قصة المختطاف الشيخ/ ياسين محمد نور محمود عمدو في سجون ارتريا

بقلم الأستاذ: خالد ياسين محمدنور عمدو - ابن المغيب قسرا في سجون الطاغية أسياس أفورقي في ارتريا

قبل 27 عاما وبالتحديد ليلة الرابع والعشرون من شهر ديسمبر عام 1994م كنا في انتظار الوالد

ياسين محمد نور عمدوكان مسافراً الى اسمرا اذكر تلك الليلة بتفاصيلها كم كنا سعداء مترقبين ومتلهفين لرؤيته عند عودته من العاصمة اسمرا الى منزلنا العامر بمدينة كرن، اعتدنا رؤيته قبل ان ننام حتى وان اتى متأخراً الى البيت ولا يوجد لدينا اي وسيلة اخرى سوى الانتظار.

لم يطرق ابي الباب ولم نستطع ان نقاوم النوم ولم يكتب الله لنا لقاء أبي في تلك الليلة انا واخوتي وكان اكبرنا سناً لم يتجاوز التاسعة من عمره.

وفي الصباح استيقظنا من النوم وكلنا أمل في رؤية والدنا، وهنا كانت الفاجعة والصدمة الكبيرة!!

ركضنا الى أمي مسرعين أمي.. أمي.. أين ابي!!

وجدنا أمي جالسة ومعها إمرأة من الجيران صديقة الوالدة..

لم نجد الاجابة من أمي.. مرة اخرى أمي.. أمي.. أين أبي!!

لكن هذه المرة تنفجر امي بالبكاء، أهناك شيئاً حدث لأبي؟ أين أبي!!

فردت أمي سوف يرجع ان شاء الله ولم تستطع ان تتمالك نفسها وسالت الدموع من عينيها احتضنتنا بقوة وقالت لنا والدكم لم يفعل شيئاً سيعود باذن الله..
أمي لم تكذب وصدقنا ما قالته لنا بحكم صغر السن لم نكن ندرك مدى خطورة الموقف.

كنت في السابعة من العمر وأخي الاكبر كان في التاسعة من العمر أما اخوتي الثلاثة الصغار لم يتذكرو شيئاً من تلك الليلة وكان اصغرهم عمره اربعة اشهر فقط.

كنا دائماً نسأل أمي متى سيعود أبي وذلك قبل رجوعه الى ارتريا عندما كان طالباً في الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة اثنى عشرة عاما قضاها أبي بعيداً عن أسرته خارج ارتريا بحثاً عن التعليم وكنا في أمس الحاجة اليه بجانبنا ولكن أمي كعادتها تقول لنا "سوف يرجع ابوكم قريباً ان شاء الله" وبالفعل رجع أبي الى ارتريا عام 1992 واصبح معلما في معهد عنسبا الاسلامي بمدينة كرن.

نعم عاد أبي وكنا سعداء بعودته، سنتان فقط قضاها معنا ولكن في شهر ديسمبر من العام 1994 طالته ايادي الغدر تحت الظلام واقتادته الى جهة غير معلومة.

وبينما نحن جالسين مع أمي في انتظار عودة أبي تلتفت أمي الى عمي الاصغر شقيق الوالد ولم يكن يتجاوز الثامنة عشرة من عمره والحزن مرسوما على وجهه قالت له اذهب وابحث عن أخيك الى أين اخذوه وبالفعل ركض عمي مسرعاً للبحث عن أخيه ثم نظرت الينا انا واخي الاكبر هيا اذهبو الى دراستكم.

اعتقال أبي:

كان أبي قادماً من أسمرا في وقت متأخر من الليل مرهق من السفر ثم أخذ قسطاً من النوم، جائت مجموعة مسلحة يرتدون الزي العسكري التابع لجيش النظام الارتري في منتصف الليل كانو يبحثون عن والدي واذا بهم يدخلون الى بيت الجيران ويعتقلون ابن الجيران يعتقدون انه والدي وذهبو به الى مكان آخر حيث كانت تنتظرهم سيارات هناك علمنا لاحقا كانت حملة اعتقالات واسعة في تلك الليلة.

فإذا بالشخص المخبر ينظر اليه ويقول لهم هذا ليس الشخص المطلوب، ويعودو مرة أخرى ومعهم المخبر كان مغطاً وجهه ويأتون امام منزلنا ويؤشر اليهم هذا هو منزله، ويطلبون من الشخص الآخر ان يدخل الى منزله بدون اي حركة وإلا سيكون مصيره الاعتقال.

كانو أفرادا مسلحين لم تكن وجوههم مغطاة ولكنهم كانو يرتدون الزي العسكري يضربون باب منزلنا بدون اي مقدمات، رد عليهم أبي من الطارق؟ فردو عليه افتح الباب، فقام أبي وارتدى ملابسه وهم يضربون الباب بقوة لِترويعنا وارهابنا حتى كسرو الباب، ثم دخلو الغرفة وصوبو السلاح على وجه أبي وقالو له أخرج وخرج معهم، ثم أخرج مفتاح سيارة من جيبه واعطاه لأمي فأخذ العسكري المفتاح من أمي ورماه على أبي وقال له من قال لك اعطها المفتاح؟ فرد عليه السيارة ملك لغيرنا ثم اخذ ابي المفتاح معه.

