حوار مع الأستاذة صفية عمر ازاز
أجرى الحوار الأستاذ: محمود عمر أفندي المصدر: رابطة أبناء المنخفضات الإرترية
يحتفل الشعب الإرتري كل عام بمناسبة الفاتح من سبتمبر ذكرى انطلاقة الكفاح المسلح
بقيادة الشهيد البطل حامد إدريس عواتي ورفاقه الميامين من الرعيل الأول، تحت راية جبهة التحرير الإرترية رائدة الكفاح المسلح.
وبهذه المناسبة العظيمة نقف بك عزيزي القارئ في حوار مع احدى الناشطات الإرتريات التي تفتحت عيناها منذ صباها الباكر على مدرسة وطنية بين أبوين مناضلين ملأت قلبها بحب الوطن ما جعلها تعمل بتفانِ وإخلاص منذ أن كانت طالبة في المرحلة المتوسطة، حيث عملت في جميع المنظمات الفئوية (الطلابية والشبابية والنسوية)، كما لم يقتصر دورها في العمل الوطني العام وخدمة مجتمعها قبل وبعد تحرير كامل التراب، بل تواصل عطائها في خدمة الجالية الارترية في مكان إقامتها الحالي بأستراليا في مختلف مجالات العمل الوطني والخيري والإنساني من خلال تقديم كافة أنواع الدعم المادي والمعنوي بالعمل في حملات جمع الدعم والتبرعات المادية في مناسبات مختلفة لإيصالها إلى مختلف شرائح شعبنا في مناطق الحاجة بمعسكرات اللجوء وأطراف المدن بشرق السودان، كما شغلت منصب نائبة رئيسة الجالية الإرترية في مدينة ملبورن باستراليا في إحدى دوراتها السابقة، إضافة إلى أنها تشغل حاليا منصب الأمينة المالية بالمكتب التنفيذي لرابطة أبناء المنخفضات الإرترية، وعضوة فاعلة فيها منذ تأسيسها.
ضيفتنا عزيزي القارئ هي واحدة من أبناء الذين سطروا صفحات ناصعة في تاريخ شعبنا، ورغم غيابهم عنا إلا أن فوح سيرتهم العطرة يضوع في كل شبر من البلاد، فاضحوا مفخرته وقناديله التي أضاءت كل أرجاء الوطن، ضاربين أروع الأمثلة في الفداء والتضحية من أجل أن ينعم شعبهم بالحرية والأمن والسلام، هي ابنة أحد هؤلاء الأبطال من الرعيل الأول الذين احتل اسمهم مكانة بارزة في صفحات تاريخ الثورة والوطن، ألا وهو الشهيد البطل عمر حامد ازاز، وهي بيننا اليوم سنفتح معها محاور متعددة تحتوي على ما تعرفه عن تاريخ والدها ونضالاته وذكريات الأسرة عنه. وقبل ذلك لا يُعرف المُعرف، ولكن سنتعرف عن قرب بطرح بعض الاسئلة التي لم نتطرق لها من قبل عن حياة هذه الاسرة المناضلة وعن مسيرة حياتها قبل وبعد استشهاد البطل المناضل عمر ازاز، فإلى مضابط الحوار.
ضيفتنا هي صفية عمر ازاز، وفي البداية لا يسعنا إلا أن نتقدم لها بجزيل الشكر على الاستعداد لإجراء المقابلة التي سنقلب معها صفحاتها، ولكن قبل هذا وذاك نرحب بها أشد الترحيب ونبدأ معها بالسؤال التقليدي:
كيف تعرفين نفسك؟
أنا إنسانة بسيطة أحب وطني وشعبه، واتطلع مثل كافة أبناءه الذين حرموا من حقهم في الحياة فيه بعزة وكرامة أن نعود إليه وقد تحققت كل أمانينا في إزالة عقلية الهيمنة والإقصاء، وبناء دولة العدالة والمساواة لتنعم كافة مكوناته بنيل حقوقها العادلة في قسمة السلطة والثروة.
