عبدالرحمن السيد في حوار خاص مع عدوليس: هذه هي صورة الوضع الإريتري
حاوره الإعلامي الأستاذ: جمال همد - ملبورن المصدر: عدوليس
عبدالرحمن السيد - الناشط في مجال حقوق الإنسان والمنظمات المدنية والسياسة والمقيم في لندن،
صاحب مساهمات كبيرة في مقارعة النظام الإريتري عبر عدد من الأنشطة المدنية والسياسية في عموم العواصم الأوربية، كما يولي الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي إهتماما خاصة.
كان الناطق الرسمي للمؤتمر الدولي الذي عقد من 8-9 نوفمبر عام 2009م في مقر الاتحاد الاوروبي ببروكسل (العاصمة البلجيكية) لمناقشة امكانية ربط سياسات الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي حول قضايا إريتريا والقرن الأفريقي في حضور ديبلوماسيين من هذه الدول بالاضافة الى سفراء دول القرن الافريقي وممثل الاتحاد الافريقي واعضاء برلمان الاتحاد الاوروبي وناشطين من ارتريا ودول القرن الافريقي.
في هذا الحوار تحدث لـ (عدوليس) حول عدد من القضايا التي تشغل بال المجتمع الإريتري، مشخصا حال المعارضة الإريترية، وأوضاع المثقف الإريتري. وملف حقوق الإنسان وغيرها من المواضيع.
لا زال المثقف الإريتري وقادة الرأي بعيد عن التأثير في مجريات الأحداث في إريتريا في الوقت الراهن، مع أنهم لعبوا أدوار رائدة في فترتي تقرير المصير وبدايات الثورة الإريترية.. كيف تفسر ذلك ؟
شكرا استاذ جمال وعبرك اشكر موقع عدوليس والقائمين عليه الذي أعتبره أهم وسيلة إعلامية ارترية تساهم في نشر الوعي والمعلومة بحرفية وجهد مقدر. للاجابة على سؤالك، لا اعتقد هنالك تاثير لأي فئة اكثر من الاخرى في ظل الوضع الاريتري الذي يعتبر غير طبيعي وذلك لأكثر من سبب:-
اولا: الثقافة السائدة هي ثقافة الاقصاء والتسلط التي صاحبت الاحتلالين الايطالي والإثيوبي لإريتريا اللذين كانا يرتكزان على الحكم العسكري والبطش الفاشي لتطويع المجتمع، وقد صارت على نهجهم عصابة الشعبية (الهقدف) في تركيع البلاد، حيث جعلت من السرية والقمع والارهاب نهج متأصل، لفرض ارادة قيادة عصابة "الهقدف" على الوطن و المواطن.
ثانيا: معلوم ايضا بأن الكفاح المسلح الطويل الذي استمر من 1961م وانتهى بتحرير الارض من الاستعمار الاثيوبي في عام 1991م لم يكن محصورا بين جبهات التحرير من جانب وقوات الاحتلال الاثيوبي من الجانب الاخر، وانما كانت هنالك حروب بينية لا تقل ضراوة عن تلك التي خيضت ضد قوات الاحتلال الاثيوبي. هذه الحروب البينية كانت تعبيرا عن غياب الحوار والتسامح أو فشل هذه الآليات - إن كانت موجودة - في إدارة، ومعالجة الخلافات والتباينات بين اطراف النزاع والصراع.
ثالثا: أتى تحرير الوطن في ظل ثقافة البندقية وحسم الخلافات بالبندقية ولم تسمح قيادة الجبهة الشعبية بالتحول من حالة الثورة التحررية العسكرية الى التاهل للمساهمة في بدء عملية بناء الدولة المدنية الديمقراطية من خلال فتح المجال امام الشعب وقواه السياسية، بل واصلت عملية القمع للحريات وسياسة الاستبداد الى يومنا هذا،مما جعل كل من يعارض هذا النهج المدمر اصبح مكانه إما اللجوء والعيش بعيدا عن ارض الوطن الذي ضحى من أجله بالغالي والنفيس، وإما التعرض للاختفاء القسري على أيدي عصابات القتل والاجرام التابعة (للهقدف).
رابعا: وسائل التاثير الفكري العام تكون من خلال منابر إعلامية ومراكز الدراسات والمعاهد كذلك الندوات والجمعيات الثقافية والأحزاب السياسية المدنية الخ... في ظل التشتت ومحدودية الإمكانات المادية ظلت هذه المنافذ غير متوفرة وإن توفرت كانت ولا تزال محدودة جدا،ولا تصل الى كل قطاعات الجماهير الإريترية، ليس فقط في الداخل وحسب وانما ايضا في الخارج. أضف الى ذلك السياسة الممنهجة التي ظلت تتبعها عصابة (الهقدف) ظلت تحاصر انتشار وسائل الاتصالات الحديثة في إريتريا مثل الانترنت و هواتف "الموبايل" والاعلام المستقل، ولهذا ظلت اريتريا تصنف في تقارير مؤسسات حقوقية مثل "صحفيون بلا حدود" ضمن اكثر الدول قمعا للحريات الاعلامية والصحفية.
