المختطاف المناضل/ حسن محمد علي دربوش

بقلم الأستاذ: علي حسن محمد علي دربوش - ابن المعتقل

تنصّ المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي:

حسن محمد علي دربوش"يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق".

أنا لا أخط أحرفي ﻷستدر عطف الناس أو لكي يطبطب علي الحانون و يمسح على رأسي الحادبون؛ إنما هو تنفيس عن دواخل كالقدور المغلية و كالخلجان الهادرة؛ إنه زمن الطغيان والتعسف ابتلعتنا هيجاؤه و أحرقتنا رمضاؤه، لم يكن بمقدور احد ان يعرف عن أبي أي شيء فأقبية الزنازين في بلدي ظرف مغلق، أربعة عشر عاماً من التغييب والإختفاء القسري، منذ أن إختطفته يد الغدر والخيانة و ما بين انتباهة عين وطرفها وجد أبي نفسه مكبل اليدين والقدمين و معصب العينين؛ في إحدى ليالي أغسطس من عام 2007 أثناء عودته من السوق حاملا معه الدواء لشقيقتي هناء وكان برفقة أحد جيراننا رحمه الله، وبمقولتهم المشهورة يستأذنون منه "نريدك خمسة دقائق ثم تعود" ومنذ تلك اللحظة لم يعد أبي إقتادوه إلى وجهة مجهولة، تَرى أين أخذوك يا أبي؟

هل من دليل يوصلني إليك ؟؟

سجن أبو العتاهية فقال:

اما والله ان الظلم شؤم
وما زال المسيء هو الظلوم
ستعلم يا ظلوم اذا التقينا
غدا عند المليك من الملوم
فأطلقه الرشيد

ولد أبي عام 1957م في مدينة قام شيوا نارو، وفي صغره هاجر مع عائلته إلى قرورة ومن ثم إلى بورتسودان وتلقى بها تعليمه في مدرسة الشهداء في ديم النور مربع 4.

وبعد أن أصبح في عمر العشرين ترك مقاعد الدراسة تاركاَ أهله خلفه ليلتحق بجبهة التحرير في الميدان في عام 1977م وهو في ريعان الشباب وأثناء إحدى المعارك أصيب بالرصاصة وذلك في عام 1983م وسمع جدي رحمه الله بإصابة أبي بالرصاص فذهب إليه في ثكناتهم في نقفه وأحضره معه إلى بورتسودان ومن ثم أخذه للقاهرة لتلقي العلاج، وبعد أن استعاد أبي عافيته ترك رسالة لجدي رحمه الله مكتوب فيها "سامحني يا أبي فأنا مضطر للعودة إلى الميدان من أجل الموت لهذا الوطن الجريح والعفو سامحني يا أبي" ومن ثم لم يرجع إلى أهله إلا بعد الإستقلال وتحرير كامل تراب الوطن.

انا اتسائل هنا! أبعد كل هذا النضال المرير تتم مكافأة أبي هكذا بالخطف والاختفاء القسري؟ ما ذنبه؟ ما تهمته أخبروني أخبروني؟ لفقوا له من تهم ما شئتم عذبوه بسياطكم لكن أخبروني أين أبي؟ أريد رؤية أبي فقد حرمنا أنا وأخوتي من حبه وحنانه.. فأختي هناء التي لم يعطها أبي الدواء الذي اشتراه لها الآن أصبحت أستاذة بعد أن اكملت التدريب في معسكر (السُخرة) ساوا.

تطوى السنون طيا و لا زالت قاطرة المحنة مبحرة في يم الحرمان؛ أحداث و تواريخ و محطات؛ أحزان و شجون و آهات؛ و مسلسل الحرمان متواصل و الحرب معه سجال لكن ليس كأي سجال؛ كبر أقوام و ولد آخرون و غادرت الدنيا وجوه؛ سقطت أنظمة وهلك زعماء و صعد نجم دول و أفل ﻷخرى "لا خير في أمة أسلمت شرفاءها لسفهائها و جرأت شرارها على خيارها و خذلت مناصريها و صفقت لجلادها".

Top
X

Right Click

No Right Click