الشهيد البطل عمر ازاز علم وشخصية وطنية بارزة في مسيرة النضال التحرري الإرتري، نتوجه إليك بالسؤال لإعطائنا نبذة مختصرة عن الشهيد عمر ازاز وعن الأسرة؟
ولد الشهيد عمر حامد ازاز في ثلاثينات القرن الماضي بمنطقة حلحل، والتحق بالجيش السوداني (الاورطة الشرقية) في بواكير شبابه ووصل لرتبة يوزباشي (ضابط صف)، وعلى حسب ما كان يحكي عنه من قبل أصدقائه في تلك الفترة أنه كان ذو اهتمام عال بقضايا مجتمعه على امتداد تواجده، دائم التواصل والنقاش معهم حول قضاياهم الخاصة والهم المجتمعي العام، كما أنه كان ودودا يتمتع بحس عال في الدعابة ما جعله محبوباً بين أقرانه.
وأثناء فترة خدمته في الجيش السوداني أذكر أنه كان ضمن القوات السودانية في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام أثناء النزاع في دولة الكونغو بين الزعيم لوممبا والقوات المناوئة له والتي استمرت لمدة عامين عاد منها في العام 1959م، وبعدها بعام بدأ التخطيط للالتحاق بالرفيق عواتي الذي بدأت بوادر الإعداد معه لإطلاق شرارة الثورة للدفاع عن حقوق ومصالح الشعب الإرتري التي كانت تتهددها المطامع الاستعمارية الدولية الداعمة لمطامح الإمبراطور هيلي سلاسي لضم إرتريا لإمبراطوريته التوسعية.
أما عن الأسرة فهي تتكون من سبعة أبناء، ثلاثة ذكور وأربعة من البنات، وكلهم من مواليد مدينة كسلا السودانية ما عدا البكر حيث إنه ولد في مدينة كرن.
لماذا تخلى الشهيد عن الجيش السوداني تاركا خلفه الوظيفة والراتب والالتحاق بالثورة الإرترية التي لم تكن حينها سوى حلم إرادة بالحرية للتخلص من براثن الاحتلال الاثيوبي؟
أعتقد إن الإجابة على هذا السؤال قد تكون معلومة لدى الجميع، حيث أن كوكبة الرعيل الاول التي كانت ضمن الوحدات العسكرية بالجيش السوداني آنذاك قد أخذت على نفسها قرار ترك العمل بالجيش السوداني من أجل تلبية النداء بالدفاع عن حقوق ومصالح مكونات الوطن التي كانت تتهددها مطامح الاستعمار كما أشرت في إجابتي السابقة، وإن هذه الخطوة لم تكون وليدة اللحظة بل سبقتها خطوات من الإعداد والتخطيط لتنفيذ القرار، وقد كان الشهيد طاهر سالم هو من تولى قيادة المجموعة في ذلك حيث أنه كان أكبرهم سناً والأعلى رتبة بينهم، ولهذا كان يضع ويرسم الخطط معهم حول كيفية التخلي عن الجيش السوداني للالتحاق بركب الثورة، بحيث يتم التخلي عن الخدمة العسكرية بشكل تلقائي وتدريجي وبشكل فردي حتى لا يكون لافتاً للانتباه ويكون بطريقة منتظمة، أي ان يكمل كل واحد منهم فترة الخدمة التي تم تحديدها له بالجيش وأخذ استحقاقاته بشكل كامل، وعدم التصرف في المعدات العسكرية التي بحوزتهم واستردادها بالطريقة المتعارف عليها في الخدمة العسكرية عند انتهاء الفترة المحددة، مثل تسليم قطع الأسلحة ومرفقاتها، وغيرها من السلوكيات التي يتحلى بها الجندي من انضباط والتزام، وذلك للحفاظ على السمعة الطيبة التي تحلوا بها في الجيش السوداني، بالإضافة لضرورة التأسيس لبناء علاقات جيدة مع السلطات السودانية للاستفادة منها في دعم الثورة وتوفير الملاذ والمأوى لها في قادم الأيام.
ويحكى أنه من ضمن الأسئلة المحورية التي واجهوا بها أنفسهم أثناء المراحل الأخيرة من تنفيذ عملية الالتحاق هو: لمن سنترك أسرنا ومن الذي سيعيلها؟؟
وكانت الإجابة بسؤال آخر: أيهما أولى الأسرة أم الوطن؟؟
وكانت الإجابة الجماعية التي تنم عن قدر عال من المسؤولية والاستعداد بالتضحية بأنفسهم وأسرهم، بأن الوطن أولى.