خامسا: هناك ايضا اشكالية ذاتية لدى "المثقف الاريتري" وهي غياب اللغة التي يستطيع مخاطبة شعبه بها. فالكثير من الذين يصنفون على أنهم مثقفون لا يستطيعون مخاطبة الجماهير إلا من خلال "مترجم" وهذا بدوره يؤثر سلبا على عملية "التاثير" العام وانتقال الافكار من و إلى، والأسوأ عندما ينظر هذا المثقف الى اريتريا بعيون اثيوبية او سودانية او غيرها من الدول والجمتمعات التي قد يكون امضى فيها جل حياته وتلقى تعليمه وثقافته منها، وبالتالي يحاول اسقاط تجاربها وحلولها على الواقع الاريتري دون أي مراعاة لاي خصوصية قد تتميز بها البيئة الإريترية سياسيا كانت ام غيرها من أمور في الشأن العام.
في الوقت الذي تلعب فيه ملفات حقوق الإنسان دورا بارزا في لفت نظر العالم لوضع بلد ما.. ووضوح وثقل الملف الإريتري الرسمي، لم نستطيع تحريك وتسويق هذا الملف بالرغم من إن هنالك كثير من (منظمات المجتمع المدني والحقوق) في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الإجتماعي ؟
لقد عملتْ جمعيات ومنظمات المجتمع المدني والافراد لسنوات طويلة وبجهود تستحق التقدير حيث اوصلوا معاناة الشعب الاريتري الى مسامع المؤسسات الاعلامية الدولية ومنظمات حقوق الانسان والامم المتحدة عبر مجلس حقوق الانسان الذي عين محقق خاص في العام 2012 ومن ثم لجنة تحقيق قبل نحو عامين التي اصدرت تقريرا مفصلا في العام الماضي اتهمت فيه عصابة (الهقدف) بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الانسان الاريتري، البعض منها قد يصل الى درجة "جريمة بحق الانسانية" التي تستوجب تقديم مرتكبيها الى محكمة الجنايات الدولية. هذا كله يعتبر تقدم كبير في فضح النظام ووضعه امام المجهر الدولي ليشاهد العالم ما يفعله بالشعب الاريتري المنكوب. كذلك تكونت لجان من برلمانيين على مستوى الاتحاد الاوروبي وبرلمانات بعض الدول الاعضاء لمتابعة ومناصرة الشعب الارتري ومتابعة قضية حقوق الانسان في ارتريا، بالاضافة الى صدور عدة تقارير مكتوبة ومرئية حول انتهاكات حقوق الانسان في اريتريا وجرائم الاتجار بالبشر، كما تم ايضا عقد لقاءات وندوات تنويرية ومؤتمرات دولية مثل مؤتمر بروكسل في شهر نوفمبر 2009.
كل هذه الفعاليات كانت تصب في اتجاه تنوير العالم الخارجي لما يتعرض له الشعب الاريتري تحت حكم عصابة الهقدف والحاجة الماسة لرفع الظلم عن كاهله الخ... صورة (الهقدف) اليوم ليست كما كانت قبل نحو عشرة او خمسة عشر عام بفضل جهود منظمات المجتمع المدني والافراد... الصورة الحقيقية اليوم هي اكثر وضوحا والضغط على العصابة في تزايد مستمر بدليل انهم الآن يحاولون ارغام الموطنين على التوقيع على عرائض مؤيدة لهم، وهي في الحقيقة لا تقدم ولا تؤخر عملية التحقيق الدولي الجارية والتي ستقدم تقريرها الى مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في يونيو القادم باذن الله. هذا لا يعني عدم وجود اخفاقات او تقصير في بعض الجوانب... كلا، هناك نقص حاد في الامكانات المادية للناشطين وجمعيات حقوق الانسان الاريترية، وفي الجانب الآخر عصابة الهقدف تسَخّر كل امكانات الدولة ومؤسساتها لمحاربة الحقيقة وعكسها، بل احيانا يصل بهم الامر الى توجيه الاتهامات للضحايا ومن يطالبون باحترام حقوقهم وذلك من خلال التشهير بالافراد والتهديد والابتزاز والاعتداء وتقديم الشكاوى الى جهات قضائية في الدول الاوروبية.