وكانت آخر كلمات قالها أبي لأمي أيقظي اخوتي حتى يرونني ويعرفو مكاني قبل ان اذهب فرد عليه العسكري "ومن أراد رؤيتك". وأخذوه الى جهة غير معلومة.

ومنذ ذلك اليوم الى وقتنا هذا 27 عاما مرت ونحن لا نعرف مكان أبي.. أحي هو أم ميت فك الله اسرهم واخوته جميعا.

ما بعد الاعتقال:

أصَّرت أمي أن نذهب الى المعهد حيث كنا ندرس في نفس يوم الاعتقال وبالفعل ذهبنا الى الدراسة وكانت الفاجعة الكبرى لم يأت معلمُ واحدُ الى المعهد، بمجرد وصولنا هناك وجدنا طلاباً مرسوما على وجوههم الحزن ورأيت طلاب من الصف الحادي عشر والثاني عشر يحملون عِصي على أيديهم وكأنهم يريدون أن ينتقموا لأساتذتهم والغضب في وجوههم.

وبينما أنا انظر يمنةً ويسرةً على الطلاب فإذا بطالب من طلاب الصف الثاني عشر يأتي مسرعاً إليَّ ويحمل عِصي في يده وينادي بإسمي خالد..خالد.. ثم نزل على ركبتيه واحتضنني بقوة وانفجر بالبكاء وقال لي انت بطل وسوف يرجع والدك ان شاء الله، علمت حينها أن الموضوع جلل وكبير فانفجرت انا ايضاً بالبكاء، ثم علمنا ان جميع المعلمين قد تم اعتقالهم في نفس اليوم.

رجعنا الى المنزل واخبرنا والدتي بحجم الكارثة و ما رأيناه وسمعناه في المعهد وأن الاعتقال طال جميع المعلمين.

"أين أبي" رحلة البحث عن أبي

ذهب اهالي المعتقلين الى الادارات الحكومية ومراكز السجون في كل من مدينة كرن واسمرا بحثاً عن ذويهم المعتقلين وكانت الاجابات صارمة يقولون لم نعلم عنهم شيئاً ولا نعرف مكانهم.

ولم نقطع الامل حتى يومنا هذا وأملنا في الله كبير انهم سيخرجون يوما ما.

أحوال الأسرة بعد الاعتقال:

بفضل الله ثم بفضل أمي الانسانة الصبورة الصامدة والمكافحة تجاوزنا كل المحن وكل الصعوبات دائماً تقول لنا لابد ان تنجحو وتتعلمو حتى يفتخر بكم والدكم عندما يخرج من السجن.

نحن خمسة أخوة ذكورأخي الاكبر تزوج الحمدلله ولديه خمسة اطفال وانا ايضا تزوجت ولدي طفلة الحمدلله، تعلمنا وتخرجنا من الجامعة الحمدلله.
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يلم شملنا مع والدنا عاجلا غير آجل ويقر اعيننا برؤيته.

السيرة الذاتية:

الإسم: ياسين محمدنورمحمود

اسم الشهرة: ياسين عمدو

تاريخ الميلاد: 1955 "تقريبي"

مكان الميلاد: قرية كبربرد تبعد 10 كيلو متر عن مدينة كرن - ارتريا

تاريخ الاعتقال: 24-12-1994

حفظ القرآن الكريم في مسقط رأسه في قريته، ثم التحق بمعهد عنسبا في عام 1966 في قرية وازنتت ثم انتقل المعهد الى مدينة كرن عام 1967 ودرس هناك حتى الصف الرابع الابتدائي، ثم قطع الدراسة عام 1970 بعد مذبحة عونا الشهيرة من قبل الاحتلال الاثيوبي وعاد الى الدراسة في المعهد عام 1978 ودرس سنة واحدة ثم ذهب الى السودان عام 1979 والتحق بمعهد النهضة في خشم القربة ودرس به سنة واحدة.

وفي عام 1981 وجد منحة وسافر الى المملكة العربية السعودية ثم التحق بدار الحديث المدني في المدينة المنورة التابع للجامعة الاسلامية واكمل فيه المرحلة الابتدائية والمتوسطة ثم اكمل المرحلة الثانوية في الجامعة الاسلامية.

ثم التحق بكلية الشريعة في الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة وبعد تخرجه من الجامعة لم يتردد من العودة الى ارض الوطن مع اخوته الطلاب الآخرين وبالفعل عاد الى ارض الوطن والى اسرته التي طال انتظارها وكان ذلك في العام 1992 بعد التخرج مباشرة ثم اصبح معلما ومربياً في معهد عنسبا الاسلامي بمدينة كرن وذلك حتى تاريخ اعتقاله في ديسمبر 1994م.

فك الله اسرهم جميعاً.

Top
X

Right Click

No Right Click