الا تستحق هذه الزوجة ان تكرم في مجتمعنا؟
بقلم الأستاذ: الأمين أب كير
في ليلة غاب عنها القمر، أعتقل زوجها ظلماً وأصبح الصبح حاملًا لها أسئلة من كل الاتجاهات،
الطفل يسأل أين أبي لنأكل الفطور؟ والتلميذ يسأل أين أستاذي الذي علمني لكي أكتب جملة مفيدة "العلم نور والجهل ظلام".
لكن الزوجة صدمت باختفاء زوجها فجأة وأصبحت كالمريضة التي لا يستجيب معها كل العلاج، آمنت بالقدر خيريه وشره ورفعت من معنوياتها، وعرفتْ كيف إنحرف الاطفال بسبب الفقر، وكيف تُستغل الاطفال على أقتراف الجرائم بسبب الجوع، وكيف تتفكك الأسر وتكون فريسة للضياع والتشرد في ظل النظام البائد. وفي النهاية اقتنعت أن حالتها النفسية وطاقتها السلبية واحباطاتها ستضيع اطفالها.
وبعد أيام تدريجيًا ادركت الزوجة بأن دائرة المسئولية حولها تزداد وحاولت جاهدت لجعل ابتسامتها أملًا لأطفالها، ولكنها لا تعلم من اين ستبدا وكيف ستنهض بنفسها وبأطفالها هكذا شاءت لها الأقدار، لا راهنت على أحد الى الله سبحانه وتعالى وفكرت في كل شيء حتى أصبح الهم ثقيلًا عليها، وعرفت ان المعركة التي ستخوضها مع هذا النظام البائد في مطالبة الإفراج عن زوجها مليئة بالعثرات، لكن كان أمامها خياران لاثالث لهما إما أن تحترق بنار الانتظار والحزن واليأس وتطفي مستقبل أطفالها وتعيش في الظلام أو إما تجمع أطفالها وتبني لهم سلّمًا ليشعلوا شعلة المستقبل يمضون بها نحو النجاح والتقدم والازدهار.
وأخيرا أقسمت الزوجة مع نفسها بأن لاتطلب الطلاق وأن لا تتعثّر مع أطفالها في هذه الحياة الدنيا وأن لاتتخلى عن المطالبة بحقوق زوجها، وفكرت في الطريق الصحيح لتربية ابناءها، لا تقاعست و لا قعدت في البيت لتبرر الاعتقال ويكون اطفالها ضحية لهذا النظام المستبد.
الزوجة التي اختفى زوجها من دون سابق إنذار تاركا لها وراه أبناء وبنات الذين ذاقوا مرارة اليتم عملت جاهدة لتربيتهم و لتُشعرهم بأن اختفاء والدهم لن يؤثر على مستواهم التعليمي والمعيشي، وملأت قلوبهم رائحة الأب ومكانته على أكمل الوجه.
ولأكثر من ربع قرن هذه الزوجة واجهت الحياة بكل عواصفها واشتدادها، جسدها اصبح أرضٌ يشبه ساحة المعركة، يديها اليمنى تشكو من يديها اليسرى، و قدميها تركلُ كل شئ لتخلق لها التوازن في المجتمع، و عينها اليمنى تفارق عينها اليسرى لشدة السهر في ليالي الانتظار لفرج قريب من الله، وأذنها اليمنى تسمعُ اخبار عن زوجها غير ما تسمعه أذنها اليسرى، حتى الليل لا يهدأُ جسدها ولا يأخذُ استراحةً للنوم، يأتي المخ أليها ثائراً و يدغدغها بذكريات اليوم المنكوبة الذي أختفى فيه زوجها.
لكن قلبها الحنين كان ينبض ويحوم حول أطفالها، تلوم الكبير لكي يهدأ الصغير، و تصرخ في الصغير لكي يحترم الكبير، و تركب الأحلام لولدها بأنه سيتخرج من أرقى الجامعات في العالم، وترمم احلام لبنتها بأنها ستتزوج وستسمي أبنها على اسم أبوها التي كانت معجبةً به، لإن هذه الزوجة تعرف جيدًا إن وجود الاب في حياة البنت نعمة لا يشعر بقيمتها الا من فقدها وحرم من التمتع بهما.
هذه الزوجة الوفية كانت واثقة بأن المعركة التي خاضتها كانت كبيرة ومن ينتصر فيها فقط من أراد وصمّم وأصرّ وتوكل على الله، وبفضل تلاحم أفراد من المجتمع وصلابتها اجتازت هذه الزوجة كل الصعوبات التي تعاظمت وتكالبت عليها، و بارادة من الله اليوم اقتلعت العقبات التي كانت تقف في وجهها، وحضنت احفادها.
بفضل جهود افراد في تنسيقية "يوم المعتقل الارتري" استطعنا ان نحتفظ في ذاكرتنا بتفاصيل علاقتنا بالمعتقلين في ارتريا، ولن تخوننا ذاكرتنا لكي ننسا أشكالهم وأسمائهم . عاشت اسماءهم بيننا وورثها حفيدهم اليوم واصبحت منقوشة في ذاكرة كل الاجيال (محمد، ابراهيم، ادريس، مرانت، زرؤم، ارى، حزوت، دار، أكد، إزوز، وووو...)، فالذي اعتقلهم لم يقدر يمحى اسمهم وذكراهم رغم كل هذا السنين.
واخير ياشباب من الواجب علينا ان نكون منصفين ونعطي كل ذي حق حقه في هذه الساحة الاريترية المتشابكة ونجدد عهدنا ووفاءنا لملفات الأعمال الخيرية وملفات المعتقلين في مجتمعنا.
كونو بخير اين ما كنتم