ومن الأشياء التي تذكر عن الشهيد عمر إزاز أنه بعد استلام استحقاقات نهاية الخدمة من الجيش السوداني سافر إلى مدينة كرن واشترى بما معه من مال منزلا في (عد حباب) بينما نصحه زملائه بأن يشتري منزلا في كسلا تستظل به الاسرة، حيث لا يعقل تركهم بدون معيل ولا مأوى أيضاً، فكانت إجابته بأن تحرير الوطن وعودتنا إليه لن تطول!
أين كانت الاسرة لحظة خبر الاستشهاد؟
أولاً: لقد تم إحاطة الاسرة بخبر الاستشهاد بعد عامين من تاريخه أي في العام 1970م علما بأن تاريخ استشهاد الوالد كان في العام 1968م، وذلك لدواع أمنية ومعنوية من قبل قيادات الثورة.
ثانيا: كانت الأسرة عندها في محل اقامتها في مدينة كسلا والتي امتدت لزمن طويل حتى تاريخ الهجرة الثانية لموقع الإقامة الحالي بمدينة ملبورن الأسترالية، وقد تم تبليغ الوالدة رحمها الله بذلك، والتي تقبلت الخبر برباطة جأش وصبر العارفة بطبيعة المآل لمن قرر الإقدام على الدفاع عن شعبه، علما أنها كانت حبلى بأصغر اخواتي حينها. وقد قامت بإبلاغ الأكبر منا سناً لقدرتهم على تقبل وقع الخبر.
الاســـتاذة صفية من خلا ل نشـــأتك في بيت نضالي عريق حدثينا عما يقال عن الشهيد البطل عمر ازاز في المنزل بعيدا عن العسكرية وكذلك الجانب الإداري المشهود له من قبل من عمل معه... وهل هذه الصفات كانت موجودة في البيت ومن منكم كان أكثر قربا منه؟
بحكم التحاق الوالد بالثورة في وقت مبكر، فإن علاقتنا بالوالد وذكرياتنا معه تكاد تكون ظلالاً، حيث أن عمر أكبر الأبناء سناً كان 7 أعوام وأغلب معلوماتنا عنه كانت عبر أصدقاءه الذين عرفناهم لاحقاً، كما أنه ولدوافع أمنية كان نادر الحضور لمدينة كسلا، وكان أغلبها يتم ليلاً ولأيام معدودة يقضي أغلب أوقاتها مع رفقاء النضال من العاملين في المدن السودانية، ولا نراه إلا لماماً، وإن كل ما تحتفظ به الذاكرة في تلك الفترات القصيرة والمتباعدة، هي بعض من مشاعر العطف الكبير وبشاشة في ملامح الوجه، وروح من الدعابة كانت تشع حوله، وكان لا يفرق بيننا فالكل قريبا من قلبه.
أما ما سمعناه لاحقاً عن بعض صفاته في إدارة العمل النضالي أثناء توليه إدارة المنطقة العسكرية الثانية حيث كانت الساحة مقسمة إلى خمس مناطق عسكرية، بأنه كان يتعامل بنفس روح الود والتواضع والإخاء مع كافة المناضلين في الساحة بشكل عام والذين تحت إدارته بشكل مباشر في إطار المنطقة العسكرية الثانية، والصرامة عندما يقتضي الأمر ذلك. ومما يحكي عنه في إدارة المنطقة أنه كان حريصاً على دقة التنظيم في إدارة المهام النضالية اليومية، وعلى الاستفادة من الوقت لأقصى حد حيث كان يطالب المناضلين بالتعلم في أوقات الفراغ مبتدئاً في ذلك بنفسه، كما كان حريصاً على خلق روح التآخي والتقارب والحفاظ على الوحدة الداخلية بين منتسبي المنطقة الثانية لدرجة أنه كان يمنع منعاً باتاً التحدث بغير اللغة العربية.
