حواري مع صاحبي الحضرمي عن مدينة مصوع - الجزء الثاني والأخير

حاوره المهندس: عبدالقادر وهب الباري (أبو يوسف) - ملبورن، اوستراليا

والآن يا صاحبي دعني أُطَّوِفُ بك على

شواطئها ومنتزهاتها ونواديها البحرية.

مصوع ياصاحبي عرفت المنتزهات والشواطي والنوادي البحرية قبل ان يعرف غيرها الحمراء وأبحر. مصوع كان عندها منتزها الجميل "رأس مدر" الممتد على جرف بحري وساحته الخضراء التي تزينها شتى أنواع الزهور بمنظرها الخلاب المبهر الذي يبهج الخاطر ويسر الناظر.

في ليالي الصيف ياصاحبي كانت زهور هذا المنتزه تلطف حرارة الجو عندما يلامسها نسيم البحر فيتولد ذلك الهواء العليل ذو الرائحة الذكية ويصاحب ذلك صوت خرير الماء الناتج عن أنكسار أمواج البحر بصخور الجرف مشنفا اذان مرتاديه وباعثا في نفوسهم هدوء عجيبا وإسترخاءاً عميقا.

مصوع ياصاحبي كان عندها شواطئها البديعة اذكر لك منها شاطيئين الأول هو شاطئ قرقسم الذي تميز بمياهه الزرقاء الصافية وأمواجه الهادئة الحالمة ورماله البيضاء الناعمة ذات الرطوبة الطرية الندية ناهيك عن نسائم هوائه العليل الذي كان له أثر عجيب في إنعاش من ارتاده ولاذا به هربا من صيف مصوع الشديد.

وأما الشاطئ الآخر ياصاحبي فهو شاطئ جزيرة شيخ سعيد وكان له أيضا تميز فريد تجلى في تداخل بساطه الأخضر من شجر الشاورى الأشهر مع مياهه الرقراقة الزرقاء مشكلا منظرا خلاب من روعته كان يسلب الألباب وما أطيب جوه اللطيف الذي لاجد له شبيه إلا ما عرف به جو شواطئ الملديف.

ولا يكتمل الحديث عن المنتزهات والشواطئ إلا بذكر ماهو ملازم لها من النوادي البحرية والرياضات المائية.

كان لمصوع ياصاحبي ناديا بحريا مشهورا عرف ب "اللِّيدو" كان يرتاده الطليان ونخبة أهل مصوع من الأعيان كانت تقام فيه شتى النشاطات من الرياضات البحرية والألعاب المائية.

فمن نشاط لسباق اليخوت الصغيرة (موتو سكافو Motoscafo) إلى نشاط آخر للتزلج على المياه البحرية تميز بفنون جميلة وحركات بهلوانية عجيبة كانت تدهش الحضور وتغمرهم بالفرح والسرور وهذا ياصاحبي ماجعل مصوع نموذجا للمدن الساحلية التي عرفت وسائل الترفيه السياحية في حين ان غيرها من المدن في الضفة المقابلة لم تعرف هذه الأمور إلا بعد الطفرة النفطية.

إلى جانب هذه النشاطات الترفيهية يا صاحبي كان للنشاطات الرياضية الأخرى نصيبها ايضا كان هناك دوري كرة القدم وفرقه المتألقة كفريق السلام والنجوم (Stella) وماذا تقول ياصاحبي إذا قلت لك ان مصوع عرفت رياضة سباق السيارات الذي كان يشبه إلى حد كبير مانعرفه الآن من سباق الراليات العالمية!!!

هذا الجانب السياحي والترفيهي المشرق لمصوع ياصاحبي واكبه تطور في قطاع آخر هو مكمل له وأعني به قطاع المواصلات الذي يجعل حركة الناس وتنقلاتهم سهلة وميسرة فكانت هناك الباصات العامة وتكاسي الأجرة الخاصة وكلها تسير بأنظمة دقيقه وقوانين منضبطة. كانت باصات مصوع تربط أحيائها وضواحيها وكان مما تميزت به هذه الباصات دقة مواعيدها العجيبة وإنتظام خط سيرها الدقيق ومحطات توقفها المحددة التي تراعي الكثافة السكانية لكل منطقة على حدة.

دعني يا صاحبي الآن أعرج بك على الجانب المعيشي والبيئي والصحي.

