المناضل الشهيد حسن محمد سعيد باشميل... الحياء والطهر الثورى - الحلقة الأولى
بقلم المناضل الأستاذ: أحمد داير - كاتب وناشط سياسي إرتري
فى زيارتى الأخيرة لاسمرا فى العام ١٩٩٣ كنت حريصا على زيارة مدرسة الجالية العربية
وسعدت جدا أن اسمها تغير إلى (مدرسة الأمل النموذجية) وكان هناك حافز ايضا لزيارتها إذ أن مديرها كان شاعرنا الكبير الأستاذ محمد عثمان محمد صالح (كجراى) رحمه الله. كانت سعادتى لتغيير الاسم هو أن الاسم غير لائق اذا كان المقصود بالجالية الارتريين - اليمنيين لأنهم كانوا جزءا من النسيج وهو ما ثبت من خلال مشاركة أبنائهم فى الثورة أسوة ببقية اخوتهم.
حادثة لطيفة يمكن أن تروى هنا كدلالة أخرى.. بعد التحرير ١٩٩١ تمت دعوتي للقاء خاص بأبناء كرن فى جدة يبحث فيه الحضور عن مقترحات لدعم المدينة بالامكانيات الممكنة... قدم الحضور الأستاذ محمد احمد إدريس نور يرحمه الله لافتتاح اللقاء.. ومع ان الحديث كان بالتقراييت الا ان المقدمة كانت واضحة بالنسبة لى... بدأ بالإشارة إلى القبائل التى تقيم فى المنطقة... الماريا بفرعيها، البلين بالفرعين، المنسع، البيت جوك، وقبل أن يواصل صاح أحد أنشط أبناء كرن فى جدة الاخ أبوبكر نافع (يا استاذ ما طلعتنا بره كده) لكن أحدا لم يلاحظ أن مستضيف اللقاء فى منزله بحى مشرفة هو الأخ الراحل عوض عبيد وهو ارترى - يمنى من أبناء كرن يرحمه الله.
اذن هكذا كانت النشأة والميلاد فى حلة سودان أحد احياء كرن العريقة وجارا لطفل سيتقاسم معه الشهادة بفارق سنوات... هو الشهيد عبده محموداى. درس الشهيد كأقرانه الخلوة.. الابتدائية والمتوسطة فى كرن. بالعودة إلى ما يوثق للشهيد يتصور البعض أنه التحق بالجبهة كبقية الشباب من المدينة لكن التحاقه نفسه حكاية وتعبير عن مدى ايمانه بالقضية وعشقه لوطنه ومدينته.
فى منتصف الستينات تقريبا أتجه الشهيد إلى جدة والأرجح أنه كرفيقه فى الدرب المناضل طاهر جبريل الذى كان قد وصل إليها فى نفس الفترة كان يبحث عن فرصة لإكمال الدراسة... كان شقيقه سعيد باشميل الذى رحل قبل سنوات فى جدة قد أتجه إلى بغداد للدراسة وكان كطالب قد قضى إجازته الصيفية تطوعا فى مكتب الخرطوم هو والراحل مصطفى عبده... (وكان التطوع هذا قد بدأ قبل الخدمة الوطنية التى أقرها فى وقت لاحق الاتحاد العام لطلبة ارتريا... ومن رواده الشهيدان ابراهيم عمار وابراهيم إدريس بليناى من فرع القاهرة).
أثناء وجوده فى جدة كان يحضر الاجتماعات الأسبوعية كل جمعة لمتابعة أوضاع الثورة حتى جاء اجتماع غير مسار حياته تماما. صادف هذا الاجتماع وجود مجموعة من المناضلين وصلت إلى جدة فى طريقها الى سوريا للمشاركة فى دورة عسكرية. كان الاجتماع بحضور الزعيم سبى عليه الرحمة. تحدث سبى إلى الحضور عن الأوضاع العامة... اما ما كان يهدف إليه وهو إقناع بعض الحضور بالتطوع والانضمام إلى مجموعة المناضلين المتجهة إلى سوريا فقد تركها لاحد أعضاء المجموعة وهو الشهيد على إدريس القادم رأسا من الميدان. كان الشهيد بالفعل بارعا فى شرح الواقع فى الميدان والمعارك التى خاضها جيش التحرير ...الخ. بمجرد انتهاء الشهيد تحمس بعض الحضور وابدوا استعدادهم للتطوع والمشاركة. طلب سبى من كل من يرغب الحضور إلى المكتب بعد ثلاثة أيام.