الاسرة تحظى بقدر من التعليم تأهلهم لكتابة كتاب أو حتى يوميات عن الشهيد البطل عمر ازاز فهل هنالك فكرة تدور في أذهانكم لعمل ذلك؟
نعم ظلت تراودنا فكرة كتابة حياة وتاريخ الشهيد عمر إزاز. ليس لأننا أبناءه، بل من باب المساهمة في التوثيق لأهم مرحلة في تاريخ شعبنا من خلال التعرض لحياة صناع تلك التجربة من رجالات الرعيل الأول، ولكن نسبة لعدم وجود مراجع يعتمد عليها، وأن التوثيق لحياة أولئك الابطال تعتمد على استقاء وتجميع المعلومات عنهم من رفقاء دربهم، فإن العملية تتم ببطء شديد نسبة لتباعد أماكن تواجدهم، وبدأنا بالفعل في تجميع ذلك التاريخ من بعض رفاقه الذين عاصروه في بدايات الثورة خاصة المقيمين معنا في مدينة ملبورن، لكن لأننا بحاجة لجمع قدر أكبر من المعلومات عن سيرته وحياته تأخر العمل في هذا الكتاب حتى هذا الوقت. وقد كان للمهندس سليمان فايد دارشح دورا كبيراً ودافعا في البدء في تجميع المادة التي تم تجميعها حتى الآن، وعبركم أتوجه إليه بالتحية والتقدير، ونتمنى أن نسرع الخطى في الفترة القادمة ليرى هذا التاريخ الناصع لأحد رواد تجربة الكفاح المسلح الإرتري النور قريباً.
من هو اقرب صديق للشهيد البطل عمر ازاز؟
للوالد أصدقاء كثر قبل التحاقه بالثورة وبعدها.. وبعد استشهاده اكتشفنا أن المقربين منه كثر وذلك بتفقدهم الدائم لنا رحم الله الذين رحلوا عن دنيانا، والأحياء منهم، وأرجو إعفائي من ذكر الأسماء خشية أن تسقط عني أسماء بعضهم.
ربما رسخ في أذهاننا تاريخ الشهيد البطل عمر ازاز لكن هنالك شخصية أخرى في هذا المنزل لعبت دورًا كبيرا في تاريخ كفاح الشعب الإرتري، ولكن يجهل الكثير منا أدوارها، الا وهي والدتك عليها الرحمة فيا حبذا لو ألقيت الضوء على بعض من نضالاتها بإيجاز؟
رحم الله أمي الغالية خديجة نور التي حافظت على تاريخ الوالد حيا بيننا وبين مجتمعه الكبير حيث كانت نشطة وسط كوكبة من المناضلات من خلال انشاءهم لخلايا العمل النسوي السري بمدينة كسلا وانتشاره في باقي المدن السودانية، والذي تزامن أيضا مع الحرك النسوي داخل الوطن والذي كان حينها محفوفاً بالمخاطر نتيجة لضعف بنية الثورة وعدم اكتسابها للدعم والزخم الذي حظيت به لاحقاً، علاوة على أنها كانت ورفيقاتها من نساء رجالات الرعيل الأول بمثابة صمام الأمان الذي ظل يحمي خلفية المناضلين من خلال تحملهم مسؤولية أعباء الاسر التي تركونها من غير معيل من توفير القوت والتعليم والدواء وكافة الأعباء الملقاة على عاتقهم، إلا أنها لم تمل ولم تكل في مواصلة المسيرة، وحقيقة إن شهادتي في الوالدة مجروحة، فإذا أردت أن أقول كلمة حق فيها ربما لن أستطيع أن أوفيها حقها، حيث كانت أمي البوابة التي ظلت مشرعة قبل وبعد استشهاد الوالد، زرعت في قلوبنا حب الوطن والعمل من أجله رغم أننا كنا نعيش خارجه ولا نعرف عنه شيئاً سوى ما كنا نشاهده من نضالات وما زرع في نفوسنا من غرس خاصة من أمهاتنا. كما لا يفوتني أن أذكر دور رفيقاتها الأوائل في المسيرة اللاتي كن يعملن بذات الصبر والجد والتفاني.
