولا يعلم بها من جانب الحكومة الا الوزيرين ورئيس الوزراء سر الختم خليفة... الصول جعفر شاءت الظروف له ان يكون فى موقع الحدث.
كان مازال فى الخدمة وانتهت خدمته مطلع ١٩٦٦ ونظرا لأهمية هذه العملية فقد تقدم باذن من العمل سمح له به وصلت الطائرتان السوريتان فى ٢٦ و٢٧ مايو وتمت مداهمة الشرطة فى ٣ يونيو وكان الصول جعفر متابعا لعملية النقل إلى كسلا إلى حين المداهمة وحين وصل ولاحظ وجود الشرطة عاد إلى المنزل وارتدى زيه الرسمى وعاد ليلتحق بالعمل.
فى اعتقادي أنه كان خارج الصورة لأنه كان مازال فى الخدمة.. يضاف إليه المقاتلون الذين كانوا مكلفين بالنقل وتم اعتقالهم فلا ذكر لأى أحد منهم... لكنه كخبير فى السلاح والتدريب وقتها وبعد نهاية الخدمة تم تكليفه ضمن لجنة كلفت بمهمة نقل وتوزيع السلاح القادم عن طريق البحر الأحمر مع مجموعة من المناضلين منهم... ابو رجيلة.. صالح حدوق.. احمد محمد على عيسى... حسين خليفة.. محمود جنجر... عبدالله صقاى.. واخرين.
يلاحظ فى عملية مصادرة الأسلحة أن معظم الأسلحة كانت قد وصلت بسلام إلى كسلا ثم بالتعاون مع عمنا على الكودة عليه الرحمة والذى كان قد استخدم الكومر الحكومى الخاص بمصلحة الغابات لنقل السلاح كما تذكر بعض المصادر إلى منزل المناضل محمد عثمان شنقباى فى حر الترعة العريق.
الميلاد والنشأة فى منطقة تشتهر بالخلاوى والتربية الدينية ثم الانتقال الى اغوردات المدينة التى يعتز ابناؤها بالشهامة والشجاعة والكرم... كان لكل ذلك تأثيره بلا شك.
شهادة نهاية الخدمة المرفقة تعكس ذلك... ربما لا يكون الخط واضحا للبعض.. اهم ما فيها (لقد كان هذا الصول طيلة خدمته بالسلاح الطبى يقوم بعمله كتعلمجى للأسلحة وبالتالى هو المسؤول عن التدريب العسكرى بالسلاح.. اجتاز جميع الفرق من أسلحة وتكتيك وخلافه وقد كان مبرزا فى جميع الفرق التى انتدب لها... ذكى.. نشيط.. نظيف.. امين.. وهو مثال لصف ضابط الملم بواجبه.. يحترم نفسه.. يقدر المسؤولية.. ذو شخصية قوية.. يحترمه الجميع بهذا السلاح.. رفت من الخدمة لوفاء المدة.
• اتجه إلى كسلا وتفرغ للجبهة وكان كما هو معلوم عضوا فى القيادة الثورية.
• شارك فى المؤتمرين الوطنيين للجبهة. وجه للعمل فى قسم الأرشيف.
• سبق ذلك محاولة باغراء له للتمديد من اللواء ا لخواض محمد احمد وذلك بترقيته إلى ضابط... ملازم ثانى لكنه أعتذر.
• يذكر أن اللواء ا لخواض كان قد خدم فى القيادة الشرقية.
محاولة أخرى لاعادته للخدمة فى الجيش السودانى جرت فى منتصف السبعينات تقريبا من اللواء محمد الباقر احمد حين كان نائبا لرئيس الجمهورية.. اتصل به عن طريق رفيقه فى الخدمة والقيادة الثورية احمد محمد على عيسى.. تم استدعاؤه للقصر الجمهورى وعرض عليه اللواء أن يعود للخدمة ولو لفترة وجيزة ويقوم بترقيته وبعدها حين يطلب أعفاءه سيتقاعد برتبة تؤمن له معاشا أفضل.. اعتذر مرة أخرى وأوضح أن قراره نهائى.
كان اللواء قد خدم لفترة فى القيادة الشرقية وتعرف عليه هناك. بالمناسبة كانت هذه الحالة قيمة من القيم الجميلة المتعارف عليها فى الجيش السودانى... نميرى كان قد أعاد دفعته الذى كان قد أحيل للمعاش وكطرفة فقد اتصل أحد الأشخاص بآخر يخبره بهذا الخبر فرد عليه (معقول نميرى ينسى عشرة الأيام).. زميل نميرى ودفعته هو شاعر أغنية الفنان عثمان حسين اللواء عوض احمد خليفة يرحمه الله (عشرة الأيام... ما بصح تنساها).
اللواء محمد الباقر احمد من أبرز ضباط الجيش السودانى... للمصادفة فاننى دخلت القصر الجمهورى فى نفس تلك الفترة ١٩٧٤ لا بدعوة منه بطبيعة الحال ولكن من سكرتيره الذى رافقه منذ أن كان وزيرا للداخلية وهو الراحل محمد الفاتح داوود يرحمه الله.. كان متزوجا من سيدة من جذور يمنية والدتها بنت عمومة هى الراحلة جمع موسى بقع وهى معروفة لكثير من المناضلين فى تلك الفترة... هو وهى يستحقان العودة لهما.