بعد هذا الإجتماع الحماسى جلس ٣ من الشباب فى مقهى قريب من الموقع يتشاورون فى ما يمكن فعله واتفقوا وتعاهدوا على ضرورة الإلتحاق بهذه الدورة... الشهيد حسن باشميل... المناضل طاهر جبريل... وزميلهم الثالث عبدالقادر وهو من اهلنا الجبرته...يرحمه الله (أسماء أعضاء الدورة مفصلة فى كتاب الراحل دندن ...تاريخ ارتريا). بعد قرارهم هذا بقليل خرج الزعيم سبى من موقع الاجتماع فبادروا إلى لقائه وابلغوه قرارهم... لاحظ الزعيم صغر سن الشباب (كانوا فى حدود ١٧-١٨ سنة تقريبا) فتحفظ لكنهم أصروا... فطلب منهم الحضور إلى المكتب فى نفس الموعد الذى تم تحديده. فى الموعد حضر الشباب الثلاثة...!!! ولم يحضر غيرهم.
التحق الشباب بالدورة لكن التحاقهم كان مفيدا. فى دمشق لحقت بهم مجموعة أخرى. فى اجتماع لاحق كان الزعيم سبى قد اطلع الحضور على تطوع والتحاق الشباب وبدأ وكأنه صوت لوم وربما كان هناك ايضا بعض من لم يحضر الاجتماع السابق .كان ضمن هذه المجموعة (الأمين محمد سعيد وعبد القادر حمدان).
تكاملت الدورة العسكرية ويعتقد أنها كانت الدورة الثالثة فى سلسلة الدورات التى وفرتها سوريا فى تلك الفترة من الستينات وبلغ عدد أفرادها ثمانين مناضلا وكانت دورة فريدة لما فيها من بعض المصادفات بالنسبة لى خاصة أن الأخ محمد عثمان داير كان مشاركا فيها أو مسؤولا فيها كما يذكر بعض الاخوة أعضاء الدورة. كان الأخ محمد عثمان داير كثيرا ما يتذكر مواقف كثيرة مرت بهم خاصة مع المناضل صالح أبوبكر..متعه الله بالصحة والعافية.
تلقى الجميع دورة المشاة وفى احتفال التخرج القى صديق الثورة أبو القاسم حاج حمد كلمة نيابة عن المناضل سبى. وكان ابو القاسم حاج حمد يرحمه الله قد تم تكليفه بإدارة المكتب فى دمشق بعد أن كان بعض الطلبة يقومون بذلك ومنهم المناضل أبراهيم إدريس محمد آدم.
قبل التخرج كان المناضل عثمان سبى قد زار الدورة وأوصى إلادارة باسم القيادة بتدريب بعض الخريجين فى تخصصات معينة يحتاجها جيش التحرير وفوضها باختيار المجموعة المناسبة بتقديرها.
اختارت إدارة الدورة عددا يقترب من نصف العدد وغادر الآخرون إلى الميدان فى وقت كانت هناك حاجة ماسة لهم مع تصاعد العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال.
كانت هناك مجموعة تتدرب على ما يسمى فى سوريا (المغاوير) وهو المعروف بالصاعقة... ولهذا القسم فقد تم اختيار مجموعة ١٣ مناضلا منهم حاج إدريس محمد شيخ عبد الجليل (شقيق المناضل محمد شيخ عبدالجليل) عثمان عمارو (شقيق عمارو)، عثمان عبدالمنان، محمد شريف، محمد عمر همد حبيب. (كلف فى وقت لاحق بتنفيذ عملية فدائية مع مناضل آخر.. لم تنجح العملية وتم أسرهما ورحلا إلى أديس أبابا.. بعد سقوط الإمبراطور هيلى سلاسى أفرج عنهما)... عبده كشواى، عبدالقادر حاج ادريساى، على عثمان، طاهر جبريل ومحمد عثمان داير.. رحم الله من رحل منهم ومتع الله بالصحة والعافية البقية.
كان هناك قسم لصيانة الأسلحة وتخزينها وتم اختيار ستة مناضلين منهم... محمد نور موسى، يعقوب ابراهيم، محمد جمع فكاك ورمضان قبرى.
قسم الإشارة ايضا مجموعة ضمنها الشهيد عبد الرقيب محمد موسى والمناضل محمود ابراهيم ابو رامى.
المجموعة الطبية كانت تبدو الأهم بدليل أنها استبقيت بعد الدورات أعلاه لمدة شهرين إضافيين كما يتذكر بعض المناضلين الذين شاركوا فى تلك الدورات. العدد كان سبعة وهم... الحاج حامد تماريام، ابوبكر خطاب، الامين محمد سعيد، عبدالقادر حمدان، عبدالله على جامع، الشهيد حسن محمد سعيد باشميل ومناضل آخر.
قبل العودة ونظرا لما هو واضح للجميع من أهمية للخدمات الصحية خاصة فى ظل وجود هذه الجائحة فقد لاحظت أن بعض من تلقى الدورة الطبية قد ساهم مساهمة فعالة فى خدمة الثوار والشعب فى الريف ...الخ. اقول ليت الإخوان الأمين وحمدان قد واصلا فى هذا الجانب... كان سيكون أمرا جيدا بتقديم خدمات جليلة.
تـابـعـونـا... فـي الـحـلـقـة الـقـادمـة