دعينا نعرج بك الى ذكرى مناسبة ثورة سبتمبر المجيدة التي قدم فيها أبناء الشعب الإرتري في الداخل والمهجر كل ما يملك من دعم مادي ومعنوي لترسيخ مشروع الثورة وأهدافها الوطنية التحررية، وكان الفاتح من سبتمبر ورجاله نقطة البدء في مسيرة انتزاع الوطن، والحق الإرتري في الحرية والاستقلال، وبالرغم مما قدموه من تضحيات جسيمة بأرواحهم في سبيل أن يعيش غيرهم في حرية وأمن وسلام، هل يمكن القول إن ثورة الفاتح من سبتمبر حققت أهدافها؟
تأتي ذكري انطلاق ثورة الفاتح من سبتمبر بقيادة الشهيد البطل حامد إدريس عواتي ورفاقه الأبطال وقد حققت أحد أهدافها السامية ألا وهو استقلال إرتريا وإعلانها دولة مستقلة، ولكن ما زال الوطن جريحا والمواطن لاجئا وأسيراً بعد أن تسلق سدة الحكم من سرق تضحيات الشعب وحولوا الوطن إلى سجن كبير لمن أراد العيش فيه، أو هائما في الشتات من يعارض ذلك، لذا أعتقد بأن أهداف ثورة الفاتح من سبتمبر لم تكتمل ولم تتحقق بعد، لأنها لم تكن ثورة من أجل تحرير الأرض فقط، بل من أجل تحرير إنسانها ورفع الظلم عن كاهله من جراء سعي قوى الاحتلال الإثيوبي لاستلاب الأرض والهوية الثقافية والحرية والاستقلال، ولا أرى أن ذلك قد تحقق في ظل اعتلاء نظام الهيمنة القومية لسدة الحكم في بلادنا، ولن يتم ذلك إلا بالانتصار لها بإزالة هذا النظام الإقصائي وإقامة دولة العدل وسيادة القانون التي تحفظ الحقوق لكافة مكونات الوطن، والانتصار لدم الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم الطاهرة من أجل إنسان هذا الوطن.
الأستاذة صفية كلنا فخر بنضالات المرأة الارترية، إذا رجعنا بك الى الوراء من تتذكري من النساء المناضلات مع ذكر مواقف مازالت عالقة في ذهنك؟
كما ذكرت في إجابتي السابقة عن دور والدتي ورفيقاتها، فإني أؤمن أن دورهن لا يقل عن دور الرعيل الأول من رجالات الثورة للدور الذي أشرت إليه في معرض إجاباتي السابقة، فبالإضافة لتوليهن تربية أبنائهن فقد كن يقمن بمهام نضالية عظيمة، ألا وهي رعاية شئون المناضلين الذين كانوا يفدون إلى الأراضي السودانية طلباً للعلاج خاصة الجرحى منهم، وذلك في بيوت خاصة أعدت من أجل رعايتهم وكانت تسمى (بيت الجنود)، حيث كانت هؤلاء المناضلات اللاتي انتظمن في خلايا العمل السري لطبيعة الوضع الأمني في السودان يعملن بهمة ونشاط رغم قساوة الظروف الامنية والمعيشية في ظل غياب أرباب الأسر الذين التحقوا بالثورة بالتناوب على خدمة الجنود في تلك البيوت من القيام بأعمال ( النظافة، وغسل الملابس، وإعداد الطعام) لهم، أتذكر من هؤلاء المناضلات: فاطمة محموداي، وجمع بابور، وستل حامد، الوالدة خديجة نور، وجمعة عمر، وعائشة، و فايدة منجورنو، والخالة أم كلثوم أمد الله في عمرها وسليلة الأسرة التي جبلت بحب الوطن العمة زينب محمد موسى وعذرا إذا سقط عني أي من أسماء تلك الكوكبة النيرة من المناضلات الجسورات، ولاحقاً صرن يقمن بأعمال التمريض حيث تدربت البعض منهن على أداء هذه المهنة الإنسانية، أذكر منهن المناضلات: نسريت كرار وبخيتة عبدالله.
هل نالت المرأة الارترية المكانة التي تستحقها وهي تقدم إلى يومنا هذا تضحيات عظيمة في سبيل السلام والتنمية والحرية؟
رغم كل هذه التضحيات والنضالات المشرفة للمرأة الارترية ما زالت المرأة تعاني داخل أرض الوطن وفي مناطق اللجوء والمعسكرات من وطأة الفقر والأمراض والخوف من العودة لوطن طارد لا أمن ولا سلام فيه، نتيجة لتحكم نظام الهيمنة والاقصاء على كافة مفاصل الحياة فيه الذي أذاق شعبها الأمرين. لذلك كغيرها من فئات شعبها لم تنل حقوقها كاملة، أو المكانة التي تستحقها رغم تضحياتها الجسيمة، حيث إنها مازالت تعاني من الاضطهاد والقمع والإقصاء وامتهان كرامتها الإنسانية من أعمال السخرة في معسكر (ساوا) سيئ السمعة.