بعد نضال دام أكثر من نصف قرن يعود بنا البعض للمربع قبل الأربعينات ويتمظهر ذلك بتفسير كل الأحوال والخلافات بين قوى التغيير بمفاتيح (الطائفية.. مرتفعات ومنخفضات.. إسلام / مسيحية) الخ كيف تفسر لنا هذه الردة إذا صحت التسمية ؟
دعني اشرح لك هذه القضية على النحو التالي:-
اولا: هناك انتهاكات لحقوق الانسان الاريتري على كل المستويات من الفرد الى الجماعة الثقافية والقبلية والمناطقية وغيرها من التجمعات وذلك منذ عام 1991 وما قبله. العصابة المتسلطة في اريتريا لا تعرف حدود لانتهاكاتها، ولذا من الطبيعي ان تكون هنالك شكاوى ومطالب مشروعة بحقوق فئوية.
ثانيا: بروز بعض المجموعات في اوقات متأخرة لا يعبر بالضرورة عن هذه المطالب المشروعة، انما هي مجرد افرازات للضعف والعجز المزمن الذي ظلت تعاني منه "معارضة الخارج" من ناحية وعن تمايز شكلي من أجل المحاصصة في تقاسم "كعكة السلطة" في المنفى وربما في الداخل باسم المهمشين والمطالب المشروعة من ناحية اخرى.
ثالثا: لا احد ينكر وجود اختراقات ايضا لجبهة المعارضة تفضي بطريقة مباشرة او غير مباشرة الى خدمة عصابة الهقدف او اجندات خارجية و اخرى شخصية ضيقة.
رابعا: بالنسبة لمشروع التقسيم الذي طرحه الحاكم البريطاني العسكري لارتريا في الاربعينات (وليس قبل الاربعينات) لم يكن مشروعا اريتريا على الاطلاق. كانت مجرد محاولة اجنبية استعمارية لإزالة اريتريا من على الخارطة من خلال تقسيمها بين السودان واثيوبيا...هذا المقترح كان سيجعل من اقاليم مرتفعات ارتريا الجنوبية الثلاثة (الكبسا) وسمهر ودنكاليا جزءا من اثيوبيا هيلي-سلاسي وباقي الاقاليم الغربية - الساحل و كرن وبركا مع القاش – دمجها مع السودان. هذه كانت الفكرة خلف "التقسيم" التي لم تجد تاييد محلي وبالتالي فشلت قبل ان تولد.
في وجهة نظري المتواضعة تكمن حل مشكلة اريتريا سواء كانت قضية تهميش فئوي وانتهاك، أو استبداد عصابة، في الاطار الوطني العام والجامع وذلك من خلال إيجاد آليات دستورية ومؤسساتية، وهذا لا يمنع القيام باعمال ونشاطات توعوية وتمكينية تساهم في الوصول الى حلول ناجعة ومستدامة لكل قضايا الوطن وعلى كل المستويات، عدا ذلك لا اعتقد يمكننا ايجاد حلول جزئية في وطن يعاني فيه الجميع ولو بشكل متفاوت ولاسباب مختلفة.
أكثر من عشرة سنوات والمعارضة الإريترية تراوح مكانها.. تلتئم.. تكون إئتلاف ثم تنفض وتصطرع، وقد شهد نهاية 2015 والربع الأول من 2016م ما أطلق عليه البعض حراك سياسي يسعى لإختراق الكثير من المشكلات وصولا لتأسيس جسم معارض. السؤال كيف يمكن تقرأ لنا كل ذلك مستشرفا أفق المستقبل ؟
قبل عدة اعوام تم استضافتي في ندوة عقدت في مدينة برمنجهام البريطانية حيث تحدثت عن اهمية وجوب قيام كل فصيل إريتري بمراجعة ملفاته الخاصة ومبادئه ومن ثم اتباع الوسائل المناسبة للمساهمة البناءة في التخلص من الاستبداد والوصول الى دولة العدالة والديمقراطية التي تسع الجميع. لا يمكن إيجاد مظلات جامعة وفعالة واعضاء الجسم يعاني من مرض عضال. اعتقد الأفضل في هذه المرحلة هو التركيز على استغلال الطاقات المتواضعة في مقارعة وهزيمة مشروع الاستبداد (الهقدفي) بدلا من تكرار تجارب العشرة سنوات الماضية التي اشرت اليها. ساحات العمل كفيلة بايجاد صيغ واقعية وعملية للتنسيق والائتلاف بين من يعملون ويعلمون بحجم التحديات الكبيرة الماثلة أمام الوطن والتي تحتاج الى نفس طويل وحكمة من ضمن ما تحتاجه من وسائل وادراك.