حادثة أخرى تستحق الإشارة إليها لمعرفة تعامل قادة الجيش السودانى مع زملائهم... احد الضباط الذين شاركوا فى حركة ١٩ يوليو حكى فى توثيق معه.. انه كان واثقا من أن مصيره الإعدام... اثناء التحقيق معه كان نميرى مارا وهو يستعجل المحققين لسرعة الأحكام.
بعد نهاية التحقيق قال له المحقق أن اعترافاته هذه ستقوده إلى الدروة (مكان الإعدام).. رد هو بأنه يعلم ذلك وأنه كتب وصيته وبعثها للأسرة.. كان المحقق أستاذه فى الكلية... مزق أوراق التحقيق ثم بدأ يكتب... بعد أن انتهى قرأ له ما كتبه وقال له كما كان يفعل كاستاذ (يابليد... فهمت ولا أقرأ ليك تانى)... نجا من الإعدام وحكم عليه بالسجن.
الأروع هو تم استدعاؤهم كضباط مفرج عنهم إلى القصر الجمهورى والتقى بهم اللواء محمد الباقر احمد حين كان نائبا لرئيس الجمهورية وأوضح لهم أنه لا يقبل أن يرى ضباطا فى القوات المسلحة برغم ما ارتكبوه.. يواجهون حياة تشعرهم بمهانة وأنهم بالتالى سيوجهوا إلى أماكن مدنية تم تحديدها للعمل يواصل عند خروجنا من لقاء اللواء تم تسليم كل واحد منا ظرفا فيه مبلغ محترم.
كان ذلك الجيش السودانى بهذه القيم... والذى تذرف عليه الدموع حاليا... وهو الجيش الذى خرجت منه المجموعة التى نتحدث عنها وكان لها تأثيرها فى وضع أساس قوى لجيش التحرير الارترى.
ما سجل هنا بعض مانعرف... هناك اخبار طيبة عن كتابات تركها أحد أفراد مجموعة الجيش السودانى ورئيس القيادة الثورية العم محمد سعد آدم يرحمه الله وما يتردد عن كتاب سيصدره المناضل جنيتاى زميله فى قسم الأرشيف.
شهدت فترة التحرير الأول ١٩٧٧ وما قبلها خلافات وخروج كثير من المناضلين من الجبهة وهى امور تستدعى إعادة تقييم وليت المناضلين الذين كانت لديهم تحفظاتهم سجلوها للمساعدة فى إعادة التقييم.
فى العام ١٩٧٩ قمت بزيارة للأراضى المحررة وتحركت من كسلا بصحبة المناضل الراحل عمر جابر عمر... قبل أن تتحرك السيارة من أمام مكتب المنظمات الجماهيرية وصل العم جعفر من منزله القريب وحين شاهده عمر - تربطهما علاقات أسرية بطبيعة الحال - قال له مازحا (انتصار ذاتا ما حنخليها ليك) فى إشارة إلى كريمته وأصغر الأبناء... رد كعادته بابتسامة.. كانت تلك آخر مرة التقيه فيها فى دمشق وبعد أكثر من عام كان عمر جابر نفسه قد اخبرنى وهو متأثر بأن حالته متأخرة وكان يعالج فى القاهرة.. وكان عمر يتابع أخباره عن طريق المناضل الراحل إدريس قلايدوس... بعد أيام تلقينا خبر رحيله ونقله إلى الخرطوم ليشيع هناك ويدفن فى مقابر الرميلة... رحمه الله.
فى جدة وفى النصف الأول من التسعينات حكت لى الحاجة خديجة على عمر موقفا غريبا حين ذهبت إلى اسمرا لمعاملة ما فأحيلت إلى مكتب مختص كما يبدو بالمناضلين... عرفت نفسها للموظف المختص (انا زوجة جعفر محمد) فرد عليها الموظف مندهشا من هذا الإسم الذى لم يكن قد سمع به من قبل (ومن هو جعفر محمد هذا).. ردت عليه بغضب (أسأل منو اسياس).. طبعا توقعاتى أنه فوجئ بهذه السيدة التى تتحدث عن الرئيس باسمه حاف وانهى لها معاملتها.
كانت توقعات الحاجة أن هؤلاء المناضلين يدرسون تأريخ الثورة من بداياتها خاصة العقد الأول للثورة المسلحة ومن الواضح أنه محذوف من المقرر.
لم أتوقف عند الموقف السابق الا أخيرا بعد أن قرأت كتاب الراحل سليمان آدم سليمان.. يتحدث فى فقرة من الكتاب أنه كان فى العام ١٩٦٥ فى مدينة تسنى ويتعامل بالشفرة مع خلية اسمرا التى أرسلت إليه مرة رسالة مشفرة تشير إلى أنه مرسل إليه قميص كاروهات هدية وأنه يمكن أن يكون طويل عليه وأنه سيصل فى بص ستاى... انتظر الهدية عند الموقف وعرف الشاب من طوله وقميص الكاروهات.. استضافه يومين فى تسنى ثم حوله إلى القيادة فى كسلا... كانت هذه الهدية الشاب اسياس افورقى الذى حول بعدها إلى الخرطوم... اسرة الصول جعفر محمد كانت فى الخرطوم حينها... هل استضافه الصول فترة فى المنزل؟ ربما أو أنه زار المنزل وأعدت له وجبات خاصة مثلا... خاصة أنه كانت هناك عناية خاصة بأبناء المرتفعات فى الجبهة.. هو مجرد تساؤل.. رحم الله العم جعفر محمد ورفاقه من الرعيل الأول للثورة... يوم التكريم الحقيقى قادم لا محالة.