في الجانب المعيشي كان هناك ازدهار ورفاه تمثل في وفرة المواد الاستهلاكية حيث عرفت مصوع المحلات التجارية من متاجر غذائية وأخرى للملابس العصرية وغيرها من المواد التي كانت تعتبر كمالية لسكان المدن المجاورة الوقعة على ضفاف البحر الأحمر الشرقية و الغربية.

كانت متاجر مصوع الغذائية يا صاحبي صورة مصغرة لما يعرف الآن بالمتاجر الكبيرة مثل بانده العزيزية.

كانت فيها مختلف المنتجات الغذائية واذكر لك هنا ماشتهرت به من أنواع الأجبان الإيطالية (الفارماجو) والمعجنات الشهية من "التورته"و الكيك او "الدولشي" كما يسميه المصاوعة وكذا الخبز الإيطالي الفاخر من "باني" و "قراسيني" ولاننسى الحليب الطازج "أتشي" بعبوته الفاخرة والكثير من المنتجات يا صاحبي التيي لا يتسع المجال لذكرها.

وماذا عن نظافة البيئة والصحة العامة هل تصدق ياصاحبي ان بلدية مصوع كان لها سياراتها الخاصة لجمع الزبالة والتخلص منها فكانت هذه السيارات تجوب أحياء مصوع يوميا لجمع الزبالة كانت دقيقة في مواعيدها لاتتأخر يعرف أهل الحي موعدها بدقة فلايفوتهم دورهم.

وأعجب من هذا ياصاحبي ماكانت تقوم به مديرية الصحة العامة بمصوع حيث ترسل احد موظفيها وكان يسمى حكيم الصحة في زيارة دورية للبيوت يفحص خزانات المياه (الزير او القحفو) ليتأكد من سلامتها وخلوها من الجراثيم (وينجير) فيقرر صلاحيتها للشرب من عدمه وكان الأهالي حريصين على نطافة خزانات مياههم لان الغرامة كانت مشددة في حال إكتشاف تلوث هذه الخزانات.

أما في الجانب الطبي عرفت مصوع إلى جانب مستشفاها العام عرفت العيادات الطبية الخاصة حيث اشتهر بعض دكاترتها من الإيطاليين مثل تراماركي ودالماسو حيث كان كان للأخيرة عيادة ثانية في اسمرا وبما ان الشي بالشئ يذكر لا ابد ياصاحبي ان اشير إلى امر قد يثير استغرابك وهو أن احد الوزراء السعوديين السابقين وهو الشيخ محمد عمر توفيق وزير المواصلات في حقبة الستينات كان يزور اسمر للإستشفاء عند أحد أطباءها ربما يكون الطبيب الذي ذكرته لك أعلاه وهذه المعلومة أوردها الوزير في كتابه "من ذكريات مسافر".

وهكذا أسهبت واسترسلت أحكي لصاحبي عن مصوع وماضيها ومن شدة حماسي وشوقي لمدينتي لم اشعر بمرور الوقت فاستدركت وقلت في نفسي حسبي هذا حتى لآدفع الرجل إلى ان يقول لي "خلاص يابويا تراك سجيتني اكثر مما سجوني الشيبان حقونا" وأحسب انه كاد أن يقولها فأمسكت عن الاسترسال وقلت له عفوا ياصاحبي نسيت أنني مصوعي فشهادتي فيها مجروحة ورواية عنها مرجوحة ولكن أذا أردت التثبت مما أقول والتيقن مما أروي فدونك جوجل فهو القول الفصل بيني وبينك.

تركت صاحبي الحضرمي وفي نفسي بقية شيئ من كان وأخواتها اجتر بها ذكريات زمن جميل مضى ومجدا وفخر زالا ولكن كان في نفسي ايضا أملا يراودني ومازال ان مصوع ستعود لامحال إلي ماكانت عليه وأحسن حال.

حواري مع صاحبي الحضرمي مضى عليه الآن عقد من الزمن أو يزيد وماذكَّرني به الآن هو وجودي بينكم في ملتقى (منتدى أهل مصوع).

هذا الملتقى الذي جدد الأمل في نفسي بأن ماضي مصوع لن يضيع وكون أهلها اجتمعوا في هذا العالم الإفتراضي فهم على طريقهم للأجتماع على أرض الواقع لبناء مدينتهم وإحيائها من جديد لتعود كما كانت درة منطقتها وعروس بحرها ولؤلؤته.

Top
X

Right Click

No Right Click