هنالك صوت لوم موجه للمرأة الإرترية المعاصرة بإن دورها أصبح شبه غائب ما هي الأسباب؟
ج: إن عزوف المرأة الإرترية عن العمل العام بشقيه السياسي والمدني لا يمكن فصله عن العزوف العام الذي أصاب غالبية أبناء المجتمع وهذا في رأي مرده لحالة الإحباط الجماعي من حالة الضعف والوهن الذي تعاني منه قوى العمل المعارض الإرتري، وعدم قدرتها على التوافق على حل أزمة الحكم والصراع في إرتريا لصالح مكونات الشعب الإرتري.
بحكم أنك من الناشطين في إطار رابطة أبناء المنخفضات الارترية ومنذ التأسيس وتشغلين في الوقت الحالي منصب الأمينة المالية للرابطة، هل تعتقدي أن الرابطة حققت الأهداف التي انطلقت من أجلها؟
نعم استطاعت الرابطة أن تحقق الكثير من الأهداف التي تأسست من أجلها، وعلى رأسها بث الوعي بالحقوق والمصالح المنتهكة من قبل نظام الهيمنة القومية بين مكونات المجتمع للدفاع عنها، ومن ضمنها الاستيلاء الممنهج لأراضي المنخفضات الإرترية، وضرورة عودة اللاجئين للمناطق التي تم تهجيرهم منها، وذلك عبر الحشد الجماهيري والعمل الإعلامي المكثف، وما نراه اليوم من تنامي للوعي بهذا الاتجاه لهو خير دليل على ذلك، حيث أن الرابطة لعبت فيه دورا كبيراً مع الآخرين، كما أنها استطاعت أن تلعب دورا بارزا في التأثير على الرأي العام الإرتري في التعريف بطبيعة الصراع الإرتري- الإرتري على أنه صراع هيمنة قومية من قبل النظام الحاكم والقوى الاجتماعية التي تدور في فلكه متمثلاً في الاستئثار الكامل على السلطة والثروة وإقصاء كافة مكونات الوطن، وتقدمت بمبادرة العقد الاجتماعي كحل لأزمة الحكم في البلاد للتوافق عليها بين كافة مكونات التعدد الإرتري لإزالة الهيمنة القومية القائمة، وضمان المشاركة العادلة لقسمة السلطة والثروة بين الجميع وفق نظام حكم لامركزي دستوري.
ما هي الافاق المستقبلية لعمل رابطة أبناء المنخفضات الارترية؟
وفق المهام والاهداف التي انطلقت الرابطة من أجلها كمنظمة مجتمع مدني معنية بالدفاع عن حقوق ومصالح المجتمع، فأعتقد أن هذه الحاجة ستظل مستمرة باستمرار وجود هذا المجتمع، حيث لا يخفى على الجميع دور منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن الحقوق المجتمعية والمهنية والفئوية لمنتسبيها، لأنها تلعب دور الوسيط والمراقب والمتابع للأداء الحكومي والضغط باتجاه الحفاظ على الحقوق والمصالح التي تدافع عنها لتحقيق التوازن المطلوب. بهذا الفهم فإنني أرى بأن الآفاق المستقبلية للرابطة ستظل قائمة للاطلاع بذات الدور في ظل دولة العدالة والمساواة بعد إزالة دولة الهيمنة القومية.
الاستاذة صفية لا يسعنا في خواتيم المقابلة التي استمتعنا بها معك إلا أن نشكرك على تفضلك بالإجابة على أسئلتنا، متمنين ان نلتقيك في مناسبات قادمات، والان نترك لك المجال في كلمة أخيرة تودين قولها في نهاية هذه المقابلة؟
لكم الشكر أجزله على هذه الاستضافة من قبل مجلة الناقوس التي تسير بثقة وثبات وهذا ديدن الاعلام الحر والجاد، متمنية لكم دوام التوفيق والتقدم. كما أتقدم بأحر التهاني القلبية لكافة مكونات الشعب الإرتري بالذكرى الـ 61 لانطلاقة شرارة الكفاح المسلح الإرتري، وأتوجه بالنداء لكافة فصائل العمل المعارض الإرتري بالعمل بشكل جاد لوضع حد لبقاء وتمدد نظام الهيمنة القومية، وذلك بالتوافق علي صيغة عقد اجتماعي يشتمل على الأسس والمبادئ الأساسية لبناء دولة العدالة والمساواة على قاعدة الاعتراف بالتعدد والتنوع وإدارته بما يضمن الحفاظ على حقوق ومصالح كافة مكونات الوطن.